بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول دليل الانسداد الذي ساقه صاحب القوانين كدليل على حجية الظواهر النافية لجواز العمل بالظن وانها وان لم تفد الا الظن الا ان هذا الظن هو من الظن المطلق الذي يجب اتباعه لتمامية مقدمات الانسداد، وذكرنا ان صاحب القوانين استفاد من مقدمات الانسداد في المؤديات ليطبقها على الطرق والحجج والامارات ,ولا بأس ان نشير الى ان هذا البحث (بحث الانسداد في المؤديات) يعد من اهم ,ان لم يكن اهم البحوث المفصلية والجوهرية في علم الاصول؛ لأن الفقه كله مبتنى اما على هذا المسلك او على ذاك المسلك، وكذلك الاصول فإنه باكمله قد يبتني على هذا التطوير لصاحب القوانين (الا في مستقلاته العقلية) أي يبتني على بحث الانسداد في الطرق والادلة والحجج فإن الاصول قوامه بالحجج المشتركة القريبة في الفقه كما ذكرنا ان هذا هو المختار في موضوع الاصول.
والحاصل: أنه سابقا كان البحث ان باب العلم في الفقه منسد، اما صاحب القوانين فقد نقل البحث الى مطلب اكثر جوهرية وهو ان باب العلم في الاصول ايضا منسد على عكس الانفتاحي الذي يرى الانفتاح في العلمين وهم المشهور، اما صاحب القوانين فقد ارتأى الانسداد في البابين، اذن هذا المبحث يعتمد عليه العلمان وغيرهما كعلم الرجال، فلا بد للطالب والمحقق ان يوفي هذا المبحث حقه, لأن البعض يستسهل الامر باعتبار ان المشهور قال بالانفتاح، فيترك دراسته، والبعض يستصعب هذا المبحث فيتركه، لذلك، ولكن: إذا ترك هذا البحث ونظائره من البحوث كبحث الاصولي والاخباري، او لم تعط حقها, فإن الطالب والباحث سوف لا يكون محصناً امام الفقيه الانسدادي او الاصولي الانسدادي.
وسنقتصر في مبحثنا على مقدار الحاجة لأن تنقيح هذه المباني يحتاج لأشهر ومحله في مبحث الظن وحجية الظنون الخاصة والمطلقة.
تقدم ان صاحب القوانين طبق مقدمات الانسداد في الفروع على الاصول, لكن الحق هو عدم صحة ذلك إذ لا تنطبق تلك المقدمات في الفروع (وان صحت هنالك) على الاصول, وبتعبير اخر: نقول بالتفكيك, أي قد نكون انسداديين في الفقه وانفتاحيين في الاصول وفي الرجال مثلا فلا تلازم, توضيح ذلك:أن صاحب القوانين ذكر المقدمة الأولى: وهي وجود تكاليف الزامية فعلية، ثم استعارها للاصول وقال ما توضيحهك إنا نعلم يقينا ان معرفة الله واجبة وكذا معرفة صفاته وانه ارسل الرسل ونصب ائمة وجعل المعاد، كما أننا في الفروع كنا نعلم بوجوب كذا وحرمة كذا، لكن الانسداد حصل في الطريق وفي الحجج وبتعبيره الانسداد حصل في الكيفية, بعبارة أخرى: المعرفة واجبة لكن هل المعرفة عن نظر هي الواجبة تعييناً؟ او ان المعرفة عن تقليد واجبة وجوبا تخييريا؟ او حتى محرمة على رأي؟ اذن الانسداد إنما هو في الطريق ,فاذا انسد باب العلم نلجأ الى الظن، والظواهر القرانية افادت الظن بعدم حجية التقليد (وهو طريق) اذن من باب الظن المطلق وباب الانسداد نقول بأن هذه الظواهر يجب التمسك بها، اما على الكشف شرعا واما على الحكومة عقلا، على المسلكين هنالك.
وحاصل جوابنا عن كلامه: ان استعارة هذه المقدمة وتطبيقها على الحجج وذلك لضرورة تنقيح مبحث آخر سابقاً رتبةً وهو غير تام, هل (النظر) مقوّم لمطلوب المولى بالمعرفة او ليس بمقوّم؟ أي هل الواجب بنظر المولى (معرفته عن نظر) بنحو الحيثية التقييدية؟ هذا احتمال, يجب على القوانين ان يثبته (ولم يثبته) لكي يتم مطلوبه, بعبارة أخرى: هل النظر مقوّم؟ فهذا احتمال، والاحتمال الاخر ان تكون المعرفة واجبة والنظر واجباً اخر مثل الشرط الذي هو التزام في التزام.
وبتعبير اوضح:هل هناك تعدد للمطلوب او وحدة في المطلوب, أي:
1- هل للمولى مطلوبان الاول اصل معرفة انه واحد احد فرد صمد حي قيوم مثلاً والمطلوب الثاني ان يكون ذلك عن نظر فلو تعذر النظر بقي وجوب المعرفة بحيث انحصر الطريق في التقليد، وجب
2- أو للمولى مطلوب واحد فقط هو هذا المجموع كمجموع فلو انتفى الجزء لانه مقوّم انتفى الكل.
