بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(214)
سبق بعض الكلام عن فقه حَسَنةِ أو صحيحةِ (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: ((قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ قُلْتُ: فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ، قَالَ لَا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ مِرَاراً، قَالَ لِي: أَيْ زُرَارَةُ إِنِّي أَقُولُ: لَا، وَأَقُولُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتَ تَقُولُ لَا، وَلَا تَقُولُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٌ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي شَيْخٌ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْخُصُومَةِ، قَالَ فَقَالَ لِي: يَا زُرَارَةُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالْحُكْمِ، أَتَقْتُلُهُ؟ مَا تَقُولُ فِي خَدَمِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ أَتَقْتُلُهُمْ؟ قَالَ: فَقُلْتُ أَنَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا عِلْمَ لِي بِالْخُصُومَةِ))([1]) وسبقت مطالب خمسة وأما بقية المطالب في فقه الحديث:
بحث موجز عن فقه الحديث
من قواعد فقه الحديث
السادس: ان فقه الحديث والتفقه فيه بشكل عام وفي هذه الرواية بشكل خاص يتوقف على أمور متعددة:
التعرف على مبنى الراوي
فمنها: التعرف على مبنى الراوي السائل، وما بنى عليه الإمام (عليه السلام)، فانه كثيراً ما يحدد ذلك جهة الكلام ومصبّه ويؤكد الإطلاق أو يصرفه، لكونه قرينة متصلة حافة، وإن لم تكن نقلية، ومبنى زرارة كان على الأمور التالية: عدم وجود الواسطة بين المؤمن والكافر وعدم وجود الواسطة بين الجنة والنار، وعليه: فالناس صنفان فقط فكل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار ولا يوجد غير هذين الصنفين، وكان يرى أيضاً([2]) أنّ المخالف مطلقاً، مستضعفاً أو غيره، كافر (فهو إذاً في النار).
قواعد تستظهر من كلام الإمام (عليه السلام)
وأما ما بنى عليه الإمام (عليه السلام)، فالظاهر من هذه الرواية أو من غيرها هو الأمور التالية:
أ- وجود واسطة بين المؤمن والكافر، كالمخالف.
ب- وجود واسطة بين الجنة والنار، وهي الأعراف.
ج- ليس كل غير مؤمن كافراً.
د- وبعض غير الكافر يدخل النار.
هـ - وأن هذا البعض يشمل أصنافاً([3]) لكنّ لله تعالى فيهم المشيئة ((إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)) وهم المرجَون لأمر الله تعالى.
تعريف المفردات بحسب مصطلح الشرع
ومنها: التعريف الدقيق للمصطلحات الرئيسة الواردة في الرواية، في كلام السائل وجواب الإمام (عليه السلام)، وأهم كلمتين دار عنهما الكلام وحولهما الحكم في الرواية، هما: المؤمن وغير الكافر المستبطن في تعبير الإمام بـ(لا)، فلا بد من الإشارة إلى المحتملات فيهما ومن ثَمّ تعريفهما ليتضح مصبّ النفي والإثبات في كلام الإمام (عليه السلام).
فـ(المؤمن) في اصطلاح الشرع: أ- يحتمل شموله للشيعي المستضعف، وهو من عرف أصول الدين والمذهب لا عن دليل وبرهان ولو إجمالي بل عن تقليد محض، وقد ذهب بعض إلى أنه كافر وبعض إلى انه غير مؤمن وإن لم يكن كافراً، وسيأتي.
ب- ويحتمل فيه شموله للشيعي المجترح للكبيرة، وقيل انه ليس بمؤمن.
ج- ويحتمل فيه شموله للشيعي المرتكب للصغيرة، وقيل انه ليس بمؤمن.
وذلك كله مبني على تنقيح معنى الإيمان، بحسب الآيات والروايات، وسيأتي.
وأما غير الكافر في كلامه (عليه السلام) فانه يحتمل أن يشمل: أ- العامي المستضعف وهو قاصر، ب- العامي المقصِّر، ج- العامي المعاند فانه إن لم يَعُدْ إنكاره الإمامةَ إلى إنكار النبوة وكلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يجري فيه هذا الاحتمال([4])، د- الشيعي المرتكب للكبيرة، هـ - الإنسان في مهلة النظر، فقد جزم الشريف المرتضى بكفره وانكره آخرون([5]).
