• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1444هـ) .
              • الموضوع : 215- تتمة فقه (لا يدخلها إلا كافر) .

215- تتمة فقه (لا يدخلها إلا كافر)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(215)

سبق: (ومنها: ملاحظة النسبة بين جُزئَيْ رواية واحد، فان النسبة قد تلاحظ بين دليلين نقليين كآيتين أو روايتين، وهو المعهود، وقد تلاحظ بين فقرات الرواية، وفي المقام يمكن لنا أن نبحث عن النسبة بين ((يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: لَا)) الذي يعني بعبارة أخرى: (كل مؤمن لا يدخل النار) أو بعبارةٍ أوفق: (لا شيء من المؤمنين بداخل في النار) وبين قوله: ((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ؟ قَالَ لَا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)) الذي يعني بعبارة أخرى: (يدخل غير الكافر النار إلا بعضهم ممن شاء الله عدم دخوله رغم استحقاقه) ففي مثل المرتكب للكبيرة يختلف الحال وتختلف النسبة بين القول بانه مؤمن أو القول بانه غير مؤمن.. وسيأتي بإذن الله تعالى)([1]).

مرتكب الكبيرة مؤمن أو لا؟

وتوضيحه: ان مرتكب الكبيرة لا يخلو إما أن يقال بأنه مؤمن أو لا:

قوله (عليه السلام) (لا) مطلقة أو مهملة؟

فإن قيل انه مؤمن فلا يخلو إما أن نقول بأن قوله (عليه السلام): (لا) يفيد قضية مطلقة أو يفيد قضية مهملة، فإن أفاد مطلقةً كان (لا شيء من المؤمنين بداخل في النار) المستفاد من (يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ، قَالَ: لَا) مخصِّصاً له، فيكونان بعد ضمهما إلى بعض: (كل غير الكافر أيضاً([2]) يدخل النار إلا المؤمن) نعم، بناء على استبطان المطلقة لقيد (غير المؤمن)([3]) فيكون أحدهما مؤكداً للآخر أي فقل: يكون الثاني مبنيّاً على الأول معتمداً عليه.

وإن أفاد مهملةً، فلا إطلاق لها لتتعارض مع (لا شيء من المؤمن بداخل في النار) إذ مفاد المهملة (بعض غير الكافر يدخل النار) فلا إطلاق لها لتعم المؤمن لتتعارض ولو بدواً مع (لا شيء...) ويتشكل القياس من الشكل الثاني: هكذا: (بعض غير الكافر يدخل النار ولا شيء من المؤمن بداخل في النار فبعض غير الكافر ليس بمؤمن) وهو الواسطة.

وأما إن قلنا انه ليس بمؤمن فليس مشمولاً للجملة الأولى، ويبقى أن الجملة الثانية إن كانت مطلقة شملته فلا بد في معرفة حكمه من ملاحظة سائر الروايات، وإلا فلا تشمله أي لا يتم دليل على الشمول.

تنبيه: قد يقال في قوله (عليه السلام) (لا) في الجواب عن سؤال زرارة ((فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ، قَالَ: لَا)) انه يفيد قضية مهملة (أي يدخلها بعض غير الكافر) أو (بعض غير الكافر يدخل النار).

وقد يقال: انه يفيد قضية مطلقة بمعنى: (كل غير الكافر أيضاً، إضافة للكافر، يدخلها) وهو مقيد بالفقرة الأولى ((يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ، قَالَ: لَا)) وبالضروري من الدين والآيات والروايات المتواترة بل ببداهة العقل، وعليه تكون الكبرى الكلية، لُبّاً، هكذا: (كل غير الكافر ممن لم يكن بمؤمن، يدخلها أي النار).

صياغتان متقابلتان لسؤال زرارة

الثامن: ان من الممكن صياغة السؤال بشكلين:

أ- (ما يدخل النار إلا الكافر) فيفيد أن كل داخل في النار فهو كافر حتماً فإذا كان الجواب (لا) أفاد دخول غير الكافر أيضاً كالعامي المعاند.

ب- (ما يدخل الكافر إلا النار) فيفيد إطلاقه أن الكافر حتى لو كان قاصراً دخل النار، فإذا أجيب بـ(لا) فرضاً أفاد أن بعض الكافر، كالقاصر، لا يدخل النار.

والظاهر أن مرمى نظر زرارة، كان هو القضية الأولى لا الثانية ولذا صاغها بذاك الشكل إذ لم يكن يهمه كون الكافر قاصراً أو لا وان حكم القاصر ما هو؟ وتدل على ذلك أيضاً([4]) القرينة العامة الحافّة وهي أن همّه كان إضافة للفقه، البحث عن ثنائي الشيعي والمخالف، إذ كان هو مخالفاً فتشيع، وكان يعتقد بأن المخالف كافر، والمستظهر انه كان يستدل عليه بأنه يدخل النار (لأنه أنكر أصلاً من أصول الدين وهو الإمامة) فهو كافر حتماً.

