• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 151- الطائفة الثالثة من الايات : الايات الناهية عن العمل بغير علم ـ جواب القوانين 1ـ العلم اعم من الثابت وغيره ومن المطابق وغيره ـ المناقشة .

151- الطائفة الثالثة من الايات : الايات الناهية عن العمل بغير علم ـ جواب القوانين 1ـ العلم اعم من الثابت وغيره ومن المطابق وغيره ـ المناقشة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث في انه هل يجوز ويصح التقليد في اصول الدين او لا؟ وذكرنا انه استُدل بطوائف من الايات على حرمة التقليد في اصول الدين ووصلنا إلى الطائفة الثالثة حيث انها تصرح بالمنع عن اتباع غير العلم، اي الظن بقول مطلق، ومن الظن التقليد، وقد ذكر صاحب القوانين مجموعة من الآيات، نذكر بعضها مع تعليق موجز كقوله تعالى: )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( والمقلد ليس عالماً بالمؤدى بل هو متعبِّد للغير من غير علم، وكذلك قوله تعالى: )وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ( 
وقوله تعالى: ) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً( والتقليد نوع ظن, خاصة في من يعرف اختلاف الفقهاء 
والحاصل: ان المقلد وان تعبد ولكنه في حد ذاته ليس بعالم ولا قاطع بل هو يعتمد على الغير ولسان حاله: ذاك عالم ولست أنا بعالم لكنني اتبعه, والاية الاخرى )إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ( والتقليد قول على الله بغير علم,الاية الاخرى: )وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ( أي الأصنام وسائر المعبودات غير الله )الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ( امثال عيسى المسيح حيث عُبِد وهو يملك الشفاعة )إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(, والايات كثيرة في هذا الحقل وهذا المقدار فيه الكفاية. 
صاحب القوانين يذكر وجه الاستدلال بهذه الايات ونص عبارته: (فهذه الايات تدل على حرمة العمل بالظن خرجت الفرع بالدليل وبقي الباقي) فإن )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( صريحة في النهي عن إتباع غير العلم والظن من مصاديق ما ليس لك به علم ,خرج التقليد في الفروع بالدليل نحو(فللعوام ان يقلدوه)وبقي غيره على الاصل. 
نقول – بدايةً - تقوية للاشكال: ان هذا البحث (التقليد في اصول الدين) عندما نربطه ببحث حجية خبر الواحد يظهر وجه لتقوية الاشكال لان هذا الاشكال مشترك الورود، ففي مبحث خبر الواحد استشكل على حجية خبر الواحد وان كان ثقة بانه لا يفيد عادة الا الظن والاية تقول: ) وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً(, )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( اذن المشكلة عامة: التقليد في اصول الدين ظن وخبر الواحد في الفروع ظن، وعدم إتباع الظن في الاصول اولى فلا يجوز التقليد في اصول الدين، وعمدة الجوابين الذين اجيب بهما هناك كما في الرسائل مع توضيح الوصائل إلى الرسائل وغيرها لا يجريان في المقام بل يؤكد أن عدم الجريان إذ أجيب عن الايات الناهية عن اتباع الظن بالنسبة إلى خبر الثقة باحد جوابين : 
الجواب الاول: هو ادعاء ان هذه الايات ظاهرة في شؤون العقيدة (اصول الدين) فلا تشمل فروع الدين، والكلام في مبحث خبر الواحد انه حجة في فروع الدين، فالخروج تخصصي.وعلى هذا فالايات هي ضيقة الدلالة من البداية فلا تشمل فروع الدين، والمدعى هو انها ظاهرة في ذلك لا لقرينة المورد حتى يقال ان المورد غير مخصص للوارد ولا للسياق فقط ليقال أنه لا حجية له أو أنه أضعف الظهورات وانما لجملة من الادلة استندوا اليها وليس المقام تفصيلها، لكن موجزه دعوى ان المتفاهم عرفا من هذه الايات هو ذلك وان الآيات خاصة باصول الدين وليس في الفروع 
وهذا الجواب يجري عكسه في المقام فلا يجدينا نفعاً بل يصعب علينا الامر لان مبحثنا هو: هل يجوز التقليد في اصول الدين؟ والفرض ان الايات ظاهرة في النهي عن اتباع الظن في اصول الدين اذن هذا الجواب الاول يجدي هنالك ولا يجدي هنا. 
