• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 163- الأقوال الست في المعرفة في أصول الدين .

163- الأقوال الست في المعرفة في أصول الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(163)

في اعتبار الظن في أصول الدين

قال الشيخ (قدس سره): (الأمر الخامس في اعتبار الظن في أصول الدين والأقوال المستفادة من تتبع كلمات العلماء في هذه المسألة، من حيث وجوب مطلق المعرفة، أو الحاصلة عن خصوص النظر، وكفاية الظن مطلقاً، أو في الجملة، ستة)([1]) وهنا تمهيدات:

المسألة قد تطرح أصولية وقد تطرح كلامية

الأول: انّ المسألة يمكن أن تطرح أصولية كما يمكن أن تطرح كلامية، فالأصولية فيما إذا جرى البحث عن حجية الظن في أصول الدين مثلاً أو عن حجية قول المجتهد للعامي فيها أو عن حجية أخبار الآحاد فيها، والكلامية فيما إذا وقع الكلام عن وجوب تحصيل العلم بأصول الدين عن نظر واجتهاد أو عن جواز الاكتفاء بالظن أو بقول المجتهد فيها، نعم يمكن ان تعدّ فقهية مع تعميم الفقيه لأفعال الجوانح. وفيه نظر.

والمفروض أن تطرح المسألة، في الأصول، بصياغتها الأصولية لكنّ الشيخ (قدس سره) بعد أن جعل عنوان المسألة أصولية، صبّ بحثه على المسألة الكلامية حيث ان عنوان بحثه هو (في اعتبار الظن في أصول الدين) والاعتبار ظاهر في الحجية، ولكنه عندما دخل في البحث نقل الكلام إلى الوجوب إذ قال: (والأقوال المستفادة من تتبع كلمات العلماء في هذه المسألة، من حيث وجوب مطلق المعرفة...) فهل لذلك وجه؟

قد يقال: ان السبب هو التلازم في الطرق بين الحجية والوجوب، إذ كلما كان حجة وجب إتباعه (على حسب مؤداه) وبالعكس([2])، وكلما لم يكن حجة حرم وبالعكس، والأول كخبر الثقة والثاني كالقياس.

ولكن قد يجاب: بان النسبة بين الحجية والوجوب / الحرمة من وجه. وسيأتي كما سيأتي توجيه آخر لكلام الشيخ.

البحث منعقد على كلا تقديري الانفتاح والإنسداد

الثاني: انّ الشيخ (قدس سره) عقد البحث على كلا تقديري الانفتاح والإنسداد، بينما عقده صاحب الكفاية على تقدير الإنسداد خاصة.

ذلك انه تارة يبحث في صورة الإنفتاح بأن يقال: هل الظن الخاص الثابت حجيته بدليل خاص، حجة في أصول الدين أيضاً كما هو حجة في الفروع والأحكام الشخصية أو لا؟، وأخرى: يبحث في صورة الإنسداد بأن يقال: هل الظن الذي لم يدل دليل خاص على حجيته بل دلّ دليل الإنسداد العام على حجيته، حجة في الأصول كما هو حجة في الفروع أو لا؟ قال في الكفاية: (خاتمة: يذكر فيها أمران استطراداً:

الأول: هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلاً في الفروع العملية، المطلوب فيها أولاً العمل بالجوارح، يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له، أو لا؟ الظاهر لا)([3]).

ومن الناحية الفنية فان ما انتهجه الكفاية هو الأولى لأن هذا البحث معقود ضمن تنبيهات الإنسداد أو في خاتمته، ولكن من حيث الفائدة وعمدة الأدلة فان ما صنعه الشيخ هو الأجدر والأحق، خاصة وأن عمدة البحث يدور على الأدلة الخاصة المطروحة بناء على الانفتاح، ولذا سنجري على حسب ما مشى عليه الشيخ.

