• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 010- ثمرتان لمبحث كون الطهارة والنجاسة وجوديين أو وجوداً وعدماً .

010- ثمرتان لمبحث كون الطهارة والنجاسة وجوديين أو وجوداً وعدماً

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(10)


الثمرات
مضى: (الرابع: هل الطهارة والنجاسة أمران وجوديان؟ أو النجاسة أمر وجودي والطهارة عدمها؟ أي هل النجاسة والطهارة كاللون الأبيض والأسود مثلاً، وكالحرارة والبرودة؟ أم النجاسة صفة وجودية (لنفرض مثلاً كونها عبارة عن ميكروبات أو فيروسات، أو كونها وساخة حقيقة متأصلة غير انها لا ترى) والطهارة عدمها، فإذا تلوثت اليد بالدم والبول كانت نجسة وإلا (إن لم تتلوث) فطاهرة؟.
ذهب إلى كلٍّ قومٌ)[1] وأما الثمرات فهي:


أولاً: تعارض استصحاب عدم الطهارة وعدم النجاسة، أو العدم.
الثمرة الأولى: تعارض استصحابي عدم الطهارة وعدم النجاسة، بناءً على كونهما أمرين وجوديين، فيتساقطان ويرجع إلى الأصل (التحتاني[2] – ههنا) وهو قاعدة الطهارة، وإما بناءً على أن الطهارة أمر عدمي والنجاسة أمر وجودي، فلا يجري إلا إستصحاب عدم النجاسة، أما عدم الطهارة فلا معنى لاستصحابه إذ الطهارة تعني، على هذا المبنى، عدم النجاسة فاستصحاب عدم الطهارة يعني استصحاب عدم عدم النجاسة؛ إذ على هذا المبنى فإن الطهارة هو اسم آخر لعدم النجاسة وليس حقيقة أخرى بل هما عنوانان لمعنون واحد، وهما الطهارة وعدم النجاسة.


كلام صاحب العناوين
وذلك هو ما أشار إليه صاحب العناوين المحقق المراغي (قدس سره) بقوله: (إنّ التعارض فرع كون الأمرين وجوديين كل منهما يرتفع بالأصل، وأما إذا كان أحدهما وجودياً دون الأخر، فلا.
وبيان ذلك: أن الطهارة والنجاسة مثل الحركة والسكون، فكما أن السكون عبارة عن عدم الحركة وعما لا ينبغي أن يكون الشيء عليه أوّلاً قبل طرو علة وسبب يخرجه عما هو عليه، والحركة شيء وجودي حادث يحتاج في وجوده إلى علة وسبب، فنقول: الأصل عدم الحركة فيثبت السكون، ولا يمكن القول بأن الأصل عدم السكون فيثبت الحركة، لأن السكون كما ذكر أمر عدمي، ولا معنى لقولنا: عدم العدم، فكذلك في الطهارة والنجاسة، فإن الطهارة لا يتصور في العقل لها معنى إلا عدم النجاسة، والنجاسة أمر وجودي حادث والأصل عدمه، فيثبت الطهارة، ولا يمكن إجراء أصالة العدم فيها، لأنها عدمي، ولا معنى لعدم العدم)[3].


