• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 203- موقف الشارع تجاه (الشك في القدرة) على ستة اقسام ـ الجواب الثالث : العجز مانع عن التكليف ، وليست القدرة شرطاً، والاصل عدم المانع .

203- موقف الشارع تجاه (الشك في القدرة) على ستة اقسام ـ الجواب الثالث : العجز مانع عن التكليف ، وليست القدرة شرطاً، والاصل عدم المانع

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
ملخص ما تقدم 
كان البحث حول ان ادلة المعرفة مطلقة تشمل صوراً عديدة منها صورة الشك في القدرة، وقد اوضحنا ذلك فيما مضى، ونضيف اليوم بحثا متمما يدفع من جهة الاستيحاش عما ذكرنا؛ فانه وان اوضحنا ان التمسك باطلاق ادلة المعرفة وغيرها لشمول صورة الشك في القدرة ليست من مصاديق التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، الا انه مع ذلك لأجل دفع الاستيحاش عن ذلك ولموضوعية ما سنطرحه؛ نشير إلى الموقف العام للشارع تجاه الشك في القدرة لأن بحثنا من صغريات الشك في القدرة وان الإطلاق يشمل حتى الشاك في القدرة، بايجاز نطرح الموقف العام والعناوين فقط: 
موقف الشارع من الشك في القدرة 
الشارع تارة اعتبر الشك في القدرة مسقطا للتكليف، وتارة اعتبر الشك في القدرة مثبتا للتكليف على طرفي نقيض، وثالثة اعتبر الشك في القدرة مجرى الاحتياط فان فحص وبقي شكه وجب الجري العملي وكأن الامر ثابت, ورابعة فصل الشارع في صورة الشك في القدرة فاوجب بعضا من الاثار وألغى ولم يوجب بعضا اخر، وخامسة اعتبر الشارع ان المدار على القدرة العرفية لا العقلية، وسادسة لم يرتب الشارع على الشك في القدرة وجوب الفحص والاحتياط الا في بعض الصور. 
اذن في عالم الثبوت والاثبات، فان الموقف تجاه الشك في القدرة يتراوح بين الاحتياط والبراءة والتفصيل، وبعبارة عرفية: ليس الشك في القدرة سد اسكندر بحيث لا يصح ان يجعل الشارع التكليف في صورة الشك فيها, وتوضيح ذلك بالامثلة بايجاز مع ان الامثلة تملئ الفقه,وباستقراء للفقه نجد هذه الاقسام الستة وغيرها، وبعض هذه الاقسام متداخل فليتأمل فيها, اما امثلتها: 
1- الشك في القدرة مثبت للتكليف 
الصورة الاولى: ان يجعل الشارع الشك في القدرة مثبتا للتكليف مثل المثال الفقهي المعروف وهو التعرب بعد الهجرة فلو شك هذا المهاجر إلى بلاد الغرب في قدرته على ان يحفظ ايمانه هنالك او انه يمكن ان يتحول اعرابيا الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً فهنا الشك في القدرة سبب للحكم عليه بالرجوع إلى بلاد الاسلام فالشك في القدرة على الحفاظ على ايمانه مثبت للتكليف بالرجوع إلى دار الهجرة كعكسه فلو ان شخصا عاش في بلاد الاسلام في ظل حكومة ظالمة ولم يستطع ان يحفظ دينه فيجب عليه ان يهاجر، فلو شك في ذلك ايضا وجبت عليه الهجرة  إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا اذن الشك في القدرة يترتب عليه الهجرة من والى دار الهجرة, فكيف ان علم؟ 
2- الشك في التكليف موجب لسقوط التكليف 
الصورة الثانية: عكس الصورة الاولى وهي ان يكون الشك في القدرة موجباً لسقوط التكليف وذلك مثل الشاك في قدرته العرفية على الصوم من جهة خوفه الضرر لأن خوف الضرر مسقط للصوم بل محرم له في بعض درجاته، فلو شك في قدرته العرفية على الصوم من حيث خوفه الضرر فهنا التكليف ساقط عنه. 
