• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 186- الاستدلال على الوجوب النفسي والطريقي للتدبر ـ وجهان لدلالة رواية (ويل لمن لاكها...) على وجوب تكرار التدبر .

186- الاستدلال على الوجوب النفسي والطريقي للتدبر ـ وجهان لدلالة رواية (ويل لمن لاكها...) على وجوب تكرار التدبر

 بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان البحث حول الاستدلال بقوله عليه السلام(ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها)على وجوب الاجتهاد في اصول الدين ومضى بعض البحث عن ذلك. 
هل الوجوب نفسي أو طريقي؟ 
المبحث الثالث: على فرض استفادة وجوب التدبر من هذه الرواية، ونظائرها من الروايات أو من الآيات، فهل الوجوب طريقي ام ان الوجوب نفسي، وبتعبير اخر: هل الوجوب نفسي ام غيري، وقد سبق بيان الفرق بين الغيري والطريقي، وبإيجاز نقول:الوجوب الطريقي يطلق على ما كان من المقدمات طريقا وموصلا شأنا او كاشفا شرعياأو عقلائياً عن المؤدى أي ما كان طريقاً لذي المقدمة، فهو، بوجه، اخص مطلقا من الوجوب الغيري، فهل الوجوب طريقي ام نفسي؟ 
والثمرة تظهر في انه لو التزمنا بالوجوب النفسي فان المقلد في اصول الدين الواصل يجب عليه التدبر ايضا؛ لأن الوجوب النفسي، لم يسقط بوصوله إلى الحقيقةومعرفته عدل الله وتوحيده وما اشبه، لكن لو قلنا ان الوجوب طريقي فان المقلد الواصل لا يجب عليه ان يجتهد مرة اخرى في اصول الدين وليس على من يقلده(مرجع التقليد) ان يأمره بذلك او يلفته اليه، اذن فالثمرة كبيرة في تشخيص ان الوجوب نفسي او طريقي. 
قد يستظهر ان الوجوب نفسي استنادا إلى قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)فان عطف (وَلِيَتَذَكَّرَ)على (لِيَدَّبَّرُوا)، ظاهره ان هذا غير ذاك وانه يوجد هدفان وغرضان رُتّبا على انزال الكتاب، ظاهر اولهما الموضوعية، وظاهر ثانيهما الطريقية او الغيرية او المقدمية؛(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ) لماذا؟(لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)فهذه غاية(وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)هذه غاية ثانية، اذن التدبر في حد ذاته مطلوب، لأن قسيمه وهو التذكرلوحظت فيه المقدمية باعتبار مادته، فقد يستظهر ذلك من هذه الآية الشريفة ، وقد يستظهر عكسه استنادا إلى اية اخرى وهي قوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)فان ظاهر الآية هو ان التدبر لدفع توهم وجود الاختلاف في القرآن وعدم إعجازه وبالمآل عدم صدوره من الباري تعالى، اذن هذا التدبر إنما هو لكي يصحح الاعتقاد فهو طريقي، فلو حصل ذو الطريق كما لو كان الشخص قاطعا او مطمئناً بانه لا اختلاف في القرآن وبانه من عند الملك العزيز الجبار، فان من يلاحظ هذه الآية يجد ان الغرض منها قد تحقق، فـ(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)لكي يطمئنوا بانه من عند الله، نظرا لإحراز انه لا اختلاف فيه بالتدبر (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)فتأمل، فليتدبر في هاتين الآيتين والاستظهار المبدئي المتعاكس منهما 
وتحقيق هذا المبحث موطنه مبحث: ان التعلم بشكل مطلق، خاصة في اصول الدين هل هو نفسي او غيري ؟حيث ان المشهور ذهبوا إلى الغيرية، والنادر من الفقهاء كالمقدس الاردبيل يذهب إلى النفسية لكن نقول كإشارة:انه قد يستند للغيرية بالارتكاز، فان الارتكاز العقلائي على ان التعلم طريقي ولا موضوعية له، ثم ان هذا الارتكاز ان اتضح للفقيه بحيث يصلح صارفا لبعض الادلة الظاهرة في النفسية كآية (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) - على فرض الاستظهار - لكان عليه المعول ؛ والا علينا ان نلتمس أدلة اخرى، هذا موجز بعض الكلام في هذا المقام 
هل الرواية تدل على المرة أو التكرار؟ 
المبحث الرابع:ان هذه الرواية(ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها) هل تدل على المرة ام تدل على التكرار؟بمعنى ان المكلف على الرأي الثاني مكلف بالرجوع للقران الكريم بين فترة واخرى، استنادا للآيات الاربع او استنادا لهذه الرواية في خصوص هذه الآيات او لمطلق الآيات بإلغاء الخصوصية، او بعدم القول بالفصل، او دعوى القول بعدم الفصل، او تنقيح المناط، فهذه وجوه اربع، فهل تدل على المرة او التكرار؟ 
ولنطرح عنوان بحث مشابه لنفكر ان ذاك البحث كيف يستفاد منه في هذا البحث. 
