• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 213- فقه رواية (لا يدخلها إلا كافر) .

213- فقه رواية (لا يدخلها إلا كافر)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(213)

 فقه  ((فَمَا يَ دْ خُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ؟ قَالَ: لَا...))

وقد يستدل على وجود الواسطة بين الإسلام والكفر ووجود القاصر، بحسنة أو صحيحة (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: ((قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ قُلْتُ: فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ، قَالَ لَا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ مِرَاراً، قَالَ لِي: أَيْ زُرَارَةُ إِنِّي أَقُولُ: لَا، وَأَقُولُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتَ تَقُولُ لَا، وَلَا تَقُولُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٌ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي شَيْخٌ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْخُصُومَةِ، قَالَ فَقَالَ لِي: يَا زُرَارَةُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالْحُكْمِ، أَتَقْتُلُهُ؟ مَا تَقُولُ فِي خَدَمِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ أَتَقْتُلُهُمْ؟ قَالَ: فَقُلْتُ أَنَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا عِلْمَ لِي بِالْخُصُومَةِ))([1])

المحتملات في ((يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ))

وهنا مطالب:

الأول: ان المحتملات في قوله: ((يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ)) بدواً ثلاثة:

أ- المؤمن الكامل.                       ب- المؤمن المرتكب للصغيرة.

ج- المؤمن المجترح للكبيرة.

لكنّ الأول غير مراد قطعاً، بدلالة الاقتضاء، إذ يتوقف صحة صدور مثل هذا السؤال عن زرارة على عدم إرادة هذا القسم لبداهة مخالفته للعدل وللعقل ولفلسفة بعثة الأنبياء، وهل يوجد من يتوهم أن المؤمن الكامل كسلمان والمقداد، يدخل النار؟ وعلى فرض وجوده فانه لا يتوهم صدوره من مثل زرارة.

والقدر المتيقن من مورد السؤال هو الثاني وأما الثالث فإن إطلاق النفي في كلام الإمام (عليه السلام) يشمله إذ يقول: ((لَا وَاللَّهِ)) أي لا يدخل النار مؤمن، إذ النكر في سياق النفي تفيد العموم، ويبقى البحث عن نسبة هذا الحديث مع غيره، في مجترح الكبيرة.

((لَا، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)) مشيرة إلى الواسطة

الثاني: انّ قوله (عليه السلام) ((لَا)) وقوله ((إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)) هو المشير إلى الواسطة بين الإيمان والكفر كما سيأتي، لكن زرارة حيث كان يرى عدم وجود الواسطة أبداً، بل لعله كان يرى الاستحالة الذاتية أو الوقوعية، لذلك رفض إمكان أو صحة قوله (لا) ومثل هذا الاستثناء وأن الواجب هو أن يكون الجواب (نعم) ليؤكد كلام زرارة، وأما الجواب بـ(لا) فيؤكد وجود الواسطة، إذ يعني انه قد يدخل النار غير الكافر (مع ان غير الكافر هو المؤمن والمؤمن يدخل الجنة) إذ زرارة يرى كون الناس صنفين إما في الجنة أو في النار ولا غير فغير الكافر لا بد أن يدخل الجنة، لأنه المؤمن لا محالة، والحاصل: انه لا يعقل أن لا يدخلها ولا يدخل النار كما لا يعقل أن لا يدخل النار ويدخل الجنة وهو غير مؤمن وإلا لكان قسماً ثالثاً، وهو محال.

والحاصل: بنظر زرارة: الناس إما مؤمن يدخل الجنة أو كافر يدخل النار إذاً ((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ)) أما لو قلنا بدخول غير الكافر فيها (كالعامي المقصِّر) وكذا لو قلنا بدخول الكافر في غير النار([2]) (كالكافر القاصر) لكان قسماً ثالثاً.

إضافة إلى ذلك فان الاستثناء من (لا) يؤكد الواسطة كذلك، وسيأتي معناه ومعنى (لا).

