• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 200- بحث عن مقدورية الاصابة للواقع، رغم عدم مقدورية بعض المقدمات .

200- بحث عن مقدورية الاصابة للواقع، رغم عدم مقدورية بعض المقدمات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(200)

الملخص

(إذا كان بعض المقدمات غير مقدور، فالمعلول غير مقدور

وتوضيح المناقشة الأولى: أن النتيجة تتبع أخس المقدمات، فإذا كانت للشيء عشر مقدمات مثلاً، وكان أحدها غير مقدور لم يكن مقدوراً، وفي المقام فإن بعض مقدمات الإصابة غير مقدورة، بل نقول: كل أفعال العبيد غير مقدورة لهم إذ تتخللها أمور غير اختيارية، فإذا رمى زيد سهماً فأصاب غزالاً أو عصفوراً مثلاً، أو أشعل ناراً فشوى لحماً أو غرس فسيلاً فسقاه فأنتج ثمراً، فإن كل تلك النتائج غير مقدورة نظراً لتوسط مقدمات غير اختيارية وهي على أنواع فبعضها قائم بالقابل وبعضها قائم بالظرف والمحيط والمكان الوسيط وبعضها قائم بالفاعل...).

(وكذلك حال الإصابة فلو فرضنا مجتهدين جامعين للشرائط استفرغا وسعهما في الوصول إلى الحكم الشرعي في الفروع أو لمعرفة واقع الأمر في الأصول، فأصاب أحدهما واخطأ الآخر، فلا بد أن تكون الإصابة كعدمها لا بأمر اختياري؛ إذ الفرض انهما مشتركان في الأمور الاختيارية كلها (كلاهما خبير بدرجة متساوية من الخبرة، كلاهما استفرغ وسعه بدرجة متساوية.. إلخ، بل قد يكون الأقل خبرة أو الأقل جهداً أو الأقل ذكاء هو المصيب) فيسكشف من ذلك كله أن الإصابة كقسيمها أمر غير اختياري، وإلا لما اختلفا في النتيجة رغم الاشتراك في كل المقدمات الممكنة لهما)([1]).

الجواب: تعريف القدرة يحل المعضلة

والجواب: ويمكن الجواب عن ذلك: بأن القدرة على الشيء، ليست في غير الله تعالى إلا القدرة على المقدمات الاختيارية إذ كل ما سواه ممكن وكل ممكن فان كل فعل من أفعاله يتوقف على سلسلة من المقدمات غير الاختيارية، فمنها، مثلاً، وجوده الذي يشكّل المقتضي فانه لم يكن باختياره، ومنها قدرته، ومنها اختياره إرادته فانها وجدت لا باختياره وإرادته، وكذا غيرها من مقدمات الفعل غير الاختيارية القائمة بالفاعل أو بالفعل أو بالقابل.

وبعبارة أخرى: انّ كون الشخص قادراً وكون الشيء مقدوراً عليه لا يعني، بالضرورة كون كل المقدمات الطولية تحت قدرة الفاعل بل المراد به انه منذ انتهى الأمر إليه فانه مقدور له أي ان جميع ما بين العلة والمعلول من الوسائط مقدور له، لا ما يسبق العلة من الوسائط أو يقارن وجودها، فان القاتل للأسد المفترس مثلاً، قام به باختياره ولا شك في كونه مقدوراً له، رغم أن يديه والقوة الكامنة فيهما التي أطلق بها الرمح نحو الأسد والحديد الذي تشكّل منه الرمح نفسه و...، لم يكن وجود أيٍّ منها باختياره، ولا بقدرته بل كان مخلوقاً قبله أو معه معلولاً لغيره، فالمقدور هو ما بينه وبين المعلول من مقدمات طولية وهي مقدورة له على الفرض، فان تخللها غير المقدر أيضاً فسيأتي الجواب.

بعبارة ثالثة: المقدور: هو ما يكون وجوده وعدمه منوطاً بك ومعلقاً عليك، وقتل الأسد المهاجم برميه بالرمح ينطبق عليه هذا التعريف. هذا.

