• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 427- فائدة عقائدية: جنة الخلد هل هي مخلوقة الآن أو غير مخلوقة .

427- فائدة عقائدية: جنة الخلد هل هي مخلوقة الآن أو غير مخلوقة

بقلم: السيد نبأ الحمامي

على حسب رأي البعض، هناك جنتان:

الأولى: جنة الدنيا، وهي الآن موجودة من دون شك، وهي التي احتمل البعض أنها التي تتحدث عنها الآية الكريمة: (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ)[1]، والشاهد على كونها موجودة الآن تعبير الآية الكريمة: (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)، فهي بحسب ظاهرها، لها هذه الأبعاد نسبة إلى السماوات والأرضين.

والثانية: الجنة الموعودة في المعاد، وهي، حسب رأي المعتزلة والزيدية، خلافاً للإمامية، تخلق بعد زوال العالم، أي بعد ما أشار إليه قوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعْيدُهُ)[2]، وهذه الجنة لا يعبر عنها بـ (عرض السماوات والأرض) إلا مجازاً.

ولكن رأي مشهور علماء الشيعة والأشاعرة، والذي صرح به الشيخ المفيد في أوائل المقالات، وقال (عليه إجماع أهل الشرع والآثار) وغيره[3]، هو ما ذكره السيد الوالد بقوله: الجنة و النار موجودتان الآن، إلا أن منافذ إدراكنا بهما منسدة عنهما، لوجود منافذ أخرى غير هذه الخمسة (الحواس المعروفة) لكنها مغلقة عنا، بل إن نفس هذه المنافذ المعروفة لها أنحاء أو مراتب فقوة الإبصار مثلاً الموجودة عندنا لا تكفي ولا يمكنها إدراك تلك الجنة، ولكن يملكها المعصوم مثلاً، كما يرى النبي (صلى الله عليه وآله) جبرائيل (عليه السلام) في محضر أصحابه وهم لا يرونه. أو وجود الملائكة الحفظة أو الكتبة الملازمين للإنسان وهو لا يراهم لانسداد منافذ رؤيتهم عنده.

بل إن الإنسان ـ بحسب هذا الرأي ـ يملك كمّـاً هائلاً من المنافذ إلا أنها مسدودة ما خلا هذه المنافذ الحسية المعروفة الخمسة.

ويدل على أن الجنة الموعودة مخلوقة الآن قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‏)[4]، كما دلت عليه رواية الإمام الرضا (عليه السلام) على ما رواه الصدوق في الأمالي والتوحيد (عَنِ الْهَرَوِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام) يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَهُمَا الْيَوْمَ مَخْلُوقَتَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى النَّارَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ: إِنَّهُمَا الْيَوْمَ مُقَدَّرَتَانِ غَيْرُ مَخْلُوقَتَيْنِ، فَقَالَ (عليه السلام): مَا أُولَئِكَ مِنَّا وَلَا نَحْنُ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ خَلْقَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَقَدْ كَذَّبَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) وَكَذَّبَنَا)[5].

إشارة لنحوِ وجود الجن والملائكة

ثم إن الملائكة والجن مثلاً وجود مادي بالاصطلاح الفلسفي، أي: ليس وجودهما وجودًا مجرَّدًا، وهو وجود طاقي، أي المقابل للمادة بالاصطلاح الفيزياوي، ومسألة تحول الطاقة إلى مادة ـ فيزيائيا ـ أمرٌ ممكن ومبرهن عليه علمياً.

وحينئذ نقول: من الممكن تحول الملك أو الجن ـ الذي هو وجود طاقي غير مرئي ـ إلى وجود مادي، كالأجساد البشرية، وممكن أيضاً أن يكون وجود الجنة التي أكل النبي (صلى الله عليه وآله) من ثمرها لها وجود بنحو من أنحاء الوجود ـ كالوجود الطاقي ـ ولكننا لا ندركه بحواسنا.

فعلى هذا الرأي، يمكن أن تكون جنة الخلد التي وعد الله تعالى عباده المتقين موجودة الآن ولكنها بنحو غير مرئي بالنسبة إلينا، أي: بنحو آخر من أنحاء الوجود غير المادي. وفي يوم القيامة يمكن أن يراها الإنسان بعد أن تنفتح كل منافذ الإدراكات لدى الإنسان.

وقد ورد في الروايات الشريفة أن الزهراء (عليها السلام) تكونت من ثمار الجنة بعد أن نزل جبرائيل (عليه السلام) بثمرة من ثمار الجنة وأكلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتحولت نطفة، وتكونت (عليها السلام) من تلك الثمرة.  

فعلى هذا توجد جنة فعلية هي جنة الخلد وهي جنة الثواب وجنة المآب وفيها ثمار وأنهار وأطيار ... إلخ، بدليل أن هذه الثمرة أكلها النبي (صلى الله عليه وآله) وتحولت إلى شيء مادي، له وجود فعلي. فيمكن أن تكون الثمرة من هذه الجنة التي سيكون إليها المعاد، وليس من جنة الدنيا التي كان فيها آدم وحواء. والله العالم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[1] سورة آل عمران: الآية 133.

[2] سورة الأنبياء: الآية 104.

[3] وإن خالف في ذلك نادر في الرأي، كالسيد الرضي على المنقول عنه.

[4] سورة النجم: الآيات: 13-15.

[5] الأمالي للصدوق: ص460، والتوحيد: ص117.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4160
  • تاريخ إضافة الموضوع : 8 شعبان 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22