أمثلة فقهية مهمة لتعارض استصحابي عدم الطهارة وعدم النجاسة
ويمكن أن يناقش كلامه بوجوه بين صغروية وكبروية؛ ولكن ينبغي قبل ذلك أن نشير إلى بعض المسائل الفقهية شديدة الابتلاء التي يمكن تَصوُّر تعارض الاستصحابين فيها[4]، بناء على كونهما وجوديين:
أ- لو تواردت على الماء المطلق حالتان أو حالتان من طهارة ونجاسة، ولم يعلم السابق من المتأخر، فحينئذٍ، يمكن أن يقال بجريان استصحاب عدم النجاسة واستصحاب عدم الطهارة، إما الأزليان على القول بجريان استصحاب العدم الأزلي[5] فتأمل[6] وإما بناءً على ما ذهب إليه قليل من الفقهاء من استصحاب الحالة الأسبق.
ويتضح ذلك بالإشارة إلى مسألة مشابهة شديدة الابتلاء وهي ما لو كان الماء كراً (كماء الخزّان) فتعاقبت عليه حالات الكرية والقلة[7] وجهلنا السابق واللاحق، فهل يصح أن نستصحب الكرية السابقة على حالات التعاقب؟ قال بعض بالعدم نظراً لوجود فاصل بين المتيقن والمشكوك لتوسط حالة التعاقب.
ولكنّ السيد العم دام ظله ذهب إلى جريان الاستصحاب مستدلاً بشمول الإطلاقات له إذ يشمله ((فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا))[8] فإنه شامل لصورة التوسط هذه، إلا أن يشكل بظهور الفاء في الفقرة السابقة ((لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ فشَكَكْت‏)) الظاهر في عدم وجود فصل أو فاصل، ويمكن الجواب: بعد اختلاف النسخ إذ في بعضها (ثم شككت) بأن العبرة بعموم القاعدة اللاحقة وما سبق لا يخصصه، إلا أن يجاب بانه من محتمل القرينية المتصل، فيرد بقوة ظهور ((فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا)) في العموم المؤكد بكلمة (أبداً) المقتضي لحمل ((فشَكَكْت...‏)) على المورد.
إضافة إلى عدم وجود الفاء ولا ثم في بعض صحاح زرارة الأخرى بل الموجود كبرى كلية شاملة للصورتين كـ (ولا ينقض اليقين بالشك) في صحيحة زرارة الثالثة بل والأولى، بل وبعض الصحاح الأخرى كصحيحة إسحاق بن عمار[9].
والحاصل: صدق اليقين والشك وجداناً، فإنه كان متيقناً والآن، بالحمل الشائع، شاك.
ب- الماء المصنوع في المختبرات[10]، فإنه يتعارض فيه استصحاب عدم النجاسة واستصحاب عدم الطهارة، بناءً على صحة استصحاب العدم الأزلي[11]، إذا قلنا بكونهما وجوديين، وإلا فاستصحاب عدم النجاسة هو المحكّم دون معارضة.
ج- البخار المتصاعد من الماء المتنجس، فإنه بناءً على كونه موضوعاً آخر، غير الماء، يتعارض فيه الاستصحابان، أو لا، نظير ما سبق[12].
كما ويمكن أن نمثل للمحقق المير فتاح بالزوجية والبينونة باستصحاب عدم زوجية المشكوك في زوجيتها من غير أن يعارضه استصحاب عدم البينونة بناءً على أن البينونة أمر عدمي، وإلا تعارض الاستصحابان.


المناقشات:
1- الطهارة أمر وجودي

فمنها: ان الطهارة أمر وجودي، كما يشهد له الارتكاز المتشرعي والعقلائي (في النظافة والنقاوة والنزاهة وشبهها) وكما هو المستفاد من ظاهر الأدلة، ولعله يأتي بيانه، وكذا السكون فإنه الكَوْن الثاني في المكان الأول[13]، وليس عدم الكون في المكان الثاني أي ليس عدم الحركة بل هو ضد وجودي لها، والحركة هي الأكوان المتتالية في الأماكن المتجاورة (أو الكون الثاني في المكان الثاني بعد الكون الأول في المكان الأول).


