• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 023- الماء إما مطلق أو مضاف، بنحو عموم المجاز - والشبهات الأربع: الصِدقية و... .

023- الماء إما مطلق أو مضاف، بنحو عموم المجاز - والشبهات الأربع: الصِدقية و...

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(23)


قال في العروة: (الماء إما مطلق، أو مضاف كالمعتصر من الأجسام، أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء)[1].
ههنا مطالب:
موضوع البحث: الماء أو ما يستعمل فيه الماء أو المائع؟
الأول: الخيارات في موضوع البحث وما هو المقسم ثلاثة: وهي (الماء) و(المائع) و(ما يستعمل فيه لفظ الماء) وقد ذكر صاحب العروة الأول بينما ذكر السيد محسن الحكيم في المنهاج، الثاني[2] واختار السيد الوالد في الفقه الثالث، والثالث أسلس، ويمكن تصحيح الأول عبر عموم المجاز، وأما الثاني فلم يستوعب المبحوث عنه ولم يحل إلا بعض المشكلة.. توضيحه:
ان السوائل ثلاثة أقسام: الماء المطلق، الماء المضاف كعصير الرمان والبرتقال وماء الورود ونحوها، ما هو سائل أو مائع لكنه لا يطلق عليه الماء ولا الماء المضاف وذلك كالنفط والزيت والبول والخل والدمع والعَرَق.
والبحث في كتاب الطهارة عن الأقسام الثلاثة كلها، و(المائع) يشملها جميعاً بلا إعمال عناية ولذا قال في الفقه: (والأولى جعل المقسم المائع، ثم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: ما لا يصدق عليه الماء، وما يصدق بالإطلاق، أو الاضافة، والخطب سهل بعد معلومية المراد)[3].
وأما (ما يستعمل فيه لفظ الماء) فإنه يشمل القسمين الأولين دون الثالث؛ إذ لا يستعمل لفظ الماء مطلقاً ولا مضافاً في الزيت والخل[4] لكنه يستعمل في الأولين، فالأولان هما المستعمل فيه والأول هو الموضوع له ولذا قال: (ينقسم ما يستعمل...).
وأما (الماء) إذا أطلق فإنه لا يشمل القسمين الأخيرين، لصحة سلب الماء عنهما وعدم صحة الحمل، وللتبادر والإطراد في القسم الأول دون الأخيرين، نعم يصح أن يجعل الماء المقسِم بنحو عموم المجاز، وفي الفقه: (واعلم: أن اللازم جعل المقسم بنحو عموم المجاز، حتى يشمل المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، كما أن إطلاق الماء المضاف على ما أريد منه هنا أيضاً بنحو عموم المجاز، إذ شموله لنحو ماء الرمان، وماء العنب، ونحوهما مما فيه لفظ الماء ـ مضافاً كان إلى الجسم أو كان مضافاً إليه الجسم ـ حقيقة، وشموله لنحو الخل والزيت ونحوهما مجاز)[5].
وتوضيحه: أن الأقسام ثلاثة: فقد يستعمل اللفظ في الموضوع له كالأسد في المفترس والصلاة في الدعاء فهو حقيقة، وقد يستعمل في غير الموضوع له كالأسد في الرجل الشجاع والصلاة في الرحمة فهو مجاز، وقد يستعمل اللفظ في جامع منتزع أو مخترع، مجازاً، وذلك الجامع يشمل كلا المعنيين الحقيقي والمجازي أي كلا القسمين الأولين حقيقةً، فهو عموم المجاز، وذلك كاستعمال الأسد في معنى الشجاع[6] والشجاع يشمل الأسد والرجل الشجاع حقيقة، وكاستعمال الصلاة في العطف أو الميل أو العناية أو التعظيم مجازاً على المشهور، ثم ان العطف وأخواته، ينطبق على الرحمة وطلب الرحمة والدعاء حقيقة فإنها أنواع العطف على النبي (صلى الله عليه وآله) والميل إليه والعناية به وتعظيمه.
وكذا الحال في (الماء المضاف) فإنه لا يشمل القسم الثالث، إلا بنحو عموم المجاز.
الإضافة إما إلى مقوِّم أو إلى مشخِّص
