• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 212- فقه الحديث عن الواسطة بين الإسلام والكفر والقاصر .

212- فقه الحديث عن الواسطة بين الإسلام والكفر والقاصر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(212)

سبق: (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) ((فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَقَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ إِنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَتَرَكُوا الشِّرْكَ وَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى جُحُودِهِمْ فَيَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ فَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} )))([1]).

وقد سبقت بحوث، ونضيف:

الواسطة: المقرُّ باللسان دون معرفةٍ بالقلب

السادس: ان الظاهر من الرواية أن هؤلاء أقروا باللسان ((فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَتَرَكُوا الشِّرْكَ)) ((وَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ)) فهم مسلمون غير مؤمنين، وقد ورد في الحديث ((الْإِيمَانُ هُوَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ))([2]).

وهنا خلاف، وهو أن مدار الإسلام هل هو الإقرار باللسان فقط أو هو والخضوع لحكم الإسلام ونعني به الاستسلام له والخضوع القانوني أو النفسي، وإن لم يلتزم بالعمل به (لا أن يلتزم بعدم العمل) فلو فرض أن كافراً أراد أن يتزوج مسلمة فرفضت إلا أن يسلم فهل يكفي تشهده بالشهادتين أو لا بد أيضاً من أن يخضع قانونياً لحكم الإسلام([3])؟ ارتأى السيد الوالد الثاني فيما قال بعض بالأول، ووجه الاشتراط ان الإقرار من دون التزام قانوني، مجرد لقلقة لسان، إضافة إلى ظهور ((دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ)) في ذلك فإن مجرد لقلقة اللسان لا يصدق عليها الدخول في الإسلام، وأما المنافق فهو مقرّ باللسان وملتزم قانونياً وإن كان قلبه مخالفاً. فتدبر.

هؤلاء واسطة ثبوتية لا إثباتية فقط

السابع: ان هؤلاء واسطة ثبوتية، لا إثباتية فقط، بين الكافر وبين المسلم بالمعنى الأخص أي المؤمن؛ إذ ليسوا كفرة بحسب نصه (عليه السلام) ((دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَتَرَكُوا الشِّرْكَ)) و((وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى جُحُودِهِمْ فَيَكْفُرُوا)) وليسوا مؤمنين لصريح قوله (عليه السلام): ((وَلَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) فقوله (عليه السلام): ((فَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ)) هو القسم الثالث، فهو كالخنثى المشكل ثبوتاً إذ هي لا أنثى ولا رجل أو هي كلاهما معاً واقعاً ولذا تَلِد وتولِد على ما قيل.

الوجه في {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}

وأما قوله (عليه السلام): {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} فلعل الوجه في تعذيب هذا والتوبة على ذاك، كونهم على درجات في الإسلام أو دركات من بُعدهم قلبياً عن الإيمان، ويوضحه: ان وِزان الأمور المعنوية كوِزان الأمور المادية، في المشككية والمراتب، فكما أن الداخل في جمع المؤمنين أو الفاسقين أو هذا الحزب أو ذاك قد يتوغل فيه كثيراً وقد لا يدخل إلا قليلاً، وكما أن الداخل في البحر قد يتوغل فيه كثيراً فتصعب معه أو تتعذر عليه العودة، وقد لا يدخل فيه إلا قليلاً، ومثلها الداخل في الصحراء القاحلة أو في الغابات المتصلة، فكذلك حال من دخل في الإسلام، وعكسه حال من لم يعرف الإيمان بقلبه إذ قد لا يعرفه بالمرة وقد يتوهمه (ويحتمله) وقد يشك فيه (ويحتمل الطرفين) وقد يظن به ظناً غير معتبر لديه، فانّ من لم يعرفوا الإيمان بقلوبهم يتوزعون بين تلك الأقسام كلها.

كما لعل الوجه في ذلك دورانه مدار شاكلتهم، فمن كانت شاكلته أقرب إلى الكفر عذّبه ومن كانت شاكلته أقرب إلى الإسلام والإيمان تاب عليه، وذلك لأن خبث السريرة أيضاً درجات([4]).

ويوضحه ما ورد في رواية أخرى عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): ((فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ؟ فَقُلْتُ: مَا هُمْ إِلَّا مُؤْمِنِينَ أَوْ كَافِرِينَ، إِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَ إِنْ دَخَلُوا النَّارَ فَهُمْ كَافِرُونَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وَلَا كَافِرِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَدَخَلُوا الْجَنَّةَ كَمَا دَخَلَهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَلَوْ كَانُوا كَافِرِينَ لَدَخَلُوا النَّارَ كَمَا دَخَلَهَا الْكَافِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ قَدِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ فَقَصُرَتْ بِهِمُ الْأَعْمَالُ، وَأَنَّهُمْ لَكَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَقُلْتُ: أَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ هُمْ أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ: اتْرُكْهُمْ حَيْثُ تَرَكَهُمُ اللَّهُ. قُلْتُ: أَفَتُرْجِئُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ أُرْجِئُهُمْ كَمَا أَرْجَأَهُمُ اللَّهُ، إِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَاقَهُمْ إِلَى النَّارِ بِذُنُوبِهِمْ وَلَمْ يَظْلِمْهُمْ))([5]).