أنواع مصبّ الحجية

الثالث: انّ الحجية من حيث المتعلَّق قد يكون مصبها أصول الدين وقد يكون مصبها فروعه وقد يكون مصبها الأمور التكوينية والخارجية والتاريخية كالبحث عن حجية أخبار الآحاد فيما روي عنهم صلوات الله عليهم في الطب أو الفلك أو التاريخ أو غير ذلك. ومورد البحث هو الأول خاصة.

وبوجه آخر: مصبّ الحكم إما أن يكون الجوانح أو الجوارح، والأخير هو مجرى علم الفقه ومتعلَّقه، والأول: إما أن تكون أفعال الجوانح من أفعال القلب الاختيارية ولو باختيارية المقدمات، فهو مجرى علم الأخلاق وإما أن تكون من أفعال العقل، فإن كانت متعلِّقه بما يخرج المكلفُ بتركه عن الإسلام فهو مجرى علم أصول العقائد وإلا فملحق بها.

الاحتمالات في وجوب المعرفة عن نظر

الرابع: انّ الاحتمالات في (وجوب المعرفة عن استدلال) ثلاثة:

أ- أن يكون ذلك بنحو تعدد المطلوب بأن تكون المعرفة واجبة والاستدلال عليها واجب آخر، أي ان تكون المعرفة هي قوام الإيمان الواجب فلو حصلت ولو عن تقليد صح إيمانه وعُدّ مؤمناً لا كافراً، والاستدلال واجب آخر غير مقوم للإيمان، ولذا لو تركه، وآمن عن تقليد مثلاً، فقد فعل محرماً لا أكثر، وأما كونه فاسقاً فمبني على كونه كبيرة أو الإصرار عليه على تقدير كونه صغيرة، وعلى هذا يكون النظر والاستدلال واجباً نفسياً.

ب- أن يكون الاستدلال قيداً للمعرفة، فلو آمن عن تقليد لم يكن مؤمناً بل كان كافراً إذ المقيّد عدم عند عدم قيده.

ج- أن يكون شرطاً لها، والشرط التزام في التزام ولا ينعدم المشروط بانعدامه، فان البيع مثلاً عند تخلف الشرط لا يبطل بل غاية الأمر له خيار تخلف الشرط. وفي المقام: لو ترك هذا الشرط عجزاً أو جهلاً به أو غفلة أو نسياناً، كان مؤمناً عكس السابق.

والفرق بين هذا والأول أن الأول مبني على تصور الظرفية، كواجب في ضمن واجب آخر أو معه ظرفاً، نظير وجوب حفظ المؤمن أثناء الصلاة فانه لو أمكنه حفظ نفسه أو ماله دون الإخلال بها، كان واجباً في واجب من غير اشتراط أو تقييد. فتأمل

وأما الأقوال فهي، بحسب الشيخ (قدس سره) كالآتي:

الأقوال الست في المسألة

(الأول: اعتبار العلم فيها من النظر والاستدلال، وهو المعروف عن الأكثر([4])، وادعى عليه العلامة - في الباب الحادي عشر من مختصر المصباح - إجماع العلماء كافة([5]). وربما يحكى دعوى الإجماع عن العضدي([6])، لكن الموجود منه في مسألة عدم جواز التقليد في العقليات من أصول الدين: دعوى إجماع الأمة على وجوب معرفة الله([7]).

الثاني: اعتبار العلم ولو من التقليد، وهو المصرح به في كلام بعض([8]) والمحكي عن آخرين([9]).

الثالث: كفاية الظن مطلقا، وهو المحكي عن جماعة، منهم المحقق الطوسي في بعض الرسائل المنسوبة إليه([10]) وحكي نسبته إليه في فصوله([11]) ولم أجده فيه، وعن المحقق الأردبيلي وتلميذه صاحب المدارك وظاهر شيخنا البهائي والعلامة المجلسي والمحدث الكاشاني وغيرهم([12]) قدس الله أسرارهم([13]).