وجه توهم زرارة

الثالث: وأما زرارة فلعله كان في بدايات تشيعه ولم تكن له المعرفة الكاملة بالإمام ومقام الإمامة ولذلك توهّم ذلك التوهم، ولعله كان مجرد خاطر خطر بباله من غير عقد قلبه عليه، فان المؤمن معرّض للخواطر والوساوس حتى في الله تعالى، وقد ورد في حديث الرفع ((رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعٌ: ... وَالتَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِشَفَةٍ وَلَا لِسَانٍ))([3]) فانه قد يوسوس له الشيطان لثانيةٍ مثلاً فيخطر في باله احتمال عدم وجود الله تعالى أو عدله أو وحدانيته لكنه يتوب فوراً، وهو معفوّ عنه ومرفوع إما لأنه غير اختياري، أو تخفيفاً من الله تعالى وامتناناً، ولعله يتفرع إلى القسمين. فتدبر

دليلا الإمام (عليه السلام) على وجود الواسطة

الرابع: ان الإمام استدل عليه وعلى وجود الواسطة بدليلين:

الشيعي المستضعف

أ- قوله (عليه السلام): ((مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالْحُكْمِ، أَتَقْتُلُهُ؟ مَا تَقُولُ فِي خَدَمِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ أَتَقْتُلُهُمْ؟)) وهنا نسختان ((أَتَقْتُلُهُ)) و((أَتَقبلُهُ)) ولكلٍّ وجهٌ.

والمقصود بـ((فِيمَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالْحُكْمِ)) الشيعي المستضعف، وهو من لا يعرف أصول الدين ومنها الإمامة عن استدلال وبرهانٍ حتى الإجمالي منه، بل إنما يتبع أباه وأمه أو شيخه في ذلك، بأن كان مقلداً تقليداً يشبه الأعمى وذلك في الاتجاه المعاكس للذين {قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (سورة الزخرف: الآية 22) فهذا ليس بمؤمن (إذ الإيمان ما كان عن علم ومعرفة وأما هذا فالفرض انه مقلِّد محض بشكل أعمى) لكنه ليس بكافر أيضاً([4]).

وقوله (عليه السلام) ((أَتَقبلُهُ)) أي أتقبل إسلامه أو ترفضه؟ وأما ((أَتَقْتُلُهُ)) أي هل تحكم بكفره؟ فانه حسب مسلكك من 1- عدم وجود واسطة بين الإسلام والكفر. 2- وأن الكافر يقتل، تقتله؟ وبذلك نبهّه (عليه السلام) على أمر مرتكز لديه ولدى كل شيعي: أنّ من أقرَّ بأصول الدين والمذهب وليس بكافر ولا مخالف، (وإن لم يكن مؤمناً بالمعنى الأخص) فتأمل([5]) وإن كان إقراره لا عن دليل وبرهان تفصيلي ولا إجمالي.

والعامي المستضعف

ب- قوله (عليه السلام): ((مَا تَقُولُ فِي خَدَمِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ أَتَقْتُلُهُمْ؟)) والمقصود بهم العامي المستضعف، فهما برهانان، وليس الثاني تكراراً وعطف بيان للأول ليكونا برهاناً واحداً، وذلك هو الظاهر؛ إذ كان الخاصة قليلين جداً وكان كل من يحيط بزرارة، على الأقل، من العامة، ولذا امتنع عن الزواج مطلقاً لأنه لم يجد شيعية أبداً، كما في رواية أخرى ستأتي.

وقد أشار الإمام (عليه السلام) بذلك إلى مرتكز آخر، وهو: بداهة انه لا يُقتل عامة المسلمين من البسطاء الذين لم يعرفوا اختلاف الآراء والأقوال والحجج، ولم تكن لهم قدرة إدراكية تمكّنهم من معرفة الأدلة والحق من الباطل، وقد اتخذ عليه السلام الحكم بعدم قتلهم دليلاً على عدم كفرهم، وهو دليل على وجود الواسطة بين الإيمان والكفر، إذ كان زرارة يرى أن كل كافر يقتل، ويمكن صياغة كلام الإمام (عليه السلام) بشكل القياس الاستثنائي التالي: (كل كافر يقتل – بحسب مبنى زرارة – لكن العامي المستضعف لا يُقتل، فليس بكافر) كما انه ليس بمؤمن (أي بالمعنى الأخص) فهذا هو الواسطة.

((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ)) استثناء مفرّغ

الخامس: ان قول زرارة ((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ)) من قبيل الاستثناء المفرّغ، والاستثناء المفرّغ لا بد أن يكون استثناءاً متصلاً، فإذا كان متصلاً أفاد الحصر، فإذا كان كذلك كان جواب الإمام بـ(لا) وارداً على هذا الحصر نافياً له، ثم ان الإمام استثنى منه، وسيأتي إيضاح النقطة الأخيرة.

وأما توضيح المطلب فهو: 1- ان الاستثناء المفرّغ هو ما لم يذكر فيه المستثنى منه وقد وقع في سياق نفي أو نهي أو استفهام، وسمي مفرغاً لأنه فرّغ من المستثنى منه وأخلي منه وحذف.