2- الطهارة وإن كانت عدماً لكن يصح استصحابها؛ لوجوه خمسة
ومنها: سلّمنا ان الطهارة أمر عدمي (عدم النجاسة) لكنها مما تصلح لأن تستصحب ولا يرد ما ذكره (قدس سره) إذ هي عدم مضاف والعدم المضاف له حظ من الوجود وليس كالعدم المطلق فإن العدم المطلق لا شيء محض ولذا لا يُخبر به ولا عنه ولا يقع موضوعاً ولا محمولاً، عكس العدم المضاف كعدم زيد فإنه مغاير لعدم عمرو وكعدم شجاعته فإنها مغايرة لعدم كرمه، ولكلٍّ حُكمهُ، والطهارة عدم مضاف أي هي عدم النجاسة وليست عدماً مطلقاً.
والحاصل: الأعدام المضافة تقع موضوعاً للأحكام العقلائية فتحمل عليها، فكيف لا تقع متعلقاً للاستصحاب؟؛ ألا ترى قولهم: لأنه لم يكن أميناً لم استخدمه في العمل، وقولهم الجبان (بناءً على ان الجبن عدم الشجاعة والجبان غير الشجاع) لا يبعث للقتال فهذا سلباً، وأما إيجاباً فإنه يقال: الفقير (والفقر عدم الغنى أو عدم تملك قوت السنة والفقير فاقد المال) يستحق الزكاة أو يقال كما في الحديث: ((الْفَقْرُ سَوَادُ الْوَجْهِ فِي الدَّارَيْن‏))[14] أو الفقر باعث من بواعث الضِّعة والجريمة... إلخ.
بعبارة أخرى: الأعدام المضافة لها نوع تقرّر في ظرفها، وهو عالم نفس الأمر أو أنفس العقلاء أو العقل الفعال أو غير ذلك على الأقوال.
وبوجه ثالث: كما جاز استصحاب السكون (وهو عدم) جاز استصحاب ضده أو نقيضه أي استصحاب عدم السكون[15]، والوجه: ان العدم لو أمكن استصحابه (مع انه عدم) أمكن استصحاب عدم العدم، والجامع: ان لهما نوع تقرر، بما ان كلّا منهما مضاف، ولا فرق بين الإضافة إلى العدم والإضافة إلى عدم العدم مادام كل منهما مضافاً.
بوجه رابع: موضوع الاستصحاب هو ما يراه العرف موضوعاً لا ما هو موضوع بالدقة العقلية، والسكون عرفاً موضوع كما أن العمى موضوع كما أن الطهارة لديهم موضوع، فلئن صح كون استصحاب عدم السكون استصحاباً لعدم العدم دقةً فإنه لا بأس به عرفاً إذ يرونه استصحاباً لعدم موضوع متقرر لديهم.
بوجه خامس: المستظهر ان السكون الذي يساوي عدم الحركة وعدم النجاسة التي تساوى الطهارة على الفرض، هو من قبيل عدم الملكة، وعدم الملكة له نحو ثبوت كالعمى والأعمى مقابل البصر والمبصر، فلئن كان العدم مقابل الوجود عدماً محضاً فإن عدم الملكة شيء ولذا اشترط فيه المحل القابل.
ومنها: ما سيأتي على المبنى الذي اختاره المحقق الميرزا التبريزي (قدس سره) فانتظر.


ثانياً: لو كانت الطهارة عدماً فاستصحاب عدم النجاسة للحكم بها ليس مثبتاً
الثمرة الثانية: ان الطهارة لو كانت أمراً عدمياً، فشككنا في طهارة شيء وعدمه، صح استصحاب عدم النجاسة لإثبات الطهارة، بل ان التعبير حينئذٍ بـ (لإثبات) فيه تسامح ومجاز إذ ليسا أمرين ليكون هذا مثبتاً لذاك، بل على هذا المبنى فإن الطهارة هي الاسم الآخر لعدم النجاسة فهي هو، وليست أمراً غير عدم النجاسة لتثبت باستصحاب عدم النجاسة، أما لو كانت أمراً وجودياً فإن استصحاب عدم أحدها لإثبات الآخر مثبت.