ثنائيات زرارة الثلاث

التاسع: ان الظاهر ان زرارة كان يعتقد بثلاث ثنائيات:

1- كل عامي فهو كافر.

2- كل كافر يدخل النار.

3- كل من يدخل النار، أُخرىً، فحكمه القتل، دُنياً، ولذا يقتل كل عامي.

وأما ما بنى عليه الإمام (عليه السلام) فهو رفض الكليات الثلاث، فلاحِظ أولاً تمام الرواية، (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: ((قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ قُلْتُ: فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ، قَالَ لَا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ مِرَاراً، قَالَ لِي: أَيْ زُرَارَةُ إِنِّي أَقُولُ: لَا، وَأَقُولُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتَ تَقُولُ لَا، وَلَا تَقُولُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٌ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي شَيْخٌ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْخُصُومَةِ، قَالَ فَقَالَ لِي: يَا زُرَارَةُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالْحُكْمِ، أَتَقْتُلُهُ؟ مَا تَقُولُ فِي خَدَمِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ أَتَقْتُلُهُمْ؟ قَالَ: فَقُلْتُ أَنَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا عِلْمَ لِي بِالْخُصُومَةِ))([5]).

ردّ الإمام (عليه السلام) لكل ثنائياته

فقد انطلق الإمام (عليه السلام) من المقدمة الثالثة مستدلاً على زرارة ببداهة عدم صحة القول بقتل البسطاء بل بقتل كل المسلمين؛ ولا يبعد انه (عليه السلام) اتخذ من ((خَدَمِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ)) مرآة لحال كافة المسلمين، لأن النادر كان شيعياً وكان عامة المسلمين كخدمهم وأهليهم أي من العامة البسطاء فاستدل عليه الإمام (عليه السلام) بالوجدان وبمرتكز المتشرعة القطعي، (وبتقرير المعصومين (عليهم السلام)) على عدم قتل العامي البسيط غير الجاحد أو المعاند، فإذا ثبت أنه لا يقتل وانتفت المقدمة الثالثة انتفت المقدمتان الأولى والثانية، بحسب ما ارتآه زرارة من التلازم الثبوتي بينها، أي حيث لا يقتل الخدم والأهالي وسائر المسلمين البسطاء، فليسوا بكفار؛ إذ رأى زرارة أن كل كافر يقتل) فأجابه الإمام (عليه السلام) بقياس استثنائي وبقياس الخلف (لكن الخدم والأهالي لا يقتلون فليسوا كفاراً)([6])، فنفى المقدم بنفيه التالي، كما انهم حيث لا يقتلون فليسوا بالضرورة من أهل النار إذ رأى زرارة، أن كل أهل النار يقتلون فأجابه الإمام (عليه السلام): لكنّ هؤلاء ليسوا ممن يقتل فليسوا من أهل النار.

وبذلك أثبت الإمام (عليه السلام) الواسطة بين أهل الجنة وأهل النار، وثبتت الواسطة بين الإيمان والكفر، وذلك خلافاً لزرارة الذي انطلق من التركيز على الجنة والنار وان كل مؤمن لا يدخل النار وكل كافر يدخل النار، وحيث لا توجد واسطة بين المؤمن والكافر، والمسماة بالمخالف، ولا توجد واسطة بين الجنة والنار، فالمخالف، حيث انه ليس بمؤمن، فهو كافر ولا بد انه داخل في النار.

*         *            *

- عرّف الإيمان والكفر بحسب المستفاد من الآيات والروايات، واذكر أقوال الفقهاء في ذلك.

- اكتب بحثاً عن الأدلة على وجود الواسطة بين الإيمان والكفر.

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((عَجِبْتُ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لَا يَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ قُرِّضَ بِالْمَقَارِيضِ كَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ مَلَكَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا كَانَ خَيْراً لَهُ)) (الكافي: ج2 ص62).

-------------------------

([1]) الدرس (214).

([2]) أي إضافة إلى الكافر.

([3]) أي كل غير الكافر ممن لم يكن مؤمن.

([4]) أي إضافة لطريقة صياغته السؤال.

([5]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص385.

([6]) وإن أمكن أن تنقض به الكبرى الكلية (كل كافر يقتل) لكن مرمى جواب الإمام (عليه السلام) ما ذكر في المتن. فتدبر.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4537
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 23 / شوال /1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22