بقلم: السيد نبأ الحمامي
ورد في روايتين أو ثلاثة: أن الفتاة تبلغ بثلاث عشرة سنة، وفي مقابلها هناك، حسب بعض المحققين، عشرون رواية بأن بلوغها بإكمالها تسع سنوات، ولا ريب أن بناء العقلاء على أن التعارض إنما يكون بين الروايات إذا كانت متكافئة من حيث العدد، أما مع عدم تكافؤ العدد بين الطرفين، سيما لو بلغ أحد الطرفين إلى الاستفاضة أو التواتر ـ كما هو المفروض في مسألتنا ـ فإن العقلاء يرجحون هذا الطرف الأكثر عدداً، فيكون بناء العقلاء دليلاً على التعدي عن المرجحات المنصوصة وهو الذي تبناه الشيخ (قدس سره).
بل لو فرضنا وجود روايتين صحيحتين من جهة، وعشرة روايات موثقة من جهة أخرى، وقطعنا النظر عن سائر المرجحات، فالروايات الكثيرة الموثقة مقدمة وراجحة على الأقل الأقوى سندًا، مع فرض كون السند في كلا الطرفين في ضمن دائرة الاعتبار.
والسبب في ذلك: أن الخبر حجة من باب الطريقية، لا المصلحة السلوكية، وبناء العقلاء على ذلك في الصحيح([1])، والموثق([2]).
نعم المصلحة السلوكية لوحظت في مرجع التقليد فاشترطت فيه العدالة، ولكنها غير مشترطة في الراوي، وحينئذ تكون الوثاقة هي المنظور إليه والطريق لإحراز صحة الخبر، وليست العدالة وصحة الاعتقاد فيكون المقياس: الأقوى في الوثاقة.
فلو نقل خبرًا ثمانُ ثقات، في مقابل عدلين نقلوا ما يخالف هذا الخبر، فالظاهر أن كفة الترجيح هي للثمان الثقات على العدلين.
نعم قد يقال بوجود شائبة المصلحة السلوكية في الرواية أيضاً؛ لأنّ القائلين باعتبار العدالة استندوا إلى مثل ما رواه في رجال الكشي عن أبي الحسن أحمد بن حاتم بن ماهويه، قال: (كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عمن آخذ معالم ديني، وكتب أخوه أيضاً بذلك، فكتب إليهما: فهمتُ ما ذكرتما، فاصمدا في دينكما على مسنٍ في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا ، فإنهم كافوكما إن شاء الله تعالى )) ([3]).
فيحتمل وجود عناية من المعصومين (عليهم السلام) بناءً على مثل هذا الخبر على أخذ الدين ـ روايةً وفتوىً ـ من العادل، بناءً على كون (مسنّ في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا) مشيراً إليه، وإلا فهو أخص من العدالة عرفاً، وإن كانت النسبة من وجه لدى الدقة، فتأمل.
لكن المشهور بنوا على عدم وجود شائبة المصلحة السلوكية في الرواية، ولذا اعتبروا الموثقات حجة، وحينئذٍ ستكون كفة الترجيح للوثاقة مع العدد الأكثر، كثرةً معتداً بها لدى العقلاء، في مقابل العدالة مع العدد الأقل.
---------------------
([1]) وهو الذي يرويه عدل إمامي.
([2]) وهو الذي يرويه ثقة غير إمامي.
([3]) رجال الكشي: ج1 ص16.
|