• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 178- تتمة المستفاد من الايات في تعريف المعرفة ـ رواية الكافي عن الامام الباقر (عليه السلام) في تعريف المعرفة .

178- تتمة المستفاد من الايات في تعريف المعرفة ـ رواية الكافي عن الامام الباقر (عليه السلام) في تعريف المعرفة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين باعث الأنبياء والمرسلين ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد (ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان البحث في الروايات الدالة على"وجوب المعرفة"ومدى دلالتها على وجوب كون المعرفة عن اجتهاد من عدمها، وذكرنا تعريفات سبعة للمعرفة، ثم ذكرنا إحدى الآيات الشريفة وهي الآية 89 من سورة البقرة. 
واما مبحث اليوم فهو عن ما يمكن أن يستنبط منها في تحديد المراد من المعرفة فانها تتحدث عن اليهود: الذين(كَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) وصفوة القول انه يمكن ان يستفاد من منهااستفادات: 
ما يستفاد من آية (ما عرفوا) 
الأولى: ان متعلق المعرفة "جزئي وشخصي ومصداقي" وليس "مفهوماً كليا أو نوعيا" فان اليهود كانوا قد عرفوا الرسول (صلى الله عليه وآله)بشخصه الكريم بالعلامات والصفات المذكورة له في التوراة المحددة لشخص النبى (صلى الله عليه وآله). 
الثانية: (الظاهر) من "ما عرفوا" ان درجة خاصة من الوضوح قد اعتبرت، إما العلم أو ما يتاخم العلم، فانهم عرفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)عبر تلك العلامات من قبل و كانوا قاطعين عموماً بذلك ولم يكونوا ظانين، والظن المتاخم للعلم منزلة منزلته. 
الثالثة: لم تكن هذه المعرفة خاصة بمجتهديهم بل عمت مقلديهم ايضا، اذ يستفاد من الروايات ان أحبار اليهود قرأوا أوصاف الرسول (صلى الله عليه وآله)في التوراة، ثم نقلوها إلى العوام فعرفوا الرسول (صلى الله عليه وآله) إذن لا عن اجتهاد بل لقول مجتهديهم، والمجتهدون قد عرفوها عبر المراجعة للتوراة مباشرة، وصدق المعرفة فيهما على نحو الحقيقة،ثم أن كلا الفريقين من مجتهدين ومقلدين انكروا (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ... ). 
وإجمالما ذكرته بعض الروايات: أن اليهود كانوا في النزاع الذي يحدث بينهم وبين المشركين والكفار من عباد الأصنام، ولدىالظلامة التي كانوا يتعرضون لها، كانوا يهددون المشركين بان نبي آخر الزمان سيظهر بين ظهرانينا وسنتنصر به عليكم وسننتقم منكم، وكانوا احيانا يخبرونونهم بذلك واحيانا كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى أن يقرب فرج نبي آخر الزمان الذي قرأوا أوصافه في التوراة أو علموا بها من علماءهم، بل الأكثر من ذلك فان اليهود الذينسكنوا في المدينة أو حواليها، كانوا قد هاجروا إليهاوما حولها انتظارا للنبي،منذ عشرات السنين 
الرابعة : هذه المعرفة كانت مسبوقة بالعدم المسبوق بالوجود وما سبق بحاجة إلى تأمل فتأمل 
من الآيات في المقام 
وينبغي التدبر في سائر الآيات الكريمة، للتثبت من "القواسم المشتركة" التي ذكرناها سابقا، إيجاباً أوسلبا. وان "القواسم المشتركة" في موارد استعمال واستخدام كلمة "المعرفة" ب"تصريفاتها الاخرى" هل هي كما ذكرنا أو لا؟ 