توضيح للأصل المثبت
أقول: ذلك كله مبني على عدم حجية الأصل المثبت مطلقاً، لكن المختار حجيته وتوضيح الأصل المثبت مع بعض أدلتنا عليه بمقدار مجرد الإشارة: ان لوازم الشيء وما يتصف به تنقسم إلى اللازم العقلي والعادي والشرعي فمثلاً: لازم استمرار حياة الزوج المفقود، المجهول خبره مثلاً: التحيّز الخاص[16]، وهو لازم عقلي، وطول لحيته وهو لازم عادي، ووجوب إنفاق وكيله أو وليه أو الحاكم الشرعي على زوجته وأولاده من أمواله، وهو شرعي، فوقع الكلام في أن الاستصحاب مثبت للوازم الشرعية دون القسيمين إذ هي شأن الشارع دونهما.
ولنمثل لها بمثال أوضح وأشمل وهو: ان (إطلاق الماء) يلزمه شرعاً صحة الاغتسال به ثم انه يلزم صحة الاغتسال به صحة الطواف والصلاة وجواز الدخول في المسجد بهذا الاغتسال، فهما حكمان شرعيان طوليان مترتبتان على إطلاق الماء، فيثبتان باستصحاب إطلاقه لو شك فيه مثلاً على أثر وقوع حِبر قليل جداً فيه بحيث شك في إطلاقه وعدمه، كما ان لإطلاق الماء لوازم عادية ككونه نقياً[17] أو نظيفاً أو متلألأً أو جميلاً أو كونه مرآة عاكسة، عكس الماء الكَدِر غير المطلق، فلو كانت وظيفته مِن قِبَلِ مولاه غسل الأواني بالماء النظيف أو النقي، فإن استصحاب بقاء إطلاقه لإثبات وجوب الغسل عليه مثبت نظراً لتوسط واسطة عادية جَلِيّة وهي كونه نقياً (إلا لو ادعي أن الواسطة خفية) وفي مثال المِرآة، فتوى كثير من الفقهاء (واحتاط بعض) هي على عدم جواز النظر إلى المَرأة في المِرآة، ولا الماء الصافي، فلو كان الماء كدراً[18] بعض الشيء بحيث لا يعكس بدنها بوضوح فقد يقول المفتي بحرمة النظر في الماء الصافي، بالاحتياط في الماء الكدر، أو قد لا يراه محرماً، وحينئذٍ فاستصحاب بقاء الماء على إطلاقه لإثبات مرآتيته لتترتب عليه حرمة النظر، مثبت لتوسط واسطة عادية.
مثال آخر: لو باعه قِربة من ماء أو كيلواً، ثم رأى المشتري تغيّر لونه مثلاً بحيث خرج عن الإطلاق، ولكن لم يعلم كون تغيره قبل ما اشتراه أو بعده[19]، فإن استصحاب إطلاق الماء لإثبات عدم كونه معيباً حين المعاملة، ليترتب عليه عدم ثبوت خيار العيب مثبت.