الثاني: ان الإضافة على قسمين: فقد تكون إضافة إلى مقوم وقد تكون إضافة إلى مشخِّص، قال في الفقه: (ثم إن الماء المطلق كما عرّفه جملة من القدماء والمتأخرين، هو الذي يستحق عرفاً إطلاق اسم الماء عليه بلا إضافة: بأن يكون العرف يطلق عليه الماء بدون مسامحة. والمراد بعدم الإضافة عدم الإضافة إلى مقوِّم له بنظره، أما الإضافة إلى ما ليس بمقوم بنظر العرف فليس بضار، كما يقال ماء الشط وماء البئر، فإن الإضافة إليه لا تضر بالإطلاق، إذ ذلك لتعيين الشخص لا لتعيين المقوِّم للفرد، بخلاف مثل ماء العنب كما هو ظاهر)[7].
وبعبارة أخرى: الإضافة إلى ماء البحر للتعيين ولتمييز صنف من الماء المطلق عن صنف آخر لا لتصحيح الاستعمال، عكس الإضافة إلى ماء الرمان فإنها لتصحيح الاستعمال إذ من دونها غلط أو مجاز.
وتوضيحه: ان حكم الشيء في حد ذاته يختلف عن حكمه بما هو مضاف إلى شيء أو منسوب إلى أمر فإن زيداً القصير مثلاً قصير ولا يصح إطلاق الطويل عليه حتى مجازاً[8] لكنه إذا أضيف إلى من هو أقصر منه، إلى عمرو مثلاً الذي هو أقصر منه، صح أن يقال انه طويل بالقياس إلى عمرو أو هو أطول منه.
وفي المقام: نقول ماء البحر أو ماء المطر ونقول ماء الرمان وماء التفاح، والفرق بينها ان الإضافة إلى ماء البحر والمطر مشخّصة والإضافة إلى ماء الرمان مقوِّمة، وعلامة هذا الفارق انه لا يصح إطلاق (الماء) وحده مجرداً على ماء الرمان بل يصح سلبه فيقال: ليس هذا ماء، بينما يصح إطلاق الماء وحده مجرداً على ماء البحر فيقال ماء ولا يصح سلبه عنه، فقولك ماء البحر أو المطر لبيان صنف الماء مقابل أصنافه الأخرى كماء البئر أو النهر، أما قولك ماء الرمان فإنه لبيان نوع هذا الماء المباين لقسيمه وهو الماء المطلق.
والثمرة في ذلك ظاهرة فإن قوله (عليه السلام): ((الْمَاءُ يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهَّرُ))[9] يراد منه الماء المطلق ويشمل ماء البحر وماء المطر وماء النهر وماء البئر وغيرها لأن الإضافة مشخّصة للصنف وليست مقوّمة للنوع، ولا يشمل ماء الرمان وماء التفاح.. إلخ لأن الإضافة مقوِّمة فمن دونها ليس ماءً.
الشبهات أربعة
الثالث: ان الماء كغيره من الموضوعات قد يقع في دائرة الشبهة، والشبهات أربعة، خلافاً لمن أنكر الرابعة وهي: الحكمية والمفهومية والمصداقية والصِدقية:
الحكمية
أما الحكمية: وهي الناشئة من فقدان النص أو إجماله أو تعارضه، فكما لو شك أن الكر الزائل تغيره من قبل نفسه أو بتصفيق الرياح طاهر أم لا، وكذا ماء الغسالة المتعقبة بطهارة المحل أو غسالة الاستنجاء.
المفهومية
أما المفهومية: وهي الشبهة الناشئة من الشك في سعة المفهوم وضيقه[10]، فمثلاً: هل الماء واسع مفهومه ليشمل المياه الزاجية والكبريتية (التي يستشفي بها بعض الناس) أو لا، وكذا لو شك أن الصعيد يشمل الرمل أو الجص مفهوماً أو لا، والحاصل انه يوجد في المفهوم إجمال مّا.
المصداقية
أما المصداقية: فهي الناشئة من اشتباه الأمور الخارجية، كما لو علم ما هو الماء وما هو زيت الزيتون لكنه اشتبه، لظلامٍ ونحوه، ان هذا الموجود أمامه ماء أو زيت أو انه ثعبان أو خرطوم فيل، مع وضوح مفهوم كل منها.
الصِدقية
وأما الصِدقية: فقد ذكرها الشيخ الأنصاري وتبناها المحقق النائيني، ولكن أنكرها بعض المعاصرين بدعوى عودتها إلى الشبهة المفهومية إذ إنما يشك في صدق الماء مثلاً على المياه الزاجية (وانطباقه عليها)[11] للشك في سعة المفهوم وضيقه، أو عودتها إلى الشبهة المصداقية إذ انما يشك في صدق الماء على هذا الشيء لتردده مصداقاً بين كونه ماء أو خلاً (للجهل بحاله خارجاً).