الرابع: كفاية الظن المستفاد من النظر والاستدلال دون التقليد، حكي عن شيخنا البهائي (قدس سره) في بعض تعليقاته على شرح المختصر: أنه نسبه إلى بعض([14]).

الخامس: كفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد، وهو الظاهر مما حكاه العلامة (قدس سره) في النهاية عن الأخباريين: من أنهم لم يعولوا في أصول الدين وفروعه إلا على أخبار الآحاد([15])، وحكاه الشيخ في عدته في مسألة حجية أخبار الآحاد عن بعض غفلة أصحاب الحديث([16]).

والظاهر: أن مراده حملة الأحاديث، الجامدون على ظواهرها، المعرضون عما عداها من البراهين العقلية المعارضة لتلك الظواهر.

السادس: كفاية الجزم بل الظن من التقليد، مع كون النظر واجبا مستقلا لكنه معفو عنه، كما يظهر من عدة الشيخ (قدس سره) في مسألة حجية أخبار الآحاد وفي أواخر العدة([17]))([18]).

وستأتي بإذن الله تعالى تعليقاتٌ على بعض الكلمات، والله المستعان.

الملخّص:

- مسألة (المعرفة) يمكن أن تطرح أصولية ويمكن أن تطرح كلامية.

- كما يمكن أن تطرح على كلا فرضي الإنفتاح والإنسداد.

- المحتملات في وجه الربط بين (المعرفة) و(الاجتهاد فيها) ثلاثة.

- الأقوال في وجوب العلم أو الظن بأصول الدين، ستة.

 

وصلى الله على محمد واله الطاهرين

قال الإمام الصادق (عليه السلام): {أَحْكِمْ أَمْرَ دِينِكَ كَمَا أَحْكَمَ أَهْلُ الدُّنْيَا أَمْرَ دُنْيَاهُمْ، فَإِنَّمَا جُعِلَتِ الدُّنْيَا شَاهِداً يُعْرَفُ بِهَا مَا غَابَ عَنْهَا مِنَ الْآخِرَةِ فَاعْرِفِ الْآخِرَةَ بِهَا وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الدُّنْيَا إِلَّا بِالِاعْتِبَارِ‏‏}‏ (الكافي: ج8 ص243)

-------------------------------------

([1]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص553.

([2]) كلما وجب إتباعه كان حجة.

([3]) الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم، ج1 ص329.

([4]) كالشيخ الطوسي في العدة 2: 730 - 731، والمحقق في المعارج: 199، والعلامة في نهاية الوصول (مخطوط): 448، والشهيد الأول في الألفية: 38، والشهيد الثاني في المقاصد العلية: 21، وانظر مناهج الأحكام: 294، والفصول: 416، والمعالم: 243.

([5]) الباب الحادي عشر: 3 - 4.

([6]) حكاه عنه الفاضل النراقي في المناهج: 293، والمحقق القمي في القوانين 2: 174.

([7]) شرح مختصر الأصول: 480.

([8]) كالسيد الصدر في شرح الوافية (مخطوط): 480.

([9]) حكاه الشهيد الثاني عن جماعة من المحققين منا ومن الجمهور، انظر المقاصد العلية: 26، وراجع القوانين 2: 173، ومناهج الأحكام: 294.

([10]) لم نعثر عليه.

([11]) الفصول النصيرية، فارسي في أصول الدين.

([12]) لم ترد " وغيرهم " في (ر) و (ص).

([13]) حكاه عن أكثرهم المحقق القمي في القوانين 2: 180، والفاضل النراقي في المناهج: 293، وانظر مجمع الفائدة للمحقق الأردبيلي 2: 183، والزبدة للشيخ البهائي: 124.

([14]) حاشية الشيخ البهائي على شرح مختصر ابن الحاجب (مخطوط)، لا يوجد لدينا.

([15]) نهاية الوصول (مخطوط): 296.

([16]) العدة 1: 131.

([17]) العدة 1: 132، و 2: 731.

([18]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص553-555.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4409
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 16 جمادى الأولى 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22