3- الشك في القدرة موجب للاحتياط 
الصورة الثالثة: ان يوجب الشارع لدى الشك في القدرة، الاحتياط وذلك في الشؤون الخطيرة مطلقا كما في انقاذ النفس او انقاذ الغير فحتى لو شك في قدرته فعليه ان يجري كما لو انه قادر، فلو لم يجر وانكشف انه قادر كان آثماً ويكون مصداقاً لمن ألقى نفسه في التهلكة او مصداقاً للتسبيب في هلاك الغير والتفريعات هنا عديدة ولا علينا بها. 
4- الشك في القدرة ملاك تفصيل الشارع 
الصورة الرابعة: ان يكون الشك في القدرة ملاك تفصيل الشارع، وذلك مثل الشاك في قدرته على تحصيل الماء للوضوء وهو في البيداء,فالشارع كلفه ان يفحص غلوة سهم في الارض الحزنة وغلوة سهمين في الارض السهلة لا اكثر، مع انه قد يكون من الميسور ان يبحث مسافة اوسع ولعل الماء موجود لكن الشارع لم يكلفه باكثر من ذلك ، فهنا الشارع فصل في صورة الشك في قدرته على تحصيل الماء بالفحص فاوجب بعض الفحص دون بعض، وهناك في الفقه امثلة اخرى. 
5- الشارع جعل القدرة العرفية هي الشرط لا العقلية 
الصورة الخامسة: وهي ان الشارع كلف العبد بالمقدور عرفاً اي رتب الحكم على القدرة العرفية، كما في اداء الدين فانه منوط بالقدرة العرفية لا الدقة العقلية فان المدين لو اوقع نفسه في المشقة والعنت الشديدين لأمكنه اداء الدين في كثير من الأحيان وذلك كما لو باع داره - وهو من مستثنيات الدين – أمكنه، لكن الشارع رتب الحكم على القدرة العرفية لا العقلية، وكما في الحج، بل لعل غالب الواجبات كذلك كما في القيام في الصلاة وغيرها فان كان قادرا عرفا وجب القيام والا تمسك بقاعدة الميسور . 
6- الشك في القدرة سبب لسقوط وجوب الفحص 
الصورة السادسة: ان يعتبر الشارع الشك سببا لسقوط وجوب الفحص من باب الاستثناء اي لم يرتب الشارع الاحتياط في صورة الشك في القدرة لأنه موجب للعسر والحرج، وهذه المسألة تجري في سلسلة من الصور. 
هذا هو موقف الشارع تجاه الشك في القدرة، اذن ليس الامر كما اطلق في (المصباح) من ان الشك في القدرة على الامتثال هو مجرى الاشتغال بقول مطلق، وهذا البحث يناقش في محله الا ان ما ينفعنا في المقام هو دفع الاستيحاش عن ما ذكرناه من ان التكليف موجه للشاك في القدرة ايضا؟ فنقول ان له نظائر وقد وقع في الشرع وموقف الشارع تجاه الشاك في القدرة متنوع وليس من نمط واحد. 
