• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 140-أدلة أربعة لحجية القدر المتيقن الإضافي والمناقشة .

140-أدلة أربعة لحجية القدر المتيقن الإضافي والمناقشة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(140)

الإجماع ليس بحجة فكيف بالإجماع اللّويّ؟
سبق: (توضيحه: أن الإجماع المحقق الفعلي ليس بحجة بنظر الشيخ ((قدس سره)) من باب اللطف ولا من باب الحدس، كما صرح به في باب الإجماع المنقول إلا في صورة واحدة غير متحققة بنظره الشريف، فكيف يكون الإجماع اللّوِيِّ الذي هو أضعف من الفعلي حجة ؟)([1]).
وأما ما صرح به في بحث الإجماع المنقول: (قلت: إنّ الظاهر من الإجماع اتفاق أهل عصر واحد، لا جميع الأعصار كما يظهر من تعاريفهم وسائر كلماتهم، ومن المعلوم أن إجماع أهل عصر واحد - مع قطع النظر عن موافقة أهالي الأعصار المتقدمة ومخالفتهم - لا يوجب عن طريق الحدس العلم الضروري بصدور الحكم عن الإمام (عليه السلام)، ولذا قد يتخلف، لاحتمال مخالفة من تقدم عليهم أو أكثرهم. نعم يفيد العلم من باب وجوب اللطف الذي لا نقول بجريانه في المقام، كما قرر في محله([2]).
مع أن علماء العصر إذا كثروا - كما في الأعصار السابقة - يتعذر أو يتعسر الاطلاع عليهم حسا بحيث يقطع بعدم من سواهم في العصر، إلا إذا كان العلماء في عصر قليلين يمكن الإحاطة برأيهم في المسألة فيدعى الإجماع، إلا أن مثل هذا الأمر المحسوس لا يستلزم عادة لموافقة المعصوم ((عليه السلام)).
فالمحسوس المستلزم عادةً لقول الإمام ((عليه السلام)) مستحيل التحقق للناقل، والممكن المتحقق له غير مستلزم عادة)([3]) وآخر سطرين من كلامه صريح في المطلب.
3- اللامناصِيّة دليل على مرجعية القدر المتيقن
الدليل الثالث: الذي نتبرع به للشيخ ((قدس سره)) كدليل على مرجعية القدر المتيقن الإضافي وحجيته هو دليل اللامناصِيّة، وهو الوجه الآخر لدليل الإنسداد، إذ يقال: إنه مادامت هنالك أحكام كثيرة فعلية آخذة بأعناقنا، ومادام باب العلم بها منسداً سواء العلم بها مباشرة أو عبر الطرق العقلائية أو الشرعية أي سواء أقلنا بكون ما في أيدينا من الطرق طرقاً ممضاة كما هو المشهور أو منصوبةً كما قاله الفصول، فلا مناص إلا من الأخذ بالقدر المتيقن الإضافي من الأقوال، إذ الفرض هو الإنسداد وأنه([4]) الأرجح من غيره، ويتعين ترجيح الراجح على المرجوح، بحكم العقل.
القدر المتيقن هو الذي لا مناص منه، دون الظن
لا يقال: الظن هو الذي لا مناص إلا من الأخذ به لأنه الأرجح، لا القدر المتيقن؟.
إذ يقال: بل القدر المتيقن هو الأرجح لأنه أقوى القولين، وقد سبق: (وذلك لأنه يمكن الدفاع عن الشيخ بأنّ حاصل ما يقوله هو الأخذ بالقدر المتيقن من الطرق سواء أكان مظنوناً أم مشكوكاً أم موهوماً، مقابل الفصول الذي يقول بالأخذ بالظن، ولكنّه ليس أسوأ، إذ القدر المتيقن وإن انطبق على المشكوك والموهوم لكنه لا يؤخذ به لأنه مشكوك أو موهوم ليكون أسوأ بل يؤخذ به لكونه الأقوى من بين القولين أو الأقوال، وهو الذي عبّر الشيخ عنه بأنه القدر المتيقن الإضافي؛ فإنه وإن كان موهوماً في حد نفسه لكنه أقوى بالقياس إلى غيره)([5]).
على أنه لا مناص منه لأن الذي تحل به معضلة الإنسداد، عكس الظن، إذ سبق أن النسبة بينهما من وجه وأن القدر المتيقن ينتج حجية المظنونات أولاً ثم المشكوكات، كلما لم تفِ بها([6]) المظنونات ثم الموهومات، كلما لم تفِ بها المظنونات مع المشكوكات، فتكون مرجعية القدر المتيقن هي الحل لكل الحالات والصور، عكس الظن الذي يقول به الفصول فإنه إنما يشكّل الحل فيما لو وَفَت المظنونات بالأحكام الواقعية دون ما لو لم تفِ بها إذ لا بد له من تتميم الحل ولا مناص له إلا من الأخذ بالقدر المتيقن الإضافي.
