بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(210)
(المرجَون) مع (المستضعفين) هم الواسطة بين الإيمان والكفر
وقد يستدل، دفاعاً عن الشيخ، على وجود الواسطة بين المؤمن والكافر ووجود القاصر، بمجموعة أخرى من الروايات كروايات (المرجون لأمر الله) و(المستضعفين) التي وردت شارحة للآيتين الكريمتين ولنشر ههنا إلى روايتين مع بعض فقه الحديث فيهما:
1- عَنْهُ([1]) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ قَالَ: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَقَالَ: هُمْ أَهْلُ الْوَلَايَةِ، فَقُلْتُ: أَيُّ وَلَايَةٍ؟ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِالْوَلَايَةِ فِي الدِّينِ([2])، وَلَكِنَّهَا الْوَلَايَةُ فِي الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَالْمُخَالَطَةِ، وَهُمْ لَيْسُوا بِالْمُؤْمِنِينَ وَلَا بِالْكُفَّارِ وَمِنْهُمُ الْمُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))([3]) وهي صحيحة.
2- مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) ((فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَقَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ إِنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَتَرَكُوا الشِّرْكَ وَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى جُحُودِهِمْ فَيَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ فَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} ))([4]) وقد اعتبر العلامة المجلسي هذا الخبر ضعيفاً كالموثق، ويوجد بمضمونها غيرها.
وههنا بحوث:
فقه الرواية: الكلام عن المسلم والكافر أو المؤمن والكافر؟
الأول: أن الأخص من أحد النقيضين مع النقيض الآخر، مما يمكن أن يرتفعا، عكس النقيضين، وبعبارة أخرى: هنالك واسطة بين وجود الأخص وبين نقيض الأعم منه، ويوضحه: ان الحيوان واللاحيوان نقيضان لا يمكن ان يرتفعا (كما لا يمكن أن يجتمعا) أما الإنسان فانه مع اللاحيوان ليسا نقيضين لذا يمكن أن يرتفعا في الأسد مثلاً، وفي المقام: المؤمن بالمعنى الأعم، أي المسلم، نقيضه الكافر الذي يراد به من لم يعقد قلبه ولم يؤمن بوجود الله مثلاً (وفي حكمه الجاحد الذي انكره تعالى رغم علمه به، فهذا الأخير ضد بقوة ذلك النقيض)، وهما لا يرتفعان، لكن المعنى الأخص من المؤمن مع نقيض الأعم منه أو ضده، يمكن أن يرتفعا وذلك بان لا يكون مؤمناً بالمعنى الأخص ولا يكون كافراً (أي غير مؤمن بالمعنى الأعم، أو جاحداً) وذلك في العامي مثلاً إن كان قاصراً، بل وقد يقال بانه كذلك إن كان مقصراً، بل وقد يقال انه كذلك لو كان معانداً ما لم يرجع إلى إنكار أحد الثلاثة على أحد المبنيين في منكر الضروري.
وعليه: فيجب في هاتين الروايتين ملاحظة كون الكلام عن المؤمن بالمعنى الأخص أو كونه عنه بالمعنى الأعم، وعليه يبتني أن الإمام (عليه السلام) يثبت الواسطة بين الإسلام والكفر أو بين الإيمان بالمعنى الأخص والكفر.
وظاهر الرواية الأولى أن الكلام عن الواسطة بين الإسلام والكفر فانه (عليه السلام) فسّر الولاية بالولاية الإسلامية (لا الإيمانية) وهي التي عليها يدور أمر المناكحة والموارثة والمخالطة.
وأما ظاهر الرواية الثانية فهو أن الكلام عن الواسطة بين الإيمان والكفر لفرض قوله (عليه السلام): ((إِنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَتَرَكُوا الشِّرْكَ)) فلا يصح أن يقال انهم ليسوا بمسلمين ليكونوا الواسطة، بل هم داخل دائرة الإسلام ولكن ((وَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ)) كما لم يكونوا جاحدين ليكونوا كفاراً.
فالرواية الأولى هي النافعة في المقام (مقام استدلال الشيخ (قدس سره) بوجود الواسطة في أصول الدين المراد منها الثلاثة أو الأربعة).
المعاني الأربع للمستضعف
الثاني: ان المستضعف مطلقاً وفي الرواية الأولى يحتمل في معناها احتمالات:
1- ان المراد به من لا يعرف الإمام (عليه السلام) ولا ينكره.
2- ان المراد به من يعرف الولاء وينكر البراء، وهم البترية.
وعلى هذين، فالكلام عن الواسطة بين الإيمان بالمعنى الأخص والكفر.