3- هل القدرة شرط أم العجز مانع؟ 
بعد هذه التتمة للجواب الثاني نختم الكلام في نقاشنا مع صاحب القوانين بالجواب الثالث فنقول: ان الجواب الاول كان المدار فيه على القدرة العرفية والجواب الثاني كان ان الإطلاق شامل لصورة الشك في القدرة, اما الجواب الثالث فيبتني على تحليل ان القدرة هل هي شرط التكليف ام ان العجز مانع من التكليف؟ وهذا الجواب كسابقيه يصب في اصل ما عنونا به البحث من ان الاوامر بالنسبة للمعرفة من حيث الارادة الاستعمالية مطلقة, ولا مخصص لفظي متصل لكي تنعقد ضيقة انما المخصص عقلي وهو القدرة فهنا نناقش ويأتي الاشكال وانه اذا كانت القدرة شرطا فاذا شككنا في القدرة فالاصل عدمها فلا تكليف، وهذا الجواب الثالث لو تمّ فانه يشكل محورا جديدا في دفع الشبهة، فنقول لو كانت القدرة شرطاً - فكما قلتم إذا قطعنا النظر عن الجوابين -, فحيث ان التكليف متوقف على تحقق هذا الشرط فغير القادر لا يكلف عقلا، فاذا شككنا في تحقق الشرط وعدمه فالاصل عدمه لأن القدرة امر وجودي اذن لا تكليف؛ لكن قد يدعى ان القدرة ليست شرطا للتكاليف بل العجز مانع والفرق بينهما كبير, إذ لو قلنا ان القدرة شرط فالاصل عدمها اما لو قلنا ان العجز مانع فالاصل عدم العجز عند الشك اي التكليف ثابت الا لو تيقنت بالعجز، بالفحص او بغيره، ففي صورة الشك فيها عليك الفحص ولو فحصت وبقي الشك ايضا وجب عليك ان تحاول الوصول للمعرفة رغم شكك في القدرة لأن الاصل عدم العجز . 
والحاصل: انه قد يقال ان العجز مانع وليست القدرة شرطا وذلك من خلال ملاحظة التعريف للشرط والمانع ثم تطبيقه على المقام: 
تعريف الشرط والمانع والفرق بينهما 
الشرط ما كانت له مدخلية في المصلحة او المفسدة اي ما كان دخيلاً في ثبوت او استقرار مصلحة المأمور به,اما المانع فليس دخيلا في وجود المصلحة بل انه بعد الفراغ عن وجود المصلحة ذلك الذي يشكل رادعا او مانعا او حاجبا او حاجزا عن فعلية تأثيرها في لزوم الجري على طبقها او عن فعلية تأثيرها في لزوم انشاء الشارع حكما على طبقها ، اذن الفرق بين الشرط والمانع جلي ويتضح أكثر بالمثال: ففي الصلاة هناك شرط للوجوب وهناك شرط للواجب وهناك مانع، فشرط الوجوب مثل الوقت فانه دخيل في المصلحة فان الصلاة قبل الوقت لا مصلحة فيها بل فيها المفسدة ولهذا الإنشاء للوجوب على طبيعيّ الصلاة قبل الوقت، اما شرط الواجب فمثل القبلة والطهور والساتر وما شابه فانها شروط للواجب بمعنى انها دخيلة في حصول المصلحة في الفعل لا في الإنشاء فلو ان قادرا على الستر ترك الستر كانت الصلاة المصداقية ذات مفسدة لا ذات مصلحة بناءا على ان الساتر شرط كما هو كذلك، لكن إذا كان الساتر جلد ميتة فانه مانع وكذا لو كان حريرا خالصا او ذهباً، وكونه مانعا يعني ان الصلاة ذات مصلحة الا ان هناك مفسدة مزاحمة اقوى عن فعلية التأثير بكون هذا المأتي به موصلا المصلحة للعبد ومحققة القرب للمولى، فالفرق واضح 
وفيما نحن فيه: (وجوب المعرفة), هل العجز مانع عن ايجابها او وجود القدرة شرط في وجوبها؟ 
والجواب: ان القدرة ليست شرطا لأنها ليست دخيلة في المصلحة لأن معرفة الله هي نور ولها الموضوعية سواء اكانت القدرة ام لم تكن فهي بحد ذاتها توجد فيها المصلحة الملزمة الا ان العجز مانع من القدرة على نيل هذا النور ونيل هذه المعرفة, فتأمل وهذا الكلام يحتاج لمزيد من التوضيح والبحث فليتدبر 
والثمرة الفقهية كبير وهي انه في صور الشك اذا قلنا ان القدرة شرط فالاصل عدمها فلا وجوب اما اذا قلنا ان العجز مانع فالاصل عدمه فالوجوب ثابت، وللكلام تتمة. وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=463
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 25 صفر الخير 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23