• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 182- الاحتمالات الاربعة في معنى الرواية .

182- الاحتمالات الاربعة في معنى الرواية

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان البحث عن الادلة التي استدل بها على وجوب الاجتهاد في اصول الدين ووصل الكلام إلى الرواية التي ذكرها المرحوم كاشف الغطاء في كتابه النور الساطع وهي قول الامام الصادق عليه السلام(من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل)وذكرنا انهنقلها عن الكافي الشريف لكن الموجود في الكافي هو هذا المضمون مع بعض الاختلاف الذي يؤثر في جهات بلاغية من دون ان يؤثر في مجرى استدلالنا، لكن بعد البحث في مختلف الكتب الحديثية وجدت ان هذه الروايةالتي نقلها كاشف الغطاء موجودة في بعض كتبناالمصدرية وهو كتاب الشيخ المفيد تصحيح اعتقادات الامامية،وقد ارسلها ولم يسندها لكنه اعتمد عليها حتى انه عبر عنها بقال الصادق ولم يقل روي او نقل. 
وقد مضى أن مضمون الرواية على مقتضى القاعدة ومما يحكم بهالعقل 
فقه رواية (دينه) واحتمالاتها 
كما سبق ان في كلمة ( دينه)في قوله عليه السلام(من اخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل) هناك احتمالات:الاول ان المراد من (الدين) غير اصول الدين لأن اصول الدين لا تؤخذ من الكتاب والسنة بل تؤخذ من العقل 
الاحتمال الثاني ان المراد من الدين هو (خصوص الاصول المعتمدة على النقل)فانها تؤخذ من الكتاب من السنةفهذا احتمال للتفصيل، فيستفاد من كلام الامام عليه السلامانها يجب ان تؤخذ من الكتاب والسنة ,لأن من اخذ دينه من افواه الرجال كان في معرض الخطر والهلاك الأبدي، بزوال اعتقاده وإيمانه لاعتماده على التقليد ومن اخذ اصول دينه المعتمدة على النقل من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل، والحاصل: ان الامن من الضرر في الاجتهاد والنظر، ويعلم الحال في بقية اصول الدين غير المعتمدة على النقل بالاولوية. 
3- المراد من (دينه) مطلق أصول الدين 
الاحتمال الثالث:وهو ان نبقي كلمة (دينه) على ظاهرها من ارادة اصول الدين الاعم من اصول الدين العقلية الصِّرفة المتوقفة علىالاستدلال العقلي الصرف ومن اصول الدين العقلية النقلية التي يكفي لاثباتها النقل ولا يتكفل اثباتها العقل,فان البعض منها يكفي لاثباتها العقل ايضا كالمعادالجسماني وبعضها لا يفي بها صرف العقل كاثبات امامة الائمة الاثنا عشر عليهم السلام بقطع النظر عن كلام الرسول ونصبه لهم؟فانا لا نعلم بصِرف العقل ان الامام الكاظم عليه السلام مثلاً منصوب من قبل الله جل اسمه، كخليفة سابع لرسول الله صلى الله عليه وآله. 
سبب عدم ذكر الإمام (عليه السلام) للعقل 
وهذا الاحتمال هو المستظهر وان (من اخذ دينه من الكتاب والسنه) المراد من (دينه) هو الاصول مطلقا ,توضيح ذلك :انالاصول العقلية الصرفة يجب فيها الرجوع إلى العقل، لكن لماذا لم يشر الامام عليه السلام للعقل هنا واقتصر على (من اخذ دينه من الكتاب والسنة) والجواب: لأن العقل متضَّمن في الكتاب والسنة، لأن السنة،في مباحث اصول الدين، اعتمدت في موارد كثيرة على العقل، ويظهر ذلك جليا بمراجعة كتاب الاحتجاج وغيره، فان الاحتجاج مليء بالاستدلالات العقلية، كما يظهر ذلك بمراجعة القران الكريم حيث انه يرجع للتفكر والتفكير والتدبر ,والايات في ذلك كثيرة,اذن العقل متضمَّن في النقل فقوله عليه السلام (اخذ دينه من الكتاب والسنة) لا يستشكل عليه انه لِمَلَمْ يذكر العقل إذ الجواب: لأن العقل متضمن فيهما أي يدلان عليه بالدلالة التضمنية,لكن يبرز هنا سؤال آخر: لم ذكر خصوص الكتاب والسنة؟ والجواب: لنكتة دقيقة وهي ان العقل والاستدلال العقلي لو كان التذكير به عن طريق الكتاب والسنة لما احتمل الخطأ قطعا،اما الاستدلال العقلي لو كان من غير الكتاب والسنة فلعله يكون خطأ في علته المادية أو الصورية، فكونالكتاب والسنة هما المذّكرين باحكام العقل وأدلته ضمان من الخطأ. 
