• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 042-الجواب عن شمول (لا تقف) لمرجحية الظن المطلق .

042-الجواب عن شمول (لا تقف) لمرجحية الظن المطلق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(42)

الظن المطلق مرجّح؛ إذ حجية الأدلة للطريقية المحضة

بل نقول: اننا وإن لم نقل بحجية الظنون المطلقة من باب الانسداد، ولكن يمكن ان نقول مع ذلك بمرجحيتها لأحد الخبرين المتعارضين.

ولا يعترض: بان (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)([1]) و(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)([2]) مطلق يشمل الحجية والمرجّحية أي يشمل مرجعية الظن المطلق وكونه حجة مستقلة كما يشمل مرجحيته لأحد الخبرين، فمادام لم يدل دليل على حجيته على الانفتاح وما دمنا لا نقول بالانسداد، فكيف يكون مرجّحاً لأحد الخبرين على الآخر؟

إذ يجاب: بان الوجه في ذلك ان موافقة الظن المطلق لأحد الخبرين ومخالفته للخبر الآخر، يوجب أقربية مطابقة مضمونه للواقع، وما دمنا نقول بحجية العلم والظنون الخاصة والطرق والامارات من باب الطريقية المحضة لا المصلحة السلوكية والموضوعية وان طريقيتها هي تمام العلّة لحجيتها، فإذا صار أحدهما أقرب للواقع كان هو الحجة تعييناً فالعمل كما سبق هو بالخبر والقفو قفو أثره وليس عملاً بذلك الظن المطلق أبداً.

الشيخ: العقل حاكم بذلك

ويوضح ما ذكرناه ويؤكده ما ذكره الشيخ (قدس سره) بقوله: (مع أنّه يمكن دعوى حكم العقل بوجوب العمل بالأقرب إلى الواقع في ما كان حجيتهما من حيث الطريقية، فتأمل)([3]) وفي الوصائل (هذا "مع أنّه يمكن" مضافاً إلى ما ذكر من النصّ ومعاقد الاجماع "دعوى حكم العقل بوجوب العمل بالأقرب إلى الواقع فيما كان حجّيتهما" أي: حجيّة الخبرين المتعارضين "من حيث الطريقيّة" لا السببيّة، فانّه إذا قلنا بحجيّة الأخبار من باب الطريقيّة والكشف عن الواقع، لا من باب السببيّة والموضوعيّة، أمكن دعوى استقلال العقل بوجوب أخذ أقرب الطريقين إلى الواقع، إضافة إلى ما مرّ من التمسّك بالنصّ ومعاقد الاجماع، بل ربّما يؤيّد ذلك بدلالة الآيات عليه أيضاً، كقوله سبحانه: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى)([4])؟ ممّا يدلّ على انّ اللازم إتّباع الأحقّ)([5]).

أقول وفي قوله (قدس سره) تأمل وجوه منها رفض هذه الدعوى ومنها ما ذكره السيد الوالد بقوله: ("فتأمّل" فانّ حصر اخبار العلاج، المزايا التي يصحّ الترجيح بها في أمور خاصة، ثمّ الأمر بعدها بالتخيير، يدلّ على انّه لا مرجّح غير هذه المرجّحات المنصوصة، فمع عدمها يكون الأصل هو التخيير، ومعه فلا وجه لترجيح خبر على خبر بمرجّح غير منصوص)([6]) وقد أجاب المحقق الخراساني عن ذلك فراجع.

الشهرة أو الإجماع على الترجيح بالظن المطلق

ويدل على، أو يعضد، الترجيح بالمرجّحات الخارجية رغم عدم دلالة دليل على حجيتها بالخصوص، بل لمجرد إيراثها الظن المطلق الإجماع الذي أشار إليه الشيخ (قدس سره) بقوله: (الثاني: ظهور الإجماع على ذلك، كما استظهره بعض مشايخنا([7])، فتراهم يستدلون في موارد الترجيح ببعض المرجّحات الخارجية، بإفادته للظن بمطابقة أحد الدليلين للواقع، فكأن الكبرى - وهي وجوب الأخذ بمطلق ما يفيد الظن على طبق أحد الدليلين - مسلّمةٌ عندهم.

وربما يستفاد ذلك من الإجماعات المستفيضة على وجوب الأخذ بأقوى المتعارضين([8]).

إلّا أنه يشكل بما ذكرنا: من أن الظاهر أن المراد بأقوى الدليلين فيها ما كان كذلك في نفسه ولو لكشف أمرٍ خارجيٍّ عن ذلك، كعمل الأكثر الكاشف عن مرجّح داخلي لا نعلمه تفصيلاً، فلا يدخل فيه ما كان مضمونه مطابقاً لأمارةٍ غير معتبرة، كالاستقراء والأولوية الظنية مثلاً على تقدير عدم اعتبارهما، فإنّ الظاهر خروج ذلك عن معقد تلك الإجماعات وإن كان بعض أدلتهم الأُخر قد يفيد العموم لما نحن فيه كقبح ترجيح المرجوح، إلّا أنه لا يبعد أن يكون المراد المرجوح في نفسه من المتعارضين لا مجرّد المرجوح بحسب الواقع، وإلّا اقتضى ذلك حجية نفس المرجح مستقلاً)([9]).