المختار جريان الاستصحاب في الأصول المثبتة
والمختار جريان الاستصحاب في الأصول المثبتة وذلك لوجوه بين مبنوية وبنائية نشير إشارةً عابرة إلى بعضها:
أما المبنوي فهو أن الشارع شأنه التعرض لمسائل الدين والدنيا معاً فإن سعادة المكلف في كليهما مطلوبة لله تعالى وللرسول (صلى الله عليه وآله) وللإمام (عليه السلام) {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّار}[20]، وفي قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ}[21] ونظائره شهادة، وذلك مقتضى لطفه وكرمه وكونه ((الْإِمَامُ: الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَمَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ...))[22].
كما ويدل عليه مبنى العدلية من تبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات مما يدل على كمال عناية الشارع الأقدس وتمامها بمصالح العباد الدنيوية، مع ان مقام المولوية والمالكية الحقيقية للخلائق يكفي في إصدار الأوامر المولوية من دون رعاية تلك المصالح الدنيوية، وكان من الممكن الاكتفاء بالأجر الاخروي، والحاصل: ان الشارع وهو في مقام التشريع راعى تمام المراعاة المصالح الدنيوية، فكيف يقال ان مقام التشريع أجنبي وان عمومات الشارع وقواعده الصالحة بنفسها لشمول الشؤون الدنيوية، منصرفة عنها لأن مقامه ليس إلا مقام التشريع؟
كما ويدل عليه الاستقراء الواقع الخارجي والبرهان الإنّي إذ وردت مئات، بل ألوف الروايات، في الزراعة والتجارة والصناعة والفيزياء والطب والإدارة وعلوم النفس والاجتماع وغيرها[23]، بين معتبر وهي كثيرة ومرسل وهي كثيرة أيضاً ولعلها لا تقل بمجموعها عن مجموع روايات الأحكام، وهي التي اصطلح عليها بالإرشادية والأمر فيها وإن لم يكن مولوياً وكان إرشادياً، إلا أن الشاهد انهم (عليهم السلام) اصطلعوا بكلا الشأنين معاً وان مقام كونهم ((قَادَةَ الْأُمَمِ وَأَوْلِيَاءَ النِّعَمِ وَعَنَاصِرَ الْأَبْرَارِ وَدَعَائِمَ الْأَخْيَارِ وَسَاسَةَ الْعِبَادِ وَأَرْكَانَ الْبِلَادِ وَأَبْوَابَ الْإِيمَانِ وَأُمَنَاءَ الرَّحْمَنِ وَسُلَالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعَالَمِين...‏))[24] يقتضي ذلك.
وحينئذٍ فلا غرابة في دعوى كون ((فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا)) شاملاً لعدم نقض اللوازم العادية والعقلية، كالشرعية تماماً إذا شك، ولا محذور إلا لزوم إرادة جهتي المولوية والإرشادية معاً من (ليس ينبغي) وقد أجبنا عنه في مبحث استعمال اللفظ في أكثر من معنى بأكثر من وجه.
ولئن أشكل بكون السؤال في صحاح زرارة عن مسألة شرعية، أجيب:
أولاً: بأن العبرة بعموم جواب الإمام (عليه السلام) لا بخصوص سائل السائل.
وثانياً: وهو العمدة – ان المحتج به روايات صحاح ومعتبرات عامة من دون وجود سؤال يخصصها أو مورد يضيّقها كصحيحة إسحاق بن عمار ((قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ (عليه السلام): إِذَا شَكَكْتَ فَابْنِ عَلَى الْيَقِينِ، قَالَ: قُلْتُ هَذَا أَصْلٌ؟ قَالَ: نَعَم‏))[25] إذ يشمل بإطلاقه الشك في أي أمر ديني أو دنيوي أو مادي أو معنوي، ولا منشأ لدعوى الانصراف إلا توهم حصر الإمام (عليه السلام) في مقام التشريع، أو حصر كلامه مطلقاً في كونه مشرعاً أي ملقياً لحكمٍ أو قاعدةٍ شرعية.
والحاصل: إذا كان للإمام (عليه السلام) مقامان وكان كلامه في حد نفسه مطلقاً، فلا وجه لتخصيص كلامه بأحدهما.
وأما البنائي، فهو انه سلّمنا أن الشارع ليس شأنه إلا الأوامر والنواهي المولوية، وإلا أحكامه التكليفية والوضعية، فنقول: لكن اللازم الشرعي المترتب على اللازم العادي أو العقلي المترتب على المستصحب، شرعي فأي مانع من جعل الشارع له؟ بعبارة أخرى: الحكم به أمر اعتباري أمره بيد الشارع فأي إشكال في انه إذا لاحظ المستصحب ولاحظ ان لازماً شرعياً يترتب على لازمه العادي، أن يعتبر ذلك اللازم الشرعي، حتى من دون أن يعتبر وجود اللازم العقلي الوسيط؟
لا يقال: هو علّة واعتبار المعلول من دونه محال؟
إذ يقال: ليس أكثر من داعٍ للمولى ليجعل الحكم، والعلة إرادة الشارع وما يرى في الحكم (بهذا اللازم للازم) من المصلحة، بل كما للشارع أن لا يحكم مع وجود المقتضي العرفي أو العادي وأن يحكم مع عدمه، بتنزيلٍ ونحوه، فكذا المقام.. وتمام الأخذ والرد في ذلك في الأصول[26].
وهذا كله مع قطع النظر عن القول بأن عمدة دليل الاستصحاب هو بناء العقلاء؛ فإن بناءهم على الأعم، وكونه لبّياً غير ضار؛ إذ المقصد إثبات بنائهم على استصحاب بعض الموضوعات لإثبات لوازمها العقلية والعادية وهو كافٍ في هذا المقام المراد به نفي كلية عدم حجية الأصل المثبت؛ إذ الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية.