3- ان المراد به من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب، ولكنه لا يبغض أهل الحق.
4- ان المراد به من لا يعرف اختلاف الناس في الأديان، ولكنه لا يبغض أهل الحق.
والثالث كسابقيه، والرابع هو النافع في المقام.
والمستضعف وإن اطلق على كليهما كسابقيهما لكنه في هذه الرواية يراد به المعنى الأخير ونظائره، فتدبر.
وقد ذكر العلامة المجلسي (قدس سره) المعنيين الأوليين وأضاف الثالث لكن عبارته تحتمل ثالث ما ذكرناه كما تحتمل رابعه، وتحتمل الأعم، قال: (ثمّ اعلم أنّ المستضعف عند أكثر الأصحاب من لا يعرف الإمام ولا ينكره، ولا يوالي أحداً بعينه كما ذكره الشهيد (قدس سره) في الذكرى، "وحكى عن المفيد في الغريّة أنه عرفه بأنّه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراءة"([5])، وقال ابن إدريس: "هو من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب، ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم"([6])، وهذا أوفق بأخبار هذا الباب)([7]) وعلى أي فالظاهر هو الرابع.
قتل مثل حمزة علامة عدم الرسوخ أو سبب؟
الثالث: ان قوله (عليه السلام) في الرواية الثانية: ((قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَقَتَلُوا...)) مع أن الفعل، القتل، أجنبي عن أفعال الجوانح والإيمان والإسلام وعدمه، يحتمل فيه كل من العلاميّة والسببية:
أما العلامية: فبأن يقال ان قتلهم لمثل حمزة علامة كاشفة عن ان إيمانهم اللاحق لا يكون (ولم يكن) من النوع المتجذِّر المستقر، على مبنى أنّ قاتل مثل حمزة لا يوفق لذلك، بل إن آمن فإنما هو مجرد إيمان غير راسخ وغير كامل؛ حيث لا يُلطف بأمثاله اللطف الخاص، أو فقل: إنّ قتله مثل حمزة يكشف عن شاكلته النفسية وشقاوة ذاته التي لا تقبل التغيير إلى الإيمان الراسخ وإن أمكن أن تجتمع من الإيمان غير الراسخ.
أما السببية: فبأن يقال أن قتلهم لمثل حمزة سبب لعدم توفيقهم للإيمان الراسخ، ويقرّب ذلك إلى الذهن أن قتلة الأنبياء (عليهم السلام) والأئمة (عليهم السلام) لا يوفقون للإيمان ولا للتوبة، بمعنى أنّ شاكلتهم النفسية الخبيثة لا تسمح لهم بذلك {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ} (سورة الإسراء: الآية 84) وذلك هو المسلّم لدينا، وأما قتلة أمثال حمزة فهم أقل منهم خبثاً وسوءاً، لذلك فانهم يمكن أن يوفقوا للإيمان لكن غير الراسخ.
وذلك هو ما استفدناه من مرآة العقول مع بعض التغيير في العبارة والتطوير.
وعلى أي فانه على كلا التقديرين فان أمثال قتلة حمزة قسم ثالث فلا هو مؤمن ولا هو كافر جاحد، لكن هل هو الواسطة بين الإيمان بالمعنى الأخص والكفر أو بينه وبين الإيمان بالمعنى الأعم([8])؟.
وعلى أي تقدير، فان ثبوت هذه الواسطة لا يدل على كونها قاصرة كما هو مدعى الشيخ (قدس سره) فان العام لا يتكفل بحال مصداقه، فتدبر.
* * *
حقِّق عن النسبة بين (المستضعفين) وبين (المرجون لأمر الله) بمراجعة الروايات ومراجعة مرآة العقول.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((وَلَا مُصِيبَةَ كَعَدَمِ الْعَقْلِ، وَلَا عَدَمَ عَقْلٍ كَقِلَّةِ الْيَقِينِ، وَلَا قِلَّةَ يَقِينٍ كَفَقْدِ الْخَوْفِ، وَلَا فَقْدَ خَوْفٍ كَقِلَّةِ الْحُزْنِ عَلَى فَقْدِ الْخَوْفِ)) (تحف العقول: ص286).
----------------------------------
([1]) أي عن محمد بن يحيى.
([2]) أي في الدين الحق المساوي للإيمان بالمعنى الأخص، فقال (عليه السلام) لا، ولكنها الولاية في الإسلام.
([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص405.
([4]) المصدر: ص407.
([5]) الشهيد الأول، الذكرى، ص59.
([6]) ابن إدريس الحلي، كتاب السرائر، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج2 ص560.
([7]) العلامة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج11 ص210.
([8]) سبق ذلك.
|