• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 178- الأقوال في (المعرفة) خمسة والأقوال في أركان الإسلام الأربعة .

178- الأقوال في (المعرفة) خمسة والأقوال في أركان الإسلام الأربعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

( 178)

مقامان: ما هي المعرفة الواجبة؟ وما هو ركن الإسلام؟

سبق استدلال الشيخ (قدس سره) على وجوب النظر حتى الوصول إلى العلم بالروايات ومنها الروايات التي وردت فيها مفردة المعرفة كصحيحة أبي اليسع، فلا بد من البحث عن فقه مفردة المعرفة الواردة في العشرات من الروايات وظهورها في كونها شرطاً أو قيداً أو ركناً للإسلام أو شرطاً أو قيداً أو ركناً للإيمان، أو باعتبارها واجبة.. فنقول:

البحث تارة يكون عن الوجوب التكليفي للمعرفة وتارة عن الحكم الوضعي من حيث توقف الإسلام أو الإيمان عليها، فتحقيق معنى المعرفة والمراد منها، عرفاً وفي فقه الروايات، ضروري في كلا البابين: إذ يبحث في الباب الأول عن أن المعرفة الواجبة ما هي؟ وانها هل تصدق على الظن أيضاً أو لا، وهل تطلق على العلم عن تقليد أو لا؟ وفي الباب الثاني يبحث عن أن المعرفة التي اعتبرت ركناً للإسلام ماذا تعني.. وتوضيح البابين والمقامين:

أما المقام الثاني: فقد وقع الخلاف في بعض أركان الإسلام الأربعة الآتية، مما يتوقف تحقيق الحال فيها على تحقيق معنى المعرفة والمراد منها، وانها تصدق من دونه أو لا، والأركان الأربعة هي:

أ- العلم أو الظن على فرض التنزل أي العلم بانه تعالى واحد أحد وأن المصطفى محمد رسوله إلى العالمين... إلخ، فهل يتحقق الإسلام مثلاً من دون العلم؟ أو من دون الظن الخاص؟.

ب- الاعتقاد بذلك أي عقد القلب عليه، فهل يتحقق من دونه؟.

ج- الإقرار اللساني بتلفظ الشهادتين، وهل الإقرار ركن في الإسلام؟

د- الانقياد الظاهري للإسلام أي الدخول في زمرة المسلمين فهل هو قيد للمعرفة؟ أو ركن للإسلام؟.

وقد ارتأى الشيخ (قدس سره) وآخرون توقف الإسلام على الأول والثاني دون شك بينما ارتأى المحقق اليزدي عدم ركنيتهما للإسلام بل الإسلام يتحقق بالأخيرين فقط، قال: (بل الظاهر أنّه لا يعتبر في الإسلام والإيمان الذي اعتبر موضوعاً لأحكام المسلمين من حقن الدم والطهارة وحل الذبيحة وصحة التناكح والميراث ونحوها، سوى إظهار الإيمان بالشهادتين والتزام أحكام الإسلام والدخول في حوزتهم وانسلاكه في زمرتهم ظاهراً وإن لم يكن معتقداً اعتقاد المسلمين جزماً بل ولا ظناً بل كان شاكاً أو ظاناً أو جازماً بخلاف الحق كما كانوا كذلك منافقوا زمن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) والوصي (عليه السلام)، ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى...)([1]) وسيأتي تمام كلامه بإذن الله تعالى، فهذه إشارة للمقام الثاني الذي يتنقح البحث فيه عند تحقيق الحال في المقام الأول: في معنى المعرفة وفي تشخيص الواجب في أصول الدين([2]).

الأقوال في معنى المعرفة الواجبة

وأما المقام الأول: فقد اختلف الفقهاء والأصوليون في معنى المعرفة الواجبة في أصول الدين (وهي التي أنكر اليزدي توقف الإسلام والإيمان عليها، كما سبق) إلى أقوال:

1- ما حصل فيه العلم عن نظر

القول الأول: هو ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) وموجزه أن الواجب هو (النظر حتى حصول العلم) قال: (أما حكمه التكليفي، فلا ينبغي التأمل في عدم جواز اقتصاره على العمل بالظن، فمن ظن بنبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) أو بإمامة أحد من الأئمة صلوات الله عليهم فلا يجوز له الاقتصار، فيجب عليه - مع التفطن لهذه المسألة - زيادة النظر، ويجب على العلماء أمره بزيادة النظر ليحصل له العلم إن لم يخافوا عليه...

والدليل على ما ذكرنا: جميع الآيات والأخبار الدالة على وجوب الإيمان والعلم والتفقه والمعرفة والتصديق والإقرار والشهادة والتدين وعدم الرخصة في الجهل والشك ومتابعة الظن، وهي أكثر من أن تحصى)([3]) فقد جعل ما دلّ على وجوب المعرفة من أدلة مدعاه وهو (زيادة النظر إلى أن يحصل له العلم) مما يعني انه يراها متقومة بالأمرين.

ولكنّ الشيخ عدل عن ذلك بعد صفحات فارتأى مقومية العلم للمعرفة مع عدم مقومية كونه عن اجتهاد وأنّ العلم حتى لو كان عن تقليد فإنه يكفي في تحقق المعرفة قال: (وكيف كان: فالأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد، لعدم الدليل على اعتبار الزائد على المعرفة والتصديق والاعتقاد، وتقييدها بطريق خاص لا دليل عليه)([4]) والطريق الخاص هو النظر والاجتهاد.

