• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 177- فقه صحيحة أبي اليسع .

177- فقه صحيحة أبي اليسع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(177)

من فقه صحيحة  أبي اليسع

وصحيحته، كما سبق، هي: ((قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): أَخْبِرْنِي بِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ الَّتِي لَا يَسَعُ أَحَداً التَّقْصِيرُ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيْ‏ءٍ مِنْهَا، الَّذِي مَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيْ‏ءٍ مِنْهَا فَسَدَ دِينُهُ وَلَمْ يَقْبَلِ [اللَّهُ‏] مِنْهُ عَمَلَهُ، وَمَنْ عَرَفَهَا وَعَمِلَ بِهَا صَلَحَ لَهُ دِينُهُ وَقَبِلَ مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَمْ يَضِقْ بِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ لِجَهْلِ شَيْ‏ءٍ مِنَ الْأُمُورِ جَهْلُهُ؟ فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله)، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَحَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ الزَّكَاةُ، وَالْوَلَايَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَلَايَةُ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه واله) ))([1]).

وفي فقه هذه الصحيحة مطالب:

السؤال عن الحكمين التكليفي والوضعي

المطلب الأول: ان قوله (عليه السلام): ((الَّتِي لَا يَسَعُ أَحَداً التَّقْصِيرُ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيْ‏ءٍ مِنْهَا)) مشير إلى الحكم التكليفي، وقوله: ((الَّذِي مَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيْ‏ءٍ مِنْهَا فَسَدَ دِينُهُ وَلَمْ يَقْبَلِ [اللَّهُ‏] مِنْهُ عَمَلَهُ)) مشير إلى الحكم الوضعي، أما الأخير فلبداهة أن الصحة والفساد هما من الأحكام الوضعية وكذا الصلاح، وأما قبول العمل وعدمه فليس بحكم تكليفي بل ولا وضعي إذ هو حكم كلامي فانه ليس صفة لأفعالنا بل فعله تعالى، وأما الأول فلأن ((لَا يَسَعُ أَحَداً التَّقْصِيرُ)) صريح في المنجزية وعدم المعذوريّة وهما مما يتعلقان بالأحكام التكليفية دون الوضعية.

هل السؤال عن  فساد دين القاصر أو المقصّر؟

المطلب الثاني: ان قوله ((مَنْ قَصَّرَ...)) يمكن أن تقرأ (قصُر) بالتخفيف بضم العين، من المجرد، فتكون من القصور، ويمكن أن تقرأ بالتشديد (قصَّر) من باب التفعيل.

(القاصر) مقتضى السياق لكنه مخالف للقاعدة

والأول: هو مقتضى الق اعدة لولا انه مخالف للسياق وقرينة التقابل:

أما انه على وفق القاعدة فلأن القاعدة هي أن فساد الدين غير مرتهن بالتقصير فقط فإن من لم يذعن بوحدانية الله تعالى فسد دينه سواء أكان عن قصور أم تقصير وكذا من لم يؤمن برسالة الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله) فانه ليس بمسلم ولا دين له أو انه فسد دينه([2]) حتى إذا كان عن قصور، وعليه: فالتخفيف هو الصحيح؛ فإن من قصُر عنها ذهب دينه وأما من قصَّر فبطريق أولى.

وأما انه مخالف للسياق والتقابل فواضح.

(المقصر) وفق للقاعدة لكنه مخالف للسياق

والثاني: أي القراءة بالتشديد، هو الظاهر من السياق وقرينة التقابل كما مضى، ولكن يرد عليها أن مفهومه سيكون هو (من لم يقصِّر عن معرفة شيء منها لم يفسد دينه) وهو شامل للقاصر وذلك مخالف للإجماع والضرورة والنصوص لبداهة أنّ من لم يقصر وكان قاصراً فلم يذعن بها فلا دين له.

ولكن يمكن الجواب بوجوه:

الأول: ان الجملة لا مفهوم لها، لأنها من مفهوم الوصف وليس بحجة.

الثاني: سلّمنا، لكن مفهومها معارض بمفهوم الجملة اللاحقة ((وَمَنْ عَرَفَهَا...)) إذ مفهومها: (من لم يعرفها، الشامل بإطلاقه لصورة عدم المعرفة عن قصور، لم يصلح دينه) المساوي لفسد دينه، فيتساقطان، ويبقى منطوق الجملة الأولى والثانية هما الحجة فقط.

الثالث: ومع قطع النظر عن ذلك، فان مفهوم الجملة الأولى مقطوع العدم، لما مضى من الضرورة والإجماع والنصوص الآتية لاحقاً بإذن الله تعالى.