وفيه: ان الشك قد يكون في الصدق لا لأي واحد منهما، أي لا للشك في سعة المفهوم وضيقه (بل مع إحرازه بحدوده) ولا للشك في المصداق (بل مع معرفته بالدقة) بل لوجه آخر خارج عن المفهوم نفسه وعن المصداق نفسه كمناسبات الحكم والموضوع.
أمثلة للشبهة الصِدقية
وقد مثّلنا في بحث سابق قبل عقد من الزمن للشبهة الصدقية بأمثلة لا يبقى معها مجال للشك في انها قسيم رابع في العرف العام والخاص (ومن الأمثلة العرفية لذلك: ما لو قال اشتر حيواناً، فهل لو اشترى له نحلةً أو حية أو عقرباً يكون قد امتثل؟ مع وضوح ان النحل والحية والعقرب حيوانات، الظاهر الانصراف للتشكيك في الصدق نظراً لمناسبات الحكم والموضوع – وهو المنشأ الآتي لاحقاً)[12].
وبعبارة أخرى: عند صبّ الحكم على الموضوع وحمله عليه قد تنشأ شبهة في انطباق الموضوع المحيّث بحيثية كونه مصبّاً للحكم ومعروضاً له على هذا المصداق الذي هو حية أو عقرب لا من جهة مفهوم الموضوع نفسه؛ لبداهة انه لا نشك في سعة مفهوم الحيوان للعقرب والحية والقمل، ولا من جهة الشك في المصداق لبداهة اننا نعرف ان هذه حية لا شاة مثلاً ولكن نشك انه إذ قال (كفِّر بحيوان) هل يشمل الحيوان الذي وقع متعلقاً لـ (كفِّر) أو (اشتر) للقمل والعقرب ويصدق عليه وينطبق أو لا؟
والحاصل: الحيثية التقييدية للموضوع بما هو مصب الحكم أوجدت قسماً آخر أو فقل الموضوع بما هو هو وبما له من المفهوم أمر، وبما هو متعلَّق الحكم وبهذا القيد أمر آخر.
كما سبق التمثيل بـ (ومنه: ما سبق من (ما لا يؤكل لحمه) وانصرافه عن الإنسان في مسألة بطلان الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة)[13]، لبداهة انه لا توجد شبهة مفهومية في ما لا يؤكل لحمه لشموله للإنسان قطعاً فإنه لا يؤكل لحمه كما لا يؤكل لحم الهرة، وإنما يشك في أجزاء الإنسان كشعر أبيه أو أخيه أو زوجته لو كان على بدنه انه مشمول لهذه القاعدة ولهذا الحكم الذي صبّ على هذا الموضوع أو لا.
وأيضاً: (ومن موارد الابتلاء في الانصراف في تحديد نوعه من حيث تحديد منشأه قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ }فهل يصح المسح بظاهر الكف؟ فانه لا شك في ان المسح بظاهر الكف على الرأس أو الرجل مسحٌ، ولذا جوّزه البعض في الوضوء وأفتى به، لكن قد يدعى الانصراف إلى باطن الكف، وحيث انه لم يتحدد للبعض جيداً نوع الانصراف احتاط العديد من الأعلام احتياطاً وجوبياً بكونه بباطن الكف كما افتى البعض كصاحب العروة بوجوب كون المسح بباطن الكف، فيجب البحث عن ان دعوى الانصراف هذه هل هي ناشئة من كثرة الوجود أي كثرة المسح بباطن الكف؟ فلا حجية لها[14] أو ناشئة من كثرة الاستعمال بحيث أوجبت أُنساً للفظ بخصوص هذا النوع من المسح فله الحجية، إلا ان دعوى حدوث الأُنس بهذه الدرجة مشكلة، أو انها ناشئة من مناسبات الحكم والموضوع؟ فهل هو كذلك؟ وللحديث صلة)[15]، أي حيث تعلق الأمر بمسح الرأس في الوضوء، يشك انه يشمل المسح بظهر الكف أو لا.
وفي المقام: من أمثلة الشبهة الصدقية لو شك في شمول ((الْمَاءُ يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهَّرُ)) لماء الغسالة، لبداهة العلم بانه ماء وشمول المفهوم له إنما الشك في صدق الرواية عليه، لوجوه أخرى خارجية، وللبحث تتمة بإذن الله تعالى.

