• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 015- ظواهر الأدلة على أن النجاسة متأصلة، ومناقشة دعوى المصباح بأن نجاسة الكافر - تكويناً خلاف الوجدان .

015- ظواهر الأدلة على أن النجاسة متأصلة، ومناقشة دعوى المصباح بأن نجاسة الكافر - تكويناً خلاف الوجدان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(15)
سبق كلام المصباح: (وفيه أولاً: أنه خلاف ظواهر الأدلة، إذ ظاهرها أن الشارع حكم بالنجاسة في شيء وبالطهارة في شيء آخر بما هو شارع، لا أنه أخبر عن حقيقة الأشياء بما هو من أهل الخبرة...)[1].
ولكن قد يورد عليه:
بعض نصوص الشارع إخبار
أولاً: ان بعض نصوص الشارع إخبار فكلام الشيخ (قدس سره) هو على طبق ظاهر هذه الطائفة من الأدلة، وذلك كقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُورا}[2]، فإنه خبر دون شك والقول بأنه إخبار أريد به الإنشاء خلاف الأصل بحاجة إلى دليل)[3].
روايات ظاهرها كون النجاسة صفة واقعية
ونضيف: انّ ظاهر مجموعه من الأدلة النقلية في عدد من النجاسات هو كونها فيها صفة واقعية لا اعتبارية مجعولة.
ومنها: عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ...‏))[4] فإن ظاهره أن الكلب خُلِق نجساً، والخلق تكوين وليس اعتباراً وتشريعاً، بعبارة أخرى: ظاهره الإخبار لا الإنشاء والحكم، وإن أمكن ليّه ليكون إخباراً عن تشريع كأن يقال أن المقصود (لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب بجعلنا إياه نجساً اعتباراً) ونظائره، لكنه خلاف الظاهر جداً.
بوجه آخر: ظاهرُ خلقِهِ نجساً تعلّقُ الخلق بالمعروض والعرض بوِزان واحد، فكذا سلبه في الرواية إذ السلب ينصب على ما انصب عليه الإيجاب.
ومنها: ((قُلْتُ لَهُ: الْكَلْبُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: أَلَيْسَ هُوَ سَبُعٌ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ نَجِسٌ لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ نَجِسٌ))[5] وهو كسابقه، وهو المتفاهم عرفاً من هذا الكلام ونحوه، حتى ان غيره كـ: (رجس نجس بجعلنا أو باعتبارنا) مما لا يقبله العرف الملقى إليه الكلام أبداً.
والحديث مما يستفاد منه تبعية الحكم التكليفي للوضعي إذ ظاهره سببية كونه رجساً نجساً للحكم بـ ((لَا تَتَوَضَّأْ بِفَضْلِهِ))[6] واحتمال كونه تفسيراً خلاف الظاهر جداً، فبذلك ونظائره يرد على إطلاق دعوى انتزاع الوضعي من التكليفي إذ ظاهر الرواية العكس أي ترتب التكليفي على الوضعي.
ومنها: عن أبي بصير قال: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَمَّا يَقَعُ فِي الْآبَارِ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْفَأْرَةُ وَأَشْبَاهُهَا فَيُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَاءُ فَيُنْزَحَ حَتَّى يَطِيبَ...))[7]، وكذا قوله: عن زرارة، قال: ((قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): بِئْرٌ قَطَرَ فِيهَا قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ؟ قَالَ: الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْمَيِّتُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ، يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ دَلْواً، فَإِنْ غَلَبَتِ الرِّيحُ نُزِحَتْ حَتَّى تَطِيبَ))[8]، فإن الطيب والخبث بحسب وضع اللغة يراد بهما الواقعيان لا الاعتباريان، والأمر كذلك فيما يفهمه العرف منهما سواء أريد بهما الطيب والخبث المطلقان القائمان بالشيء نفسه، أصابهما من أصاب واخطأ من اخطأ، أم أريد بهما الطيب والخبث النسبيين القائمين بذوق الشخص وطبعه فإنه ليس اعتبارياً وإن كان نسبياً، والأول هو الظاهر.
