بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(154)
خامس إشكالات الشيخ على الفصول
وأما خامس إشكالات الشيخ على صاحب الفصول (قدس سرهما) فملخصه: ان الإنسداد والعلم بوجود طريق منصوب حينه وتردده بين مجموعة من الطرق، يقتضي القول بحجية كل من الظن بالواقع والظن بالطريق، أي الظن بان هذا الطريق هو ذلك الطريق المنصوب، فنتيجته القول بالتخيير الواقعي بين العمل بالظن بالطريق أي الظن في المسألة الأصولية والعمل بالظن بالواقع أي بالمسألة الفقهية، وذلك لأن كلاً منهما ظن امتثالي لا يزيد على صاحبه شيئاً، بل نضيف إلى ما قاله (قدس سره): ان الظن بالواقع أرجح لأنه المقصود أولاً وبالذات والحامل للمصلحة أو المفسدة وأما الظن بالطريق فغاية الأمر انه منزّل منزلته وأين الأصيل من البديل أو الوكيل؟ وقد سبق بيان ذلك وتنقيحه تفصيلاً.
العلم الإجمالي بوجود طريق منصوب يوجب التخيير([1])
قال الشيخ (قدس سره): (وخامساً: سلّمنا العلم الإجمالي بوجود الطريق المجعول وعدم المتيقّن وعدم وجوب الاحتياط، لكن نقول: إنّ ذلك لا يوجب تعيين العمل بالظنّ في مسألة تعيين الطريق فقط بل هو مجوّزٌ له، كما يجوز العمل بالظن في المسألة الفرعية)([2])
على الانفتاح
واستدل عليه بقوله: (وذلك لأنّ الطريق المعلوم نصبه إجمالاً: إن كان منصوباً حتى حال انفتاح باب العلم فيكون هو في عرض الواقع مُبرءاً للذمة بشرط العلم به كالواقع المعلوم. مثلاً: إذا فرضنا حجية الخبر مع الانفتاح، تخيّر المكلّف بين امتثال ما علم كونه حكماً واقعياً بتحصيل العلم به، وبين امتثال مؤدى الطريق المجعول الذي علم جعله بمنزلة الواقع، فكل من الواقع ومؤدى الطريق مبرءٌ مع العلم به، فإذا انسدّ باب العلم التفصيلي بأحدهما تعيّن الآخر، وإذا انسدّ باب العلم التفصيلي بهما تعيّن العمل فيهما بالظنّ، فلا فرق بين الظنّ بالواقع والظنّ بمؤدى الطريق في كون كلّ واحدٍ امتثالاً ظنياً)([3]).
وتوضيحه: انه عند انفتاح باب العلم مثلاً بوجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام (عليه السلام) من دون مانع يمنع من الوصول إليه أو يمنع من جوابه من دون تقيّة أو تورية، فانه لا شك حينئذٍ في وجوب الرجوع إليه لأن قوله (عليه السلام) على الفرض مورث للعلم، ولكن إذا دلّ الدليل على كفاية الرجوع إلى سلمان رغم وجوده (صلى الله عليه وآله وسلم) أو إلى زرارة رغم وجود الإمام (عليه السلام) أفاد ذلك التخيير الواقعي بين العمل بهذا الطريق المنصوب (قول سلمان أو زرارة) وبين العمل بالواقع نفسه المنكشف بنص كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام (عليه السلام) فقوله (ما علم كونه حكماً واقعياً بتحصيل العلم به) أي عبر السماع من الإمام (عليه السلام) مباشرة، مثلاً إذ نحصل على العلم بالواقع حينئذٍ.
وتخريج التخيير الواقعي هو وجود مصلحة سلوكية في الطريق تكافئ مصلحة الواقع فانه إذا عمل بالواقع، عبر إتباعه ما يورث العلم به وهو كلام المعصوم (عليه السلام)، أدرك مصلحته الواقعية، وإذا عمل بخبر زرارة أدرك المصلحة السلوكية الكائنة في إتباع الطريق ومع فرض كونها مكافئة واقعاً للمصلحة الواقعية فلا مناص من التخيير بينهما، نعم لو كانت أدنى منها لما صح العمل بها إلا لدى تعذر العمل بالواقع ولو بتعذر الحصول على الكاشف عنه وهو قول المعصوم (عليه السلام) المورث للعلم.
فقوله: (في عرض الواقع) أي بديلاً له، منزّلاً منزلته مما يعني التخيير بين الواقع الحقيقي والواقع التنزيلي.