الجواب الثاني: وقد صرح به الشيخ وغيره بان هذه الايات على فرض تسليم دلالتها عمومات مخصصّة وأن مثل )إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً( عام للاصول والفروع لكن خرج خبر الواحد في الفروع بالادلة الخاصة كآية النبأ والروايات كـ(العمري ثقتي) وما اشبه وهذا الجواب الثاني ايضا يجدي في خبر الثقة ولكنه يصعب الامر في التقليد، لان الايات – على هذا الجواب - عامة تردع عن التقليد في الاصول والفروع خرجت منها الفروع فيجوز فيها اتباع الظن الناشئ من خبر الواحد أو التقليد، ولا يصح إخراج الاصول ايضا بالقول بأن التقليد في الاصول جائز لانه يلزم من ذلك استثناء الكل وهو لا يصدر من حكيم حيث ان استثناء الاكثر قبيح من الحكيم فكيف باستثناء الكل؟ 
اذن اتضح إلى الان ان شبهة الاستناد إلى هذه الايات في المنع من التقليد في اصول الدين قوية مبدئياً صاحب القوانين اجاب عن هذه الايات بسبع اجوبة نقتصر منها على المهم والمفيد لأن بعضها كالجواب الثاني ضعيف جدا وفي الأجوبة السابقة في البحوث السابقة غنى إذ تتضمن الاجابة عنه وعن نظائره فلا نطيل لكن اربعة من اجوبته فيها شيء جديد ولنا حولها نقاش مفيد 
الجواب الثالث لصاحب القوانين نذكره مع إيضاح وإضافة ثم ننقل نص عبارته، فإنه: يقول مشهور المتكلمين والادباء فسروا العلم بمعنى اليقين وفسروا اليقين بالجزم الثابت المطابق للواقع ,توضيح هذا التعريف:فالجزم يعني القطع وقد يلحق به ما يقاربه من المتاخم للعلم, (المطابق للواقع) اخرجوا به الجهل المركب فهو ليس بعلم (الثابت) اي المستقر فاخرجوا بالثابت التقليد لأن الجزم الناشيء من التقليد غير ثابت لأنه بادنى شبهة تورد على العاميّّ يتزلزل اما المجتهد فانه وصل إلى القناعة والى الحقيقة عن ادلة وبراهين وبعد طول بحث ونظر، لذا فان جزمه ثابت اما المقلد فجزمه غير ثابت. 
والحاصل: انه ينبغي ان نحلل كلمة (العلم) وانها ماذا تعني لكي نرى هل انها تشمل التقليد ام لا ؟ فحسب هذا التعريف للعلم، تحدث مشكلة لأن الاية الشريفة تقول: )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( والتقليد ليس علما حتى لو كان جزما لانه غير ثابت وغير مستقر بل ان المقلد عادة ليس بجازم بل يظن ظناً وان كان ظنا قويا 
يقول صاحب القوانين انا ارفض كلا القيدين بل(العلم هو الجزم) مما يعني ان قيد المطابقة للواقع وقيد الثابت غير مأخوذين في العلم اذن الاية - تقول بناءا على هذا - )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( اي جزمٌ والمقلد اذا كان جازما فانه وان لم يكن جزمه ثابتا، فانه ليس منهيا عنه في الاية الشريفة,هذا اولاً. وثانيا :صاحب القوانين يتنزل وبعد أن يقول العلم هو الجزم يقول: (أو الجزم المطابق وإن أمكن زواله بالتشكيك) اي انه يقبل اشتراط قيد المطابقة في صدق العلم لكن قيد الثبوت والاستقرار في رأيه مرفوض ويستدل على ذلك باية من سورة يوسف )وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا( قالوا ذلك ان اخوة يوسف لما رجعوا واخبروا اباءهم ان ابنك (بنيامين) سرق ) وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا( فصاحب القوانين يقول: ان المتدبر بما سبق هذه الاية وما يلحقها سيجد بان الله تعالى اطلق العلم على الاعم من المصطلح الكلامي ,توضيح كلامه:ان قولهم (ان ابنك سرق) كان غير مطابق للواقع لأن بنيامين لم يسرق مع ذلك فقد اطلق البارى تعالى على جهلهم المركب العلم )إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا(, هذا كلام صاحب القوانين مع توضيح وإضافات بعضها مستفاد من كلماته السابقة أو اللاحقة اما نص عبارته: (ثالثا :منع كون المراد بالعلم هو اليقين المصطلح لمنع كونه حقيقة فيه بل هو حقيقة في الجزم) مطابقا او لا مستقرا او لا ؟ (او الجزم المطابق وان امكن زواله بالتشكيك وهم لا يرضون به ويشهد له قوله تعالى في سورة يوسف ...) نقول كلام صاحب القوانين صحيح من جهة وغير تام من جهة اخرى,اما انه صحيح من جهة لأنه رفض اشتراط الثبوت والاستقرار في مفهوم العلم، وهذا صحيح وهو نافع في المقام فانه بيت القصيد ,فنقول لا يشترط في صدق (العلم) الثبوت والاستقرار وعدم الزوال بالتشكيك ودليلنا: 