وبعبارة أخرى: المراد من ((تَطِيبَ)) و((يَطِيبَ)) في الرواية إما الطهارة، سواء على القول بترادفهما، كما ذهب إليه بعض كالسيد السبزواري، أم على القول بالمساواة، على رأي آخر[9]، فالنزح سبب الطيب وهو أمر متأصل وليس اعتبارياً.
ولعل هذه الرواية ونظائرها مما تصلح دليلاً لما ذهب إليه العلامة الحلي وقَلَب به الشهرة المنعقدة قبله على نجاسة ماء البئر بسقوط ميتة أو دم أو مني فيها حتى لو لم يتغير طعمها أو ريحها (أو لونها) وذلك لأن الإمام (عليه السلام) أرجع الطهارة إلى أمر واقعي أو عرفي[10] وهو الطيب فعليه المدار ولا يطيب ماء البئر (ولا تطيب البئر) إلا بزوال طعمه المتغير أو ريحه النتنة، ولذا لم تحدد الرواية عدداً خاصاً من الدلاء للنزح، ومنه ومن نظائره استظهروا أن التحديدات الواردة في النزح إنما هي للتنزيه وانها مشيرة إلى ما يتحقق به الطيب، ولذا اختلفت الروايات في المقادير وغيرها، فليست النجاسة أمراً تعبدياً مجهولاً ولا العدد تعبدياً بل هو مجرد طريق إذ كان الطيب عند الناس (أو الطيب الواقعي) هو المدار وبه الاعتبار، وتمام تحقيق ذلك في باب نجاسة البئر ومطهرية النزح لها.
ومنها: عن أبي عبد الله ((فِي عَجِينٍ عُجِنَ وَخُبِزَ ثُمَّ عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ كَانَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ أَكَلَتِ النَّارُ مَا فِيهِ))[11]، ولها نظائرها كما في الجص الذي عجن بماء نجس فجُصِّص به المسجد، وليس الكلام في وجه كلام الإمام عليه من الله تعالى السلام ولا في الفتوى على طبقه أو توجيهه بما يطابق فتوى المشهور أو رد علمه إلى أهله، بل الكلام في ان ظاهره بل نصه على أن النار أكلت النجاسة ولا يكون ذلك إلا إذا كانت النجاسة أمراً واقعاً تكوينياً، الميكروب أو الفيروس مثلاً، وإلا فإن النار لا تأكل الأمر الاعتباري، فتأمل.
وهنالك روايات غيرها يجدها المتتبع.
المصباح: كون نجاسة الكافر واقعية خلاف الوجدان
وقال في المصباح: (وثانياً: أنه خلاف الوجدان بالنسبة إلى بعض الموارد، فإنه وإن كان يمكن القول به في مثل البول والغائط والكلب وغيرها بأن يقال: أن الحكم بنجاسة هذه الأشياء إخبار عن قذارتها الواقعية، إلا أنه لا يمكن القول به في مثل ولد الكافر المحكوم بالنجاسة للتبعية، فان القول- بأن الحكم بنجاسة الولد قبل إقرار الوالد بالشهادتين، إخبار عن قذارته الواقعية، والحكم بطهارته بعده إخبار عن نظافته الواقعية- خلاف الوجدان، وكيف تتبدل قذارته الواقعية الخارجية بمجرد تلفظ والده بالشهادتين، سيما إذا كان بعيداً عنه، وإن كان تبدل القذارة الواقعية بالنظافة الواقعية بالتلفظ بالشهادتين بالنسبة إلى نفس الوالد ممكناً، وأما التبدل الخارجي بالنسبة إلى الولد فلعله خلاف المقطوع به)[12].
المناقشات: ليست الحقائق منحصرة في الحسيات
ولكن قد يورد عليه: ان الاستدلال بكونه خلاف الوجدان غير تام، إذ لا مسرح للوجدان في المقام؛ إلا لو فرض انحصار الحقائق في الحسيات أي المحسوسات بالحواس الخمسة، وهو بديهي العدم لدى الخاص والعام.
