• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 511-النائيني: عقد الصبي ملغىً تماماً والأجوبة .

511-النائيني: عقد الصبي ملغىً تماماً والأجوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(511)

سبق كلام الشيخ حسن كاشف الغطاء (قدس سره) (ويشترط فيهما([1]) البلوغ...  وكذا العقل، وكذا القصد، وكذا الاختيار مقارناً أو متأخراً، كلّ ذلك للإجماع بقسميه، وللشكّ في شمول أدلّة العقود خطاباً ووضعاً لها لعدم القابلية للخطاب التكليفي، وعدم انصراف الخطاب الوضعي إليها، فتبقى على حكم الأصل)([2]).

الأدلة الثلاثة المتسلسلة في المعاملات

وبعبارة أخرى: ان ههنا ثلاثة أمور بين أدلة وأصول:

1- الأصل العام الأولي، وهو الفساد في المعاملات، وقد يعلل بالاستصحاب كما قد يعلل ببعض الآيات الكريمة وغيرها، وذلك لأن حصول النقل والانتقال بها أمر حادث فالأصل عدمه.

قال النراقي في عوائد الأيام: (وملخص القاعدة ان الاصل عدم ترتب الاثر الا على ما علم ترتبه عليه شرعا ولا يعلم ذلك الا بجعل الشارع ولا يحصل جعله الا بنحو قوله البيع كذا)([3]).

وقال صاحب الجواهر: (فيكون كل من الجائز والمحرّم مشروطاً بشرط، فمع فرض الشك يتجه الفساد، لأصالة عدم ترتّب الأثر، وعدم النقل والانتقال)([4]).

وقال المحقق النائيني: (الأصل في جميع موارد الشك في صحة المعاملة يقتضى الفساد؛ لأصالة عدم ترتّب الأثر على المعاملة الخارجية وبقاء متعلقها على‌ ما كان عليه قبل تحققها)([5]).

2- العمومات الفوقانية وهي الأدلة العامة على صحة البيع أو الصلح أو مطلق العقود كـ(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)([6]) و(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهي حاكمة على ذلك الأصل الأولي.

3- العمومات التحتانية وهي المخصصات، كقوله (عليه السلام): ((وَالْغُلَامُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ)) فإذا شك في إطلاق الأخيرة (الثالثة) وشمولها مثلاً لعقد الصبي بإذن الولي فانه يشك حينئذٍ في إطلاق الثانية إذ تكون الثانية حينئذٍ من محتمل القرينية التي تخل بالإطلاق، ومع الشك في إطلاق الثانية يكون المرجع الأصل الأولي وهو الفساد.

وقد سبقت مناقشته بان محتمل القرينية المتصل مخل بالإطلاق دون المنفصل، وهنا نضيف جواباً آخر وهو:

إضافة الدليل الرابع

ما تبناه السيد الوالد (قدس سره) بقوله: (ولا يخفى ان الأصل العقلائي المحكم لولا الدليل هو صحة كل معاملة يزاولها الصبي فيما يرى العقلاء صحته فإن المعاملات امضائيات، وإذا لم يردّها الشارع كان ذلك أصلاً وهو دليل اجتهادي فلا تصل النوبة إلى استصحاب عدم الانعقاد المتيقن قبل العقد والإيقاع)([7]).

تسلسل الأدلة الأربعة

وكلامه يفيدنا وجود أمر رابع في المقام متوسط بين الأول والثاني فيكون تسلسل الأدلة حسب رأيه هكذا:

1- الأصل الأولي العام، هو الفساد.

2- الأصل الثانوي العام، هو الصحة في كافة المعاملات العقلائية لأنها إمضائيات يكفي فيها عدم الردع فإذا شككنا في العمومات الفوقانية لأجل الشك في العمومات التحتانية أو لغير ذلك فإن المرجع يكون هو الأصل العام الثانوي لا الأصل الأولي، وحيث ان معاملات الصبي الراشد عقلائية ولو في بعض أنواعها، كالمعاملات اليسيرة، كان الأصل صحتها لا فسادها.

لا يقال: المعاملات بحاجة إلى إمضاء، والعمومات الفوقانية كـ(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) هي التي يتحقق بها الإمضاء والفرض اننا لم نحرز إطلاقها؟

إذ يقال: يكفي في إمضائها عدم ثبوت الردع عنها، لأن السيرة العقلائية لو استقرت على أمر فان سكوت الشارع وعدم ردعه دليل الرضى والإمضاء كما فصّل في محله، ومجرد عدم انعقاد إطلاق لأمثال (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) لا يصلح رادعاً عن السيرة العقلائية بل الرادع يجب ان يكون دليلاً منعقداً تام الدلالة واضحاً كي يصلح رادعاً عن السيرة المستقرة. هذا.