البحث الشهير وهو ان الامر هل يدل على المرة او يدل على التكرار؟ 
الاحتمال الاول:ان الامر دال على المرة. 
الاحتمال الثاني:ان الامر يدل على التكرار. 
الاحتمال الثالث: أنه مشترك لفظي بينهما. 
الاحتمال الرابع: الاشتراك المعنوي. 
الاحتمال الخامس:المنصور:ان الامر (لا يدل) لا على المرة ولا على التكرار وانما (يكتفى) فيه بالمرة، والفرق بينهما كبير، توضيح ذلك:ان الامر يدل على طلب الطبيعي ولا يدل على (المرة)بهيئته، ولا (التكرار) مستبطن بداخله وانما يدل على طلب الطبيعي، ولكن الطلب يتحقق بتحقق احد المصاديق وبه يكون فقد امتثل الامر لتحقق الطبيعي بتحقق أحد المصاديق، اذن الاكتفاء انما بالاستناد إلى الدليل العقلي لا للدلالة اللفظية، وهذا القول ذهب اليه جمع من الاصوليين ومنهم السيد الوالد في الاصول . 
اذن المحتملات هنا خمسة، ولنرجع إلى الرواية لنرى كيف يستثمر هذا المبحث:فالرواية تقول(ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها) فما المستفاد من الرواية بحسب الاحتمالات الخمسة المتقدمة؟ 
دليلان على لزوم التكرار 
نقول :يمكن ان يستدل بنفس الرواية على وجوب تكرر التدبر وذلك بوجهين: 
الوجه الأول:ان تعليق الحكم على الوصف او على الفعل يدل على تكرره بتكرره،فمثلا لو قال المولى لعبده - او مطلق المتكلم - (ويل لمن اكل ولم يسمِّ) فيدل الحكم على وجوب او كراهة ان يأكل ولا يسمي، فكلما اكل ولم يسمِّ شمله هذا الحكم ، وكذلك لو قال أية جملة من هذا القبيل كـ(ويل لمن جاء ولم يسلم) فيستفاد من تعليق الحكم سواءًأكان بالمعنى الاخص وهو الحكم الشرعي المولوي، وهو انشاء اعتبار في عالمه أم كان الحكم بالمعنى الاعم اي كل فصل وبتّ، فان تعليق الحكم على وصف او فعل يدل على تكرره بتكرره، هذا هو المستظهر عرفا، ولولم يستفد ذلك فلقرينة خارجية، لكن القاعدة هي هذه، وأما قاعدة ان تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية، فليس الكلام فيها فان التعليق مشعر بالعلية وليس دليلا، لكن القاعدة التي ندعيها هنا هي ان تعليق الحكم على فعل او وصف دليل على تكرره بتكرره، فليتأمل في وجود موارد نقض ان وجدتلكن على أن تكون من حاق اللفظ لا من قرائن خارجية، نعم قد يدل على المرة ولكن فيما لو كانت قرينة خارجية أو داخلية وذلك كاقتضاء خصوص المادة كمادة المعرفة كما لو قال(ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يعرفها) فان خصوص المادة تقتضي عدم تكرره لأن المعرفة قد حصلت وتحصيل الحاصل محال، فاذا اقتضت خصوصية المادة الوحدة فبها، او اقتضتها قرينة خارجية أو داخلية أخرى فبها، اما لو كنا وهذه القاعدة فالظاهر انها سيالة فليتدبر فيها . 
الوجه الثاني:قد يدعى دلالة هذه الروايةعلى لزوم التكرار بلحاظ خصوص المتعلق ؛لأن الرواية تتحدث عن الآياتفإنها مرجع ضميرها، والآيات فيها خصوصية خاصة تدل على لزوم التكرر، والخصوصية هي ان الفعل المضارع يدل على الاستمراريةفان الضمير في (يتدبرها) يعود للآيات فنرجع اليهافنجد مثلاً (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ)والفعل المضارع دال على الاستمرار، عكس ما لو قال (الذين ذكروا الله) فيدل على المرة اما (يذكرون الله)فتدل على التكرار، وأيضاً(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) لا (تفكروا)، وظاهر اسناد الفعل المضارع في مثل هذه الجملة للشخص، هو الاستمرار والديمومة؛ اذ لو لم يكن مستمرا لما صدق عليه انه (يتفكرون في خلق السموات والارض)بل صدق عليه انه تفكر قبل كذا سنة أو شهر مثلاً. 
اذن نستدل اولا بالرواية نفسها وان تعليق الحكم على فعل او وصف فانه يفيد التكرار، ونستدل ثانيا بمرجع هذه الرواية، وهي الآيات التي تضمنت الفعل المضارع، الظاهر في الاستمرارية، فليتدبر في ذلك إلى ان نرى ما هو الحق في المقام. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=446
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 18 محرم 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23