على الإنسداد
وقال (قدس سره): (وإن كان ذلك الطريقُ منصوباً عند انسداد باب العلم بالواقع، فنقول: إنّ تقديمه حينئذٍ على العمل بالظنّ إنما هو مع العلم به وتميّزه عن غيره؛ إذ حينئذٍ يحكم العقل بعدم جواز العمل بمطلق الظنّ مع وجود هذا الطريق المعلوم؛ إذ فيه عدولٌ عن الامتثال القطعي إلى الظنّي، وكذا مع العلم الإجمالي بناءً على أنّ الامتثال التفصيلي مقدّم على الإجمالي أو لأنّ الاحتياط يوجب الحرج المؤدى إلى الاختلال.
أمّا مع انسداد باب العلم بهذا الطريق وعدم تميّزه عن غيره إلا بإعمال مطلق الظنّ فالعقل لا يحكم بتقديم إحراز الطريق بمطلق الظن على إحراز الواقع بمطلق الظنّ.
وكأن المستدلّ توّهم: أنّ مجرّد نصب الطريق - ولو مع عروض الاشتباه فيه - موجبٌ لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق، كما ينبئ عنه قوله: وحاصل القطعين إلى أمرٍ واحد وهو التكليف الفعلي بالعمل بمؤديات الطرق. وسيأتي مزيد توضيحٍ لاندفاع هذا التوّهم إن شاء الله تعالى)([4]).
قوله (بمطلق الظنّ) اي بالواقع (مع وجود هذا الطريق المعلوم) كقول سلمان أو زرارة مثلاً، المنصوب فرضاً عند إنسداد باب العلم بالواقع.
قوله: (أما مع إنسداد باب العلم بهذا الطريق وعدم تميّزه) لفرض ان الحجج قد أجملت وترددت بين مجموعة من الطرق أي بين ما هو حجة واقعاً وما ليس بحجة، وللتوضيح يمكن ان نمثّل بكتاب (تحف العقول) فانه حيث حذف الأسانيد اختلطت الحجج، وهي المسانيد المعنعنة عن العدول والثقات، باللاحجج وهي المراسيل أو المرويات عن الضعاف، فهذا في حال الانفتاح، فكذا في حال الإنسداد إذ لا نعلم على الفرض ان الشهرة والإجماع المنقول والأولوية الظنية وأقسام الخبر ونظائرها حجة أو لا، مع علمنا بنصب الشارع طرقاً وعدم وجود قدر متيقن منها كما هو مبنى تسليم ذلك في الجواب الخامس.
ولكن بقي هنا إشكالان أولهما ما نطرحه والآخر ما طرحه الشيخ (قدس سره).
الأمور السبعة والتخيير بين أي منها
أما الأول فهو: ان ههنا أموراً:
1- الواقع وهو مثلاً وجوب جلسة الاستراحة أو الدعاء عند رؤية الهلال.
2- قول المعصوم (عليه السلام)، وهو الحجة سواء أورث العلم أم لا.
3- العلم الحاصل من قول المعصوم (عليه السلام) عند إحراز عدم انفكاك إرادته الجدية عن الاستعمالية، كإحراز عدم كون كلامه تقيّةً أو توريةً أو تأخيراً للمخصص عن العام لحِكمةٍ.. إلخ.
4- خبر زرارة.
5- القطع بحجيته.
6- الظن، عند الانفتاح، بمطابقته، أي قول زرارة، للواقع.
7- الظن، عند الإنسداد، بانه هو الطريق المنصوب عند إنسداد باب العلم حتى بالطريق المنصوب.
والسؤال هو: ان الأمر السادس والسابع (الطريق المنصوب عند الظن به على كل من الانفتاح والإنسداد) هو في عرض الأول أو هو في عرض الثاني؟ أو هو في عرض الثالث؟، أي هل التخيير هو بين الواقع وهو الأول وبين السادس أو السابع، مما يؤول إلى التخيير بين حامل المصلحة الواقعية وحامل المصلحة الثبوتية، أو التخيير بين قول المعصوم (عليه السلام) وهو الثاني وبين السادس أو السابع؟ أو بين العلم الحاصل من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الثالث وبين السابع أو السادس؟ وستختلف الآثار على اختلاف المختار، فتدبر حتى البحث القادم.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (( المالُ تَنقُصُهُ النَّفَقَةُ، والعِلمُ يَزكو عَلَى الإِنفاقِ)) (الأمالي للطوسي، ص20)
-------------------------
([1]) بين العمل بالظن بالطريق والعمل بالظن بالواقع.
([2]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص446.
([3]) المصدر: ص446-447.
([4]) المصدر: ص447.
|