بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الايات الناهية عن اتباع غير العلم في اصول الدين ,وقد مضت اجوبة عديدة عن هذه الايات ذكرها القوانين مع بعض النقاش حولها, اليوم نذكرجوابا جديدا يتضمن مبحثين مبنائيين كلاهما في غاية الاهمية نذكرهما بالتتابع:
هل يصح الاستناد للظواهر في أصول الدين؟ المبحث الاول: هل يصح الاستناد الى الظواهر، باعتبارها ظنونا في الامور الاعتقادية في اصول الدين باعتبارها مما يحتاج الى القطع,هذا مبحث سوف نتطرق له على ضوء كلام القوانين ,لكن قبل ذلك نقول هنالك مبحث مشابه مضى بحثه فلا يختلط هذا المبحث بذاك ,اما الذي مضى فهو انه هل يصح الاستناد الى الكتاب والسنة أي حتى القطعيين منهما في الامور العقلية؟ حيث استشكل على الاستناد للكتاب والسنة في العقليات ومنها اصول الدين بلزوم الدور مثلا ,او لزوم اللغوية وقد اجبنا عن هذه الاشكالات بالتفصيل ,فاجبنا عن اشكال اللغوية مثلاً بعشرة اجوبة, هذا مضى، اما مبحث اليوم فهو انه هل يصح الاستناد الى الظواهر القرانية في ما يحتاج الى القطع كأصول الدين ام لا؟ وهو بحث اخر مبنائي وهو يعود الى مرجعية القران الكريم في ظواهره كلها في اصول الدين وسائر ما يحتاج الى القطع.
القوانين: الظواهر ظنون فلا يستند إليها في ما يحتاج للقطعصاحب القوانين ذكر جواباً آخر عاماً عن طائفة الايات القرانية الدالة على ذم الكفار على إتباع الآباء وطائفة الآيات التي تدل على منع التقليد عموماً وحرمة اتباع الظن كـ(ان الظن لا يغني عن الحق شيئا) وجوابه هو ان هذه الايات ظواهر والظواهر لا تفيد الا الظن ولا يصح الاحتجاج بالظني على ما يحتاج الى القطع كاصول الدين اما ان هذه الظواهر ظنية فلأن الظواهر تستند الى اصالة الحقيقة وان الاصل في كل متكلم حكيم ان يستخدم اللفظ في الموضوع له لا في المعنى المجازي بلا قرينة , هذه كبرى ,اما الصغرى أي خصوص ما يفيد العموم والاطلاق، فإن الاصل ان المتكلم استعمل (العلماء) مثلاً في تمام الافراد ,اذن العمومات والمطلقات تستند الى اصالة الحقيقة وهي لا تفيد الا الظن لأن الاصل قد يخرج عنه بدليل، بل يقول ان الامر فيما نحن فيه اسوأ لأن اصالة الحقيقة تفيد الظن لكن هذه الايات الشريفة انثلمت اصالة حقيقتها نظراً لاستثناء الفروع، اذ في فروع الدين يجوز الرجوع الى الظن، فلو قلنا فرضا بان العام المخصص حجة في الباقي فهذا الظن اضعف من الظن الموجود في العام غير المخصص، وهذه الايات عمومات مخصصة فالظن الناشيء منها ضعيف فكيف يستند اليها في ما يحتاج الى القطع ,اما نص عبارته : في الاجوبة على الاستدلال بالايات على المنع من العمل بالظن بطوائفها: (اولا ان هذه الايات ظواهر لا تفيد القطع اذ غاية ما يفيده اصالة الحقيقة هو الظن)لأنه استند الى اصالة الحقيقة ومصداقها العموم والاطلاق، وهذه الايات عامة والعام ظاهر في العموم واصل المسألة التي هي موطن البحث هل يجوز التقليد في اصول الدين ام يحرم (واصل المسألة من المسائل الكلامية التي يشترط فيها القطع باعتراف المستدل) هذا اولا ثم يترقى صاحب القوانين ويقول( بل لا يبقى هناك اصلٌ حقيقةً من جهة الاطلاق والعموم) لأنها أي الايات (مخصصة بالفروع جزما) حيث يكتفى فيها بالظن النوعي (والعام المخصص فيه الف كلام) فظهوره اضعف في الباقي (فينزل الظن الحاصل من العام المخصص عن الظن الحاصل من اصل الحقيقة) ، ولكلامه تتمة تأتي لاحقا
