• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 211- فقه حديث (المرجَون) والاستدلال بعكس النقيض .

211- فقه حديث (المرجَون) والاستدلال بعكس النقيض

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(211)

سبق إمكان الاستدلال بالعديد من الروايات على وجود الواسطة بين المؤمن والكافر ووجود القاصر ومنها: (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) ((فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَقَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ إِنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَتَرَكُوا الشِّرْكَ وَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى جُحُودِهِمْ فَيَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ فَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} ))([1])) وقد مضت أبحاث ثلاثة.

عِلّية الإيمان والكفر للجنة والنار، والاقتضاء لغيرهما

البحث الرابع: ان قوله (عليه السلام): ((فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ)) ظاهر في عِلّية الإيمان، ويراد به الكامل، لدخول الجنة، وقوله: ((وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى جُحُودِهِمْ فَيَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ)) ظاهر في عِلّية الجحود لدخول النار، وأما قوله: ((فَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} )) فناف للعِلّية ومقتضٍ إما للاستواء أو للاقتضاء لكليهما أو لأحدهما، فتدبر.

الاستدلال بعكس نقيض كلامه (عليه السلام) على وجود الواسطة

البحث الخامس: ان قوله (عليه السلام) ((وَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ)) يمكن أن نصوغها بنحو القضية الشرطية هكذا: (كلما كانوا مؤمنين وجبت لهم الجنة) وتنقلب بعكس النقيض الموافق إلى: (كلما لم تجب لهم الجنة لم يكونوا مؤمنين) فتكون مشيرة إلى الواسطة، وهو المطلوب، كما تنقلب بعكس النقيض المخالف إلى: (لا شيء ممن لم تجب له الجنة بمؤمن) فهذا هو النقيض المشير إلى الواسطة، كما اننا لو أبقيناها حملية لكان الأمر كذلك أي ان (كل مؤمن تجب له الجنة) فتنقلب إلى (كل من لا تجب له الجنة ليس بمؤمن) و(لا شيء ممن لم تجب له الجنة بمؤمن).

نعم،  لا يكفي مجرد ذلك لإثبات الواسطة بل لا بد من إضافة عكس نقيض الجزء الآخر وهو قوله (عليه السلام): ((وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى جُحُودِهِمْ فَيَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ)) أي (كلما كانوا جاحدين / كافرين وجبت لهم النار) وعكس نقيضه الموافق (كلما لم تجب لهم النار فليسوا كافرين – أو ليسوا جاحدين) والمخالف هو: (لا شيء ممن لم تجب له النار بجاحد – أو بكافر).

ومحصّل ضمّ عكسي نقيضي القضيتين ينتج وجود الوسيط الثالث: أي كلما لم تجب لهم الجنة ولم تجب لهم النار فلا هم بمؤمنين ولا هم جاحدين – أو كافرين) أو فقل: (كل من لا تجب له الجنة ولا تجب له النار فليس بمؤمن، بمقتضى القضية الأول، ولا كافر / جاحد، بمقتضى القضية الثانية) فهذه هي الواسطة، وأنت ترى ان احدى القضيتين لا تتكفل بها؛ إذ قد لا تجب له الجنة، ويكون كافراً ولا غير، أو لا تجب له النار، ويكون مؤمناً ولا غير من دون وجود وسيط.

تنبيه: عكس النقيض له طريقتان (1- طريقة القدماء([2]): ويسمى (عكس النقيض الموافق)، لتوافقه مع أصله في الكيف، وهو "تحويل القضية إلى اخرى موضوعها نقيض محمول الأصل، ومحمولها نقيض موضوع الأصل([3])، مع بقاء الصدق والكيف")([4]).

(2- طريقة المتأخرين: ويسمى (عكس النقيض المخالف)، لتخالفه مع أصله في الكيف، وهو "تحويل القضية إلى أخرى موضوعها نقيض محمول الأصل، ومحمولها عين موضوع الأصل، مع بقاء الصدق دون الكيف")([5]).