الجواب: هناك خيارات أخرى، فلا اضطرار للقدر المتيقن
ولكنّ هذا الدليل مما يمكن أن يخدش فيه، لأن اللامناصية إنما تتم لو لم يكن هنالك بديل آخر، لكنه موجود وهو أحد الأمور التالية على سبيل البدل: مرجعية التخيير أو الإحتياط أو البراءة لدى فقد الظن، فهذا البديل مركّب من قول الفصول ومن متمِّم آخر غير القدر المتيقن.
توضيحه: أنه عند الإنسداد، لا مناص من الرجوع إلى المظنونات، والتي لا يعارضها الشيخ في جوهر كلامه لكنه يسميها القدر المتيقن الإضافي، فإنها أحد أنواعه، فالإسم للمقسم وهي قسم منه كما ظهر مما سبق، فإن فقدت فلا ينحصر الملجأ في المشكوكات أو الموهومات لتكون هي التي لا مناص منها باعتبارها القدر المتيقن الإضافي من بين الأقوال كما قاله الشيخ، بل يمكن أن يكون الملجأ أحد الأمور التالية:
التخيير
أ- التخيير بين الأقوال، فإنه مادام لم يكن شيء منها([7]) حجة في حد ذاته بالنسبة إلى الفقيه الآخر في صورة الإنفتاح، فليكن مخيراً بينها في صورة الإنسداد ولا دليل على تعيّن اللويّ منهما إلا الإستحسان وتكرار المدعى.
الإحتياط
ب- سلّمنا، لكنّ المرجع يمكن أن يكون الإحتياط بالأخذ بأحوط القولين فإنه المبرىء للذمة قطعاً دون الآخر المبرئ ظناً لكونه أقوى القولين. ولا يلزم من وجوب الإحتياط هنا العسر والحرج إذ إنما يلزم أحدهما من وجوب الإحتياط في كل الفقه وكافة الطرق دون ما لو قلنا بحجية المظنونات من الطرق، فإن ما يبقى في دائرة المشكوكات من الطرق أو الموهومات منها([8]) هو الأقل الذي لا يلزم من وجوب الإحتياط فيه العسر والحرج، وعلى المدعي([9]) عهدة الإثبات.
الأصول العملية
ج- سلّمنا أيضاً، لكنّ المرجع يمكن أن يكون أصالة البراءة أو الأصول العملية في مواردها ولا يلزم منها الخروج من الدين إذ أنه إنما يلزم لو قلنا بها في مطلق الأحكام وفي مقابل كافة الطرق دون ما لو قلنا بالأخذ أولاً بالظني منها، فإنه مع عدمها لا يبقى إلا القليل ولعله 10% مثلاً من الأحكام التي لم تقم عليها طرق ظنية، ولا يلزم من إعمال البراءة وشبهها فيها الخروج من الدين.
4- دليل الميّزة النسبية
الدليل الرابع: دعوى ضرورة تقدم المتيقن الإضافي على غيره وبداهته، والإستشهاد لذلك بقانون الميّزة النسبية الذي توصل إليه علماء الإقتصاد واعتبروه من المسلمات.
وقانون الميزة النسبية له بحث مفصّل إلا أننا يكفينا هنا أن نطرح إحدى أوضح وأبسط صوره الخالية من التعقيد والذي يعود في جوهره إلى نفس ما ذكره الشيخ من (المتيقن الإضافي)، وذلك بحسب ما ذكره بعض علماء الإقتصاد.
قال في الإقتصاد: (الإدراك السليم للأمور هو أن تنتج الدول وتصدّر السلع التي هي مؤهلة بشكل خاص لإنتاجها. لكن ثمة مبدأ أعمق يكمن خلف التجارة ككل – سواء داخل الأسرة الواحدة، أو الدولة، أو بين الدول – ويذهب لما هو أبعد من الإدراك السليم، ينص "مبدأ الميزة النسبية" على أن في وسع الدولة الإستفادة من التجارة، حتى وإن كانت أكثر كفاءة بشكل مطلق (أو أقل كفاءة بشكل مطلق) من الدول الأخرى في إنتاج كل سلعة.