أسئلة:
- أوضح الفرق بين الأصل الفوقاني والتحتاني.
- أذكر أمثلة فقهية أخرى تصلح مصباً للاستصحابين المتعارضين.
- ناقش الوجوه الخمسة التي ذكرناها لصحة استصحاب الأمر العدمي، أو أوضحها أو أضف عليها.
- إسع للبحث عن أدلة أخرى على حجية الأصل المثبت في كلمات الأعلام كالمحقق الخراساني في حاشية الرسائل والكفاية، أو المحقق الاشتياني في حاشية الرسائل أو السيد العم في بيان الأصول، وأيدها أو ناقشها.

 

 قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الْمُتَعَلِّمِ وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهِ، فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ الْعُلَمَاءُ))
الكافي: ج1 ص35.


 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

-------------------------------------

[1] الدرس (1029/9).
[2] لأن قاعدة الطهارة محكومة بالاستصحاب، عكس الأدلة اللفظية فإنها حيث كانت حاكمة كانت أصولاً فوقانية.
[3] السيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، العناوين الفقهية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة: ج1 ص487.
ولعبارته ذيل هو: (وبعبارة أخرى: أن النجاسة الشرعية لا معنى لها سوى وجوب الاجتناب عن الصلاة معها، والأكل والشرب عن ملاقيها برطوبة، أو عن نفس النجس وإزالتها عن المسجد، ونظائر ذلك، ولا شك أن الأصل عدم ورود هذه الأحكام عليه. والطهارة في مقابل النجاسة، فمعناها عدم تعلق الأمر بالاجتناب شرعاً، فإذا حكم الأصل بعدم النجاسة تثبت الطهارة، وغاية الأمر عدم ثبوت الطهارة بخصوصها بحكم الشرع، لكن عدم النجاسة يكفي فيما هو المطلوب)[3] سيأتي تحقيقه لاحقاً.

[4] إضافة إلى مثل المخلوق دفعةً الذي افترضه الشيخ (قدس سره)، أو الشهب والصخور النازلة من السماء ومطلق ما جُهِلت حالته السابقة.
[5] بناءً على عدم ثبوت دليل عام على طهارة كل شيء، إلا الماء كما نقل عن المحقق السبزواري (قدس سره) في (ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد).
[6] لانقطاعه بما حصل منهما.
[7] بأن انقطع ماء البلدية الذي يضخ عبر الماطور ثم اتصل وانقطع واتصل حتى علمنا بحدوث القلة حيناً والكرية حيناً.
[8] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص422.
[9] ستأتي آخر هذا البحث.
[10] من تركيب الأوكسجين والهيدروجين.
[11] إذ الموضوع قد تغير من غاز إلى ماء فلا يجري استصحاب حالته السابقة.
[12] على كلام في البخار سيأتي من انه محل قابل أو لا...
[13] أو الكَوْن الثابت.
[14] ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام) للنشر ـ قم المقدسة: ج1 ص40.
[15] لم يكن ساكناً قبل ساعة فنستصحب عدم كونه ساكناً.
[16] قيّدنا بالخاص لدفع دخل فتدبر.
[17] إذ بالتلوث بما يخرجه عن الإطلاق، يخرج عن النقاوة، وقد يكون مطلقاً وهو غير نقي، لذا فإنه لازم عادي عرفي لا عقلي.
[18] أو كانت المرآة كدرة وسِخَة.
[19] ولنفرض صورة جلية وهي كون كليهما متشرعاً فراجعا الفقيه للسؤال عن ثبوت خيار العيب له وعدمه.
[20] سورة البقرة: الآية 201.
[21] سورة الحج: الآية 28.
[22] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص200.
[23] فلاحظ مثلاً الكلمات القصار آخر نهج البلاغة وروايات كتاب العشرة من البحار والكثير من روايات الوسائل والمستدرك وغيرها.
[24] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم‏ المقدسة: ج2 ص610.
[25] المصدر: ج1 ص351.
[26] وقد كثر من الطلاب الكرام التساؤل عن هذا المبنى، وحيث ان تشييده ودفع الإشكالات عنه بحاجة إلى حوالي أسبوعين فإن وجدنا طلباً ورغبةً دخلنا فيه، وإلا فلعلنا نكتفي ببعض الأخذ والرد في يوم آخر فقط.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4588
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين 03 ربيع الثاني 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22