من الايات: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ) و(الكتاب) اي جنس الكتب السماوية كما ذكره بعض المفسرين (يعرفونه) أي الرسول المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)، 
ومنهاقوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) فهلنفس الاستنباط السابق جاري هنا ؟ 
وكذلكقوله تعالى: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) 
الوجه في تسمية (المعروف) معروفاً 
وهذا البحث يفتح نافذة جديدة في دراسة الآيات الشريفة، ويمكن في باب التفسير ان نتوقف مدة شهر كامل على ضوء هذا المبحث ومستندين إليه لتفسير الآيات الشريفة من منظار أكثر عمقاً أو أكثر دقة، ومنه تناول باب جديد معرفي مستنبط من الآيات الشريفة على ضوء "القواسم المشتركة" سلباً أو إيجاباً في هذه المفردة، فمثلاً قوله (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)لما لم يقل الله تعالى تأمرون بالمعلوم ؟ ربما لجهات عديدة: إحدى الجهات: الخصوصية الخاصة الموجودة في المعرفة غير الموجودة في العلم، منها:ان المعرفة يشترط فيها أن تكون مسبوقة بعدم مسبوقٍ بمعرفة – وهي الفائدة الرابعة، والتعريف السابع للمعرفة- إذ نجد ان التعريف السابع كامل الانطباق على هذه الآية الشريفة استظهاراً مبدئياً، توضيحه أنه لعل من أسباب قوله تعالى: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) كون (المعروف) ما كان معروفا من قبل في فطرة الإنسان، ومعروفاً من قبل له في دائرة المستقلات العقلية، فربما الآية تشير –عبر ذكر هذه المفردة –إلى علة وجوب الأمر به – أي بالمعروف -، اي: لأنه معروف لكم في فطرتكم فامروا به، ولِمَ لا تأمرون به ؟ ولانه معروف لكم، من حيث إدراك عقولكم له في دائرة المستقلات العقلية، وذلك مثل: قبح خلف الوعد و قبح الظلم وقبح قتل النفس المحترمة،وكذا حسن رد الوديعة و حسن عبادة الله سبحانه وتعالى وحسن شكر المنعم، وهكذا سائر المستقلات العقلية،وحسب تتبع العبد الفقير فان المستقلات العقلية قد تبلغ المئات -بخلاف ما يتصوره البعض من كون المستقلات العقلية قليلة جداً -وهذه كلها مستبطنة في كلمة "المعروف"ويعدّ كونها معروفاً علة أو مقتضياً لوجوب الأمر بها. 
ولنقتصر على هذا المقدار من البحث، على انه استظهار مبدئي وربما تتأكد أكثر هذه الاستفادات التي استنبطناها مع مزيد البحث والتدبر، وربما يرى المرء عندئذ أن بعض الاستنباطات لم تكن في محلها فتدبروا جيداً. 
اشكال: الاستعمال اعم من الحقيقة 
إن قلت: الاستعمال أعم من الحقيقة، فلو فرض أن الايات استخدمت مفردة "المعرفة" في ما كان على "درجة خاصة من الوضوح" أو استخدمت "في المعرفة المسبوقة بالعدم المسبوق بالوجود" أو استخدمت في "الأعم من المعرفة عن اجتهاداً أو عن ظن"لكنالاستعمال أعم من الحقيقة كما هو المشهور. 
الاستعمال قد يفيد الحقيقة 
قلنا: ان الاستعمال أعم من الحقيقة، إلا في صورتين 
الصورة الأولى: "ما لو أحرز بأن هذا الاستعمال بلا عناية وبلالحاظ علقة خفية أو جلية"، وذلك يحصل لأهل الخبرة في اللغة، ولمن ولد وتربي في أحضان اللغة، استناداً للارتكاز وقد يحصل من لحاظه استعمالاً واحداً فقط، وهذا هو المعبّر عنه بـ(التبادر). 
الصورة الثانية : "ما لو بلغ الاستعمال من الكثرة حداً أفاد عرفاً كونه حقيقة لا مجازا أي كونه بلا لحاظ امرٍ خارج عن حاق اللفظ " نعم الاستعمال مرة او مرتين أو مراراً قد لا يكون علامة الحقيقة.