ومدعى الشيخ انها واقعية ولم يقل انها حسية[13]
وبعبارة أخرى: لا يدعي الشيخ وغيره من القائلين بأن الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية، كونها من الأمور الحسية (المبصرة، الملموسة، المشمومة، المذوقة، والمسموعة) كي يرد بأننا بالوجدان لا نحس بها بإحدى الحواس وكي يُسأل بـ (كيف) وجهلنا بالكيفية ليس دليلاً على العدم ولا شاهداً على كونه خلاف الوجدان مادام الوجدان (الحسي) مما لا يدركه، وغير الحسي مما لا نعلمه وهو (مما لم يحيطوا بعلمه)، فهو كمن ينكر وجود الجن أو الملائكة أو الأشعة الكهرومغناطيسية مثلاً بانه خلاف الوجدان واننا بالوجدان لا نرى جِنّاً في هذا المكان مثلاً ولا ملائكة ولا أشعة سينية ولا أشعة جاما ولا بعض أنواع الطاقة.
وبوجه آخر: هما لو كانا واقعيين فإنهما مما يدركه العلم لو مع تطوره إذ قد يمكنه كشف الثبوت أو العدم، أو الشرع، فعلينا الرجوع إلى الظواهر فهما من مجاله لا من مجال الحسيات لينكر وجودها بدعوى عدم وجدانها، فهو من إنكار الأعم استناداً إلى نفي الأخص مع انه يحتمل تحققه في ضمن نوع آخر.
إنكار فلاسفةٍ لواقعياتٍ، بالفكر مع انها مما لا تدرك به
وبعبارة أشمل، تنقع في شتى المواطن: إنه جرى دأب كثير من الفلاسفة والعديد من المفسرين والفقهاء، على إنكار بعض الأمور بالاستناد إلى العقل أو الوجدان، مع انه قد لا يكون من حيطة مدركات الفكر أو العقل أي قد لا يكون له مسرح في ذلك المقام، بل يكون من ضمن دائرة العلم أو الوحي أو غير ذلك من المنافذ العشرة للمعرفة التي ذكرناها في كتاب (مدخل إلى علم العقائد: نقد النظرية الحسية).
المعراج الجسماني
 ألا ترى كثيراً من الفلاسفة أنكر المعراج الجسماني له (صلى الله عليه وآله) استناداً إلى دليل عقلي وهو استحالة الخرق والالتيام وأن الكرات كأقشار البصل و... وذلك عبر إعمال التفكير المجرد وإن كان معمقاً واستناداً إلى العقل، فيما رأوه، مع أن العقل مجاله الأوليات وشبهها والمستقلات العقلية، لا ما لا يدرك إلا بالعلم أو الوحي أو الإلهام أو الحس أو شبهها.
التصوير الفوتوغرافي
وقد أنكر بعض الفلاسفة قبل عقود إمكان التصوير الفوتوغرافي إذ أخبروه بأن جهازاً اخترع يطبع صورة الإنسان وغيره على ورقةٍ بمجرد الضغط على زرّ فيه، فأنكر ذلك، وارتأى انه مجرد سحر أو شعوذة وخداع للأعين، وانه لا توجد هنالك صورة منطبعة واقعاً على الورق وذلك استناداً إلى دليلين عقليين هما استحالة انتقال الأعراض كبرىً، وان الصورة عرضٌ صغرىً، واستحالة الطفرة وانطباع الصورة وهي على بُعدِ أمتار من ذي الصورة فوراً يستلزم الطفرة وهي محال!
وتجسّم الأعمال
كما أنكر الطبرسي من الخاصة والفخر الرازي من العامة، إمكان تجسم الأعمال، (وليس الكلام في التجسم الآن بل في الدليل العقلي الذي أقاموه) استناداً إلى أن الأعمال عَرَضٌ من مقولة الفعل والعرض يستحيل انتقاله كما يستحيل ثبات الفعل بعد آن تحققه لأنه كالزمان متصرم وغير قارّ، فإنه حركة، كما لا يمكن إعادته (وعليه فإن تجسم الأعمال عندهم غير صحيح).