ولو تم ذلك لكانت دلالة الرواية على وجوب الاجتهاد في اصول الدين تامة 
الرجوع للنقل في الأصول العقلية، لأنه منبّه ومذكر 
وبعبارة أخرى: اننا في المباحث الاصولية العقلية الصرفة يجب ان نرجع للعقل، لكن ما هو المذِّكر والمنبه على الاستدلالات العقلية؟إذ كثيرا ما نجد الانسان لا يصل بنفسه للاستدلال السليم أو لوجوهه المختلفة فيحتاج إلى من ينبهه،ولذا نجد كل باحث يقرأ كتب العقائد والفلسفة ويطالع أدلة المخالف والموالف ولا يكتفي بالقول: انني أرجع إلى عقلي فقط ولا احتاج إلى مراجعة كلمات وأدلة الآخرين، لماذا؟ لأن المذكِّر هو كلام هذا الفيلسوف او ذاك المتكلم او اي شخص اخر, نعم الحَكَم النهائي هو العقل، لكن المذكِّر شخص ما او كتاب ما,ويتضح ذلك أكثر بملاحظة أنه لو دار الامر بين انيذكرك بالادلة العقلية ووجوه الاستدلالات ووجوه رد الشبهات تلميذ مبتدأ في علم الكلام او طالب يقرأ شرح التجريد او الاستاذ في هذه الكتب او يذكرك بها اساطنة هذه الفنون او يذكرك بها الله ورسوله مباشرة ؟فلا ريب ان هذا الاخير هو الاولى,والحاصل انهاذا كان دور الآخرين التذكير (كما لو لم يدرك الباحث برهان الدور او التسلسل مبدئيا فيحتاج إلى من يذكره، او لو وردت اشكالات فلم يهتدِ للإجابة عنها، فانه يحتاج إلى من يسأله ويذكره) فاذا دار الامر بين هذه المذكِّرات فالاولى ان يكون الكتاب والسنة هي المذكرة،والرواية تشير لهذا المعنى وهو معنى دقيق. 
ثم انه لا يختلف الحال بين المؤمن بالرسول والإمام وغير المؤمن، اما المؤمن بالرسول والقران فامره واضح لانه يرجع اليهما لا ليحتكم في اصل وجود الله للنقل بل لكي ينبههعلى الادلة ويذكره بها فيرجع عندئذٍ إلى عقله وبالمآل، اما المنكر له فنقول ايضا ان الاولى له عقلا بل المتعين ان يرجع للكتاب والسنة، إذ يقال له: الاتحتمل عقلا وانت في طور البحث: ان هذا القران منزل من قبل الله ؟ فاذا كان الاحتمال موجوداًفلم تقتصر على الرجوع إلى كلمات أرسطووافلاطون فقط ثم تحتكم الى عقلك؟ فهذا كلامالله – على احتمال - فارجع اليهلترى أدلته فان اقتنعت والا فارفضه. 
