• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 60-مناقشة قول الشيخ بأن كون الحرج نوعياً خلاف الامتنان .

60-مناقشة قول الشيخ بأن كون الحرج نوعياً خلاف الامتنان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(60)

سائر محتملات التوضأ بماء الغدير

تتمة: كما ويحتمل في رواية التوضأ بماء الغدير الذي سقطت فيه العذرة أو البول:

هـ- ان يكون المقصود بها فيما إذا كان الغدير متصلاً بماء المطر، أي حين تساقط المطر عليه، فانه يكون معتصماً ككل قليل له مادة.

لا يقال: انه التقييد من غير مقيد، وكذا الاحتمال الأول السابق، والرواية مطلقة؟

إذ يقال: ان المقيد هو الروايات الأخرى المفيدة لاعتصام الماء بكونه كراً أو متصلاً به أو بماء المطر. فتأمل

و- طرح الرواية لمعارضتها لروايات أخرى وفتوى المشهور، لو لم نحملها على بعض المحامل السابقة.

لكنّ موطن الشاهد وهو آخرها (فإن الدين ليس بمضيّق...) لا يسقط عن الحجية؛ لما قرر في الأصول من ان إجمال بعض الرواية أو مخالفتها للقاعدة يستلزم ردّ علمها إلى أهلها، لا طرحها سنداً، فيبقى ما لا إشكال فيه من حيث الدلالة حجة.

تنبيه: (التوضأ) في الرواية لا يراد به، ظاهراً، الوضوء، بل الاستنجاء أو غسل اليدين فانه يطلق على الأخيرين كثيراً وفي مجمع البحرين: (وقد يطلق الْوُضُوءُ على الاستنجاء وغسل اليد، وهو شائع فيهما، ومن الأول حديث اليهودي والنصراني حيث قَالَ فِيهِ: ((وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَبُولُ وَلَا يَتَوَضَّأُ)). أي لا يستنجي، ومن الثاني حديثهما في المؤاكلة حيث قَالَ: ((إِذَا أَكَلَ طَعَامَكَ وَتَوَضَّأَ فَلَا بَأْسَ)). والمراد به غسل اليد. قال بعض الأفاضل: وفي ظاهره دلالة على طهارة اليهودي والنصراني لإطلاق النص، وهو كما قال، ومنه صريحا: ((مَنْ غَسَلَ يَدَهُ فَقَدْ تَوَضَّأَ)). ومِنْهُ: ((صَاحِبُ الرَّجُلِ يَشْرَبُ أَوَّلَ الْقَوْمِ وَيَتَوَضَّأُ آخِرَهُمْ)).

ومنه الْخَبَرُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ)). أي نظّفوا أيديكم وأفواهكم من الزهومة، وكان جماعة من الأعراب لا يغسلونها ويقولون فقرها أشد من ريحها.

ومنه: ((الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ، وَالْوُضُوءَ بَعْدَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْهَمَّ))([1]). ونحو ذلك([2]).

و: ومن الروايات التي يمكن الاستدلال بها على إناطة الأحكام الكلية الشرعية وجوداً وعدماً بالعسر واليسر الغالبين (صحيحة الفضيل بن يسار : ((عن ابي عبد الله عليه‌ السلام قال : في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الاناء؟ فقال : لا بأس (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)([3]))([4]). والمقصود: إما انه ينتضح من ماء الغُسالة التي على الأرض والتي تجمعت من الماء الذي صبّه على بدنه وهو متنجس بالمني، على الإناء الذي يغتسل منه، أو المقصود ينتضح من الماء الجاري على بدنه وفيه النجس، على الإناء، أو المقصود ينتضح من بدنه (أو من الأرض) من غير ان يعلم بإصابة الماء المنتضح على الإناء، لعين النجاسة، وعلى أي فان ظاهر كلام الإمام طهارته([5]) مستنداً إلى الآية الكريمة، رغم ان الحرج في اجتناب هذا الإناء واللجوء إلى غيره، ليس عاماً للكل، لكن الحكم عمّهم جميعاً. فتأمل

روايات أخرى تفيد مدارية الحرج النوعي

ز- وقوله (صلى الله عليه وآله): ((بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ))([6]) وهو ظاهر في ان أحكامه (صلى الله عليه وآله) الكلية التي جاء بها كذلك، أو المقصود الأعم من ذلك.

