• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 196- تتمة : الفرق بين (المهملة ) و (المحصورة) في تطابق الارادتين ـ مناقشة دعوى صاحب القوانين : عدم القدرة على تحصيل (العلم والظن) مطلقاً وان المقدور (النظر) فقط ـ مناقشة دعوى ان (الاصابة) غير مقدورة وحيث انها قوام (العلم) فالعلم غير مقدور .

196- تتمة : الفرق بين (المهملة ) و (المحصورة) في تطابق الارادتين ـ مناقشة دعوى صاحب القوانين : عدم القدرة على تحصيل (العلم والظن) مطلقاً وان المقدور (النظر) فقط ـ مناقشة دعوى ان (الاصابة) غير مقدورة وحيث انها قوام (العلم) فالعلم غير مقدور

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان البحث حول المناقشة مع صاحب القوانين في دعواه انسداد باب العلم في الكثير من المعارف، وذكرنا بعض الكلام عن ذلك,ووصلنا إلى تحليل القضايا الحملية والشرطية وفي ما نحن فيه الانشاءات، وتصنيفها الى اقسامها التي اشرنا إلى اغلبها وقلنا انها قد تكون شخصية، وقد تكون طبيعية وهذه لاتوجد في الانشاءات الشارعية، وقد تكون مهملة وقد برهنّا على وجودها, وقد تكون محصورة او مسورة وهذه على قسمين؛فاما ان تكون مسورة بسور الكلية او مسورة بسور الجزئية هذا ما مضى. 
ثم ان القضية الانشائية المسورة بسور كل ونظائره يعبر عنها بالواجب العيني فيما لو لاحظنا الأفراد، اما لو كانت القضية مسورة بسورة البعض فيعبر عنها بالواجب الكفائي، فكلا القسمين اذن في الانشاءات موجود بلحاظ الافراد بقسميه العيني والكفائي، وبلحاظ متعلقات الاحكام ايضا الأمر كذلك. 
من فوارق المهملة عن المحصورة: عدم تطابق الارادتين 
ثم ان الفروق بين القضية المهملة وبين القضية المحصورة، متعددة لكن نقتصر على فرق اساسي يرتبط بمحل كلامنا مع صاحب القوانين، وهو انه في القضية المهملة توجد ارادة استعمالية الا انه لا ارادة جدية فيها، اما في القضايا المحصورة والمسورة بقسميها فان الارادتين متطابقتان، هذا الفرق الجوهري هو محط كلامنا ونقاشنا الآتي مع صاحب القوانين، والا فالفروق هي خمسة او ستة,فليكن هذا المطلب على ذكر منا، ثم بعد ذلك نضع النقاط على الحروف على ضوء هذا التفريق الاخير وعلى ضوء ما سبق. 
القوانين: العلم مطلقاً غير مقدور لنا 
ولكن قبل ذلك ننتقل إلى كلام اخر لصاحب القوانين، وهذا الكلام يناقض كلامه فهذا اشكال اول على كلاميه وفيه: 
1- تناقضه لكلامه الآخر 
انهما متناقضان، فهنا في ص382 صاحب القوانين يقول ان اكثر المعارف باب العلم فيها منسد مما يعني ان الباب منفتح في بعض المعارف،وهذا يناقض قوله في ص352 حيث يقول ان العلم مطلقا غير مقدور لأي مكلف ويترقى اكثر إذ يلتزم بان الظن غير مقدور مطلقا، فكلامه في مانحن فيه ان العلم غير مقدور في الجملة لبعض المكلفين او للكثير منهم اما في ذلك الموضع فيقول ليست لنا القدرة على تحصيل العلم ولا الظن، بل قدرتنا هي على (النظر) فقط، اي ان الاجتهاد والتفكير مقدور لنا اما العلم او الظن فلا، وذلك لأن الاجتهاد قد لا يؤدي للعلم كما قد لا يؤدي للظن، اذن العلم والظن ليسا مقدورين لنا، ونص عبارته(ان العلم والظن ليسا من الامور الاختيارية)وبرهانه – مع إضافة منا - ان طريق العلم اما الاجتهاد او التقليد او الكشف والشهود او تصفية النفس او غيرها لكن هذه الطرق ليست مما توصل حتماً للعلم، بل انها احيانا توصل واحيانا لا توصل، اذن وصولك للعلم ليس باختيارك (فمن يقول بوجوب تحصيل القطع او الظن في الاصول)(لابد ان يريد من ذلك وجوب النظر) لأن الاجتهاد بيد المكلف اما مؤدَّى الاجتهاد الذي هو العلم او الظن فليس بيده (اذ العلم والظن بانفسهما ليسا من الامور الاختيارية بالذات) ودليله ما سيأتي من قوله: (والنظر قد يحصل به اليقين وقد يحصل به الظن وقد لا يحصل به شيء منهما)اذن؛ انا لست قادرا على تحصيل العلم، بل قادر على مقدمته فقط وهي التي قد توصل له وقد لا توصل فباب العلم مطلقا منسد لأنه غير مقدور بالمرة وهذا الكلام سيال وغير خاص بالمعارف بل هو جارٍ حتى في الفروع وفي الطب وفي الهندسة وغيرها. 