اذن العقل يحكم عليه بان يرجع في التذكير والتنبيه إلى الكتب المدّعى (على الاقل) انها الهية وهذا يلزم بالرجوع إلى اي كتاب ادعي انه من الله، فالباحث في طور البحث عليهان ينظر فيها، ثم بعد ذلك يؤمن او يرفضبالاحتكام للعقل الخالص من شوب العصبية والأهواء اذنالرواية تشير إلى هذه النقطة الدقيقة المغفول عنها عادة. 
والخلاصة: ان المسلك العام حتى في الكتب الفلسفية يجب أن يكون الاعتماد في الاستدلال اولا وبالذات على الكتاب والسنة بما هي مذكِّرات على الاقل وبما هي منبهات،وليس لأننا نريد ان نتعبده بها، بل هي منبهات كما ان كتاب ارسطو منّبه، لكن هذا – الكتاب والسنة - ارفع من ذاك بما لا قياس. 
النتيجة: ان الاحتمال الثالث هو المنصور وان (ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة)اي اصول دينه حتى العقلية الصرفة، لكن لا اخذا تعبديا بل اخذاً من باب التذكير والتنبيه لذا الآية تقول وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَواذا تم هذا الاحتمال كما استظهرنا فان الظاهر اندلالة الرواية على وجوب الاجتهاد في اصول الدينتامة، عبر النظر في الكتاب والسنة للاطلاع على ما تشتمل عليه من ادلة عقلية ,فكل الكتب المشتملة على الاستدلال، كالاحتجاج ونهج البلاغةوتوحيد المفضل والصدوق، مليئة بالمنبهات العقلية فنحن نرجع اليها للتنبيه, والتذكير، وعلى هذا فمعنى قول الإمام بأخذ الدين من الكتاب والسنة هو اما بنحو المرجعية والاحتكام النهائي إليها في ما لم يكن موقوفا على العقل، وامابنحو المذكريةفيما كان موقوفا على العقل, وليتأمل جيداً فالبحث جوهري دقيق. 
رد من توهم عدم صحة الاعتماد على العقل 
ثم ان هذا البيان يصلح ردا على بعض الاخباريين الذين نسب اليهم القول بعدم صحة الاعتماد على العقل حتى في اصول الدين استنادا إلى مثل هذه الرواية (ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة) ... حيث لم تذكر (العقل)فاستفيد منه ان العقل لا قيمة له,فنقول ما ذكرناه يصلح ردا له لأنا اوضحنا الأمر بأخذ الدين من الكتاب والسنة لأن الكتاب والسنةاشتملتا على احكام عقلية وادلة عقلية كثيرة، وحينئذٍ فذكر تلك الادلة العقلية في الكتاب والسنة للاخباري امضاءٌ ولنا تنبيه، فلا يستطيع الاخباري ان يحتج علينا بمثل هذه الرواية واشباهها – وهي متعددة - بهذا البيان المتقدم,وهذا احد الاجوبة، كما ان من الاجوبة: ان العقل لولم يكن حجة لما احتج به القران مثل لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَاولما احتجت به السنة في المئات من الموارد 
4- المراد المجتهد والمقلد المتبصر 
الاحتمال الرابع في من(اخذ دينه من افواه الرجال) - وهذا الاحتمال مع الاحتمال الثالث كفرسي رهان وان امكن تخريج الرابع بوجه معين بما يرجع إلى الثالث - وهذه البحوث – من التدبر في هذه الرواية ونظائرها، بهذا الوجه - غير مطروقة سابقا فتحتاج إلى مزيد تأمل. 