وقد غفلوا عن أن هذا مجاله العلم لا العقل وأن العلم نقّح حال الصغرى، كما أن التجربة أثبتت عدم صحة المدعى في الأفعال؛ أما علمياً: فلأن الفعل من مقولة الطاقة وقد ثبت أن الطاقة لا تفنى بل هي باقية وانها تنتقل وتتغير صورها وقد تتحول الطاقة إلى مادة، ويكفي مثالاً على ذلك الكلمات والصوت وكلاهما من مقولة الفعل الكيف إذ اثبت العلم الحديث انها أمواج (صوتية) وأنها تنتقل، كما تبقى[14]، ولذا أمكن التقاط صوت زيد وهو بالمشرق، في المغرب عبر جهاز يسمى الراديو، ولولا حركة هذا المسمى بالعرض وانتقاله وبقاؤه لما أمكن التقاطه بعد ثانية أو أقل أو أكثر في مكان آخر و(بعد كذا أو أقل أو أكثر) أي بحسب سرعة حركة الصوت فإنه يتحرك بالثانية مقداراً[15] بل لما أمكن التقاطه حتى في نفس المكان.
وكذلك الصورة التي تلتقطها التلفزيونات، والأغرب منها البث المباشر المفصل لكل ما يصدر من الإنسان وغير وللجواهر والأعراض: من فعلٍ وكيفٍ ووضع وجِدةٍ وغيرها.
الأشعة الكهرومغناطيسية
مثال آخر: الأشعة، فإن كثيراً من أنواعها لا ترى ولا تلمس ولا تحس بالحواس الخمس، مع انها موجودة ومؤثرة وفاعلة: فمثلاً: الأشعة فوق البنفسجية، وهي الموجودة في الشمس والمؤثرة في إحراق الجلد، والأشعة السينية وهي التي تنفذ في الأجسام اللينة كاللحم ولذا أمكن تصوير العظام بها، وكذا أشعة جاما وغيرها فإنها بأجمعها مما لا يمكن نفيها بادعاء الوجدان لمجرد انها ليست محسوسة بالحواس الخمس، وإنما الطريق إليها العلم الذي وصل إليها عبر آثارها (وللمزيد يراجع الملحق 1).
فلا يصح نفي التأثير الواقعي للشهادتين
وعليه نقول: من أين يمكن نفي وجود تأثير حقيقي لكلمة الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا (صلى الله عليه وآله) رسول الله) على طهارة بدن الكافر وأبنائه؟ وعدم الإحساس به بإحدى الحواس الخمس لا يصلح دليلاً كما سبق، إذ يحتمل أن تكون لكلمة الشهادتين تموجات كهرومغناطيسية مثلاً أو غيرها، تلفّ جسم الناطق بها ومن وُلِد من صلبه؟
وبعبارة أخرى: يمكن ويحتمل أن يكون لكلمة الشهادتين تأثير حقيقي إما بشكل أمواج، على أنواعها المتكثرة، أو من قبيل البلازما (وهي الحالة الرابعة للمادة بعد السائلة والصلبة والغازية، فراجع الملحق 2) أو على نحو تحوّل الطاقة إلى طاقة أخرى أو على نحو تجسم الأعمال والثلاثة السابقة ثابتة علمياً دون شك وأما الرابع (وهو تجسم الأعمال) فتدل عليه ظواهر الآيات والروايات ويشهد له العلم الحديث في مباحث تحول المادة إلى طاقة وهو معروف (كتحرير جزء من الطاقة عند الانفجارات الذرية والنووية) وعكس ذلك، وهو تحول الطاقة إلى المادة وهو ممكن وواقع  بل انه في الطبيعة، بتدرج بطيء جداً، وفيما خلق الله تعالى، كثير.
ولمعرفة بعض النصوص الدينية الدالة، بالظهور إن لم يكن بالنص، على تجسم الأعمال يراجع الملحق (3).
