• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 201- تلخيص المبحث السابق تفصيل الجواب الثاني : انعقاد الاطلاق لصورتي العلم بالقدرة والشك فيها وان القضية الحقيقية تدور مدار القدرة والعجز لا العلم والظن والشك .

201- تلخيص المبحث السابق تفصيل الجواب الثاني : انعقاد الاطلاق لصورتي العلم بالقدرة والشك فيها وان القضية الحقيقية تدور مدار القدرة والعجز لا العلم والظن والشك

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
ملخص ما تقدم 
كان البحث عن وجوب الاجتهاد والنظر في اصول الدين ووصلنا في نقاشنا مع صاحب القوانين الى ان هذه الادلة، المستظهر، انها في مقام البيان التنجيزي وليست في مقام البيان التعليقي وانها ليست بنحو القضية المهملة المنطقية من هذا الوجه. 
ثم ذكرنا ان الثمرة تظهر في موارد ثلاثة: المورد الاول صورة الشك في مقدورية المتعلق ذاتا أي مقدورية هذه المعرفة للنوع، المورد الثاني صورة الشك في مقدورية المعرفة لهذا الشخص الخاص بعد الفراغ من مقدوريتها في حد ذاتها للنوع، والمورد الثالث صورة الشك في حدود القدرة على المعرفة سعة وضيقا، 
ثم اشكلنا على ما ذكر بان القدرة من الشرائط العقلية وهي مخصص حاف بالكلام فهو كالمخصص اللفظي يمنع من انعقاد الاطلاق، اذن: وجد هذا المطلق ضيقا ولم يكن واسعا ليشمل صور الشك فيخرج ما عداها ؛واجبنا بجواب اول وهو ان القدرة العقلية هي المخصص العقلي المتصل لكافة الاوامر والنواهي اما القدرة العرفية فلا كما تقدم، وبقيت أجوبة أخرى: 
2- الإطلاق منعقد بالنسبة للعالم والشاك في القدرة 
الجواب الثاني: بقطع النظر عن الجواب الاول وان القدرة تنقسم الى عقلية وعرفية، فنقول: الاطلاق لا يمكن ان ينعقد بالنسبة الى القادر وغير القادر، اذ غير القادر لا يعقل تكليفه كما لا يعقل خطابه، وهذا امر مفروغ منه، الا ان الاطلاق يمكن ان ينعقد بالنسبة الى العالم بالحكم والظان بالحكم والشاك بالحكم، ولو بنحو متتم الجعل كما يذكره الميرزا النائيني، الا اننا في المقام لا نحتاج الى متمم الجعل لأن الكلام ليس عن العالم بالحكم لكي يقال انه متأخر عن الحكم فكيف يشمله الاطلاق ؛ فالكلام ليس في العلم والجهل بالحكم، وانما الكلام حول العلم والجهل بالقدرة على امتثال هذا الامر، فيمكن ان ينعقد اطلاق للأوامر والنواهي المولوية للشاك في القدرة على الفعل وعلى امتثال التكاليف فيمكن ان يشمله إطلاق الحكم ويمكن ان يخاطب، اذ لا محذور عقلي في ذلك: بان يوجب المولى غسل الجمعة حتى على من شك في قدرته على تحصيل الماء من باب الاحتياط، فالحكم ثابت حتى في حق الشاك بان يقول المولى لعبده مثلاً: لي أوامر ونواهي فابحث عنها فان علمت بالقدرة عليها – بل بأصل وجوبها أيضاً - تنجزت وان ظننت بها ظنا معتبرا تنجزت ايضا وان شككت بها فعليك ايضا ان تمتثل، وذلك كما لو شككت ان القيام مقدور لك أم لا، بل حتى الشك في أصل الوجوب كما لو شككت ان جلسة الاستراحة واجبة ام لا ، فعليك ان تحتاط، لأنه من باب الاقل والاكثر الارتباطي او لأن الامر من الشؤون الخطيرة او لأن المورد من قبيل العنوان والمحصل او لغير ذلك ، 
والحاصل انه يصح للمولى أن يقول لعبده: اذا شككت في القدرة على الامتثال فيجب عليك ان تفحص عن تحققها فان فحصت ولم تعلم فيجب عليك ان تجري مجرى من يرى القدرة في نفسه 
وتوضيح ذلك بمثال عقلائي حتى لا يبقى البحث نظرياً: في الدفاع عن البلد، تارة نحرز القدرة على سد الثغور وتوفير العتاد فانه من الواضح حينئذٍ انه يجب علينا الدفاع، وتارة نشك في وجود وقت كاف لترميم الثغرات وعدمه فالشك إذن هو في قدرتنا على حماية البلد وحماية الأبرياء، فما هي الوظيفة العملية عندئذ؟ وذلك نظراً لأن الشك في القدرة مآله الى الشك في التكليف، فهل نقول لا يجب ونجري البراءة؟ الجواب كلا، لا نقول بذلك، فان الشك في القدرة على الامتثال هو مجرى الاحتياط وليس مجرى البراءة رغم انه بالمآل يعود الى الشك في التكليف، وهذه نقطة دقيقة، وهي على القاعدة، وهي عقلائية كما اوضحنا ، وفي المقام نقول: ان المولى له ان يطلق الامر او النهي ليشمل حتى الشاك في القدرة في صور منها: لو كان الأمر خطيرا كازهاق الانفس، ومنها المقام: أي المعرفة لأن معرفة اصول الدين اهم مسألة تتوقف عليها حياة الانسان الابدية او هلاكه الابدي. 