والحاصل: ان بعض عبارات الأصحاب صريحة في المدعى، من الترجيح بمطلق الظن، وبعضها ظاهره فيه ولكن يمكن حملها على بعض المحامل إلا انه خلاف الأصل، فمن الصريحة استدلالهم بإفادة المرجّح الخارجي، الذي لا دليل على حجيته بالمرة، للظن، أي المطلق، بمطابقة أحد الخبرين للواقع، ومن القابلة للحمل ورود الإجماعات المستفيضة بـ(وجوب الأخذ بأقوى المتعارضين) ومنها استدلالهم بـ(قبح ترجيح المرجوح) لأن ما وافقه الظن المطلق راجح وما خالفه مرجوح فالأخذ بمخالفه مرجوح، والقول بالتخيير مساواة للمرجوح بالراجح وهو قبيح أيضاً إضافة إلى إشكال آخر سيطرحه الشيخ([10]).

ثم قال الشيخ (نعم، الإنصاف: أنّ بعض كلماتهم يستفاد منه، أنّ العبرة في الترجيح بصيرورة مضمون أحد الخبرين بواسطة المرجّح أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

وقد استظهر بعض مشايخنا([11]) الاتفاق على الترجيح بكلّ ظنٍّ ما عدا القياس.

فمنها: ما تقدم عن المعارج، من الاستدلال للترجيح بالقياس بكون مضمون الخبر الموافق له أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

ومنها: ما ذكروه في مسائل تعارض الناقل مع المقرر، فإنّ مرجع ما ذكروا فيها لتقديم أحدهما على الآخر إلى الظن بموافقة أحدهما لحكم الله الواقعي.

إلّا أن يقال: إن هذا حاصلٌ من نفس الخبر المتّصف بكونه مقرِّراً أو ناقلاً.

ومنها: ما ذكروه في ترجيح أحد الخبرين بعمل أكثر السلف معللين: بأنّ الأكثر يُوفَّق للصواب بما لا يوفَّق له الأقلّ، وفي ترجيحه بعمل علماء المدينة.

إلّا أن يقال أيضاً: إنّ ذلك كاشفٌ عن مرجّحٍ داخليٍّ في أحد الخبرين.

وبالجملة: فتتبّع كلماتهم يوجب الظن القوي بل القطع بأنّ بناءهم على الأخذ بكل ما يشتمل على ما يوجب أقربيّته إلى الصواب، سواء كان لأمر راجعٍ إلى نفسه أو لاحتفافه بأمارةٍ أجنبيةٍ توجب قوة مضمونها)([12]) ولا يخفى عدم تمامية بعض محامل الشيخ (قدس سره).

وقد أكد الشيخ استظهاره ههنا من كلمات العلماء، بكلام آخر أقوى منه في آخر الرسائل إذ قال: (وأمّا معقد الإجماعات، فالظاهر أنّ المراد منه: الأقرب إلى الواقع والأرجح مدلولاً، ولو بقرينة ما يظهر من العلماء قديماً وحديثاً من إناطة الترجيح بمجرّد الأقربيّة إلى الواقع.

كاستدلالهم على الترجيحات بمجرّد الأقربية إلى الواقع، مثل ما سيجيء من كلماتهم في الترجيح بالقياس، ومثل الاستدلال على الترجيح بموافقة الأصل بأنّ الظن في الخبر الموافق له أقوى، وعلى الترجيح بمخالفة الأصل بأنّ الغالب تعرض الشارع لبيان ما يحتاج إلى البيان.

واستدلال المحقق على ترجيح أحد المتعارضين بعمل أكثر الطائفة: "بأن الكثرة أمارة الرجحان والعمل بالراجح واجب"([13])، وغير ذلك مما يجده المتتبع في كلماتهم.

مع أنّه يمكن دعوى حكم العقل بوجوب العمل بالأقرب إلى الواقع في ما كان حجيتهما من حيث الطريقية، فتأمل)([14]). وللبحث تتمة بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلُ بِهِ، أَلَا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ، إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ، قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ وَضَمِنَهُ وَسَيَفِي لَكُمْ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ فَاطْلُبُوهُ‏‏))

(الكافي: ج1 ص30)


--------------
([1]) سورة الإسراء: الآية 36.

([2]) سورة يونس: الآية 36، وسورة النجم: الآية 28.

([3]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ج4 ص143.

([4]) سورة يونس: الآية 35.

([5]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم، ج15 ص349.

([6]) المصدر: ص349-350.

([7]) هو السيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 717.

([8]) انظر نهاية الوصول (مخطوط): 451، ومبادي الوصول: 232، ومفاتيح الأصول: 686.

([9]) الشيخ الانصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ج1 ص608-609.

([10]) في قوله: (ثمّ إنّ الاستفادة التي ذكرناها إن دخلت تحت الدلالة اللفظية...) إلى قوله: (فإذا ظنّنا من الأمارات السابقة أنّ مجرّد أقربية مضمون أحد الخبرين إلى الواقع مرجّح في نظر الشارع تعيّن الأخذ به) (فرائد الأصول: ج1 ص616-617).

([11]) هو السيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 717.

([12]) الشيخ الانصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ج1 ص609-610.

([13]) المعارج: 155.

([14]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ج4 ص143.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4000
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 10 جمادى الأولى 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15