وعليه: يمكن أن تتجسد الشهادتان بقالب واقعي مثالي، أبيض مثلاً، يحيط ببدن الذي تشهّد بهما وببدن أبنائه غير البالغين، كما يمكن أن يتجسد الكفر أو مجرد عدم الاعتقاد بقالب مثالي (أسود مثلاً) يحيط بالأب والأبناء، لا انه مجرد اعتبار.
ومن الواضح أن الكلام كله في إثبات مجرد الإمكان (مقابل دعوى الاستحالة أو مخالفة ذلك للوجدان) وأما الوقوع فلا طريق لنا إليه حالاً إلا ظواهر الأدلة (وهي التي استند إليها الشيخ (قدس سره) وذكرنا بعضاً منها في صدر المبحث عن الطهارة وفي المبحث السابق وبعضها في الملحق عن تجسم الأعمال) فإن كان هنالك نقاش فليناقش في الظواهر وجوداً وعدماً، لا الاستناد في العدم إلى الوجدان!
تأثيرات الوجودات الأربع
كما يمكن أن يستدل على تأثير الألفاظ الواقعي (ومن الألفاظ الشهادتان) في الأشياء (لا الاعتباري فقط) بما فصّل في محله عن تأثير الوجودات الأربع (العيني، الذهني، اللفظي، الكتبي) بعضها في بعض واقعاً وتأثرها ببعضها واقعاً مما يوكل تفصيله إلى محله، وبتأثير كلمات المنوِّم المغناطيسي في الحقائق الخارجية، كبطء ضربات قلب المنوَّم وَنفَسِه ومن ثَمَّ نومه أو تحركه بتحريك منوِّمه) وهكذا مما لا ضرورة تدعو إلى إطالة الكلام فيه.
الملحق (1)
بعض الحقائق التكوينية التي لا يمكن نفيها بالوجدان
الأمواج الكهرومغناطيسية

قال العلماء: ان إحدى خواص الموجات الكهرومغناطيسية هي طولها الموجي. والطول الموجي هو المسافة بين أي قمتين متتابعتين في الموجة، ويُشار إليه عادةً بالرمز 𝜆، وهو الحرف اليوناني لامدا. بما أن الطول الموجي مسافة، فإن وحدة قياسه هي نفس وحدة قياس أي مسافة أخرى مثل المتر.
فالطول الموجي لأي موجة هو المسافة بين أي قمتين متتابعتين (أو قاعين) لهذه الموجة.
ويمكن أن يكون للموجات الكهرومغناطيسية العديد من الأطوال الموجية المختلفة. وأي تغيُّر في الطول الموجي للموجة يؤدِّي إلى تغيُّر خواصها تغيُّرًا جذريًّا.
وأقصر طول موجي للضوء في النطاق المرئي هو 𝜆∼4×10m، وهو ما نراه بنفسجي اللون[16]. وفي الطرف الآخر من النطاق المرئي للطيف، نجد أطول طول موجي، 𝜆∼7×10m، وهو ما نراه أحمر اللون.
والإشعاع الكهرومغناطيسي الأعلى طاقةً في النطاق المرئي هو الضوء البنفسجي. وإذا كان الإشعاع يحمل طاقة أكبر قليلًا، أو له طول موجي أقصر قليلًا، فإنه يقع في نطاق الأشعة فوق البنفسجية (أي «بعد البنفسجية») في الطيف. الطول الموجي للأشعة فوق البنفسجية، أو UV، هو 𝜆∼10m. وكما هو الحال مع الضوء المرئي، تتولَّد الأشعة فوق البنفسجية من الشمس، وهي السبب في الإصابة بحروق الشمس.
والإشعاع الذي له طاقة أعلى من ذلك، 𝜆∼10m، يُسمَّى الأشعة السينية. ويمكن للأشعة السينية النفاذ من المواد اللينة، مثل اللحم؛ ولهذا فهي تُستخدَم لتصوير العظام. وتتولَّد هذه الأشعة عند تباطؤ الإلكترونات.