الاحتمال الرابع : ان هذه الرواية الشطر الاول منها يشير إلى التقليد الاعمى، اما الشطر الثاني فيشير إلى أمرين وليس إلى امر واحد: احدهما الاجتهاد والثاني التقليد بتبصر أي إلى المجتهد وإلى المقلد المتبصر، وهذا تفصيل جديد، وهذا التفصيل موجود في كلمات صاحب القوانين بمناسبة أخرى فنستفيد منه ههنا، وحاصله القول ان قوله (من اخذ دينه من افواه الرجال) اي بلا تبصر وبدون ان ينظر انهم استندوا للكتاب والسنة اواحتكموا إلى عقل اولا، بل يأخذ الكلام من فمه لأنه ابوه او شيخ عشيرته لاعتبارات اجتماعية لا ترتبط بالجنبة الطريقية، فالمراد من (أخذ دينه من أفواه الرجال) التقليد الاعمى الصرف وهذا هو المردوع عنه 
اما الشطر الثاني(ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل) فهو عام شامل للمقلد المتبصر,توضيح ذلك:ان المقلد على قسمين, الاول تقليد بلا تبصر كما تقدم اما القسم الثاني،فكثير من مقلدي المراجع الآن ، والمقلد المتبصر هو من يعتقد ان علياً عليه السلام امام لا لصرف ان والده قال ان علياً امام وانما لعلمه بوجودادلة روائية كثيرة بان الرسول نصب علياً عليه السلام اماماً وان مرجعه القائل بهذا، قداستند إلى ادلة كثيرة، اي انه قلد بتبصر فلم يتحجرعلى افواه الرجال فقط، وانما لاحظ ان كلام هذا المرجع هو طريق للادلة،لكنه – المقلد - لم يتوغل بنفسه في تلك الادلة،وذلك كما في رجوعنا للطبيب حيث نرجع إليه لأننا نرى كلامه طريقاً لما درسه من علوم ,فهذا المقلد الثاني متبصر. 
وبتعبير اخر ان الاخذ من الكتاب والسنة قد يكون بالمباشرة وهو الاجتهاد وقد يكون بالواسطة وهو التقليد بتبصر.وبتعبير ثالث ان الاخذ قد يكون اخذا تفصيليا من الكتاب والسنة وقد يكون اخذا اجماليا عبر هذا الوسيط، وكلاهما مما يغني في بناء العقلاء، انما الذي لا يغني هو التقليد الذي لم تلاحظ طريقيته للواقع،بل رأى المقلد لكلام القائل الموضوعية وهذا هو المردوع عنهاذن (من اخذ دينه من الكتاب والسنة) يشمل الاخذ المباشر وبالواسطة ونتيجة ذلك عدم وجوب الاجتهاد في اصول الدين على عكس الاحتمال الثالث 
ولنؤكد الاحتمال الثالث ثم نناقش الاستنتاج منه: فانه بالحمل الشائع الصناعي يصدق اننا اخذنا ديننا من الكتاب والسنة، فنحن كمقلدين حيث اخذنا ديننا منافواه المراجع لا لموضوعية فيهم بل لعلمنا انهم يأخذون الدين من الكتاب والسنة،فعن طريق هذه النافذة أخذنا ديننا من الكتاب والسنة فالحمل صحيح ولا يصح السلب، كما انه يصدق على المخالف انه اخذ دينه منابي بكر وعمروان كان أخذه عنهم عبر أخذه من أقوال علمائهم. 
هل المقلد المتبصر، مجتهد؟والحاصل: ان هذه الرواية حتى الان لو تم الاحتمال الرابع تفيد صحة التقليد في اصول الدين، الا ان يورد على ذلك بما ذكره القوانين في مورد اخر حيث ذكر نقطة دقيقة ولطيفة وهي: ان هذا التقليد في الواقع هو اجتهاد لكنهاجتهاد بسيط أو اجتهاد اجمالي، فان المقلد المتبصر في الواقع هو مجتهد لكنه مجتهد اجمالي، فانه اجتهد في معرفة كون هذا المرجع اهل خبرة وعلم وان له ادلة وانه ثقة صادق فاعتمد على الادلة بواسطته، فهو مجتهد بسيط ,مجتهد من النوع الداني,فاذا تم هذا الكلام - وتحقيقه في مقام اخر - فالرواية لا تزال دالة على وجوب الاجتهاد في اصول الدين لكن الاعم من الاجتهاد الاجمالي والاجتهاد التفصيلي،ولهذا تتمة... 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=442
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 28 ذي الحجة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23