• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 153- اجوبة اربعة اخرى عن كلام القوانين .

153- اجوبة اربعة اخرى عن كلام القوانين

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الادلة القرآنية التي استدل بها على حرمة العمل بالظن، ومنه التقليد في اصول الدين، ووصل الكلام إلى الطائفة الثالثة من الايات من قبيل )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( وذكرنا ان صاحب القوانين اجاب باجوبة عديدة ,وكان الكلام عن جواب صاحب القوانين الرابع حيث ذكر فيه (ان التكاليف انما ترد على مقتضى حسب إدراك والمكلفين) فتتضيق دائرتها على حسب افهامهم فالفهم اذن وسيط ومضيق للتكاليف وقد يوضح كلامه، إضافة إلى ما سبق، بانه كما تشترط القدرة في التكاليف كذلك الفهم شرط التكليف او شطره او المصب,واشكلنا عليه باشكال مضى,اما 
الاشكال الثاني: هو ان المحتملات ثبوتا في كيفية تعلق التكاليف بالواقع،ثلاثة: 
الاحتمال الاول:ان يكون التكليف بالجزم بالواقع(الجزم الثبوتي) مقدورا كان او غير مقدور, وكلمة (مقدورا) هي قيد للجزم اي للمضاف لأنه هو مورد الكلام الآن، وليست قيدا للمضاف اليه, لأن كون القدرة قيد المضاف اليه مقطوع به فان الواقع المقدور يتعلق به التكليف وليس الواقع غير المقدور هو ما يتعلق به التكليف والحاصل أن الحديث ليس عن القدرة كقيد للواقع بل باعتبارها قيدا للجزم بالواقع، اي الجزم بالواقع (كوحدانية الله) سواءا اكان مقدورا ام لم يكن مقدورا ,اذن فالاحتمال الاول هو ان الله قد كلفنا بالجزم او العلم (بعدله مثلاً) سواءا اكان ذلك مقدورا لنا او لا؟ 
الاحتمال الثاني ان يكون التكليف بالجزم بالواقع المقدور, والمقدور ايضا قيد للجزم اي (بالجزم المقدور، بالواقع) اي اذا كان الجزم مقدورا لك فانت مكلف بالجزم واما اذا لم يكن الجزم او الفهم مقدورا فلا، مثل المجنون فانه غير مكلف بمعرفة الباري وكذا مطلق القاصر قصورا حقيقيا الاحتمال الثالث:هو ما ذكره صاحب القوانين ان يكون التكليف بما زعمت انه جزم بالواقع . 
فهذه احتمالات ثلاث : والظاهر ان صاحب القوانين تصورها منفصلة حقيقية فنفى الصورة الاولى فاثبت بنفيها الصورة الثالثة. وقد اتضح من تثليثنا الاقسام وجود شق ثاني وهو الصورة الثانية وهي الصورة الصحيحة، ولننقل نص عبارته مرة أخرى (لكن المسلم منه هو ما يفهمون انه هو الذي مطابق لنفس الامر لا ما هو مطابق لنفس الامر وان لم يمكن تحصيله ) إذن ينتقل من نفي الصورة الاولى إلى اثبات الصورة الثالثة وهي ان التكليف بما زعمت انه جزم بالواقع والإشكال هو: هنا صورة ثانية، وان نفي الاولى يصب في صالح الثانية لا الثالثة، وهي(الثانية) ان يكون التكليف بالجزم بالواقع المقدور له, ويندفع بذلك اشكاله وهو كيف يتعلق التكليف بغير المقدور؟ إذ نقول: التكليف إنما هو بالجزم المقدور بالواقع فلا اشكال, ولا ملجئ للقول: بالتكليف بما زعمت انه جزم بالواقع، والحاصل: ان اقحام (بما زعمت) لا دليل عليها, وهذا كلام دقيق ليعرف وجه الخلط 
اشارة: الصورة الثانية كانت(التكليف بالجزم المقدور بالواقع) لكن قد يقال :ان كون هذا الجزم مطابقا للواقع او غير مطابق، ليس مقدورا معرفته, لأن المكلف يعرف ان في علومه جهلا مركبا, ولا طريق له لمعرفة ان هذا جزم بالواقع فعلاً وانه مقدور، نعم هذا بالنظرة الكلية من خارج الغابة لكن عندما ندخل في الغابة فان شجرة نحن بها قاطعون فلا نشك – عند التوقف عند كل مصداقا مصداقا - ان فهمنا وجزمنا مطابق للواقع، لكن حيث نعرف إجمالاً وجود جزم غير مطابق للواقع في سلسلة معلوماتنا فلا طريق لنا لتحصيل العلم بان كل مفردة بالفعل – عند النظرة الكلية – هي جزم بالواقع، إذن ليس الجزم بالواقع مقدوراً على إطلاقه، مقدورا, هذا هو الاشكال وهذا الاشكال اشبه بالشبهة مقابل البديهة فمن البديهي ان الشارع – ككل مولى - يستطيع ان يكلفنا بالمقدور بما هو مقدور علمت او لم اعلم ,وهذا اشكال سيال يعم ليس فقط مسألة كون الجزم مقدوراً او غير مقدور بل يعم كل تكليف لأن القدرة من الشرائط العامة للتكليف,وكثرا ما يتصور الانسان نفسه قادراً وهو غير قادر او العكس, ولذا نجد أن كثيراً من الناس يكتشف نفسه لدى الامتحان. 