وتوجد منطقة طاقة أعلى أيضًا لأشعة أطوالها الموجية 𝜆<10m، وهي أشعة جاما. تَنتج أشعة جاما عن اضمحلال نوى الذرات.
وعند الأطوال الموجية الأطول، نجد الأشعة الميكروية التي لها الطول الموجي 𝜆∼10m. هذه الأشعة نوعٌ من الموجات الكهرومغناطيسية تَنتج داخل أفران الميكروويف. وعلى عكس ما قد نتوقَّع، تحمل الأشعة الميكروية طاقة منخفضة نسبيًّا، لكن طولها الموجي مناسب بما يكفي لإثارة جزيئات الماء، ما يتسبَّب في تسخينها. والمصدر الأكثر شيوعًا للأشعة الميكروية هو التيارات الكهربية المتردِّدة[17].
الملحق (2) حالات المادة الأربع
توجد أربع حالات للمادة، وهي كالآتي:
1- الحالة الصلبة تتميّز الحالة الصلبة للمادة (بالإنجليزية Solids): بأنّها ذات شكل وحجم محدّدين، ويعود ذلك إلى ترابط الجزيئات المُكونة للمادة مع بعضها البعض بشكل قوي ووثيق، والتي تحمل حركةً بطيئة، وعادةً ما تكون المواد الصلبة ذات شكل بلورّي.
2- الحالة السائلة تمتلك المواد في الحالة السائلة (بالإنجليزية Liquids) حجماً محدداً، ولكنّ شكلها لا يكون ثابتاً، إذ إنّها تأخذ شكل الوعاء الذي يحتويها، ومن الأمثلة على المواد في الحالة السائلة الماء، والنفط.[18]
3- الحالة الغازيّة توجد مساحة كبيرة بين جزيئات المادة في الحالة الغازيّة (بالإنجليزية Gases): وتمتلك كميةً كبيرة من الطاقة الحركيّة، حيث تنتشر بشكل غير محدود عندما تكون حرةً، أما إذا كانت محجوزةً في وعاء ما أو مكان مغلق، فإنّ جزيئات الغاز تتوسّع حتى تملأ االوعاء الموجودة فيه.
ويتمّ ضغط الغاز عن طريق تصغير حجم الوعاء الذي يحتويه، مما يؤدي إلى تقليل المسافة بين جزيئاته، وبالتالي ازدياد الضغط الناتج عن تصادم الذرات معاً، أو عن طريق زيادة درجة الحرارة المؤدية إلى زيادة الضغط، في حال ثبات حجم الوعاء، كما تمتلك جزيئات الغاز طاقةً حركيّةً كافية للتغلب على قوى الترابط بين الجزيئات التي تربط المواد الصلبة والسوائل معاً، ونتيجةً لذلك لا يمتلك الغاز حجماً واضحاً، ولا شكلاً محدداً.[19]
4- البلازما بدأ العلماء في الآونة الأخيرة دراسة حالة المادة عندما تتعرّض لدرجات حرارة وضغط عاليين جداً، وعادةً ما تتوفر هذه الظروف على سطح الشمس أو في الفضاء، فتبدأ الذرات بالتفككّ في هذه الظروف، ويتمّ نزع الإلكترونات من مدراها، مُخلفةً الأيونات ذات الشحنة الموجبة ورائها في الذرات، ويُسمى الخليط الناتج عن الذرات المتعادلة، والأيونات المشحونة، والإلكترونات الحرّة بالبلازما (بالإنجليزية Plasma)، والتي تحتوي على مجموعة من الخصائص المميّزة التي جعلت العلماء يصنفونها على أنها الحالة الرابعة من المادة[20].
وأيضاً: حالة البلازما (هِيولي): هي حالة متميزة من حالات المادة يمكن وصفها بأنها غاز متأين تكون فيه الإلكترونات حرة وغير مرتبطة بالذرة أو بالجزيء. فإذا كانت المادة توجد في الطبيعة في ثلاث حالات: صلبة وسائلة وغازية، فإنه بالإمكان تصنيف البلازما على أنها الحالة الرابعة التي يمكن أن توجد عليها المادة.