المفهوم غير الشائع: أفرض أن دولة ما تتمتع بأعلى مخرجات لكل عامل (أو لكل وحدة من المدخلات) بين دول العالم في صنع الحاسوبات والصلب، وافرض أيضاً أنها أكثر كفاءة في صنع الحاسوبات من الصلب. مثلاً، قد تكون إنتاجيتها أعلى بمقدار 50% من الدول الأخرى في مجال الحاسوب و10% في مجال الصلب، في هذه الحالة، قد تفيد من تصدير السلعة التي هي أكثر كفاءة في صنعها (الحاسوبات) واستيراد السلعة التي هي أقل كفاءة نسبياً فيها (الصلب).
أو خذ بعين الإعتبار دولة فقيرة. فكيف يمكن للدولة الفقيرة، التي لا تزيد انتاجيتها لكل عامل عن جزء بسيط من إنتاجية الدول الصناعية أن تأمل في تصدير أي من المنسوجات أو القمع الذي تنتجه؟ المفاجأة، أنه وفقاً لمذهب الميزة النسبية يمكن للدولة الفقيرة أن تصدر السلع التي تتمتع بكفاءة نسبية في إنتاجها (مثل القمح والمنسوجات) وتستورد السلع التي هي أقل كفاءة نسبياً في إنتاجها (مثل التوربينات والحاسوب ذات القدرات العالية).)([10]).
وفي مثال واضح: (لشرح مبدأ الميزة النسبية، نبدأ بمثال بسيط عن التخصص بين الناس ثم ننتقل إلى دراسة الحالة العامة للتخصص والميزة النسبية بين الدول.
خذ مثلاً حالة أفضل محامي في المدينة الذي هو، في الوقت نفسه، أفضل طابع في المدينة فكيف يجب أن يقضي هذا المحامي وقته؟ هل يجب عليه أن يكتب مرافعاته القانونية ويطبعها بنفسه؟ أم يترك الطباعة لسكرتيره؟ من الواضح أنه يجب على المحامي أن يركز على النشاط القانوني، حيث الإفادة من مهارته النسبية أو المقارنة أكبر، رغم تفوقه المطلق في كلا المجالين.
أو أنظر إلى الموضوع من زاوية السكرتير فهو طابع جيد، لكن القيام ببحث قانوني سيحتاج لجهد كبير في أفضل الأحوال، أو مستحيلاً في أسوأ الأحوال. فهو قطعاً أقل كفاءة من المحامي سواء في البحث القانوني أو الطباعة، لكنه أكثر كفاءة نسبياً أو مقارنة في الطباعة.
وفق هذا السيناريو يتحقق أكبر قدر من الكفاءة حين يتخصص المحامي في العمل القانوني ويركز السكرتير على الطباعة.
إن أفضل الأنماط الإنتاجية في التخصص وأكثرها كفاءة هي أن يركز الناس أو الدول على الأنشطة التي هي أكثر كفاءة نسبياً أو مقارنة من الدول الأخرى فيها. وهذا يفترض ضمناً أن بعض الناس أو الدول قد يتخصصون في مجالات هم قطعاً أقل كفاءة من الآخرين فيها. لكن ورغم أن الأفراد أو الدول قد تكون أكثر أو أقل كفاءة من الآخرين بالتأكيد، فإن كل شخص أو بلد سيجد إفادة نسبية في بعض السلع وعدم إفادة نسبية في سلع أخرى)([11]). ولهذا البحث تتمة ومناقشة ستأتي غداً بإذن الله تعالى.
كما سنشير للتطوير الجوهري الذي أحدثه الشيخ بطرحه نظرية القدر المشترك الإضافي، على المقدمة الثالثة من مقدمات الإنسداد.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق ((عليه السلام)): ((فَإِذَا اجْتَمَعْتُمْ فَاشْتَغِلُوا بِالذِّكْرِ، فَإِنَّ فِي اجْتِمَاعِكُمْ وَمُذَاكَرَتِكُمْ إِحْيَاءَنَا، وَخَيْرُ النَّاسِ مِنْ بَعْدِنَا مَنْ ذَاكَرَ بِأَمْرِنَا وَدَعَا إِلَى ذِكْرِنَا))‏ (الأمالي للطوسي، ص224).

------------------------

([1]) الدرس (139).
([2]) انظر القوانين 1: 353، والفصول: 245 - 246.
([3]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص201-202.
([4]) المتيقن الإضافي.
([5]) الدرس (139).
([6]) أي بالأحكام الواقعية.
([7]) الأقوال.
([8]) من الأحكام.
([9]) للزوم العسر والحرج.
([10]) بول سامويلسون ونورد هاوس، الإقتصاد، ترجمة هشام عبد الله، الدار الأهلية للنشر والتوزيع – عمان:  ص706 بتصرف بسيط.
([11]) المصدر: ص707 بتصرف بسيط.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4348
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 3 ربيع الأخر 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22