• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 194- دعوى الانسداد على البعض ، تدفع بـ 1ـ النقض بالجزم 2ـ لا قاصر في الاصول ، والباب مفتوح مطلقاً بدليلين ،وجوابه 3ـ الانسداد على البعض لايسقط التكليف عن الكل ـ تحليل الاحكام الشرعية واقسامها .

194- دعوى الانسداد على البعض ، تدفع بـ 1ـ النقض بالجزم 2ـ لا قاصر في الاصول ، والباب مفتوح مطلقاً بدليلين ،وجوابه 3ـ الانسداد على البعض لايسقط التكليف عن الكل ـ تحليل الاحكام الشرعية واقسامها

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
ملخص ما تقدم 
كان البحث حول كلام صاحب القوانين ووصلنا إلى دعواه بان باب العلم منسد على بعض المكلفين في الكثير من المعارف وأجبنا عن ذلك. 
اولا بالنقض بان, باب الجزم الذي التجأ اليه فرارا من هذا المحذور منسد على بعض المكلفين بل باب الظن ايضا منسد على بعضه في الكثير من المعارف. 
واما ثانيا فقد يقال:وهنا موطن اختلاف مبنائي، انه لا انسداد في المعارف مطلقا حتى للبعض بل باب العلم منفتح في المعارف بصنفيها الاولين بل بثالثها مطلقا، وهذا المبنى ذهب اليه جمع من المتكلمين ممن يرى؛ ان لا قاصر في اصول الدين وانه إذا لم يكتشف شخص الحقيقة فهو مقصر قطعا,وهذا الكلام يقع في مقابل كلام صاحب القوانين تماما، فهو يرى الانسداد في الفقه ويرى الانسداد في كثير من المعارف في الكلام، لكن هذا الرأي انفتاحي مطلق إذ يرى ان كافة المعارف، بابالعلم فيها مفتوح ودليله امران: 
من ادلة القائلين بانفتاح باب العلم 
الامر الاول:فطرية المعارف من الصنف الاول والثاني بل الثالث ايضا كما تقدم, وعلى هذا فليكن الشخص في طامورة او في قمة جبل لكن حيث ان فطرته معه، فليس باب العلم منسدا عليه أو على اي شخص في اصول الدين,اي المعارف في درجاتها الثلاث. 
الامر الثاني:وهو مكمل للدليل الاول وقد يلحق به، ان من تُوُهِّم في حقه ان باب العلم منسد عليه في المعارف فان ذلك بسوء اختياره؛ وما بالاختيار لا ينافي الاختيار, فحتى لو فرض الانسداد عليه في بعض المعارف كما لو كان في بعض قرى الصين مثلاً فلا يستطيع ان يصل إلى العلماء،فان انسداد باب العلم عليه على فرضه إنما هو بسوء اختياره فانه الذي اغلق باب العلم على نفسه، إذ كان عليه ان يسافر ويطلب فلم يفعل فيصح عقابه وان لم يصح في هذه الحال خطابه لو كان قاطعاً، ومن كان في قمة جبل فلينزل. 
والحاصل: انفطرته ترشده إلى وجود خالق وهذا الخالقلم يخلقه عبثاً أو على الأقل يحتمل انه يريد منه شيئاً؟فعلى اقل تقدير يحدث ذلك لديه استفهاماً فيجب عليه ان يبحث,خاصة وان المسألة مصيرية: وهل وراء هذه الدنيا حساب وعقاب ام لا؟ اذن فطرته تنطق بالاستفهام، فاذا لم يبحث فهو مقصر؛ اذن باب العلم منفتح عليه بانفتاح الطريق لكنه لم يبحث فانغلق؛ فانغلاقه بسوء اختياره. 
ثم انه لو فرض وجود شخص قاصر في فترة من الزمن فانه القصور غير مستوعب لعمره كله. 
ثم ان من كان في المجاهيل فان انسداد باب العلم عليه فترة الفحص المقتضي سفراً أو غيره، لا يعني انسداده عليه ابداً، هذا هو الجواب الثاني على مبنى الكثيرين من انه لا قصور في اصول الدين. 