وقد لا تكون البلازما شائعةً على الأرض، ولكنّها أكثر حالات المادة شيوعًا في الكون بأكمله. فالبلازما تتكوّن بالأساس من جُسيماتٍ عالية الشُحنة الكهربائيّة، كما أنّها تمتلك طاقةً حركيّةً كبيرةً جدًا، وغالبًا ما تُستخدم الغازات النبيلة الخاملة لصُنع البلازما على الأرض. تُعتبَر النجوم أساسًا كراتٍ ملتهبةً وكبيرةً من البلازما[21].
الملحق (3) تجسم الأعمال
بعض الآيات والروايات الدالة على تجسم الأعمال:
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[22]، فلاحظ قوله تعالى: {لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} ولم يقل ليروا نتائج أعمالهم وقال: {يَرَه} ولم يقل يرى جزاءه أو أثره، والتقدير ممكن لكنه خلاف الأصل، ومع إمكان الظاهر فإنه محكّم.
{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ}[23] والموصول هو العمل نفسه.
{وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُون‏}[24] فلاحظ {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي بنفسه أي يوفّ هو لا أثره أو جزاؤه.
{إِنَّ الَّذينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ في‏ بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعيرا}[25] فنفس الأموال تتجسد في صورة النار.
{تَرَى الظَّالِمينَ مُشْفِقينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ في‏ رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبير}[26] فـ {كَسَبُوا} هو بنفسه واقع بهم.
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِباد}[27]
وفي الأحاديث ورد الكثير مما يفيد تجسم الأعمال في يوم القيامة صريحاً، ومنها:
قول النبي (صلی الله عليه وآله) لأحد أصحابه: ((لَا بُدَّ لَكَ يَا قَيْسُ مِنْ قَرِينٍ يُدْفَنُ مَعَكَ وَهُوَ حَيٌّ، وَتُدْفَنُ مَعَهُ وَأَنْتَ مَيِّتٌ، فَإِنْ كَانَ كَرِيماً أَكْرَمَكَ، وَإِنْ كَانَ لَئِيماً أَسْلَمَكَ، ثُمَّ لَا يُحْشَرُ إِلَّا مَعَكَ، وَلَا تُبْعَثُ إِلَّا مَعَهُ، وَلَا تُسْأَلُ إِلَّا عَنْهُ، فَلَا تَجْعَلْهُ إِلَّا صَالِحاً، فَإِنَّهُ إِنْ أَصْلَحَ آنَسْتَ بِهِ، وَإِنْ فَسَدَ لَا تَسْتَوْحِشُ إِلَّا مِنْهُ، وَهُوَ فِعْلُك))[28]، فلاحظ قوله (صلى الله عليه وآله): ((وَهُوَ فِعْلُك)) فإنه القرين الذي يدفن مع الإنسان، ولو كان عَرَضاً أو كان العرض لا يبقى ولا ينتقل فكيف يدفن مع الإنسان وكيف يُكرم ويُسلم؟
وكذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثٍ طويل: ((إِذَا بَعَثَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ قَبْرِهِ خَرَجَ مَعَهُ مِثَالٌ يَقْدُمُ أَمَامَهُ كُلَّمَا رَأَى الْمُؤْمِنُ هَوْلًا مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ لَهُ الْمِثَالُ: لَا تَفْزَعْ وَلَا تَحْزَنْ، وَأَبْشِرْ بِالسُّرُورِ، وَالْكَرَامَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُحَاسِبُهُ حِساباً يَسِيراً، وَيَأْمُرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَالْمِثَالُ أَمَامَهُ فَيَقُولُ لَهُ الْمُؤْمِنُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ نِعْمَ الْخَارِجُ خَرَجْتَ مَعِي مِنْ قَبْرِي وَمَا زِلْتَ تُبَشِّرُنِي بِالسُّرُورِ وَالْكَرَامَةِ مِنَ اللَّهِ حَتَّى رَأَيْتُ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا السُّرُورُ الَّذِي كُنْتَ أَدْخَلْتَ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا، خَلَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ لِأُبَشِّرَكَ))[29] فلاحظ تجسد السرور مع انه كيف نفساني في شكل مثال يتحرك وينطق.. إلخ
وإلى تجسد الأعمال ذهب العديد من العلماء ومنهم الشيخ البهائي إذ قال: إنّ الحيّات والعقارب هي نفس الأعمال والعقائد والأخلاق المذمومة والسيئة، والتي تتجسد بهذه الصورة، وأنّ الحور والريحان وما أشبههما هي: نفس الأخلاق والأعمال والاعتقادات الصالحة والحسنة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((العَقلُ غِطَاءٌ سَتِيرٌ والفَضلُ جَمَالٌ ظَاهرٌ فَاستُر خَلَلَ خُلُقِكَ بِفَضلِكَ وقَاتِل هَوَاكَ بِعَقلِكَ تَسلمْ لَكَ المودَّةُ وتَظهَرْ لَكَ المَحَبَّةُ)) الكافي: ج1 ص21.