نقول: هذا الكلام قد يستشكل عليه بوجوه من غير الإشكال عليه إنه يلزم منه أن كل ظواهر القران بحسب هذا الكلام سوف لا يصح لنا ان نستند اليها في مختلف شؤون علم الكلام والعقائد وفي مختلف المباحث القطعية أي التي تحتاج الى القطع إذ لا يغني عنها الظن شيئا والظواهر ظن, فنناقش القوانين بثلاث مناقشات صغروية وكبروية في هذا المقطع:
وجوه حجية الظواهر فيما يتوقف على القطع
اولاً) الظواهر يمكن في كثير من الأحيان الاستناد اليها حتى فيما لو اشترطنا القطع في مباحث علم الكلام أي حتى مع قبولنا هذا المبنى ,وجه ذلك هو تراكم الاحتمالات وتعاضد الظواهر فإن الظاهر بنفسه لا يفيد الا الظن لكن ظاهراً ضُمّ الى اخر والى ثالث ورابع فإنه يفيد القطع في كثير من الاحيان. اذاً لا يصح السلب الكلي، وقد اشرنا فيما مضى الى السر في ذلك وهو ان الظاهر وان كان بلحاظه بما هو هو(لو لوحظ بنحو الاهمال بنحو الماهية المهملة) او بلحاظه بشرط لا، فاقدا الا انه بشرط شيء واجد، فلا يستشكل بفاقد الشيء لا يعطيه اذ الظاهر بشرط شيء واجد وليس فاقدا، نظير المتواتر فإنه مركب من اخبار احاد فكل واحد منها فاقدا للقدرة على إيجاد القطع، لكنها بتعاضدها تفيد القطع، وكذلك مثّلنا في التكوينيات بالجيش فان كل جندي بما هو هو أو بشرط لا، فاقد للقدرة على الانتصار الا انه بما هو منضم الى غيره واجد, فالجيش ينتصر اما الجندي الواحد لا ينتصر.
وثانياً: ان الظواهر انما لا تفيد القطع لو لم تكن من مرشدة الى قضية فطرية ارتكازية لكن الكثير من الظواهر القرانية مرشدة الى قضية فطرية ارتكازية كما في العديد من الايات الكريمة محل البحث، وبذلك فإنها تفيد القطع
وثالثاً: ان الظواهر انما تفيد الظن لو لم تكن معللة، إذ أنها لو كانت معللة لأفادت القطع ان كانت العلة من العلل التي تفيد القطع بحد ذاتها
اما ما ذكرناه في الإشكال الثاني من ان الظواهر لو تضمنت التنبيه على قضية فطرية ارتكازية فهي تورث القطع فكما في قوله تعالى: )وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ( فإن هذه الاية تنبِّه على امر فطري ارتكازي, لبداهة أن من القبيح عقلاً ان يقول الانسان على الله ما لا يعلم بل هو أمر فطري فإن من الوجداني ان من القبيح ان يقول الانسان على الله ما لا يعلم صدوره منه سواءا اظن ظنا شخصيا بالوفاق ام ظن ظنا شخصيا بالخلاف، وسواءا اكان له ظن شأني لم يوافقه ظن شخصي ام وافقه, فهذه قضية فطرية ارتكازية لا يخرج عنها إلا فيما لو ان المولى بنفسه استثنى صورة من الصور فنزلها منزلة العلم كما في فروع الدين حيث ان الشارع نزل الظن منزلة العلم.
والاية الشريفة الاخرى )إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً( هذه يمكن ان تعد مثالا للجواب الثالث فهي تعليل لـ(قبح ان يتبعون الا الظن) بـ(ان الظن بما هو هو لا يغني من الحق شيئا), فهذه الاية تضمنت تعليلا وعليه فالمرجع سيكون الى التعليل فان افاد القطع فبها والا فلا,فهذه ثلاثة اجوبة صغروية (أي بها تنقيح حال الصغرى) عن كلام صاحب القوانين , إذ ظهر منها ان هذه الظواهر كثيرا ما تفيد القطع اما بالتعاضد واما لتضمنها امرا فطريا ارتكازيا للارشاد عليه والتنبيه عليه واما لكونها معللة
رابعاً: ان بعض هذه الايات قد يدعى انها نص عرفاً في المنع عن اتباع الظن او نص في المنع عن اتباع الاباء وليست ظواهر ,وسيأتي الكلام عنها ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ... |