هل ((وَالْإِقْرَارُ...)) عطف بيان أو نسق؟

المطلب الثالث: ان قوله: ((وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)) يحتمل فيه احتمالات ثلاثة:

المراد من الإقرار، هنا، الإيمان

الأول: ما سبق أنْ استظهرناه من أنه عطف بيان على الجملة السابقة وتمام الفقرتين ((وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله)، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)) فالجملة الثانية هي الوجه الآخر للجملة الأولى أو البيان الآخر عنها إذ (الرسالة) التي أمرنا بالإيمان بها هي عين ((مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)) الذي أمرنا بالإقرار به فان ما جاء به من عند الله هي رسالته {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي} وعليه: فقوله الإقرار عطف بيان لما سبقه، والإقرار وإن كان غير مرادف للإيمان لكنه أريد منه الإيمان ههنا بقرينة وحدة المتعلق مع معونة القرينة الآتية في رد الاحتمال الآتي.

المراد من  الإقرار الإقرار باللسان

الثاني: أن يراد به عطف النسق وهو عطف المباين على المباين، فيراد بالإقرار الإقرار باللسان، ويؤكده ان ظاهر الإقرار هو ذلك وانّ صَرْفه إلى الإيمان (كما هو مبنى الاحتمال الأول) خلاف الظاهر.

ولكن يرد عليه: انه لا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر، لمسلّمية عدم وجوب الإقرار بما جاء به من عند الله زائداً على الإيمان بانه (صلى الله عليه وآله) رسول الله، بتعبير آخر: الواجب الإيمان بانه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإقرار اللساني بذلك، فإن كان ((وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)) عطفاً للمباين وأريد بـ((بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)) غير (كونه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما هو مبنى هذا الوجه فإن  من الضروري والمجمع عليه انه لا يجب الإقرار اللساني بشيء زائد على انه رسول الله (صلى الله عليه وآله). فتأمل؛ إذ قد يقال: الظاهر انّ مدخول الإيجاب والإقرار واحد كما ذكر في الاحتمال الأول، ويراد من الإقرار الإقرار باللسان بعد الإيمان بالجنان. فتدبر.

المراد الالتزام العملي

الثالث: أن يراد به عطف النسق ويكون المراد من الإقرار الإقرار العملي أو الالتزام أو بحسب تعبير المحقق اليزدي عما يعتبر في الإسلام والإيمان: التزام أحكام الإسلام والدخول في زمرة المسلمين وسلكهم، وهذا المعنى وإن كان صحيحاً في حد نفسه، أي واجباً، لكنه خلاف ظاهر لفظ الإقرار إذ لا يطلق على الالتزام بالأحكام والخضوع والدخول في الزمرة، إلا مجازاً.

من ثمرات الاحتمال الأخير

وأما وجه صحته في نفسه فعلى حسب ما افتى به جمع غفير من الفقهاء من أن الإسلام يشترط فيه ثلاثة شروط:

أ- الاعتقاد (العلمي على رأي، أو الظني كافٍ على رأي آخر).

ب- الإقرار باللسان عبر التشهد بالشهادتين.

ج- الخضوع للإسلام أي الانقياد الظاهري له أو الدخول في زمرة المسلمين، ومن دون هذا الثالث ليس بمسلم وإن تشهد بالشهادتين، وعلى ذلك يتفرع أن المنافقين قد حُكم بإسلامهم ظاهراً لتوفّر الأمرين الثاني والثالث فيهم، وأما الأول فقد اختلف فيه فقيل انه شرط في الإسلام وأنّ الأخيرين مرآة له (تعبداً أو تعقلاً) فإن علم بالعدم فليس بمسلم، وقيل: كلا، انه مسلم حتى مع العلم أو الظن المعتبر بعدم اعتقاده مادام أقرّ والتزم كما هو ظاهر رأي المحقق اليزدي([3]) وستأتي عبارته.

كما فرّع بعضهم على ذلك انّ الكافر إذا طمع في الزواج بالمسلمة فعلِم انه لا يسمح له به، فأسلم فانه إن تشهد الشهادتين وخضع لأحكام الإسلام والتزم ظاهراً فهو مسلم وإن ظننا أو علمنا بعدم اعتقاده، ولكن على مبنى من اشترط الشرط الأول، وهو المشهور، فليس بمسلم، وإن لم يخضع فليس بمسلم وإن ظننا اعتقاده. فتأمل.

*            *                *

- بيّن وجه الفرق بين القاصر والمقصر في كل من الأحكام التكليفية والوضعية (درجة).

- اذكر دليلين على اشتراط الاعتقاد في الإسلام ودليلين على اشتراط الالتزام العملي وناقشها (درجتان).

- اكتب بحثاً عن الشروط الثلاثة (هل هي بأجمعها مشترطة، أو الشرطان الأولان فقط، أو الأخيران فقط؟)، أدلتها ومناقشاتها (في 10 – 20) صفحة (10 درجات).

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((نِعْمَةٌ لا تُشْكَرُ كَسِيّئةٍ لا تُغْفَرْ‏‏‏)) (غرر الحكم: ص719).

----------------------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ج2 ص19.

([2]) (لا دين له) بناء على بساطة الدين، (فسد دينه) بناء على تركّبه وهو المنصور.

([3]) اليزدي، حاشية فرائد الأصول، ج1 ص673.

 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4441
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 22 جمادى الأخر 1444هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22