أسئلة:
- ابحث عن آيات وروايات أخرى تدل بظاهرها على ان النجاسة أو الطهارة صفة متأصلة لا اعتبارية محضة.
- قرّر كلام المصباح وإشكالاتنا عليه بعباراتك.
- استعرض أمثلة أخرى لما لا يمكن نفيه بمجرد التفكير العقلي أو عدم إدراكه بالحواس الخمسة الظاهرة (أو حتى بالحواس الخمسة الباطنة).
- ابحث عن منافذ المعرفة العشرة، مستعيناً بكتاب (مدخل إلى علم العقائد) وغيره.

_______________________________

[1] السيد محمد سرور الواعظ الحسيني البهسودي / السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مصباح الأصول، مكتبة الداوري: ج3 ص84.
[2] سورة الفرقان: الآية 48.
[3] الدرس (1034/14).
[4] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مكتبة الداوري ـ قم: ج1 ص292.
[5] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص225.
[6] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص225.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج3 ص6.
[8] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص241.
[9] القول بالمشيرية.
[10] والأدق: انه واقعي وذهن العرف (أو آحادهم على المختار) طريق إليه.
[11] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص414.
[12] السيد محمد سرور الواعظ الحسيني البهسودي / السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مصباح الأصول، مكتبة الداوري: ج3 ص84.
[13] كي تنفى بالوجدان.
[14] فهي على هذا جوهر لا عرض، فتندرج مقولة الفعل الشهيرة في دائرة الجوهر.
[15] في الهواء ذي الحرارة المعتادة يتحرك الصوت بسرعة 340 متراً في الثانية تقريباً أي حوالي 1235 كيلومتراً بالساعة، وفي الماء سرعته 1500 متراً بالثانية وفي الحديد أكثر وفي الماس أكثر فأكثر.
[16] وليس هذا موطن الشاهد، فإنه يُرى، بل ما بعده.
[17] https://www.nagwa.com
[18] ^ أ ب ت ث Anne Helmenstine (31-1-2018), "What Are the States of Matter?"، www.thoughtco.com, Retrieved 13-2-2018. Edited. ^
[19] أ ب ت ث Mary Bagley (11-4-2016), "Matter: Definition & the Five States of Matter"، www.livescience.com, Retrieved 13-2-2018. Edited. ^
[20] "States of Matter", www.spaceflightsystems.grc.nasa.gov, Retrieved 13-2-2018. Edited.
[21] موقع ويكيبيديا.
[22] سورة الزلزلة: الآية 6-8.
[23] سورة النبأ: الآية 40.
[24] سورة البقرة: الآية 272.
[25] سورة النساء: الآية 10.
[26] سورة الشورى: الآية 22.
[27] سورة آل عمران: الآية 30.
[28] الصدوق، الأمالي، النص 3 ، المجلس الأول.
[29] الكليني، الكافي، ج6 ص190.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4593
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 11 ربيع الثاني 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22