          ** ** **         


أسئلة:
- هل يمكنك ذكر شيء آخر (رابع) يصلح أن يكون موضوع البحث والمقسِم؟
- اشرح معنى عموم المجاز واذكر له ثلاثة أمثلة غير ما ذكرناه.
- اشرح بعبارتك معنى الإضافة إلى مقوِّم والإضافة على مشخِّص.
- اذكر أمثلة لأنواع الشبهات الأربعة.
- أوضح اختلاف الشبهة الصِدقية عن الشبهة المفهومية.

 

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: ((إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الْمُتَعَلِّمِ وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهِ فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ الْعُلَمَاءُ))
الكافي: ج1 ص35.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

------------------------------------

[1] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة: ج1 ص63.
[2] قال: (ينقسم ما يستعمل فيه لفظ الماء الى قسمين: الأول: ماء مطلق، و هو ما يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا مضاف اليه كالماء الذي يكون في البحر أو النهر أو البئر أو غير ذلك فإنه يصح ان يقال له ماء و إضافته إلى البحر مثلا للتعيين لا لتصحيح الاستعمال. الثاني: ماء مضاف) (السيد محسن الحكيم، منهاج الصالحين: ج1 ص19).
[3] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دارالعلوم للطباعة والنشر ـ بيروت: ج2 ص8.
[4] فلا يقال لزيت الزيتون ماء الزيتون ولا يقال ماء التفاح للخل.
[5] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دارالعلوم للطباعة والنشر ـ بيروت: ج2 ص7.
[6] كقوله الشجاع أسد.
[7] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دارالعلوم للطباعة والنشر ـ بيروت: ج2 ص8.
[8] إلا بتكلف إحدى العلائق المصححة.
[9] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج3 ص1.
[10] أو من كون المفهوم دائراً بين معنيين أو معاني متباينة. كـ {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ...} (سورة البقرة: الآية 228).
[11] أو صدق الصعيد على الجص والرمل... وهكذا.
[12] درس المكاسب (البيع) (413/70) m-alshirazi.com
[13] درس المكاسب (البيع) (413/70) m-alshirazi.com
[14] إلا على وجه آتٍ.

[15] درس المكاسب (البيع) (413/70) m-alshirazi.com


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4601
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين 24 ربيع الثاني 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22