الصور الستة للقطع والظن والشك 
توضيح ذلك وسنشير الى عناوين هذا المبحث إشارة: 
تارة يكون المخاطب او المكلف عالما بالقدرة على الامتثال، 
وتارة يكون ظانا بها بالظن المعتبر، 
وتارة يكون شاكا بالقدرة، وهي مورد البحث، أي يشك ان له القدرة على المعرفة من حيث امكانها ذاتا او امكانها لشخصه او ما اشبه 
وتارة رابعة يكون ظانا بعدم القدرة، فهل التكليف يمكن ان يوجه اليه؟، 
والصورة الخامسة ان يكون قاطعا بعدم القدرة وهذه الصورة تنحل الى صورتين لأن قطعه بعدم القدرة تارة يكون مطابقا للواقع فهو علم وتارة يكون مخالفا للواقع فهو جهل مركب، هذه الصور الست مجموعا، ففي ايها يمكن تكليفه؟ 
نقول : ان القضايا على نوعين، قضايا حقيقية وقضايا خارجية، اما القضايا الخارجية فنتركها الآن؛ لأن ما نحن فيه من القضايا الحقيقية وهي أوامر المعرفة ( قُلْ انْظُرُوا) او (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) وغيرها من الايات او الروايات نحو)هلا تعلمت) وغيرها فهذه غالبا بنحو القضايا الحقيقية، والقضايا الحقيقية تدور مدار القدرة والعجز وجودا وعدما لا مدار العلم أو الظن أو الشك أو الظن بالخلاف أو العلم بالخلاف او القطع بالخلاف، أي لا مدار عالم الاثبات، والأمر في ذلك واضح لأن القضية الحقيقية تُجعل الأحكام فيها على موضوعاتها المفروض استجماعها للشرائط وليس الخطاب فيها موجها لهذا الشخص الخاص او لهذه المجموعة الخاصة كما في القضية الخارجية، ففي القضية الحقيقية يلاحظ المولى - مثلا في قوله )يجب الاجتهاد والنظر في أصول الدين) - يلاحظ المولى الملتفت ان القادر يجب عليه الاجتهاد واما غير القادر فالعجز عذر عقلي، اذن المدار هو القدرة، وحينئذ فان علم العبد بالقدرة، تنجز الحكم وذلك لوضوح ان مرتبة الاقتضاء موجودة في حق العالم بالقدرة كما ان مرتبة الإنشاء موجودة أيضاً ومرتبة الفعلية موجودة، فالمرتبة الرابعة: مرتبة التنجز،أيضاً موجودة، اما الظان بالظن المعتبر بالقدرة فكذلك المراتب الأربعة تأخذ بخناقه، اما الشاك بالقدرة، فهو اما قادر ثبوتاً أو عاجز؛ فالعاجز لا تشمله لأن التكليف لا يوجه اليه لا بمرتبة التنجز إذ كيف يقال باستحقاقه العقاب على عدم امتثاله والحال انه غير قادر؟ اذن فالمرتبة الرابعة غير موجودة، والمرتبة الثالثة كذلك، بل المرتبة الثانية أيضا وهي مرتبة الإنشاء إذ لا يصح إنشاء الحكم في حق العاجز عجزا مطلقا لأنه لغو وعبث نعم العاجز عجزا في الجملة يمكن إنشاء الحكم في حقه بلحاظ بعض الآثار المستقبلية في ما لو ارتفع العذر مثل القضاء والإعادة، اذن هذا حكم العاجز، بل هذا حكم العاجز في الصور الخمسة كلها، 
