• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 153- الثمرة في حجية الظن بالطريق أو حجيته الأعم منه ومن الظن بالواقع .

153- الثمرة في حجية الظن بالطريق أو حجيته الأعم منه ومن الظن بالواقع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(153)

الثمرة

ثم انه قد يسأل عن الثمرة في البحث عن حجية الظن في الطريق خاصة كما قاله الفصول، أو حجية الظن في الطريق والظن في الحكم جميعاً، كما قاله الشيخ وهو المشهور ظاهراً؟ فنقول:

إنّ الثمرة تظهر في مواطن، سنذكرها ضمن بيان النسبة بين المبنيين أي بين حجية الظن بالطريق خاصة وحجية الظن بالطريق وبالحكم، إذ قد يتوهم ان النسبة هي العموم والخصوص المطلق بدعوى ان كل ظن بالحكم فهو ظن بالطريق إذ لا طريق إليه إلا هو، ولا عكس إذ قد يظن بالطريق، أي بحجيته ولا يظن منه بالحكم، ولكن الحق ان النسبة هي العموم من وجه، ويتضح ذلك عبر بيان أربع صور من مواد الافتراق من الطرفين إضافة إلى ذكر مادة الاجتماع.

الظن بالواقع والظن بالطريق

الصورة الأولى: الظن بالواقع والظن بالطريق جميعاً، وهي مادة الاجتماع، وذلك كما لو ظن في حالة الإنسداد بحجية الشهرة وحصل له من انعقادها على وجوب صلاة الجمعة تعييناً زمن الغيبة، الظن الشخصي بمطابقتها للواقع.

الظن بالطريق من دون ظنٍ بالواقع

الصورة الثانية: أن يحصل له الظن بالطريق دون أن يحصل له الظن بالواقع، وهذه مادة الافتراق من هذه الجهة([1])، وذلك مبنى كلام الفصول (إذ لو كانا متلازمين لما كان هنالك وجه لقوله بحجية الظن بالطريق دون حجية الظن بالواقع إذ انه([2]) كلما ظن بالطريق فقد ظن بالواقع) والوجه في إمكان التفكيك بين الظنّين ووقوعه، غير خفي سواء على الانفتاح أم الإنسداد:

أما على الأول: فلأنه قد يكون طريق ما، كالشهرة أو خبر الثقة، حجة من باب الظن النوعي لكنه قد لا يورث في بعض الموارد للمجتهد الظن بصدقه ومطابقته للواقع، بان لا يتطابق الظن الشخصي مع النوعي، بل قد يظن ظناً شخصياً بمخالفته للواقع، وقد ذهب المشهور إلى عدم إناطة حجية ما كان حجة لدى النوع بانعقاد الظن الشخصي على الوفاق، بينما اشترط بعضهم عدم الظن الشخصي بالخلاف، وأما احتمال اشتراط انعقاد الظن الشخصي بالوفاق، فبعيد.

أما على الثاني: فقد يقوم خبر الثقة، غير المعتبر (أي غير المعتبر بدليل خاص، لكنه من باب الإنسداد صار معتبراً من باب الظن المطلق أي لا لقيام دليل خاص على حجيته بل لقيام دليل عام وهو دليل الإنسداد على حجية مطلق الظن مقابل الوهم والشك نظراً للزوم ترجيح الراجح وقبح ترجيح المرجوح، وذلك بعد إنسداد أبواب البدائل الأخرى نظراً لعدم صحة الرجوع إلى القرعة أو إلى الانفتاحي وعدم وجوب أو جواز الاحتياط وعدم جواز إجراء البراءة... إلخ) على حجية طريق كالشهرة فيحصل له الظن بحجيتها ولكن لا يحصل له منها الظن بالحكم الواقعي، أي لا يظن منها وببركتها بوجوب جلسة الاستراحة أو الدعاء عند رؤية الهلال أو وجوب صلاة الجمعة تعييناً زمن الغيبة؛ ألا ترى ان خبر العدل الإمامي الضابط الـمُسنَد إلى مثله وصولاً إلى الإمام (عليه السلام)، حجة قطعاً على الانفتاح لكنه قد لا يورث للفقيه في بعض الموارد الظن بمطابقة مؤداه للواقع؟ بل قد يشك أو يظن بالخلاف؛ لقرائن مخالفة تجمعت لدى الفقيه وإن لم تكن حجة في حد ذاتها لكنها تمنع من حصول الظن للفقيه بمؤدى ذلك الطريق.

ومن ثمرات هذا التفكيك في الصورة الثانية: ما نلتزمه، تبعاً للعقلاء، من حجية أقوال أهل الخبرة، كالطبيب والمهندس والمجتهد وإن لم تورث أحياناً للمقلد أو المراجِع، الظنَّ الشخصي بالصدق والإصابة، لذا لا يصح للمقلد ان يتعلل في رفض فتوى المجتهد بانه غير مقتنع بها أو انه شاك إذ لا يشترط في وجوب إتباع الجاهل للعالم انعقاد ظنه الشخصي بالوفاق، كما لا يمنع ظنه بالخلاف من حجية قول أهل الخبرة، فان ظن الجاهل لا حجيته له ولا أثر له بوجه.