الوجوه في الرحمة أو النقمة على مُستوِي الحسنات

أقول: لا شك أن له تعالى أن يفعل ما يشاء وانه لا يسأل عما يفعل، لكنه تعالى ألزم نفسه بأمور كما تدل عليه أدلة عديدة ومنها قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (سورة الأنعام: الآية 54) ((وَبِمَا وَأَيْتَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ لِدَاعِيكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين‏))([6]) ومما ألزم به نفسه، أن تكون أفعاله معللة بالأغراض وبما هو كامن في نفس الأمر وعالم الواقع من المصالح والمفاسد، وعليه: فإذا استوت حسناتهم وسيئاتهم فانه وإن صح انه ((إِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَاقَهُمْ إِلَى النَّارِ بِذُنُوبِهِمْ وَلَمْ يَظْلِمْهُمْ)) ولكن يبقى السؤال بانه لم رحم هؤلاء دون أولئك رغم استوائهم في الحسنات والسيئات؟ ويمكن الجواب بِعَوْدِ ذلك إليهم:

1- لاختلاف الشاكلة

أولاً: بما سبق من عَوْدِه إلى شاكلتهم فان مستويي الحسنة والسيئة قد تكون شاكلة أحدهما حسنة بينما تكون شاكلة الآخر سيئة، فيحكم للأول بالجنة وعلى الثاني بالنار، ويوضّحه: انه لو فرضنا شخصين أحدهما طيب النفس، والآخر خبيث النفس، ولكن حدث ان استوت حسناتهما وسيئاتهما، لعامل خارجي، بأن وقع حسن السريرة في أجواء فاسدة ووقع سيء السريرة في أجواء حسنة، فكان المآل ان فعل كل منهما من الحسنات بمقدار ما فعل من السيئات، فلا شك ان الحسن السريرة أرجح ميزاناً وأقرب لأن يرحم في الآخرة، كما هو الحال في الدنيا فانه أجدر بأن يُستوظَف او يُستوزَر أو يُجعل معلماً، لو دار الأمر بينهما.

ثم ان الشاكلة اختيارية، ومما يمكن تغييره لو بجد وجهد وصعوبة {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} (سورة الرعد: الآية 11) {وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} (سورة العنكبوت: الآية 69)، فلا يعود مآل الأمر، إلى القسر والجبر، فتدبر.

2- لاختلاف ما علمه الله من مستقبلهما

وثانياً: بانه مع قطع النظر عن الشاكلة، فقد تكون رحمة الله تعالى للأول وغضبه على الثاني عائدة إلى ما علم الله من نيتهما أو من فِعلها في مستقبل الأيام، فلو انهما ماتا في يوم واحد وعلم الله انهما لو عاشا إلى غد لفعل([7]) أولهما من الحسنات ما يغلب سيئاته، عكس الثاني، فان الأول يستحق الرحمة دون الثاني.. ويدّلك على ذلك ان الإنسان قد يعصي في يومه أكثر مما عصى في أمسه أو العكس، أو أقل مما سيعصي في غده أو أكثر مع انه هو هو في كل تلك الأزمنة. فتأمل.

وجود الواسطة أعم من كونها قاصرة أو مقصرة

الثامن: ولكن ذلك كله أعم من كونهم قاصرين أو مقصرين، فلا تدل الرواية على كونهم قاصرين.

لا يقال: القرينة الحافة – العقلية تدل على أن المراد القاصر، وانه المرجى لأمر الله، وأما المقصّر فانه من أهل النار جزماً.

إذ يقال: ان الكافر المعاند هو المسلّم كونه من أهل النار، لا الكافر المقصّر، أي من قصّر في معرفة البراهين فكفر، مع علم الله تعالى بانه غير معاند وانه يفيء إلى الحق لو علم به، فان القول بانه من أهل النار جزماً، لا دليل عليه، بل هو مرجى لأمر الله. فتأمل.

*              *              *

اكتب بحثاً عن المقياس في (الإسلام) وانه الإقرار بالشهادتين فقط، أو مع الخضوع القلبي؟ أو القانوني؟ أو عدم عقد القلب على الخلاف؟ أو غير ذلك؟

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((مَنْ أَكَلَ مَا يَشْتَهِي، وَلَبِسَ مَا يَشْتَهِي، وَرَكِبَ مَا يَشْتَهِي، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتْرُكَ)) (تحف العقول: ص38).

------------------------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص407.

([2]) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ص422.

([3]) أو فقل: أن يعتبر نفسه مسلماً، لا مجرد لفظ تلفظ به طريقاً إلى غرض يريد تحقيقه.

([4]) يراجع كتاب (قل كل يعمل على شاكلته) للسيد الأستاذ.

([5]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص401.

([6]) الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد، مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت: ص802.

([7]) وهذا مغاير لـ(لنوى) الذي دلت عليه بعض الروايات، عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ أَنْفَقَهُ مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ، لَمْ يُؤَاخِذْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا عَلِمَ مِنْ نِيَّتِهِ الْأَدَاءَ إِلَّا مَنْ كَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ أَمَانَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّارِقِ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ أَيْضاً، وَكَذَلِكَ مَنِ اسْتَحَلَّ أَنْ يَذْهَبَ بِمُهُورِ النِّسَاءِ)) (تهذيب الأحكام: ج6 ص191).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4531
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 17/ شوال /1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22