ح- وقال (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((وَكَذَلِكَ إِذَا نَظَرْتَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَمْ تَجِدْ أَحَداً فِي ضِيقٍ وَلَمْ تَجِدْ أَحَداً إِلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَلِلَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ وَلَا أَقُولُ إِنَّهُمْ مَا شَاءُوا صَنَعُوا

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي وَيُضِلُّ، وَقَالَ: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا بِدُونِ سَعَتِهِمْ وَكُلُّ شَيْ‏ءٍ أُمِرَ النَّاسُ بِهِ فَهُمْ يَسَعُونَ لَهُ وَكُلُّ شَيْ‏ءٍ لَا يَسَعُونَ لَهُ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا خَيْرَ فِيهِمْ ثُمَّ تَلَا (عليه السلام) (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى‏ وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ فَوُضِعَ عَنْهُمْ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ)([7]) قَالَ فَوُضِعَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ))([8]) وليس في تتمتها إلا إشعار بكون الحرج شخصياً فانه كالتفريع وليس حصراً. فتدبر.

ط- وخبر الأمالي، ويقرب منه ما في نهج البلاغة ومن لا يحضره الفقيه ((عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلَا تَعْتَدُوهَا وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَسَنَّ لَكُمْ سُنَناً فَاتَّبِعُوهَا وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَعَفَا لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً مِنْهُ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا))([9]) وظاهر (وَعَفَا لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً مِنْهُ) العفو الكلي وعدم جعل أحكام كلية أخرى.

إشكال الشيخ: رفع الحكم عمن لا حرج عليه، خلاف الامتنان

ولكن الشيخ أشكل على الاستدلال على عدم وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة حيث قال: (ما استدل به جماعة([10]): من لزوم المشقة في الاجتناب. ولعل المراد به لزومه في أغلب أفراد هذه الشبهة لأغلب أفراد المكلفين، فيشمله عموم قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) بناء على أن المراد أن ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلفين حتى من لا حرج بالنسبة إليه)([11]) بان ورودها مورد الامتنان دليل على ان المراد الحرج والعسر الشخصيين قال: (وفي هذا الاستدلال نظر، لأن أدلة نفي العسر والحرج من الآيات والروايات لا تدل إلا على أن ما كان فيه ضيق على مكلف فهو مرتفع عنه، وأما ارتفاع ما كان ضيقا على الأكثر عمن هو عليه في غاية السهولة، فليس فيه امتنان على أحد، بل فيه تفويت مصلحة التكليف من غير تداركها بالتسهيل)([12]).

الأجوبة

أقول: قد يناقش كلامه بوجوه:

النقض بالدفع فانه كالرفع

أولاً: النقض بالدفع، فانه كالرفع بل هو أسوأ حالاً، فما يقوله (قدس سره) فيه فليقل به ههنا؛ إذ الفرض ان الشيخ يسلّم، كسائر الأعلام، بان بعض الأحكام لم تجعل، كالسواك، لمصلحة التسهيل ((لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي...)) مع ان مقتضى الامتنان على حسب ما استدل به الشيخ ههنا ان لا ترفع الأحكام عمّن ليست عسراً وحرجاً عليه وان توضع على من ليست عسراً وحرجاً عليه، لا ان لا تجعل على الكل، لورود نفس ما قاله من ان (فيه تفويت مصلحة التكليف من غير تداركها بالتسهيل) فما يقال في الجواب عن (الدفع) وعدم جعل الحكم لأصل التيسير النوعي لا الشخصي رغم وجود مصلحة ملزمة فيه، يقال في (الرفع) بعد الوضع لأجل لزوم الحرج من الاحتياط في كافة أطراف الشبهة غي المحصورة.