الظن بالواقع من طرق معهودة دون ظن بحجيتها

الصورة الثالثة: أن يحصل له الظن بالواقع من الطرق المعهودة لكن من غير ان يكون ظاناً بحجية ذلك الطريق، وهذه ولواحقها هي مادة الافتراق من الجهة الأخرى([3])، والمقصود بالطرق المعهودة: خبر الثقة، الظواهر، الإجماع المحصل والمنقول، وحتى مثل شهرة القدماء أي الطرق التي قال المشهور بحجيتها أو قال بحجيتها جمعٌ معتَدٌّ به من الفقهاء، وذلك على الإنسداد واضح، فانه كما على الانفتاح أ- قد يحصل له الظن من قول الفاسق غير الضابط مع انه ليس بحجة ب- وقد لا يحصل له الظن، وكما سبق، من قول العدل الضابط، فكذلك على الإنسداد كما لو رأى حجية الشهرة على الانفتاح([4])، لكنه على الإنسداد لم يحصل له الظن بحجيتها، لكنها في موردٍ أفادَتْهُ الظنَّ بمطابقة مضمونها للواقع، فرغم انه لا يرى حجية هذا الطريق إلا انه قد يفيده الظن بمؤداه.

والسرّ في التفكيك: ان الأخير يراد به الظن الشخصي وأما ما قبله فيراد به الظن النوعي لدى الانفتاح والظن المطلق (الحاصل للعموم) لدى الإنسداد، بوجه آخر: أو السبب اعتضاد الطريق غير الظني، أي الذي لم يظن بحجيته، بقرائن أفادت الظن بمفاده ومدلوله.

الظن بالواقع من طرق غير معهودة

الصورة الرابعة: نفس الصورة الثالثة ولكن فيما إذا حصل له الظن بالواقع من الطرق غير المعهودة، كما لو حصل له الظن بالواقع من الرؤى والأحلام، أو الرمل والاسطرلاب، أو الكفّ والفنجان أو الاستقراء الناقص غير المعلل، وهذه ثمرة مهمة إذ على مبنى الشيخ من حجية الظن سواء أكان بالطريق أم كان بالواقع، فانه لو حصل له ظن شخصي من أمارة معهودة وهي الصورة السابقة أو غير معهودة مادام لم يرد نهي عنها كالقياس وهي هذه الصورة، فانه يكون حجة عليه لازم الإتباع، وذلك لنفس الدليل العام الإنسدادي والمذكور في المقدمة الثالثة من مقدمات الإنسداد.

الظن بالواقع مع الظن بوجود طريق إجمالاً

الصورة الخامسة: ما ذكره المحقق النائيني ضمن كلامه وإن لم يؤطره بالإطار الذي ذكرناه وهو الظن بالواقع مع الظن الإجمالي بانه مؤدى طريق معتبر، أي مع الظن بانه مؤدى طريقٍ معتبرٍ ما، عكس الصورة السابقة حيث حصل الظن بالطريق تفصيلاً وبعينه، قال (قدس سره): (وذلك يقتضى كفاية الظن بأنّ الحكم‌ الكذائي مؤدّى طريق معتبر وإن لم يحصل الظن بطريقية طريق خاص، فلو حصل للمكلف الظن بأنّ وجوب صلاة الجمعة مؤدّى طريق معتبر كان حكمه حكم الظن بطريقية طريق خاص.

والظن بالأحكام غالباً يلازم الظن بأنّها مؤدّى طريق معتبر، خصوصاً إذا كانت الأحكام المظنونة ممّا تعمّ بها البلوى، فانّ الظن بها لا ينفك عن الظن بأنّها مؤدّى طريق معتبر وإن لم يتشخص ذلك الطريق لدى المكلف)([5]).

مناقشة رأي المحقق النائيني (قدس سره)

ولكن يرد عليه أن قوله: (والظن بالأحكام غالباً يلازم الظن بأنّها مؤدّى طريق معتبر) غير تام؛ لأنه إما أن يقصد بالطريق المعتبر، المدعى انكشافه إجمالاً، المعتبر لدى المجتهد الآخر أو المشهور (كما لو قامت الشهرة على وجوب جلسة الاستراحة فحصل له الظن بأن المشهور لا بد أن يكونوا قد اعتمدوا على ظنٍّ معتبرٍ لديهم) أو يقصد بالطريق المعتبر المعتبر لدى المجتهد نفسه؟

فإن قصد الأول وَرَدَ عليه: انّ المعتبر لدى المجتهد الآخر أو المشهور ليس حجة على هذا المجتهد حتى لو علم به تفصيلاً (إلا أن يقوده اجتهاده إلى انه معتبر لا لمجرد انه معتبر لديهم، وهو خروج عن الفرض) فكيف لو علم به إجمالاً فقط؟

وإن قصد الثاني وَرَدَ عليه: انّه لا تلازم غالباً فكيف بقوله (لا ينفك في ما تعم به البلوى) إذ ما أكثر المعتبر لديهم غير المعتبر لدى المجتهد، اللهم إلا لو أحرز وحدة المباني والمقدمات كلها، لديه ولديهم، وهو نادر، أو نقول: ان المجتهد قد يظن بالحكم من غير ان يظن بان عليه طريقاً معتبراً وذلك كما لو حصل له الظن من مجموعة قرائن غير معتبرة. فتدبر وتأمل.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((لا يُدرَكُ العِلمُ بِراحَةِ الجِسمِ))‏ (غرر الحكم، ص44)

---------------------------
([1]) جهة الظن بالطريق.

([2]) على التلازم.

([3]) جهة الظن بالواقع.

([4]) أو لم يرَ حجيتها، لا فرق.

([5]) الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، فوائد الاُصول، مؤسسة النشر الإسلامي  التابعة لجماعة المدرسين ـ قم، ج3 ص286-287.

 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4380
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين 25 ربيع الأخر 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22