• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 046-رد الشيخ على الوحيد البهبهاني وأجوبتنا عنه .

046-رد الشيخ على الوحيد البهبهاني وأجوبتنا عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(46)

إشكال الشيخ على الوحيد (قدس سرهما)

وقد اعترض الشيخ (قدس سره) على الوحيد البهبهاني([1]) (قدس سره) بقوله: (وأشكلُ من ذلك: دعوى دلالة منطوق آية النبأ عليه، بناءً على أنّ التبيّن يعمّ الظني الحاصل من ذهاب المشهور إلى مضمون الخبر.

وهو بعيدٌ؛ إذ لو أُريد مطلق الظن فلا يخفى بُعده، لأنّ المنهيّ عنه ليس إلّا خبر الفاسق المفيد للظن؛ إذ لا يعمل أحدٌ بالخبر المشكوك صدقه. وإن أُريد البالغ حدَّ الاطمئنان فله وجهٌ، غير أنّه يقتضي دخول سائر الظنون الجابرة إذا بلغت - ولو بضميمة المجبور - حدَّ الاطمئنان ولا يختص بالشهرة. فالآية تدلّ على حجية الخبر المفيد للوثوق والاطمئنان، ولا بُعد فيه، وقد مرّ في أدلّة حجية الأخبار ما يؤيده أو يدلّ عليه، من حكايات الإجماع والأخبار)([2]).

وتوضيح كلامه (قدس سره) مع إضافات:

1- ان المشهور ذهبوا إلى ان (فَتَبَيَّنُوا) في الآية الكريمة يراد بها التبيّن العلمي.

2- بينما ذهب جمع، منهم الوحيد البهبهاني، إلى انه يراد منه الأعم من التبيّن العلمي والظني.

3- انتصر الشيخ للمشهور بان (فَتَبَيَّنُوا) لا يمكن ان يشمل الظني، لأنه إما ان يراد به مطلق الظن أو خصوص درجة الاطمئنان:

إن أريد بـ(فَتَبَيَّنُوا) الشك أو الظن فهو إما بعيد أو محال

أ- فإن أريد به مطلق الظن، ورد عليه انه إما بعيد أو مستحيل([3]):

أما البُعد ففي صورتين:

الأولى: ان يراد بالآية الكريمة: (إن جاء فاسق بنبأ فشككتم فتبينوا) أي حصّلوا الظن أو حصّلوا الأعم من العلم والظن، وهذا ما يعتبره الشيخ بعيداً إذ من البعيد جداً من أي عاقل ان يعمل بالخبر المشكوك صدقه كي يُطالَب بان يحصل على الظن ولا يكتفي بالشك في عمله.

الثانية: ان يراد بالآية الكريمة: (إن جاءكم فاسق بنبأ فظننتم به، أي بمؤداه وبمضمونه، فتبينوا) أي حصّلوا الظن، فانه أيضاً بعيد إن أريد به الظن المماثل أي إن جاءكم فاسق بنبأ فحصل لكم به الظن فلا تكتفوا به بل حصّلوا ظناً مماثلاً له، اشفعوه به واعضدوه، كخبر فاسق آخر، أو فيما نحن فيه، كظن الشهرة. وهو بعيد لأنه كيف ينهى عن ظن ثم يطلب تحصيل مثله؟

وأما الاستحالة: فذلك فيما لو أريد بـ(حصّلوا الظن) أي الظن نفسه أو نفس درجة الظن الحاصل لكم من خبر الفاسق، ووجه استحالته انه تحصيل حاصل.

4- إذاً لا مناص من ان يراد بالآية الكريمة: إن جاءكم فاسق بنبأ فظننتم به فتبينوا أي حصّلوا العلم به، وهو المطلوب.

وإن أريد به الاطمئنان فيكون كلَ جابرٍ بلغ حدّه حجةً

ب- وإن أريد به الاطمئنان، فكما أفاده (قدس سره) بل نضيف: انه على هذا يكون الحجة هو الاطمئنان لا الخبر، لدورانها مداره لا مداره([4]) إلا ان يجاب بان الواسطة واسطة في الثبوت لا العروض، فتأمل.

مناقشة مع الشيخ (قدس سره)

ويمكن الجواب عن كلام الشيخ بوجهين:

1- الناس ينبعثون عن الاحتمال

الوجه الأول: ان استبعاده الصورة الأولى بدعوى (إذ لا يعمل أحد بالخبر المشكوك صدقه) غير تام؛ إذ ما أكثر من ينبعث من العقلاء عن الاحتمال والخبر المحتمل صدقه؛ ألا ترى انهم في المنافع والمغانم ينبعثون عن احتمالها؟ والتاجر مثال واضح على ذلك فانه غالباً ينبعث عن احتمال الربح وهو عقلائي في الاحتمال بدرجة 30% مثلاً وكذا من يذهب إلى مؤسسة أو دائرة حكومية أو وجيهٍ لمجرد احتماله قضاءه لحاجته، وكذلك حالهم في المضار والمخاطر فانهم يرتدعون عن مجرد الاحتمال، إلا ان يكون ضعيفاً جداً ملحقاً بالعدم، وليس ذلك خاصاً بالشؤون الخطيرة بل في غيرها أمرهم على ذلك، نعم الفرق في ان ارتداعهم في الخطيرة مما يلزمهم به عقلهم وفي غيرها مما يحبّذه عقلهم لهم، وعلى أي فان الاحتمال حافز ورادع عقلائي جرت سيرتهم عليه.