النائيني: الصبي كالمجنون مسلوب العبارة

وأما المحقق النائيني فقد ارتأى ان الصبي كالمجنون تماماً وان معاملاته بكافة أنواعها ملغاة ومهّد لذلك بمقدمات فقال:

(المقام الأول في شروط المتعاقدين وهي أمور (الأول) البلوغ وهو يعتبر تارة فيما يصدر عن الشخص في مال نفسه بالاستقلال، وأخرى بالنسبة إلى ما يصدر عنه في ماله بإذن وليه، وثالثة فيما يصدر عنه في ماله أيضاً بالوكالة عن وليه، ورابعة فيما يصدر عنه في مال الغير بالوكالة عن الغير، فلابد من تنقيح البحث في هذه الجهات، ثم أن البلوغ لو كان معتبراً في جميع هذه الدرجات بحيث لم تكن التصرفات الصادرة عن الصبي نافذة حتى فيما يصدر عنه في مال الغير بالوكالة عنه يُعبَّر عنه بسلب العبارة عن الصبي، فالمراد بسلب العبارة عنه هو عدم نفوذ تصرفاته بقول مطلق)([8]).

والفرق بين الإذن والوكالة ان الإذن إيقاع وان الوكالة عقد وان الإذن، تبعاً لذلك، لا يسقط بالرد والرفض، عكس الوكالة.

وقال: (وليعلم أن الحجر عن الشيء على أقسام:

(منها) كحجر السفية عن التصرف في ماله حيث أنه سفيه لا يعلم بمصلحة حاله.

(ومنها) كحجر المجنون حيث أنه مسلوب العبارة بقول مطلق، والفرق بينهما بعد اشتراكهما في كون الحجر ناشئا عن قصور فيهما: ان السفيه محجور عن ماله بالاستقلال، وأما مع انضمامه إلى وليه فلا منع عنه بل يصح بإذن وليه، بخلاف المجنون. حيث لا عبرة بعبارته مطلقاً بالاستقلال ولا بالانضمام، بل تكون عبارته كصوت الحيوان الصامت.

(ومنها) كحجر الراهن عن التصرف في العين المرهونة.

(ومنها) كحجر المفلس في ماله بعد حكم الحاكم عليه بالحجر، والفرق بينهما بعد اشتراكهما في كون الحجر ناشئاً عن كون المال متعلَّقاً لحق الغير بلا قصور في المالك عن التصرف اصلاً، توقف الحجر على المفلس على حكم الحاكم بخلاف الراهن)([9]).

ثم فرّع على ذلك الاستدلال بالآية الكريمة (وَابْتَلُوا الْيَتامى‏ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)([10]) على ان الصبي كالمجنون مسلوب العبارة، قال:

والدليل هو (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ)

(إذا عرفت ذلك فنقول: حجر الصبي إنما هو كحجر المجنون لا كحجر السفيه والراهن والمفلس، أما عدم كونه من قبيل الأخيرين فواضح، حيث أن حجره ليس لأجل تعلق حق الغير بماله بل إنما هو لقصور فيه، وإنما الكلام في أنه هل هو من قبيل حجر السفيه أو حجر المجنون، والتحقيق هو الأخير، وذلك لقوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منه رشدا فادفعوا إليهم أموالهم). وتوضيح الاستدلال بها يتوقف على بسط في الكلام فنقول: ربما يتمسك بالآية المباركة لإثبات كفاية الرشد في صحة التصرفات ولو كان قبل البلوغ بتقريب أن الابتلاء في الآية المباركة جعل مغيى بالبلوغ فيكون زمان الابتلاء من أول ما يشك في رشده الى زمان البلوغ والحكم في هذا الزمان هو دفع أموالهم إليهم عند استيناس الرشد عنهم، فتدل على جواز تصرفاتهم من أول زمان الابتلاء الى زمان البلوغ مع استيناس الرشد منهم (هذا).

ولا يخفى أن الآية الكريمة وإن لم تخلو عن ظهور فيما ذكر لكنه ليس بمراد قطعاً، كيف وإلّا يلزم اما لغوية ذكر البلوغ وجعل المناط في تأدية أموالهم إليه هو الرشد سواء كان قبل البلوغ أو بعده أو سقوط اعتبار الرشد بعد البلوغ والاكتفاء باحد الأمرين: أما الرشد قبل البلوغ واما البلوغ ولو لم يكن مع الرشد، وهذا مما لا يمكن الالتزام به ولم يلتزم به أحد فلابد أن يجعل ظرف دفع أموالهم إليهم عند استيناس الرشد بعد البلوغ، فتدل الآية على عدم نفوذ تصرفات الصبي مطلقاً بالاستقلال ولا بانضمامه إلى الولي ولا بانضمام الولي إليه فيثبت بها اعتبار البلوغ في الدرجتين الاوليين اعني في تصرفاته في مال نفسه بالاستقلال وفي ماله بإذن الولي، وبعبارة اخرى...)([11]).