مثلا: إذا تتبعنا مختلف موارد استعمال كلمة "الماء" فلم نجدها تطلق إلا بعناية على "ماء البرتقال" فنعرف انه ليس المعنى الحقيقي الموضوع للماء،وكذلك إذا تتبعنا مختلف موارد استعمال كلمة "سائل " فلم نجدها تطلق على الذهب المذاب مثلاً، أو الرصاص المنصهر المذاب، فيصح السلب، وهكذا الامر في اللغات الأخرى، فاننا نعرف الحقيقةوالمجاز منها من كثرة استخدام هذه اللفظة في المعنى، هذا احدى الطرق، وهي المسماة بـ(الاطّراد) والمدعى هو انه بتتبع الآيات القرآنية الكريمة الواردة فيها مادة "المعرفة" بتصريفاتها، قد يستفاد ذلك. فتأمل 
رواية الكافي في تحديد المعرفة 
ونقتصر على ذكر رواية رواها الكليني في الكافي الشريف في باب "معرفة الإمام والرد إليه" وهذه الرواية لو تمت سندا فهي تغنينا عن الكثير من المباحث، وهذه الرواية "حجة"، حسب المسلك العام عندنا في "حجية مراسيل الثقاة"، علماً بأن البراهين التيأقمناها على "حجيته مراسيل الثقات"تدل على حجية "المسانيد المجهول رجالُها"ايضا، وبتعبير اوضح: أن الثقة لو أسند وذكر سلسلة السند، فنحن في غنى عن تتبع حال الرواة وذلك اعتماداً على "اعتماده عليها من غير معارض"فانالأدلة التي ذكرناها لإثباتحجية المراسيل، تشمل المستند المجهول لنا رجاله. هذا كله اضافة الى ان التتبعلسند الرواية افاد اعتبار السند ووثاقة احاد رواة هذه الرواية. 
سند الرواية 
(الحسين بن محمد)أي الأشعري الثقة شيخ الكليني (عن معلى بن محمد)أي الزيادي أو البصري -كلا اللقبين مستخدمان في حقه- وثّقه السيد الخوئي في معجم رجال الحديث وكذا الميرزا جواد التبريزي واخرون،وأجابوا عما أورد عليه(عن الحسن بن علي الوشاء)وهو ثقة (عن محمد بن الفضيل) عدّه الشيخ المفيد من "الفقهاء والرؤساء الأعلام الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام والفتي والأحكام ولا يطعن عليهم بشيء" ولكن ضعّفه بعض علماء الرجال و"رموه بالغلو" 
عدم اعتبار التضعيفات المدرسية 
وقد أشرنا في المباحث السابقة إلى ان التضعيف قد يكون "مدرسياً" والتهمة التي يرمى بها الراوي قد تكون تهمة "مدرسية" ، و(الغلو)منها، وذلك لكون هذه المدرسة مثلا ترى بأن بعض الفضائل المذكورة لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، الاعتقادُبها وذكرها، غلو فيرمى الشخص الراوي بكونه غاليا، لكن المدرسة الأخرى لا تجدها غلواً بل قد تجدها دون شأنهم، فان الرسول والأئمة اقتصروا على مقدار ما تتحمله عقولنا بل حتى ذلك لا يتحمله البعض، ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ما مضمونه: "لولا أن أناساً يقولون فيك ما قالوا في المسيح بن مريم لقلت فيك كذا..." والحاصلانه: 
اولا: ان التهمة المدرسية لمن ليس من تلك المدرسة لا تسقطه من الاعتبار 
ثانياً: التهمة المدرسية لا ترتبط بصدق اللهجة والوثاقة فان المتهم بالغلو إذا لم تكن روايته في دائرة التهمة، اي لم تكن روايته كلاميةو في المناقب – في الحدود فوق المتوسط منها -، فلا وجه لرد روايته حتى لمن ينتمى لمدرسة اخرى، ويكفينا كلام الشيخ المفيد في توثيق هذا الرجل، وبتلك القوة. 
(عن ابي حمزة)الثمالي أي ثابت بن دينار الثقة المعروف، فهذه الرواية معتبرة على حسب تتبع أحاد سلسلة السند فيها أيضاً. 
نص الرواية الشريفة 
(قال لي أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إنما يعبد الله من يعرف الله فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً، 
قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال(عليه السلام): تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله، وموالاة علي والائتمام به وبأئمة الهدى، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم، هكذا يعرف الله عزوجل) 
والروايات كثيرة في هذا المضمار، فهذه الرواية تفسير روايات وجوب المعرفة مثل (أول الدين معرفته)(أول عبادة الله معرفته)(أول ما افترض الله عباده وأوجب على خلقه...)ولذلك تفصيل سيأتي بإذن الله تعالى. 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=438
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 22 ذي الحجة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23