اولامناقضته لكلامه ويرد عليه هناك، فانه هناك لجأ إلى الظن ولجأ إلى الجزم باعتبارهما مقدورين ونص عبارته (لأن من المشاهد والمعاين انه لا يمكنتحصيل العلم في كثير منها) مما يعني انه يمكن تحصيل العلم في بعضها الاخر (فكل ما ورد من اية او خبر في ذلك فهي مخصصة) أي بغير هذا الكثير(او مؤولة بالجزم او القدر المشترك بين الظن والجزم) مما يعني تسليمه مقدوريتهما، لكنه يقول هنا بعدم مقدورية القطع والظن، وان المقدور هو النظر فقط، لأن النظر قد يؤدي إلى العلم او الظن وقد لا يؤدي اليهما، فيرد عليه هناك ما أورده هنا. 
2- المقدور بالواسطة مقدور 
ثانياً: ان المقدور بالواسطة مقدور, وما بالاختيار لا ينافي الاختيار فكلما كان الشيء مقدورا بالواسطة فهو مقدور اذ لا يشترط في القدرة المباشرة، بل القدرة الطولية ايضا مصححة لحمل (قادر) على القادر على السبب، فلو كان المكلف قادراً على النظر فهو قادر على العلم ولو في الجملة غاية الامر ان النظر لا يؤدي إلى العلم دائما,ولا يضرنا ذلك إذ لم ندّع ان النظر يؤدي للعلم دائما، ولا قلنا ان العلم مقدور عليه مطلقا،بل نقول العلم مقدور عليه في الجملة والظن مقدور عليه في الجملة,هذا هو الجواب الحلي. 
القدرة على المقتضي مصحح للنسبة 
وتحقيق هذا الجواب انه لا يشترط في القدرة (المباشرة)، كما لا يشترط في القدرة، (القدرة على العلة التامة)، بل الحق انه لا علة تامة بأيدينابحسب التحقيق فان كل ما يوجد بايدينا هو المقتضيات,والحاصل: انه لا يشترط في القدرة المباشرةوان يكونمتعلَّقها غير ذي واسطة بينك وبينه، كما لا يشترط في القدرة ان تكون العلة التامة بيدك بل ان المصحح لنسبة القدرة للفاعل هو ان يكون المقتضي بيده,ففي (النار محرقة)ليس بيدنا إلا المقتضي لاشعال النار واما العلة التامة فليست بيدنا ومع ذلك يقال انني قادر على الاحراق، توضيحه: ان الاحراق يتوقف على توفر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع التي ليست بيدي،ومنها قابلية القابل وهو بيد الله تعالى فانه خلق القطن والخشب بنحو يقبل الاحتراق وهذا خارج عن قدرتي، اضافة إلى ذلك فان ارادة الله هو الحاكمة، فلو شاء الله ان لا تحرق النار لما احرقت. 
لوازم فاسدة لدعوى عدم صحة النسبة 
اذن في مفهوم القدرة عقلا وعرفا لاتشترط المباشرة ولا العلية التامة، بل الاقتضاء مصحح لحمل القادر على من بيده المقتضي, والا للزم ان لا يصح حمل (قادر) على مخلوق ابداً في عالم التكوينيات ولا في عالم التشريعياتأي للزم ان لا تصح نسبة القدرة للمخلوق بقول مطلق، فمثلا في قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فان العقود وان الوفاء بها على هذا المبنى ليست مقدورة لنا، لأن اجراء هذا اللفظ بيدي مثل بعت او زوجت لكن المؤدَّى امر اعتباري بيد المعتبر فينبغي ان لا تكون الزوجية ولا الملكية ونحوها مقدورة لنا بالمرة فاذا قلت (ملِّك فلان مالا)فهذا الكلام – على هذا المبنى - خطأ وباطل لأنه لا يمكن له ذلك انما الذي يمكنه ان يجري العقد لأن حصول الملكية اعتبار عقلائي بيد العقلاء او اعتبار شارعي، ومن نتائج هذا الكلام ان (شرط النتيجة) باطل مطلقا حسب هذا المبنى لصاحب القوانين ولا اظنه يلتزم بذلك، ونتيجة ذلك أيضاً: التجوز في كافة الالفاظ التي اسند فيها الفعل إلى فاعل وليس بيده الا المقتضي لذلك الفعل،ولا نجد ذلك صحيحا عند العقلاءوعند الشرع، إذ حسب هذا الكلام فان قولك(احرق زيد الدار) خطأ او مجاز بل الله احرق الدار لأن زيداً لم يحرق الدار بل انه اشعل النار فقط بل حتى اشعال النار لا ينسب له، ولان العلة التامةللاشعال ليست بيده بل الذي بيده مجرد تحريك العضلات، وتحريك العضلات لا يلازم اشعال النار فانه يحرك عود الثقاب ويحك به العلبة بشدة فقط، ولا يفعل أكثر من هذا اذن(اشعل) مجاز و(احرق) مجاز بل حتى (حرك عضلاته أو يده مجاز لانه لا يملك الارادة، واما الشروط – لتأثير إرادته في تحرك يده وعضلاته – فليست بيده غالباً، وكذا انتفاء الموانع. ولا يلتزم بذلك احد في التكوينيات ولا في التشريعات، اذن حاصل الكلام ان العلم مقدور لنا بالقدرة على مقدماته,نعم ليست تلك المقدمات علة تامة للعلموانما هي مقتضي وهذا مصحح للقدرة . 