معنى قوله (عليه السلام) (لا)
فقوله (عليه السلام): (لا) يعني يدخلها غير الكافر؛ إذ النفي منصب، كما سبق، على الحصر في سؤال زرارة ((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ))، المستفاد([6]) من كونه استثناءً مفرغاً متصلاً، فانه لو قال (عليه السلام) نعم، أفاد أن الكافر فقط يدخلها لكنه قال: لا، فأفاد دخول غير الكافر والمحتمل شموله للأصناف الأربعة الماضية، فقوله بعدها: ((إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)) استثناء إما من أصل الأصناف الأربعة أو من بعض أفرادها والاستثناء من أصل الأصناف الأربعة يعني مثلاً انه يدخلها، أي النار، غير الكافر إلا القسم الرابع مثلاً أو إلا القسم الأول وأما الاستثناء من بعض أفراد بعض الأصناف فهو بمعنى أن يراد أنه يدخلها، أي النار، القسم الثاني مثلاً إلا من شاء الله أو القسم الرابع إلا من شاء الله منهم لاختلاف أنواع الشاكلة فيهما. بل في غيرهما أيضاً. فتأمل
الفرق بين المقصِّر والمعاند
تنبيه: المقصِّر قد لا يكون معانداً، سواء أكان كافراً مقصِّراً في معرفة الدين أم مسلماً مقصِّراً في معرفة أئمة المسلمين، وذلك لأنه لا تلازم بينهما إذ قد يكون مقصِّراً في التعرّف على الإسلام بأن كان بوذياً مثلاً واحتمل 20% مثلاً كون الإسلام هو الدين الحق لكنه لم يفحص تكاسلاً، فهو مقصِّر دون ريب كما وانه يستحق العقاب، لكنه ليس بالضرورة معانداً إذ يمكن أن يكون ممن لو اطلع على الحق لآمن به ولم يجحده.
والحاصل: ان على مدعي التلازم الإثبات، بل الظاهر الانفكاك بشهادة الوجدان، فانه، في مثال آخر، قد يظن بأننا على حق (أو يحتمل ولو 20% كما سبق) ولو علم لآمن لكنه قد لا يعتقد بضرورة الفحص ولا يرى عقله ملزماً له([7])، أو يظن، ولو ظناً غير معتبر، ان فحصه غير منتج فهو مقصِّر لكنه ليس بالضرورة معانداً.
ملاحظة النسبة بين جملتين في الحديث
ومنها: ملاحظة النسبة بين جزئي رواية واحد، فان النسبة قد تلاحظ بين دليلين نقليين كآيتين أو روايتين، وهو المعهود، وقد تلاحظ بين فقرات الرواية، وفي المقام يمكن لنا أن نبحث عن النسبة بين ((يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: لَا)) الذي يعني بعبارة أخرى: (كل مؤمن لا يدخل النار) أو بعبارة أدق: (لا شيء من المؤمنين بداخل في النار) وبين قوله: ((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ، قَالَ لَا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)) الذي يعني بعبارة أخرى: (يدخل غير الكافر النار إلا بعضهم ممن شاء الله عدم دخوله رغم استحقاقه) ففي مثل المرتكب للكبيرة يختلف الحال وتختلف النسبة بين القول بانه مؤمن أو القول بانه غير مؤمن.. وسيأتي بإذن الله تعالى.
* * *
- اذكر شاهداً أو أكثر من الآيات والروايات على أن كل مقصِّر معاند أو جاحد، أو العكس.
- اكتب بحثاً عن الآيات والروايات وأقوال العلماء في تعريف المؤمن والكافر بإطلاقاتهما المختلفة (ذكرنا للكافر ستة إطلاقات في بحث سابق، فراجعه).
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((مَنِ اتَّخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شِبْراً بِغَيْرِ حَقٍّ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ)) (عوالي اللآلئ: ج1 ص161).
-------------------------------------
([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص385.
([2]) كما يظهر من مناظرته المفصلة مع الإمام الباقر (عليه السلام) وأولها: (قلت له ما تقول في مناكحة الناس).
([3]) سيأتي ذكرها.
([4]) وانه غير كافر ظاهراً.
([5]) يراجع كتاب حقائق الإيمان للشهيد زين الدين العاملي ص133.
([6]) صفة للحصر.
([7]) لكنه لو كان كذلك حقاً، لما عدّ مقصراً. فتأمل.
|