وهو متصل، فيفيد الحصر

2- والمفرّغ لا بد أن يكون متصلاً، على المشهور، وإن ناقش فيه بعض، فقولك (ما جاء إلا زيد) يعني ما جاء أحد إلا زيد أو ما جاء إنسان إلا زيد، ولا يصح أن تقدر مبايناً ليكون منقطعاً كأن تقول بأن (ما جاء إلا زيد) يعني ما جاء عمرو إلا زيد وإن كانت (إلا) في الاستثناء المنفصل بمعنى لكن فيصح المعنى (ما جاء عمرو لكن جاء زيد) فانه تكلف بعيد عن المرتكز والاستعمالات العرفية.

3- فإذا كان متصلاً أفاد الحصر، وتوضيحه: ان الاستثناء المنفصل لا يفيد الحصر لأنه بمنزلة جملتين و(إلا) بمعنى لكن، فإذا قلت (ما جاء القوم إلا حمار)، فانه يعني ما جاء القوم لكنّ حماراً جاء، فانه لا ينفي مجيء حيوان آخر، لكن المتصل يفيد الحصر بطرفيه([6]) فإذا افاد: (ما جاء حيوان إلا حمار) أفاد عدم مجيء غيره.

من ثمرات التعبير بالمتصل أو المنفصل

وللتعبير بالمتصل أو المنفصل ثمرات، فلو قال مثلاً (لا تأكل إلا الطيِّب) فإن فرضناه متصلاً، كما هي القاعدة في الاستثناء المفرّغ، كان المعنى لا تأكل شيئاً أو طعاماً إلا الطيِّب، وعليه: إذا شك بنحو الشبهة الموضوعية في طعام أنه طيب أو خبيث، لم يحلّ أكله لعموم المستثنى منه والخارج منه ما أحرز طيبه، وأما إذا قدرنا المستثنى منه بنحوٍ يكون منفصلاً، جاز أكل المشكوك، فلو قدّرنا في الجملة السابقة الخبيث كمستثنى منه أي (لا تأكل الخبيث إلا الطيب) كانت لدينا جملتان هما: لا تأكل الخبيث ولكن كُل الطيب فهذا المشكوك لا يصح القول بكونه خبيثاً (لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية) فيجوز أكله لأصالة الحل، فانه ليس خبيثاً ليحرم ولا عموم لتحريم ما عدا الطيب، بل إنما يحرم الخبيث ويحل الطيب حسب الجملة، فيكون المشكوك حلالاً، إذا لم يوجد أصل ينقح حاله، بإطلاق ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِه‏))([7]).

وفي قوله: ((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ)) الأصل أن يقدر المستثنى منه عاماً، نظير: أحد، إنسان... إلخ، ليكون متصلاً فيفيد الحصر، وقد أجاب الإمام (عليه السلام) بـ(لا) فقد ورد النفي على الحصر، نعم يمكن أن يقدر مبايناً ليكون منفصلاً فلا يفيد الحصر فيكون هكذا (لا يدخلها مؤمن ولكن يدخلها الكافر) – لكنه خلاف الظاهر وخلاف مبنى المشهور، وللبحث تتمة فانتظر.

*              *              *

اكتب الفرق بين الاستثناء المتصل والمنفصل، والمفرّغ وغير المفرّغ، وما هي النسبة بين هذه الأربعة.

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((مَا مِنْ شِيعَتِنَا أَحَدٌ يُقَارِفُ أَمْراً نَهَيْنَاهُ عَنْهُ فَيَمُوتُ حَتَّى يَبْتَلِيَهُ اللَّهُ بِبَلِيَّةٍ تُمَحَّصُ بِهَا ذُنُوبُهُ، إِمَّا فِي مَالِهِ أَوْ وُلْدِهِ، وَإِمَّا فِي نَفْسِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ مُحِبُّنَا وَمَا لَهُ ذَنْبٌ، وَإِنَّهُ لَيَبْقَى عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ مِنْ ذُنُوبِهِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَتُمَحَّصُ ذُنُوبُهُ)) (تحف العقول: ص122).

----------------------------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص385.

([2]) أي عدم دخوله النار.

([3]) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ص50.

([4]) خلافاً لزرارة وللسيد المرتضى علم الهدى كما سيأتي.

([5]) سيأتي وجهه.

([6]) أي بمجموع طرفيه.

([7]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص313.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4533
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 18 / شوال /1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22