وبعبارة أخرى: ان الناس، عادة، في مثل إخبار الوليد عن الارتداد، يرتّبون الأثر رغم ان ذلك في أكثر الموارد لا يقدح في أنفسهم أكثر من احتمال صحة خبر ذلك المخبر الفاسق، لذا نهاهم الله تعالى بقوله: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ألا ترى ان الناس يتخذون موقفاً ممن احتملوا انه سارق فلا يتخذونه محاسباً؟ ولا صديقاً ولا يزوجونه ابنتهم ولا... ولا...؟ وانهم يتخذون موقفاً ممن نُقل عنه انه تهجم عليهم بظهر الغيب وإن كان الراوي فاسقاً.

الفرق بين الشك والاحتمال

نعم، لعل الذي أوقع الشيخ (قدس سره) في الاستبعاد تعبيره بالشك، ولذا ابدلناه بالاحتمال فتفسير الآية الكريمة، على هذا، يكون هكذا: (إن جاءكم فاسق بنبأ فاحتملتم فتبينوا ولا تنبعثوا عن صِرف الاحتمال) والفرق ان الشك لوحظ فيه تساوي طرفيه فهما متكافئان فكيف ينبعث عن احدهما؟ أما الاحتمال فيلاحظ فيه هذا الطرف خاصة (ويهمل النظر للطرف الآخر رغم وجوده لجهة من الجهات)([5]) فيكون دافعاً حافزاً أو مانعاً زاجراً. وقد فصّلنا الفرق بينهما في كتاب (الحجة معانيها ومصاديقها) فراجع.

2- ان المراد التبيّن العقلائي لا المطلق ولا الاطمئنان

وأما الوجه الثاني في الجواب عن كلام الشيخ والقزويني فهو ان هناك خياراً ثالثاً غير التبيّن العلمي والظني فليس الأمر دائراً بينهما، وهو ان يراد التبيّن العقلائي، وهو الوجه الذي نختاره في تفسيره الآية الكريمة وهو:

التبيّن العقلائي: فقد يقال بدخول الخبر ضعيف السند الذي وافقته الشهرة في منطوق آية النبأ لا لما ذكره البهبهاني من إرادة التبيّن الأعم من الظني، بل لأن الظاهر ان المراد من التبيّن (التبيّن العقلائي)([6]) وهو غير الاطمئنان أي انه أعم منه، وقول المشهور تبيّن عقلائي. وتوضيح الكبرى:

الأمر المتوسط بين الظن الضعيف والاطمئنان

ان المستظهر ان هنالك أمراً متوسطاً بين الاطمئنان وبين مطلق الظن في درجاته النازلة، ونقصد الظن الضعيف وهو ما اسميناه بالتبيّن العقلائي، ويمكننا توضيح ذلك كمّياً أولاً ثم بحسب المصطلحات المعهودة ثانياً:

أما كمّياً: فان الاطمئنان هو ما دون القطع بدرجة أو أكثر قليلاً فـ99% اطمئنان ولذا يسمى بالظن المتاخم للعلم وكذا 98% و97% وأما الظن الضعيف فهو 65% و70% مثلاً وأما ما بينهما فهو 85% أو 90% فهذا هو التبيّن العقلائي الذي ليس بالظن الضعيف ولا هو بالظن المتاخم للعلم، واننا لنرى وجداناً التفاوت بينها وانها إجمالاً أصناف ثلاثة.

وأما بحسب المعهود: فان (الظواهر) حجة لا لإفادتها الاطمئنان بل لأنها نوع من التبيّن العقلائي، فإنها لا تفيد عادة إلا ظناً متوسط، للنوع، لا هو بالضعيف (60% مثلاً) ولا هو بالقوي جداً (99% مثلاً)، وكذلك (خبر الثقة) فانه في المتوسط منه لمتوسط الناس لا يفيد إلا الظن المتوسط الذي عبّرنا عنه بـ85% مثلاً، والعقلاء بما هم عقلاء يرونه تبيّناً.

وبعبارة أخرى: غالب الظنون الخاصة، حجيتها لدى العقلاء مبنية على إفادتها الظن المتوسط الذي أسميناه التبيّن العقلائي، فقوله تعالى: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) يراد به التبيّن العقلائي لا العلم خاصة ولا الاطمئنان خاصة ولا الظن المطلق الشامل للضعيف ليلزم إشكال الشيخ السابق. وللبحث مزيد إيضاح وتتمة فأنتظر ولا تعجل.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ((رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا الْعِلْمَ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا إِحْيَاؤُهُ؟ قَالَ: أَنْ يُذَاكِرَ بِهِ أَهْلَ الدِّينِ وَأَهْلَ الْوَرَعِ‏‏))

(الكافي: ج1 ص41)

 

---------------
([1]) سبق نقل كلام البهبهاني في الدرس (45) كما سبق نقل القزويني لكلامه وغيره في الدرس (44).

([2]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص589.

([3]) ههنا إضافات منّا لكلام الشيخ فتدبر.

([4]) أي مدار الاطمئنان لا مدار الخبر.

([5]) ولو لأنه لا تهمه آثاره المترتبة عليه فرضاً.

([6]) وسيأتي احتمال ان يراد (التبيّن العرفي).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4019
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 23 جمادى الأولى 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15