مناقشات مع المحقق النائيني

أقول: ويمكن الجواب عن استدلاله بالآية الكريمة، بوجوه ثلاثة:

وجه عدم اللغوية في ذكر البلوغ رغم رفض الشرطية

الأول: ان اللغوية من ذكر البلوغ (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) لا تلزم من اعتبار الشرط هو الرشد وحده أبداً؛ وذلك لأن لذكر البلوغ فائدة أخرى مهمة جداً حتى مع الالتزام بعدم شرطية البلوغ وان (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) ظرفية وليست شرطية، وهي: تحديد سقف للابتلاء واعتباره واجباً مضيقاً حده البلوغ لا موسعاً إلى ما شاء الله، وذلك لأن الله تعالى لو لم يذكر (وَابْتَلُوا الْيَتامى‏ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) المحدِّد لنهاية فترة الابتلاء لكان الكثير من الناس يرى نفسه في سعة، فيبدأ بابتلاء الصغير من سنّ الثامنة عشرة مثلاً([12]) أو العشرين أو الأكثر، لكن الشارع حيث حدد نهايته وهو (إذا بلغوا النكاح) تحددت بدايته تبعاً وهي: من الوقت الذي يحتمل فيه ان يكون قد رشد فانه يجب البدء بابتلائه حتى بلوغه فان أحرز رشده هذه الفترة وجب دفع ماله إليه، وإلا فالأقرب فالأقرب، أي انه بعد بلوغه لو لم يحرز رشدُهُ فيعاد اختباره من جديد باستمرار فمتى أحرز رشده فيجب دفع المال إليه، ولولا تحديد هذا السن لرأى الأولياء أنفسهم في حل من مبتدأ وقت الابتلاء ومنتهاه.

وعليه: تكون (حَتَّى) في  الآية الكريمة، وكما سبق، غاية الابتلاء في: (وَابْتَلُوا الْيَتامى‏ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) وتكون (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) جملة ثانية و(فَادْفَعُوا) يكون متفرعاً على (فَإِنْ آنَسْتُمْ) والمعنى لطيف وهو الظاهر إذ الظاهر وصل (حَتَّى) بما قبلها وكونهما جملة واحدة (وَابْتَلُوا الْيَتامى‏ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ).

وذلك كله عكس التفسير الثاني الذي يقطّع الآية إذ بناء على الشرطية تكون الآية هكذا 1- (وَابْتَلُوا الْيَتامى‏) وقد انتهت الجملة هنا 2- (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) فتكون ادفعوا متفرعة على مجموع (إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ) عكس التفسير السابق الذي (ادْفَعُوا) فيه متفرعة على (فَإِنْ آنَسْتُمْ) فقط إذ كانت (حَتَّى...) تتمة للجملة السابقة.

الفرق بين أدفعوا وبين صحة التصرفات

ثانياً: ما سبق من المحقق الاردبيلي من ان مفاد الآية أجنبي عن المدعى وعن الدليل كله؛ إذ الآية تتحدث عن (فَادْفَعُوا) فحتى إذا سلّمنا بالشرطين فنقول: انهما شرطان لدفع أموال اليتيم إليه كاملة وليسا شرطين لتصرف اليتيم في بعض أمواله بإذن الولي من دون دفعها إليه، فليس التصرف مشترطاً بالشرطين إذ هو أجنبي عن مفاد الآية. نعم أجبنا عنه سابقاً بكنائيّة (ادفعوا) عن مطلق التصرفات.

وسيأتي جواب ثالث مبني على ان التلازم من طرف واحد لا طرفين بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ، وَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرَ الْآخِرَةِ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )) (الكافي: ج1 ص46)

 

---------------
([1]) أي المتعاقدين.

([2]) الشيخ حسن بن جعفر كاشف الغطاء، أنوار الفقاهة (التجارة والبيع)، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية ـ طهران، ج5 ص239.

([3]) المولى أحمد النراقي، عوائد الأيام، منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم: ص153.

([4]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج23 ص340.

([5]) السيد أبو القاسم الخوئي/ تقرير بحث المحقق النائيني، مكتبة مصطفوي ـ قم: ج1 ص393-394

([6]) سورة النساء: الآية 29.

([7]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه كتاب البيع، الناشر: خوشنواز ـ اصفهان، ج3 ص8.

([8]) الشيخ محمد تقي الآملي، تقرير بحث الميرزا النائيني، كتاب المكاسب والبيع، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج1 ص395-396.

([9]) الشيخ محمد تقي الآملي، تقرير بحث الميرزا النائيني، كتاب المكاسب والبيع، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج1 ص396.

([10]) سورة النساء: الآية 6.

([11]) الشيخ محمد تقي الآملي، تقرير بحث الميرزا النائيني، كتاب المكاسب والبيع، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج1 ص396-397.

([12]) وهي السن التي اعتمدتها الكثير من الحكومات والقوانين الوضعية.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4033
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 29 جمادى الأولى 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15