واما القادر ثبوتاً إذا كان شاكا في القدرة، فيجري البحث عن ان مراتب الحكم الأربعة أي منها تشمله؟ مثلا كان هذا الشخص قادراً ثبوتاً وفي علم المولى، على تحصيل المعرفة لو حقق وفحص وطالع درس، ولكنه هو بنفسه كان شاكاً: هل ان بلادة ذهنه تسمح له بالفهم او هل التناقضات في الأقوال تسمح له بان يهتدي إلى طريق الهدى او لا؟، فـ: مرتبة الاقتضاء لا شك في شمولها له لأنها مرتبة المصالح والمفاسد الثبوتية الواقعية، كما ان الانشاء في حقه أيضاً ليس لغواً لكي يبعثه على الاحتياط حتى في صورة الشك وهذا ممكن ومفيد بل العقلاء يسلكون هذا الطريق كما سنوضحه، ومرتبة الفعلية ايضا موجودة وهي وجوب القضاء والأداء، بل مرتبة التنجز ايضا بان يجعل المولى احتماله الحكم منجِّزا، ولا إشكال في ذلك، فان الاحتمال الموهوم قد يكون منجزا كالاحتمال الذي نسبته واحد بالمائة فانه يصلح ان يكون منجزا وموجباً لاستحقاق العقاب بالمخالفة، كما فصلنا الحديث عن ذلك في كتاب الحجة معانيها ومصاديقها وبينا ان الوهم أي الاحتمال المرجوح قد يكون حجة كما في الشؤون الخطيرة جدا على حسب درجاتها، لأن الاحتمال وان كان ضعيفا الا ان المحتمل لقوته ينجز التكليف. 
اذن المدار في القضية الحقيقية على قدرة المكلف وعدمها لا على علمه او جهله، فذاك من مكان اخر نستخرجه وانه هل الشاك او الجاهل البسيط يشمله التكليف بالفحص او لا يشمله؟ فقد يقال لا، كما في الشبهة الموضوعية؟ وقد يقال نعم كما في الشبهة الحكمية كما هو المشهور ، وقد يقال في كليهما نعم كما هو رأي بعض الفقهاء ومنهم السيد الوالد وقد يقال لا مطلقا في بعض المسائل كما في الطهارة والنجاسة، فان الشك يكون مجرى البراءة بل حتى الظن غير المعتبر، لذا عندما يسأل الراوي الإمام (عليه السلام) انه لو شك في ان قطرة دم على ثوبه أو لا فهل عليه أن ينظر؟ فيجيبه الإمام (عليه السلام) بعدم وجوب النظر – في مضمون الرواية - أي حتى هذا المقدار من الفحص البسيط الذي لا يتوقف على جهد ابدا، لا يوجد الزام شرعي به، 
اذن القدرة واللا قدرة امران عقليان فلا إطلاق ليشمل صورة العجز اما الشمول لصور العلم والجهل والشك ونحوها فتؤخذ من الأدلة الأخرى، 
والنتيجة لو قلنا ان المولى في قوله )انظروا) كان في مقام البيان التنجيزي لا التعليقي لشمل صور الشك الثلاثة وهي الشك في القدرة نوعاً أو شخصاً أو سعةً، وحيث ان مخصصنا العقلي لبي فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو القاطع بعدم القدرة فقط أو الظان ظنا معتبرا بعدم القدرة ان كان الاعتبار والحجية منشؤهما جعلاً أو امضاءا من الشارع او من بيده التكليف، فهاتان الصورتان تستثنيان، وعليه: لو وجد شخص قاطع بانه غير قادر على تحصيل المعرفة بجسمانية الله وعدمها، فالتكليف هنا لا يشمله في مرتبة التنجز نعم المراتب الاخرى فيها كلام، وهذا البحث محوري في كافة المسائل الفقهية لكن اوجزنا الكلام عنه بما يتطلبه المقام وله بعض التتمة تترك إلى الغد بإذن الله تعالى. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=461
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 23 صفر الخير 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23