اولاً:صحة الحمل فان العالم بان الارض كروية (أي بيضية) عن تقليد (ككل الناس عدا اهل الاختصاص ) فلا شك في صحة حمل العالم عليه بذلك إذ نقول هذا عالم بان الارض كروية(بيضية) وهكذا العلم بدوران الارض حول نفسها او حول الشمس فانا قد حصلنا عليها عن تقليد ,فعلمنا بهذه الامور (علم) بلا شك وصحة الحمل ثابتة مع انه ليس علماً عن اجتهاد بل هو علم عن تقليد وليس بمستقر فانه إذا تطور العلم اكثر وذكروا ادلة جديدة على خلاف ذلك فرضاً فان العامي في هذه المسائل يتحير . ثانياً:عدم صحة السلب ,فهل يصح ان نسلب العلم عن هذا العالم بتلك الامور ونقول انه جاهل؟ كلا فانه يصح السلب الا بتعمل وتجوز اذاً هذا المقطع من كلام القوانين صحيح، ,ولكن المقطع الثاني من كلامه على شقه الأول حيث عمم العلم للجزم ونفى في الاحتمال الاول شرط المطابقة , نقول: كلا, فان الظاهر ان المطابقة مأخوذة في مفهوم العلم فان لم يكن مطابقا فهو جهل مركب وكلا الدليلين السابقين دليل في المقام إذ يصح سلب العلم عن الجاهل جهلا مركبا ويصح ان نحمل عليه الجهل فنقول هو جاهل جهلا مركبا ولا مجازية فيه بل هو حقيقة جاهل، فمن يتصور الان ان الوقت ليل لأنه اعمى وقاطع ان الان هو الليل نقول عنه انه جاهل وهذا الإطلاق ليس مجازيا, والحاصل: انه صح سلب العلم عنه ولا يصح حمل العلم عليه. 
فاذا كان الامر كذلك فنرجع للايات فنقول:الايات جعلت المدار على العلم واللاعلم لا على التقليد والاجتهاد وعدمهما، والنسبة هي العموم من وجه بين العلم والاجتهاد وكذا بين العلم والتقليد ايضا ,فقد يكون المقلد قاطعا ويكون قطعه مطابقاً للواقع فهو عالم وقد يكون الشخص عالماً غير مقلد، كما أنه قد لا يكون المقلد قاطعا بل يكون ظانا، وقد لا يكون ما قلد فيه مطابق للواقع 
وكذا النسبة بين العلم والاجتهاد هي من وجه فالمجتهد قد يكون قاطعا وقد لا يكون قاطعا والقاطع قد يكون مجتهدا وقد لا يكون مجتهدا, والاية جعلت المدار هو العلم والجهل )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( فما لا علم لك به لا تقفه سواءا اكنت مجتهدا ام مقلدا ولم تقل لا تقف ما قلدت فيه غيرك أي لم تردع عن التقليد بما هو هو وكعنوان، كما هو المدعى. وبتعبير اخر :الايات تفيد شيئا ولا تفيد شيئا اخر فهي تفيد(ان اليقين غير المطابق لا تقفه "لا تقف ما ليس لك به علم") إذ قلنا ان القدر المتيقن من مفهوم العلم هو اليقين المطابق فتفيد ان اليقين غير المطابق لا تقفه مجتهدا كنت ام مقلدا,ولا تفيد قضية ثانية وهي (ان اليقين غير المستقر وان كان مطابقا لا تقفه) فهذا الوجه الاول الذي ذكره صاحب القوانين مع استثمار هذا الوجه الاول والتفصيل بان بعض ما ذكره على القاعدة وبعضه ليس على القاعدة, لكن نقول: ان هذا الجواب الثابت، غير نافع لإثبات حجية التقليد وجوازه في أصول الدين، باعتباره ظناً نوعياً فان هذا الجواب اثبت ان التقليد ليس كالقياس محظور عنه لذاته بل أفاد أنه إن افاد اليقين فلك اتباعه والا فلا ,اذن هذا الجواب اثبت ان العلم حجة وان حصل من التقليد ولم يثبت ان التقليد حجة وان لم يفد العلم، فهذا اشكال آخر على صاحب القوانين وان هذا المقدار من الجواب لا يفيدك بالجملة وان افاد في الجملة.وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=411
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 29 شوال 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23