• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 145-تتمة المناقشات مع الشيخ والتبريزي .

145-تتمة المناقشات مع الشيخ والتبريزي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(145)

تتمة الرد: الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية

سبق كلام المحقق التبريزي (إلاّ أنّ الظّاهر أن قصد هذه الغايات أنّما هو لأجل تحصيل كمال الإطاعة، وإلاّ فالمحرك للعبد من قبل العقل إلى الامتثال هو خوف العقاب على تقدير المخالفة.
وبالجملة، إنّ قصد التخلّص من النّار من جملة الغايات المصحّحة للعمل، بل هو المحرّك عند العقل ‌على ما عرفت. وحينئذ إن أمكن تحصيل العلم بالبراءة كان هو المتعيّن عند العقل، وإلاّ كان المتعيّن هو تحصيل الظن بها، سواء كان حاصلا من الظنّ بالواقع أو بالطّريق‌ بعد فرض استلزامها([1]) للظنّ بها)([2]).
وأجبنا بـ(لبداهة أن بعض العباد إنما يكون محركهم ((وَلَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُكَ))([3]) أو سائر الأقسام، أصلاً وفصلاً وليس المحرك تحصيل كمال الإطاعة فقط مع كون المحرك لأصلها هو الخوف دون تلك العوامل)([4]).

هناك محرك لأصل الطاعة غير الخوف

وبعبارة أخرى: الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية كما أن السالبة الجزئية نقيض الموجبة الكلية، فمحصل قوله: (لا شيء من العوامل الأخرى، غير الخوف من العقاب، بمحرك نحو أصل الإطاعة، بل إنما يقصدها من أراد الكمال أي كمال العبادة والدرجة السامية من الإطاعة) يرد عليه: تحقق الموجبة الجزئية دون شك؛ لبداهة أنّ كثيراً من الناس يقصد غاية الثواب لا لأجل تحصيل كمال الطاعة، بل يكون هو، أي الثواب نفسه، مقصوده الأول والأخير والطاعة مجرد مقدمة لديه وطريق.
وبوجه آخر: إنّ محرك الكثير من الأشخاص نحو أصل الطاعة هو الثواب، وليس محركهم نحو أصلها خوف العقاب مع كون محركهم نحو كمالها والدرجة السامية منها الطمع في الثواب، هذا إن سلّمنا كون قصد الثواب من درجات كمال الإطاعة والعبادة؛ فإن الظاهر أن الإطاعة بقصد كونه تعالى مولى وكونه أهلاً لأن يُعبد ويُطاع هي المعتبرة من درجات الكمال، وكذا شكر المنعم، دون الثلاثة الأخرى: الإطاعة خوفاً من العقاب أو طمعاً في الثواب أو تحصيلاً للمصالح والمفاسد الواقعية. فتأمل
بل يكفي النقض بمورد واحد فقط وهو قوله ((عليه السلام)): ((مَا عَبَدْتُكَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ وَلَا خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَلَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُكَ))([5])فإن ذلك (أنه وجده أهلاً للعبادة) هو المحرك الأساس، وهو المحرك نحو أصل الإطاعة لا خوف النار مثلاً.

التبريزي: الظن بالواقع وبالطريق مستلزمان للظن بالبراءة

وأما قوله: (وحينئذ إن أمكن تحصيل العلم بالبراءة كان هو المتعيّن عند العقل، وإلاّ كان المتعيّن هو تحصيل الظن بها، سواء كان حاصلا من الظنّ بالواقع أو بالطّريق‌ بعد فرض استلزامهما للظنّ بها) فيرد عليه:

المناقشات

أولاً: ما سبق تفصيلاً عند نقد أصل كلام الشيخ ((قدس سره))([6]).
ثانياً: ما سبق([7]) من التفصيل بين الجهات الست المحركة نحو الإطاعة.
ثالثاً: إن الظن بالطريق مع عدم أدائه إلى الظن بالواقع، مرجوح بالنسبة للظن بالواقع، فإذا دار أمر المكلف بينهما، فلا شك في أن الأول راجح عقلاً، إذ أنه الواجب النفسي والثاني وجوبه مقدمي، إلا على المصلحة السلوكية التي سيأتي الجواب عنها، فلو لم يعلم بأدائه إليه ولا ظَنَّ به فكيف يخيّر بينه وبين ما يظن أنه الواجب النفسي؟ وبعبارة أخرى: إن فرض استلزامهما، أي الظن بالواقع والظن بالطريق، للظن بها أي البراءة، باطل إذ لا يظن بالبراءة، وجداناً، مع اتباع الطريق غير المورث للظن بالواقع.
وبوجه آخر: إن استلزامهما للظن بالبراءة إنما هو مع قيام الظن الخاص عليهما، وذلك في صورة الإنفتاح، وأما في صورة الإنسداد، وهو محل البحث، فالظن المطلق بالواقع هو الدرجة النازلة عن الظن المعتبر وكذا الظن بالطريق المؤدي إليه([8])، دون الظن بالطريق غير المؤدي إلى الظن بالواقع.
رابعاً: إن الظن بالطريق مع تجرده عن الظن بالواقع، لا يتصف بالحجية إلا مع دعوى كونها بالنسبة له([9]) منسوباً إلى الواقع، من قبيل الواسطة في العروض لا الواسطة في الثبوت، بيانه: أن الظن بالواقع يكون واسطة في ثبوت الحجية للظن بالطريق المؤدي إليه([10])، فيكون اتصافه([11]) بها حينئذٍ حقيقة، دون الظن بالواقع الذي لا يقترن به الظن بالطريق، إذ كيف يكون الظن بالطريق حينئذٍ حجة إلا إذا حكم العقل بموضوعيته وكونه بما هو هو مبرءاً للذمة وهو ما يفتقر إلى الدليل فإنه خلاف الأصل فأين الدليل؟
بعبارة أخرى: يكون هذا الظن بالطريق، أجنبياً في حجيته عن الظن بالواقع فيكون هو المعروض للحجية من دون أن يكون الواقع واسطة في ثبوتها له، ولم يقم أي دليل على ذلك.

هل هناك تناقض بين كلامي الشيخ ((قدس سره))؟

ثم إن الذي يبدو أن هنالك تناقضاً بين كلامين للشيخ ((قدس سره))، وأن ما صدّر به كلامه في التنبيه الأول، ناقضه بعد عدة صفحات.
قال في أول التنبيه الأول: (وينبغي التنبيه على أمور:
الأول أنك قد عرفت أن قضية المقدمات المذكورة وجوب الإمتثال الظني للأحكام المجهولة، فاعلم: أنه لا فرق في الإمتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي - كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي - وبين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري، كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن كالقرعة مثلا، فإذا ظن حجية القرعة حصل الإمتثال الظني في مورد القرعة وإن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي، إلا أنه حصل ظن ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة، وليس الواقع بما هو واقع مقصودا للمكلف إلا من حيث كون تحققه مبرءا للذمة)([12]).
لكنّه قال بعد صفحات: (ولا ريب: أنّ المقصود من نصب الطريق إذا كان غلبة الوصول إلى الواقع لخصوصية فيها من بين سائر الأمارات، ثم انسدّ باب العلم بذلك الطريق المنصوب، والتجأ إلى إعمال سائر الأمارات التي لم يعتبرها الشارع في نفس الحكم لوجود الأوفق منها بالواقع، فلا فرق بين إعمال هذه الأمارات في تعيين ذلك الطريق وبين إعمالها في نفس الحكم الواقعي.
بل الظاهر: أن إعمالها في نفس الواقع أولى، لإحراز المصلحة الأولية التي هي أحقّ بالمراعاة من مصلحة نصب الطريق، فإنّ غاية ما في نصب الطريق من المصلحة ما به يتدارك المفسدة المترتّبة على مخالفة الواقع اللازمة من العمل بذلك الطريق، لا إدراك المصلحة الواقعية، ولهذا اتفق العقل والنقل على ترجيح الاحتياط على تحصيل الواقع بالطريق المنصوب في غير العبادات ممّا لا يعتبر فيه نية الوجه اتفاقاً، بل الحق ذلك فيها أيضاً، كما مرّت الإشارة إليه في إبطال وجوب الاحتياط)([13]).
وسيأتي البيان وما يمكن ان يدافع به عن الشيخ والنقاش فيه فانتظر.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال أمير المؤمنين ((عليه السلام)): ((جُمِعَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي كِتْمَانِ السِّرِّ وَمُصَادَقَةِ الْأَخْيَارِ، وَجُمِعَ الشَّرُّ فِي الْإِذَاعَةِ وَمُؤَاخَاةِ الْأَشْرَارِ))‏ (الاختصاص: ص218).

---------------------------------

([1]) الصحيح ظاهراً هو: استلزامهما.
([2]) الميرزا موسى التبريزي، أوثق الوسائل في شرح الرسائل، منشورات كتبي نجفي ـ قم: ج1 ص211.
([3]) عوالي اللآلئ: ج1 ص44.
([4]) الدرس (144).
([5]) عوالي اللآلئ: ج1 ص44.
([6]) قبل أسابيع في الدرس (124).
([7]) في الدرس السابق.
([8]) إلى الظن بالواقع.
([9]) كون الحجية بالنسبة للظن بالطريق، منسوباً هذا الطريق إلى الواقع.
([10]) أي إلى الظن بالواقع.
([11]) الظن بالطريق.
([12]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص437.
([13]) المصدر: ص450-451.

 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4361
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنین 11 ربيع الأخر 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22