الاشكال الثالث عن دعوى صاحب القوانين(ان التكليف انما يرد على حسب افهام المكلفين) فالفهم وسيط مضيق هو انه يلزم من هذا الكلام تالي فاسد اخر غير ما تقدم وهو لزوم ان لا يكون فرق بين القاصر والمقصر في استحقاق العقاب وعدمه، مع انه لا شبهة في الفرق بينهما؛ فان المخالف للتكليف عن قصور غير معاقب وغير مستحق للعقاب عقلا,اما المخالف للتكليف عن تقصير فمستحق للعقاب اذ ما بالاختيار لا ينافي الاختيار ,توضيح ذلك: حسب كلامه من ان التكليف ويرد على حسب فهم المكلف وبعبارة اخرى ان التكليف ورد على ما زعمت انه جزم بالواقع، فإن القاصر يزعم انه واقع والمقصر كذلك يزعم انه واقع، فكلاهما قد امتثل، لأن المطلوب والمأمور به ليس نفس العلم الواقعي لكي نقول ان المقصر حيث قصر في نيله وتحصيله والوصول إليه، أي إلى العلم، فهو يستحق العقاب، اما القاصر فحيث لم يقصر في نيله لم يستحق العقاب بل المأمور به حسب كلامه هو ما زعمت أنه جزم بالواقع أي أن التكليف تعلق بما زعمت انه جزم بالواقع فقد ناله الطرفان، نعم الواقع لم ينله هذا قصورا وذاك تقصيرا فاختلف الحال لو قلنا أن (الواقع) هو المحور اما نفس (زعم انه جزم بالواقع) فكلاهما قد ناله وامتثل ,اذن يلزم من كلامه ان لا يكون فرق بين القاصر والمقصر. 
اللهم الا ان ان نقول: ان لصاحب القوانين ان يتفصى عن هذا الاشكال بان يقول :صحيح ان التكليف تعلق بما زعمت انه جزم بالواقع لكنّ هذا الزعم ينبغي ان يكون بعد الفحص فلا يرد عليه هذا الاشكال حينئذ, أي يمكنه القول: بأن هذا كان مشروطا, أي أن زعم الفهم المتعقب للفحص, هو المأمور به، والمقصر لم يفحص فلم يحقق زعم الفهم المتعقب للفحص فليتدبر 
الاشكال الرابع الذي خطر بالبال على كلام صاحب القوانين:ان نقول ان مآل كلامه هو حجية ما زعم انه جزم، لكن النسبة بين هذا وبين حجية رأي المجتهد الجامع للشرائط للمقلد وحجية التقليد، هي العموم والخصوص من وجه ,فلم يصنع قدس سره شيئا لان اثبات الحجية لعنوان بينه وبين العنوان الثاني العموم من وجه لا يجدي في حجية الآخر, مثل من يثبت حجية الشياع فيقول اذن خبر الواحد الثقة حجة او العكس,فنقول له ما دامت النسبة هي العموم من وجه فلا ربط لهذا بذاك, والحاصل: أنه : سلمنا ان التكليف تعلق بما زعمت انه جزم (وثمرته ان المقلد زعم انه جزم) لكن النسبة من وجه. وبتعبير اخر: انه اثبت حجية الجزم مطلقا، لكن اين اثبات حجية التقليد مطلقا ,نعم اذا كان التقليد جزميا كان حجة وهذا غير نافع في المقام, إذ الجزم اذا حصل من طيران الغراب وجريان الميزاب فهو حجة بمعنى المنجز والمعذر، لا معنى الكاشف كما لا يخفى. 
الاشكال الخامس :بان نقول انه لا فرق في مورد البحث اي في صحة التقليد في اصول الدين بين ما التزمه وبين ما رفضه, اي أن ما التزم به لو قبلناه او رفضناه, - وقد رفضناه - فلا يؤثر هذا في مبحثنا بالمرة, إذ ان كلامه – وهو - دقيق صح او بطل، لا ربط له بالمقام بالمرة لأن مقامنا هو صحة التقليد في اصول الدين 
وحاصل جواب صاحب القوانين هو ان التكليف لم يتعلق بالجزم بالواقع (وحسب قيدنا: المقدور) بل تعلق بما زعمت انه جزم واقع ,فنقول فبقيت مسألة صحة التقليد على حالها, لأنا اذا قلنا ان التكليف هو بما زعمت انه جزم بالواقع فالمقلد يزعم انه جزم بالواقع فان لم يزعم فليس بزاعم, وإذا قلنا ان التكليف هو بالجزم بالواقع فالمقلد جازم بالواقع فان لم يكن جازما فلا, فهذا البحث سلبا وايجابا لا يؤثر؛ لأن المقلد اما جازم او غير جازم فان كان جازما فعليه اتباع جزمه , واذا لم يكن جازما فليس له اتباع اللا جزم او له اتباعه بادله اخرى إن تمت, فلا فرق، بعبارة أخرى: ان صاحب القوانين تصرف في المتعلَّق وان التكليف هل تعلق بالجزم بالواقع او بما زعمت انه جزم بالواقع فسواءا قبلنا ذلك او رددناه لا يؤثر في المبحث بالمرة 
اما الاشكال السادس فإنه يتضمن تحقيق المقام وسيأتي الكلام فيه وبه سيتبين مكمن الاشكال في كلام صاحب القوانين وسيظهر فرق رأي صاحب القوانين هذا عن رأي الهرمنيوطيقيين, لأنه إلى الان فإن ظاهر كلامه هو انه نفس رأي اصحاب نسبية المعرفة, مع أن الظاهر انه يرفضها مبنى، فكيف يقبلها هنا, وسنوضح الفرق الدقيق والجوهري بين كلام القوانين ,وان رفضناه, وبين كلام النسبيين ,وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=413
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 2 ذي القعدة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23