• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 201- الصور الأربع: إذا أمره بالنظر فنظر فأصاب، أو فاخطأ، أو نهاه فأصاب أو اخطأ. .

201- الصور الأربع: إذا أمره بالنظر فنظر فأصاب، أو فاخطأ، أو نهاه فأصاب أو اخطأ.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(201)

الإشكال على (إذا أتى الغير بالمقدمات فالمعلول مقدور لي وإلا فلا)

سبق الإشكال بـ(ولا يعترض على ذلك بانه لا يصح القول (بانه إذا لم يأت بها([1]) فهي ليست مقدورة لي وإذا أتى بها فهي مقدورة)، إذ لا تكون حينئذٍ مقدورة بالمرة، إذ القدرة تتعلق بالطرفين بوِزان واحد فمادام ليس بإمكاني الفعل مادام لم يأت بها فليس بإمكاني مادام قد أتى بها، إذ لا يعقل أن يكون قادراً من لا يمكن أن يصدر منه أحد الطرفين؛ الا ترى انه إذا صح قولك: لا يقدر زيد على الطيران فانه يصح حتماً انه لا يقدر على اللبث واللاطيران، لأنه حينئذٍ مجبر مقسور على اللبث (المساوي للاطيران) فكيف يصح أن يقال انه قادر على اللبث واللاطيران؟

إذ سيأتي الجواب عنه فانه خروج من الشبهة الأولى إلى الشبهة الثانية)([2]).

الجواب: ا لقدرة في الصورتين تعلقت بالطرفين

والجواب: ان القدرة في الصورتين متعلقة بالطرفين، وتوضيحه: انّ الآخر الذي تقع تحت حيطة قدرته بعض المقدمات، بينما يقع تحت حيطة قدرتي سائُرها:

أ- إذا أتى بها فقد انسدّ باب العدم من جهتها وبقيت المقدمات التي بيدي ولا شك ان بيدي أن أفعلها فاسد باب العدم من جهتها فيوجد المعلول حينئذٍ أو أن لا أفعلها فلا يوجد، فقد تعلقت قدرتي بالطرفين لا بطرف واحد.

ب- وإذا لم يأت بها، استحال أن يقع المعلول بتسبيبي المقدمات التي كانت مقدورة لي، لفرض كون المعلول معلولاً لمجموع ما بيدي وبيد الآخر، فإذا لم يوجد المقدمات المقدورة له، استحال حينئذٍ ان أوجد المعلول، فلا قدرة لي، حينئذٍ، على الفعل كما لا قدرة لي على عدمه لأن عدمه قهري غير منوط بي، فانه إنما عدم لعدم تحقق المقدمات التي كانت بيد الغير.

وفي المقام: إذا توفرت، فرضاً، المقدمات اللاإختيارية للمعرفة، بتسبيب الغير، فإنّ المعرفة لا تحصل لي قهراً بل تكون تابعة لإرادتي، مقدورة لي؛ نظراً لقدرتي على الطرفين إذ يمكنني أن أنظر واجتهد فأصل إلى الواقع وأعرف الحق ويمكنني أن لا أنظر ولا اجتهد فلا أصل ولا أعرف، فكلا الطرفين داخل تحت حيطة قدرتي بوِزان واحد، وليس أحد الطرفين دون الآخر.

حكم الإ صابة وعدمها من جهة المثوبة والعقوبة وكونها مقدورة أو لا

وأما مقتضى التحقيق في حكم الإصابة والوصول والمعرفة وعدمها من حيث العقوبة والمثوبة وكونها مقدورة وعدمها، فهو أن الصور أربعة:

إذا أمره ب طريقٍ فامتثلَ فأصابَ

الصورة الأولى: أن يأمر المولى عبده بطريقٍ، كالنظر والاجتهاد، (أو يحكم به عقله) فيمتثل، فيصيب، فانه:

أ- يستحق المثوبة حينئذٍ في الحالة الأولى([3]) وذلك لأنه أطاع الأمر المولوي باختياره، وهي، أي الإطاعة، ملاك الثواب، ومن البديهي أنه لا يستحق العقوبة لفرض انه أطاع الأمر وأصاب الواقع وبلغه فعلى أي شيء يعاقب؟

ب- وإصابته للواقع، تكشف، بالبرهان الإنّي، عن كونها مقدورة له، حيث لم تكن هنالك في البين مقدمات أخرى([4]) حاجبة أو مانعة وحيث كانت سائر المقدمات مقدورة له منوطةً باختياره.