هذا كلام صاحب القوانين والنقاش معه 
الاشكال بان (الاصابة) غير مقدورة فالعلم غير مقدور وجوابه 
ونضيف اشكالا اخر يقوي كلام صاحب القوانين وبالتفصي عنه يكمل الجواب وهو:انه قد يقال في بيان امتناع اسناد العلم الينا بان العلم ليس بالمقدور لنا فلا يمكن ان نكون مكلفين به، وذلك لأن العلم قوامه (الاصابة) وبه يختلف عن القطع فان هذه الصورة الذهنية لو طابقت الواقع واصابته كانت علما والا لم تكن علما، اذن قوام العلم بالاصابة اي بالمطابقة، والاصابة امر غير مقدور عليه، لأن الاصابة امر انتزاعي ينتزع من مطابقة الصورة الذهنية للواقع الخارجي,فالاصابة ليست مقدورة لنا، وقوام العلم بالاصابة فالعلم غير مقدور لنا، هذا البيان قد لا يكون مقصود صاحب القوانين في وجه كلامه لكن هذا تقوية لكلامهببيان وجه آخر لإثبات ان العلم غير مقدور إذ ذكرنا سابقاً ان القدرة انما هي على المقدمة التي هي المقتضي واجبنا بما تقدم والان نوضح كلامه بطريقة ثانية؛العلم غير مقدور لأن قوامه الاصابة والاصابة امر انتزاعي فلا قدرة لي عليه ؟ 
الجواب 1- الانتزاعيمقدور بالقدرة على منشأ انتزاعه 
الجواب الاول عن هذا الكلام :ان الامر الانتزاعي مقدور عليه بالقدرة على منشأانتزاعه, فالموازات على سبيل المثال, امر انتزاعي فهل يمكنني ان اوجد خطين متوازيين؟نعم يمكنني ذلك بان اوجد منشأ الانتزاع بان ارسم خطا وارسم إلى جواره خطا اخر فما دمت قادرا على منشأ الانتزاع فانت قادر على المنتزَع وان كان الانتزاع عندئذ قهريا، اي لو وجد منشأ الانتزاع فان الانتزاع قهريا لكن منشأ الانتزاع لو كان بيدي فلي ان اوجده فيوجد الامر الانتزاعي ولي ان لا اوجده فلا يوجد, هذا اولا,وتأكيداً نكرر: ان الامر الانتزاعي وان كان قهريا انتزاعُه بوجود منشأ انتزاعه،لكن حيث ان منشأ الانتزاع بيدي فالانتزاع بالمآل بيدي. 
الأمر في الآيات منصب على العلم لا الاصابة 
ثانيا: ليس الامر في الآيات والروايات منصبا على (الاصابة) لكي يقال بان الاصابة مقدورة او غير مقدورة بل الامر في الآيات والروايات منصب على العلم (اعلموا ان الله يحي الارض بعد موتها) فليس منصبا على الاصابة, بل اعلموا بالواقع، فالكلام عن اعلموا وليس عن اصيبوا او اعلموا بالاصابة، والحاصل: ان التفكيك بين العلم وبين الاصابة ينفعفي التحقيق الصغروي للمقام,وبكلمة: فان كل الآيات والروايات عندما نراجعها نجد ان الامر قد تعلق فيها بالعلم او بالظن امرا او نهياكـ(اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ)اما اجتنبوا كثيرا من اللااصابةمثلاً فليس هذا محل اللامر والنهي في الروايات والآيات, وسيأتي جواب ثالث مكمل بإذن الله تعالى. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=456
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 8 صفر 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23