رد ادلة الانفتاحي 
لكن الظاهر ان هذا الجواب وهذا المبنى مخدوش لأن الموجبة الكلية نقيضها السالبة الجزئية, إذ لا شك في وجود قاصرين في بعض مسائل اصول الدين، ومثال واحد يكفي، وذلك مثل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم فانها ليست قضية بديهية وضرورية بل لا بد من النظر والاستدلال، فانه بمجرد الرجوع إلى الفطرة لا يستكشف بان شخصاًولد قبل كذا سنة وكان اسمه كذا، كان نبيا، نعم اصل النبوة امر فطري وان الله لابد ان يبعث انبياء لكن تشخيص المصداق,كالايمان بنبوة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم,قضية نظرية وليست ضرورية، على الرأي المشهور وان كانت بعض الروايات تدل على فطرية شخصه وشخص علي عليه السلام وباقي الائمة عليهم السلام، وهذا بحث خلافي ليس ههنا محل تنقيحه وهو خلاف المشهور، والبعض يرى انه حتى المصداق فطري وان الله غرسه في الفطرة فان الله تعالى عرض على جميع البشرية اشخاصهم صلوات الله عليهم للإيمان بهم فتمت الحجة علينا في عوالم اخرى فمن جحد استحق النار ومن آمن استحق الجنة. 
والحاصل: انه إذا قلنا بان تشخيص المصداق نظري فلا شك ان البعض لا يستطيع تحصيل هذه المعرفة لعدم توفر الامكانات للسفر أو للتحقيق بشكل عام وخاصة في النساء، فكيف يقال انها مقصرة مع انها لو شاءت لما استطاعت,لكن من لا يقبل هذا المبنى (لا قاصر في أصول الدين) فالجواب الثاني غير تام . 
صحة توجيه الخطاب للكل وان انسد على البعض 
اما الجواب الثالث:وهو جواب دقيق وستظهر ثمرته لاحقا فنقول: ان انسداد باب العلم على البعض في الكثير من المعارف على فرضه لا يستتبع عدم صحة توجيه الخطاب التكليفي للكل، وبعبارة اخرى: انه وان كان البعض غير قادر على تحصيل العلم في الكثير من المعارف الا ذلك لا ينفي صحة توجيه الخطاب التكليفي للجميع، اما بنحو القضية الخارجية المسورة بسور كل ونظائره او بنحو القضية الحقيقية,والثمرة سيأتي بيانها لاحقا,لأن هذا الكلام بظاهره غير مقبول ومتناقض إذ كيف نقبل تنزلا ان باب العلم منسد على البعض، ومع ذلك نقول: ذلك لا ينفي صحة توجيه الخطاب للكل بمثل قوله تعالى: (اعْلَمُوا)مع ان البعض غير قادر على تحصيل العلم إذ لا ريب في ان القدرة مخصص عقلي لهذا الخطاب العام؟ 
بعبارة أخرى: صاحب القوانين يقول باب العلم منسد على البعض، ونحن نقول – في الجواب الثالث - ان الخطاب موجه للكل ثم نتراجع ونقول لكن هذا الخطاب الموجه للكل مخصص بقرينة عقلية حافة بالكلام فليس التكليف للكل وان كان الخطاب للكل فالنتيجة اصبحت واحدة كما يبدو؟ لكن سنذكر في اخر البحث ان النتيجة مختلفة والثمرة العملية موجودةفليتأمل جيداً كي لا يتوهم ان الخلاف فني وليس جوهرياً. 