إذا أمره بطريقٍ فامتثل فاخطأ

الصورة الثانية: ان يأمر المولى عبده بطريقٍ، كالنظر، (أو يحكم به عقله) فيمتثل، فيخطئ، فانه:

أ- يستحق الثواب على الإنقياد في الحالة الأولى كما يستحق المتجري العقاب على التجري، على المنصور.

ب- ولا يستحق العقاب بوجه، لا على مخالفة أمر المولى ولا على مخالفة الواقع.

أما الأول: فلأن الفرض أنه أطاعه ولم يخالفه فكيف يستحق العقاب؟

وأما الثاني: أي أنه لا يستحق العقاب على مخالفة الواقع (حيث افترضنا انه اخطأ) فلوجهين:

أ- لأنه يُكتشف مِن (خطأه) رغم استفراغ وسعه في السير على الطريق الذي أمره به مولاه، أنّ الإصابة لم تكن مقدورة([5]) له، وكيف يعاقب على غير المقدور؟ بعبارة أخرى: يستكشف أن كلّاً من الإصابة واللاإصابة كان غير مقدور له.

ب- ولأن الواقع، أي الحكم الواقعي وهو وجوب معرفة الله ووحدانيته مثلاً، ليس بمنجز حينئذٍ، نظراً لمعذرويته في الطريق (إذ كان مأموراً بسلوكه أو كان مما حكم به عقله) وبعبارة أخرى: المخطئ القاصر معذور لأن الحق (الواقع) لم يصل إليه وعدم وصوله إليه لم يكن بسوء اختياره([6])، وقوام التنجّز بالوصول.

إذا نهاه عن طريق، فعصى، فأصاب

الصورة الثالثة: ان ينهى المولى عبده عن طريق، كالتقليد، فيعصيه ويسلكه، فيصيب فرضاً، كمقلَّدة الشيعة الذين أمروا بالنظر ونهوا عن التقليد (على رأي المشهور) فقلدوا آبائهم فأصابوا (إذ عرفوا الحق من التوحيد حتى المعاد)، فهنا لا يستحق العبد الثواب ولا العقاب:

أما عدم استحقاقه الثواب؛ فلأن الثواب تابع لإطاعة أمر المولى، والفرض انه عصى أمره فكيف يستحق عليه الثواب؟ وليس الثواب بمستحق على المولى بمجرد إصابة الواقع من دون تعلق أمر المولى به (فكيف مع النهي)، وإلا لاستحق كل عامل بالأمر الإرشادي الثواب.

وأما عدم استحقاقه العقاب؛ فلفرض انه أصاب الواقع، وكيف يعاقب على وصوله للواقع؟، غاية الأمر ان يستحق العقوبة على التجري ومخالفة النهي المولوي – الطريقي لو قلنا به، أو على المفسدة السلوكية لو قلنا بها، بأن كانت مفسدة ثبوتية في سلوك طريق التقليد نفسه، لا على اللامطابقة لفرض تحقق نقيضها وهو المطابقة.

نعم، بوصوله إلى الواقع، ولو من الطريق المنهي عنه، أدرك المصلحة الواقعية، وعليه يبتني القول بأنه مؤمن حينئذٍ خلافاً لمن قال بانه ليس بمؤمن ولا كافر، فكيف بالقول بأنه كافر! وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

*         *            *

- حاول تطبيق الصور الأربع([7]) على أمر المولى عبده بقتل الأسد المفترس أو نهيه عن رمي الغزال وإطاعته وعصيانه وإصابته وخطأه، وبرهن الأحكام التي ذكرناها في الصور الأربع للمعرفة، على الصور الأربع لأفعال الجوارح المحكومة بحكمٍ مّا من أحكام الشارع.

 

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


إرساءعن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام): (فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: فَوَلَدُكَ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ فَوَلَدُ وَلَدِكَ هُوَ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْتُ فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ؟ فَقَالَ: لَا، قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صل الله عليه واله وسلم) بُعِثَ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) (الكافي: ج1 ص341).

-------------------------------------

([1]) أي بالمقدمات المقدورة له، غير المقدورة لي.

([2]) الدرس (200).

([3]) أمر المولى، دون الحالة الثانية وهي حكم العقل.

([4]) مما كانت بيد الغير.

([5]) ولو من هذا الطريق المأمور به.

([6]) بل كان لاتباعه الطريق الذي أمره به المولى أو الذي حكم به عقله.

([7]) ذكرنا ثلاثة منها وسيأتي الرابع بإذن الله تعالى.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4502
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 12 شعبان 1444هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22