ولكنّ الأجوبة السابقة لا تتكفل بالإجابة عن عمق الشبهة إلا عبر الجواب الآتي – السابق، فإن الفرض وجود مقدمات غير اختيارية بين الفاعل وبين المعلول، فلا ينطبق حينئذٍ تعريف القدرة على أي فعل من أفعال العبد كما لا يصح القول بان له القدرة منذ آل الأمر إليه، والحاصل: ان غير الله تعالى ليس بقادر حقيقة مادام الأمر كذلك، فاللازم العود إلى التفصيل السابق مع مزيد إيضاح له وهو انه:

الجواب التفصيلي: الصور الثلاث

(يمكننا الجواب عن الشبهة الأولي بأن بعض المقدمات إذا كانت غير مقدورة وكان بعضها مقدوراً فإن غير المقدور منها على أقسام ثلاثة:

أ- فإما أن يكون متحققاً من قبل، وقد بقيت المقدمات المقدورة، فلا شك في أن الفعل حينئذٍ مقدور له إذ كل المقدمات اللازمة فعلاً مقدورة له فالفعل مقدور له بالفعل.

ب- أن لا تكون متحققة من قبل، ولكن مع كونها قهرية الحصول بأسبابها، لاحقاً، فالأمر كذلك، إذ المقدمات اللامقدورة حتمية الحصول وقد انسدّ باب العدم من جهتها، وبقيت المقدمات المقدورة وحيث ان سدّ باب العدم من جهتها يقع تحت قدرته فهي مقدورة له.

ج- أن لا تكون محققة من قبل، وكانت اختيارية لشخص آخر، فقد يقال أن الفعل حينئذٍ غير مقدور لي، ولكنّ الصحيح التفصيل:

فانه إن أعرض الآخر عن توفير المقدمات، كان الفعل غير مقدور لي.

وإن جاء بها باختياره، كان الفعل، مبنياً على ذلك، مقدوراً لي.

بعبارة أخرى: في علم الله تعالى: انه إن كان سيأتي بها في المستقبل، كان الفعل مقدوراً لي إذ انه سوف يسد باب العدم باختياره حتماً، فيبقى أن أسد باب العدم باختياري فهو اختياري لي حينئذٍ – وسيأتي مزيد إيضاح)([2]).

وتوضيحه: ان القدرة قد تكون شأنية تعليقية، كما قد تكون فعلية – منجزة؛ فان الآخر الفاعل بالاختيار مادام لم يأتِ بالمقدمات المقدورة له – غير المقدورة لي –فقدرتي على ذلك المعلول (المسبب عن مجموع إتيانه ببعض المقدمات وإتياني ببعضها الآخر) تعليقية – شأنية، فإذا أتى بها صارت قدرتي فعلية – تنجيزية إذ لا توجد حالة انتظارية لتحقّق المعلول إلا المقدمات الاختيارية التي تقع تحت قدرتي وحيطة مشيئتي.

وأما إن لم يأتِ بها، فإن الفعل يكون حينئذٍ خارجاً عن قدرتي، فالصور إذاً مختلفة، تتنوع إلى ثلاثة من الصور.

ولا يعترض على ذلك بانه لا يصح القول (بانه إذا لم يأت بها فهي ليست مقدورة لي وإذا أتى بها فهي مقدورة)، إذ لا تكون حينئذٍ مقدورة بالمرة، إذ القدرة تتعلق بالطرفين بوِزان واحد فمادام ليس بإمكاني الفعل مادام لم يأت بها فليس بإمكاني مادام قد أتى بها، إذ لا يعقل أن يكون قادراً من لا يمكن أن يصدر منه أحد الطرفين؛ الا ترى انه إذا صح قولك: لا يقدر زيد على الطيران فانه يصح حتماً انه لا يقدر على اللبث واللاطيران، لأنه حينئذٍ مجبر مقسور على اللبث (المساوي للاطيران) فكيف يصح أن يقال انه قادر على اللبث واللاطيران؟

إذ سيأتي الجواب عنه فانه خروج من الشبهة الأولى إلى الشبهة الثانية.

*            *            *

أَعمِل الفكر في الجواب عن هذه الشبهة قبل أن تقرأ الجواب غداً بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): ((الْمُؤْمِنُ مِنْ دُعَائِهِ عَلَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ بَلَاءٌ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَهُ)) (تحف العقول: ص280).

--------------------------

([1]) الدرس (199).

([2]) الدرس (199).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4499
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 11 شعبان 1444هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22