النقض بسنّ القانون

ثانياً: النقض بكافة موارد ضرب القانون أو سنّه، لدى الشارع والعقلاء، فمن الأول استبراء الرحم في عدة الرجعية، مع ان ذلك قد يوقعها أو يوقع بعضهنّ في العسر أو في أشد أنواعه، إلا ان مصلحة استبراء الرحم وعدم اختلاط النّطف وضياع الأنساب أهم، لكن الشارع أوجب العدة على الرجعية حتى مع القطع بعدم كونها حاملاً أبداً، فهو إيقاع للمكلف في عسر من دون وجود مصلحة ملزمة (لفرض العلم بعدم حملها) فتأمل([13]) ومن الثاني: حكمهم بمنع تجاوز الإشارة الحمراء حتى لو وصل إليها بعد منتصف الليل وعَلِم انه لا توجد سيارة أخرى، فانه لو خالف غُرِّم، مع القطع بان المصلحة الملزمة (وهي التحفظ عن الاصطدام بالسيارات الأخرى) متحققة فلا وجه حينئذٍ لإلزامه بالوقوف مع كونه موقعاً له في العسر والحرج إلا ان العقلاء يفعلون ذلك، والشرع سيّدهم كذلك، والمصلحة في سنّ القانون هي حفظ النظام والانتظام فانها مصلحة تكافئ مصلحة الواقع فتدبر.

الحل بان الإلزام حرجي وإن لم يكن الفعل حرجياً

ثالثاً: الحل بان الفعل وإن لم يكن حرجياً، في السواك وغيره وفي غير المحصورة وغيرها، إلا ان الإلزام به حرجي؛ ألا ترى انك لو جلست في دارك يوماً أو أكثر منشغلاً بالتأليف مثلاً لما أحسست بالضيق والحرج من عدم الخروج من الدار، لكنك لو أحسست بانك محبوس سجين فيها فانك ستشعر بالضيق حتى لو كان ذلك لمدة ساعة واحدة فقط، وليس ذلك لأن الفعل نفسه (البقاء ساعة أو أكثر في البيت في هذه الحالة) حرجي، بل لأن الإلزام بالبقاء في البيت يوقع الإنسان في ضيق ويوجب له العسر والحرج، وعليه نقول: ان الإلزام بالسواك مثلاً حرجي وإن لم يكن السواك نفسه، في حق البعض، حرجياً، فالامتنان إنما هو لتدارك تفويت المصلحة الملزمة، برفع حرج الإلزام. فتأمل. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((لَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ يَزْدَادُ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ إِحْسَاناً، وَرَجُلٍ يَتَدَارَكُ مَنِيَّتَهُ بِالتَّوْبَةِ، وَأَنَّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ فَوَ اللَّهِ أَنْ لَوْ سَجَدَ حَتَّى يَنْقَطِعَ عُنُقُهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ عَمَلًا إِلَّا بِوَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ‏‏)) (الكافي: ج8 ص128).

--------------
([1]) الكافي ج ٦ ص ٢٩٠.

([2]) فخر الدين الطريحي النجفي، مجمع البحرين ط- الحسینی، انتشارات مرتضوي: ج1 ص441.

([3]) الكافي (فروع) : ج 3 ص 13 ح 7 ، وسائل الشيعة : ج 1 ص 212 ب 9 ح 543.

([4]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم: ج9 ص49.

([5]) استثناءً من عموم أدلة تنجيس المتنجس، على الوجهين الأولين دون الأخيرين.

([6]) عوالي اللآلئ: ج1 ص381.

([7]) سورة التوبة: الآية 91-92.

([8]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص164.

([9]) الأمالي للمفيد، ص158.

([10]) كالمحقق والشهيد الثانيين، في جامع المقاصد 2: 166، وروض الجنان: 224.

([11]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج2 ص257-258.

([12]) المصدر: ج2 ص258.

([13]) لوجود حِكَم أخرى في تشريع العدة الرجعية.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4068
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 19 جمادى الآخرة 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15