هل الإيمان شرط لدخول الجنة أو الكف ر مانع؟

البحث السادس: انه هل الإيمان شرط لدخول الجنة، أو الكفر / الجحود مانع من دخولها؟ وبوجهين آخر: هل الكفر / الجحود شرط لدخول النار أو الإيمان مانع من دخولها؟

والثمرة تظهر في مواطن، منها الاستصحاب فانه إن أسلم شخص وشككنا انه آمن أو لا فنستصحب العدم فنرتب عليه أثر عدم دخوله الجنة (باعتباره أثراً جعلياً شرعياً، أو باعتباره لازماً عادياً أو بواسطة خفية) فهذا مقتضى الشرطية، وأما إذا قلنا الجحود / الكفر مانع منها فإذا اسلم وشككنا انه جحد بعدها فنستصحب العدم فيترتب عليه دخول الجنة، ونظيرهما الصورتان الأخيرتان لكن الثمرة فيهما تناسبهما([6]) فتأمل.

ونظيره: هل الإيمان شرط لصحة تقليده أو الإئتمام به، أو الفسق مانع.. وهكذا..

تتمة: سبق: (الثالث: ان قوله (عليه السلام) في الرواية الثانية: ((قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَقَتَلُوا...)) مع أن الفعل، القتل، أجنبي عن أفعال الجوانح والإيمان والإسلام وعدمه، يحتمل فيه كل من العلاميّة والسببية...)([7]).

ولعلّ الوجه في ذكره (عليه السلام) انهم ((قَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ...)) ان الناس بين إفراط وتفريط في ذلك، فهم بين من يتوهم أن قتل مثل حمزة يمنع أصل إسلام القاتل (وانه كاذب في إسلامه، أو منافق) ومن يتوهم ان قتل مثله لا يمنع من إسلام القاتل ورسوخ الإيمان فيه، فأشار (عليه السلام) إلى دفع كلا الوهمين وانّ قتل مثله علامة على عدم إمكان رسوخ إيمانه أو سبب له (فاندفع هذا التوهم) كما ليس سبباً للحيلولة دون أصل إسلامه أو علامة عليه (فاندفع الوهم الأول) بل هو أمر بينهما وهو الواسطة.

*            *            *

حاول أن تكتشف تطبيقات أخرى للاستدلال بعكس النقيض في سائر روايات الباب.

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((إِذَا هَمَمْتَ بِخَيْرٍ فَبَادِرْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا يَحْدُثُ)) (الكافي: ج2 ص142).

--------------------------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص407.

([2]) وهذه هي الطريقة المستعملة في العلوم والمحاورات، حتى أنّ بعضهم – كالتفتازاني في التهذيب – اقتصر على ذكرها في هذا المبحث أي مبحث عكس النقيض.

([3]) ينبغي: ذكر المقدّم والتالي أيضاً، لأن هذا المبحث كمبحث العكس المستوي يعمّ القضايا الحمليّة والشرطيّة معاً.

([4]) المقصود من الطرفين طرفا القضية في الذكر، لا في الحقيقة.

وليس المقصود من بقاء الصدق أنّ الأصل والعكس يكونان صادقين في الواقع دائماً، وإنما المقصود منه البقاء الفرضي لا الواقعي، أي إذا فرض صدق الأصل صَدَقَ العكس.

([5]) السيد رائد الحيدري، المقرر في شرح منطق المظفر، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت: ج2 ص308-309.

([6]) فانه إذا أسلم، وقلنا أن الإيمان شرط دخول الجنة وشككنا فيه، فالأصل عدمه (فلا يدخل الجنة) وأما إذا قلنا الإيمان مانع من دخول النار، فالأصل عدمه (فيدخل النار) وهكذا.

([7]) الدرس (210).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4529
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 16/ شوال /1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22