لكن قبل ذلك نذكر تأطيراً كلياً للمسألة سينفعنا في مباحث أخرى كثيرة,وهذا التأطير مرجعه إلى استعارة لمبحث منطقي في المباحث الاصولية، وفي تصوري ان هذه الاستعارة ستغني الاصول اكثر، فان الاصوليين استعاروا كثيرا من المباحث المنطقية فادخلوهافي الاصول كما استعاروا مباحث لغوية وصرفية ونحوية وكلامية، والحاصل ان الاصول عبارة عن مجمع للعلوم التي تصب مباشرة في استنباط الحكم الشرعي كمقدمة اخيرة للاستنباط ولذا عبرنا في تعريف موضوع علم الاصول بانه(الحجة المشتركة القريبة في الفقه)، فنقول: 
الاستعانة بالمباحث المنطقية 
مصطلح القضية الحقيقية والقضية الخارجية مصطلح منطقي سرى إلى الاصول واغنى المباحث الاصولية، اما التأطير الاخر الذي نرى ضرورته فهو ان من المباحث المنطقية: القضية الحملية والقضية الشرطية وان القضية الحملية– وكذا الشرطية - تنقسم إلى اربعة اقسام وينقسم اخرها إلى قسمين: 
اقسام القضية الحملية 
القسم الاول: القضية الشخصية مثل (زيد كريم). 
القسم الثاني: القضية الطبيعية وهي ما حكم فيها على الطبيعي بما هو هو على ان لا يسري الحكم من الطبيعة إلى الافراد مثل (الانسان نوع),فالطبيعة هنا ليست مرآة للافراد اذ لا يقصد من (الانسان نوع) ان كل فرد فرد من افراده هو نوع. 
القسم الثالث: القضية المهملة التي ادعى ابن سينا في الاشارات عدم وجودها في لغة العرب، ولكننا نقول انها موجودة ومفيدة ونافعة في علم الاصول وغيره، ولعل الكثير من مباحث الاصول مبني على القضية المهملة بالاصطلاح المنطقي كما سيأتي، كما انها موجودة في اللغة الفارسية ايضا وكذا الانكليزية، والقضية المهمله هي ما حكم فيها على الطبيعي بلحاظ مرآتيته للافراد، لكن بدون ان تسوَّر القضية بسور كل او البعض. 
القسم الربع:القضية المسورة او المحصورة، بقسميها الكلية وهي ما كانتمسورة بكل او الجمع المحلى بالألف واللام مثل(اوفوا بالعقود) والجزئية وهو قضية مسورة ببعض ونظائره مثل قوله تعالى (اجتنبوا كثيرا من الظن) وامثلته كثيرة. 
وهذا البحث المنطقي يطرح في القضايا الحملية والقضايا الشرطية، ونحن نستعير هذا البحث في الاصول والفقه فنطبقه على (الانشاء) وان كان هذا البحث مصبه على الاخبارات، لكن سوف نصبه على الانشاءات، حتى ما كان منها اخباراً أريد به الانشاءمثل(يعيد صلاته). 
فنقول الانشاءات اما شخصية او طبيعية واما مهملة او مسورة بكل او بعض. 
تطبيق الاقسام الاربعة على المباحث الأصولية 
القسم الاول:وهو الشخصي،لكنه غير موجود في التشريع مبدئيا،ولو وجد فانه يحمل على الكلية كما في الخطابات القرآنية للرسول صلى الله عليه واله وسلم بشخصه الكريم إذ ظاهرها الخطاب الشخصي، لكن في التشريع لا قضايا شخصية لنا فما كان شخصياًفإنما هو لكونه طرف الخطاب مع تعميم الحكم للكل، كـ(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) وسائر الآيات القرآنية,اللهم الا في الاحكام الولوية, اذ: عندنا التشريع العام وهو مما لا قضية شخصية فيه، وعندنا الاحكام الولوية وفيها احكام شخصية، ومن هنا نشأ خلط كبير عند الكثير عند تصفح الروايات، فان الرواية تتحدث احيانا عن حكم ولائي فهي شخصية فلا يسري الحكم من موردها إلى الغير وهذا بحث كثير الفوائد لا نتوقف عنده الان الا بمقدار الاشارة وهو التفريق بين الاحكام الولوية والتشريعية وان هذه شمولية بطبعها عكس تلك، فعند مراجعة الرواية لابد ان نعرف ان هذا الخطاب ولوي او خطاب تشريعي وللحديث صلة. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=454
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 4 صفر 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23