2- المعرفة: إظهار الإيمان مع الاعتقاد الظني

القول الثاني: ما صار إليه المحقق اليزدي (قدس سره) من أن المعرفة لا تتقوم بأزيد من إظهار الإيمان والاعتقاد الظني قال: (الإنصاف أنّ لفظ الإقرار والشهادة والتدين والمعرفة وأمثالها لا تدلّ على أزيد من إظهار الإيمان ولو مع الاعتقاد الظني)([5]).

وقد ظهر بذلك اختلافه التام عن الشيخ إذ ارتأى الشيخ لزوم النظر والعلم، بينما لم يَرَ اليزدي لزوم أيٍّ منهما، بل ارتأى لزوم أمرين آخرين هما إظهار الإيمان (ويقصد إظهاره بالشهادة والإقرار اللساني) والاعتقاد الظني، والاعتقاد غير العلم كما أسلفناه مراراً بدليل قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} (سورة النمل: الآية 14) فكيف مع تقييده بالظن؟ هذا.

3- الظن لا تصدق عليه المعرفة

القول الثالث: ما ذهب إليه السيد الخوئي (قدس سره) في مصباح الأصول من عدم تحقق المعرفة بالظن ولا حتى بالامارات قال: (وأما الظن المتعلق بالأصول الاعتقادية، فلا ينبغي الشك في عدم جواز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً، كمعرفة الباري جل شأنه، أو شرعاً كمعرفة المعاد الجسماني، إذ لا يصدق عليه المعرفة، ولا يكون تحصيله خروجاً من ظلمة الجهل إلى نور العلم، وقد ذكرنا في بحث القطع أن الأمارات لا تقوم مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية، فلا بد من تحصيل العلم والمعرفة مع الإمكان)([6]) وسيأتي إيضاح له والكلام حوله.

4- المعرفة أعم من الظن المعتبر ومما كان عن تقليد

القول الرابع: ما اخترناه من عدم مقومية العلم ولا الاجتهاد للمعرفة وأن المعرفة صادقة على الظن المعتبر (الحاصل من الأمارات والحجج) وأنه لا يصح سلبها عنها، كما انها صادقة على العلم عن تقليد فمن قلّد فجزم عن تقليد كان عارفاً بأصول الدين وكذا من ظن ظناً معتبراً بها.. وسيأتي بيانه.

5- المعرفة: التسليم القلبي

القول الخامس: ما اختاره الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره) من أن المعرفة يراد بها التسليم القلبي، قال: (هذا غاية ما أمكننا بهذه العجالة أن نجمع ما تيسر لنا من الأخبار والآيات الدالة على وجوب المعرفة.

ولكن يمكن المناقشة فيها بأن الذي يظهر من بعض الأخبار الأخر أن المراد بالمعرفة فيها هو التسليم القلبي المستتبع لآثاره الذي هو التدين القلبي والإقرار القلبي، والاعتراف القلبي، والرضا القلبي، والعقد القلبي، الذي هو أمر اختياري للإنسان غير العلم والمعرفة)([7]).

وحاصله: عدم مقوِّمية العلم للمعرفة بل ولا الظن ولا النظر والاجتهاد ولا إظهار الإيمان ولا غير ذلك بل هو التسليم القلبي الذي قد يجتمع مع الظن بالعدم.. فانه المقدور لا العلم والمعرفة؛ وذلك استناداً إلى حكومة الروايات الأخرى على معنى المعرفة، لا بلحاظها بما هي هي.. وسيأتي تفصيل كلامه وأدلته والمناقشات فانتظر.

 *              *              *

ابحث في كتب فقه اللغة، كمعجم مقاييس اللغة وفقه مفردات القرآن الكريم كمفردات الراغب، عن معنى المعرفة وقارنه بما ذكرناه حتى الآن، واذكر وجوهاً ثلاثة للتأييد أو الرد.

ارسم جدولاً تحدِّد فيه نقاط الاشتراك ونقاط الافتراق بين الأقوال الخمسة الماضية.

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((إِنَّ الْعَبْدَ لَفِي فُسْحَةٍ مِنْ أَمْرِهِ‌ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مَلَكَيْهِ قَدْ عَمَّرْتُ عَبْدِي هَذَا عُمُراً فَغَلِّظَا وَشَدِّدَا وَتَحَفَّظَا وَاكْتُبَا عَلَيْهِ قَلِيلَ عَمَلِهِ وَكَثِيرَهُ وَصَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ‏‏‏)) (الكافي: ج8 ص108).

------------------------------------

([1]) الشيخ محمد إبراهيم اليزدي النجفي، حاشية فرائد الأصول، دار الهدى ـ قم، ج1 ص673.

([2]) وانه ما المراد بالمعرفة المصرح في بعض الروايات بتوقف الإسلام عليها.

([3]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ج1 ص569-570.

([4]) المصدر: ص574.

([5]) الشيخ محمد إبراهيم اليزدي النجفي، حاشية فرائد الأصول، دار الهدى ـ قم، ج1 ص673.

([6])  السيد محمد الواعظ الحسيني / تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول (مباحث حجج وامارات)، مكتبة الداوري ـ قم، ج2 ص236.

([7]) الشيخ علي كاشف الغطاء، النور الساطع في الفقه النافع، طليعة النور ـ قم، ج2 ص106-107.

 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4444
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأثنين 23 جمادى الأخر 1444هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22