فاذا اثبت صاحب القوانين تعدد المطلوب تمت المقدمة الاولى وهي ان هنا تكليفا الزاميا فعليا بنفس المعرفة بفروعها وآخر بالنظر فإذا تعذر هذا الطريق فيجب أن نلجأ الى ذاك الطريق. نقول: مع وجود احتمال ان المطلوب واحد بنحو الحيثية التقييدية، فلا إحراز للتكليف بالمعرفة مجردة عن هذا القيد (قيد كونها عن نظر) فلا تتم المقدمة الأولى من مقدمات الانسداد، ويتضح ذلك بملاحظة حال (القياس) فهل الشارع اراد وصل المكلف لاحكامه ولو عن طريق القياس؟ الجواب, لا, إذ الحيثية تقييدية وليس المقام التزاما في التزام ولا تعدد للمطلوب بتوهم أن الشارع يريد الواقع عن طريق الاجتهاد فان تعذر الواقع عن طريق الاجتهاد فليكن عن طريق القياس، كلا إذ الشارع يقول: ان وصولك للواقع عن طريق القياس مرفوض، وبذلك يظهر أن التقليد في الاصول لعله من قبيل القياس في الفروع وبدون إثبات عكس ذلك, لا تتم المقدمة الأولى.
هذا هو المصبّ الاول للبحث, وهو ان المعرفة عن نظر مطلوبان ام مطلوب واحد ,اما الثاني وهو صميم بحثنا فهو: هل الأدلة الظنية التي تقوم على حجية بعض الظنون في علم الكلام وفي علم الاصول, لاحظ الشارع فيها تعدد المطلوب او وحدة المطلوب؟, وهذا هو مورد بحثنا لأن كلامنا عن الظواهر القرانية (وهي ظنون) التي أقيمت على عدم حجية التقليد وعدم جوازه وأنها لا تفيد إلا الظن بعدم حجية هذا الطريق, وهنا نجد صاحب القوانين يقول:حيث كان هناك تكليف واقعي، وحيث تعذر اقامة العلم على حجية الطريق فننتقل للظن على حجية الطريق وهو حجة من باب الانسداد, وهنا كان موطن اشكالنا.
توضيح ذلك: من المحتمل عقلائياً أن الشارع رأى بان جعل الحجية او امضائها للظواهر المقامة على حجية الاجتهاد او الظواهر المقامة على نفي حجية التقليد، لعل الشارع رأى في ذلك مفسدة اكثر من مفسدة النهي عن العمل بهذه الظواهر.
وهنا نكتة دقيقة وبها تختلف الاصول عن الفروع, فإنه رغم وجود حجج ظنية على نفي حجية التقليد, فإن الشارع لعله يرى ان العمل بهذه الحجج اكثر مفسدة مما لو سوغ للمكلف الوصول للواقع عن طريق التقليد؛ اذ لعل المولى، وهو الحكيم، رأى بنحو القضية الخارجية: ان اكثر المحقّين مقلدون، فلو اعتبر الظواهر الناهية عن اتباع التقليد حجة للزم من ذلك ردع اكثرية المحقين عن التقليد مما يستلزم اتجاههم للاجتهاد فيلزم انحراف كثير منهم ولذلك قال مثلاً:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) لأنه رأى اننا لو لم نسأل واجتهدنا سنضل في غالب الاحيان، بعبارة أخرى: إن الادلة الناهية عن اتباع التقليد وهي (الظواهر القرانية في موطن كلامنا) لو راى الشارع ان اتباعها وحجيتها ببركة دليل الانسداد، تسبب اغلبية الانحراف فإن له ان يمنع من العمل بها وهذا يعني ان انسداد باب العلم لا يقود بالضرورة إلى لزوم إتباع الظواهر الظنية, هذا في هذا الاتجاه وفي الاتجاه المقابل لو ادت الظواهر الى عدم حجية الاجتهاد فالأمر أيضاً كذلك فللشارع ان يردع عنها بنحو القضية الخارجية لأنه يرى ان اكثر اتباع الاديان لو اجتهدوا لأهتدوا، وان الردع عن الاجتهاد المستفاد من دليل الانسداد لو تمّ فإنه سيؤدي للاضلال الاكثر ولذا قال تعالى فليتفقهوا لانه راى ان التفقه هو الاكثر ايصالا للواقع، و(الدين) يشمل الاصول بالدرجة الاولى ثم الفروع اذن الاشكال في المقدمة الاولى لصاحب القوانين وادعائه ان هنالك تكليفا قطعيا بمعرفة الله وقد انسد باب العلم بها او انسد باب العلم بالحجج على الحجج عليها، وعليه فباب الظن المطلق سيكون قهرا حجة لأنه الراجح إذ أنه الأقرب إيصالاً للواقع.
إذ يقال: كلا, باب الظن هذا قد لا يكون عند المولى هو الاغلب ايصالا للواقع فلا يجعل له الحجية أو لا يعتبر حجيته ممضاة هذا اولا وثانياً: قلنا ان من مقدمات الانسداد ان التمسك باصل البراءة يستلزم الخروج من الدين فهل تجري هذه المقدمة في الحجج وهي (مورد البحث)؟ أي لو تمسكنا باصالة البراءة في الحجج فهل يلزم الخروج عن الدين؟ الجواب, كلا. (وعليه لا يتم كلام الانسدادي في اصول الدين ), وذلك لأن اصل البراءة يمكن ان يجري في موطنين. الأول: اصالة البراءة عن وجوب اتباع كل من الاجتهاد والتقليد أي اصالة عدم وجوب أي منهما ,هذا هل يلزم منه الخروج عن الدين او لا؟ الثاني: اصالة عدم تعين أي منهما ونتيجته الوجوب التخييري فالاصل الاول ينفي اصل الوجوب, اما الاصل الثاني فينفي تعيّنه فهل يلزم منه الخروج عن الدين؟ سيظهر لاحقا أنه لايلزم منه الخروج عن الدين فاذا لم يلزم منه الخروج من الدين فنستطيع ان نُعمِل اما الاصل الاول او الثاني فلا ينتج حجية مطلق الظن في الادلة على الحجج, فليتدبر
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين... |