• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 052- أنواع الانصراف 7-11 لصالح السيد المرتضى - الروايات .

052- أنواع الانصراف 7-11 لصالح السيد المرتضى - الروايات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الانصراف الناشئ من حكومة القواعد
7- الانصراف الناشئ من حكومة بعض القواعد الخارجية، كقاعدة الامتنان مثلاً، ويمكن أن نمثل له بانصراف (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[1] عن عقد المكرَه[2] فمع ان عقده عقد عرفاً ودقةً (إذ الفرض انه انشأ، وليس الكلام فيمن ورّى ولم يقصد، خاصة وان أغلب الناس عندما يُكره يَغفل أو يذهل عن ان له أن لا يقصد الإنشاء أو عن التورية).
والحاصل: الكلام فيمن لا توجد مشكلة في عقده إلا جهة إكراهه (لا فيما لو اختل عقده لجهةٍ أخرى كعدم القصد) فإن (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) منصرف عنه فلا يجب على المكرَه الوفاء[3]، وذلك لحكومة دليل الامتنان، إذ الآية الكريمة، وكذا آية (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)[4] المستفاد منها الإلزام بما قرروه، واردة مورد الامتنان على العباد (فإنها[5] من القواعد النظامية التي لولاها لاختلّ النظام.. ولنتصور لو أن كل أحد كان له الفسخ بعد العقد، من دون شرط ولا غبن ولا...، بل تشهياً وكما شاء، إذا قلنا بأن العقود جائزة، فأية سوق كانت تقوم للناس بعد هذا؟
وورود الآية الكريمة مورد الامتنان قرينة صارفة للآية عن عقد المكرَه.
وفي المقام: هذه القرينة الخارجية هي لصالح السيد المرتضى (قدس سره) إذ له أن يقول انّ صَرْف (الغَسل) الوارد في الروايات عن الغَسل بالمضاف مع شموله لفظاً له أي بإطلاقه، خلاف الامتنان، بعبارة أخرى: الامتنان يؤكد الإطلاق، فإنه توسعة وتيسير و(يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)[6] إذ ما أوسع الأمر لو كان الماء المضاف مطلقاً مطهِّراً من الخبث الشرعي[7] (أو خصوص مثل ماء الورد والمعقِّمات).
لا يقال: انه تنقيح مناط ظني أو قياس أو استحسان؟
إذ يقال: كلا؛ بل استدلالنا بشمول لفظ الغَسل للغَسل بالمضاف، والامتنان موكّد أو مانع من الانصراف عنه، على انهم يرون الامتنان علّة فليس ظنياً.
الانصراف الناشئ من مناسبات الحكم والموضوع
8- ومناسبات الحكم والموضوع تضيّق الحكم تارة وتضيّق الموضوع أخرى وتضيّقهما جميعاً ثالثة، فمثلاً لو قال: (أكرم العالم) فإن التناسب بين الإكرام والعلم والعالم، يقيّد الإكرام كما يقيّد العالم.
أما العالم، فيقيده بالعالم بالعلوم غير الضارة كعلم السحر والشعبذة أو علم التعذيب[8] فإكرام العالم منصرف عنه إذ لا سنخية بين الإكرام وكونه (أي العالم بالعلم الضار) متعلَّقه.
وأما الإكرام، فيقيده بالإكرام المناسب لشان العالم، فإن إكرامه بنحوٍ وإكرام الشباب أو الأطفال بنحو، فلو ورد العالم ضيفاً عليك كان إكرامه المناسب لحاله ان تذهب به مثلاً إلى المزارات والمشاهد المشرفة والمكتبات وشبهها، أما لو ورد أطفال أو شباب ضيوفاً عليك فإكرامهم يكون بالذهاب بهم إلى الحديقة للنزهة أو إلى حديقة الحيوانات أو مدينة الألعاب وشبه ذلك مما لا يناسب العالم ويناسب الطفل.
وفي المقام: مناسبات الحكم وهو (الغَسل) والموضوع وهو (الثوب أو البدن المتنجس) تؤيد في الجملة قول المرتضى بحسب الفهم العرفي، وقد سبق انه لا حقيقة شرعية في الغَسل، والعرف يرى ان الثوب الملَّوث يناسبه غسله بكل مزيل للنجاسة، سواء الماء المطلق أم ماء الورد أم المعقِّمات، كما اخترناه، نعم الظاهر ان العرف لا يرى مناسبته لغسله بماء التفاح وشبهه.
وجواب دعوى القياس وتنقيح المناط هو نظير ما قد مضى.
الانصرافات الناشئة عن كثرة الاستعمال
9- الانصراف الناشئ عن كثرة الاستعمال إلى حد هجر المعنى الأول ونقل اللفظ إلى المعنى الثاني، مثاله: السيارة التي كانت موضوعة، كما قيل، للقافلة (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى‏ دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى‏ هذا غُلامٌ)[9]، ثم كثر استعماله في هذه الآلة الحديثة حتى نقله إليه وهجر المعنى الأول.
10- الانصراف الناشئ عن كثرة الاستعمال في المعنى الثاني إلى حد وضعه له لكن من دون هجر المعنى الأول، فيكون مشتركاً لفظياً، فيكون مجملاً لو أمر به المولى وبحاجة إلى قرينة معيَّنة، وذلك كما لو كثر استعمال الكتاب في القرآن الكريم في بلد أو عشيرة أو أسرة، بحيث صار موضوعاً له بالوضع التعيّني، من دون هجر المعنى الأول وهو مطلق الكتاب، فإذا قال الأب لولده جئني بالكتاب، أجمل مراده، وكذلك الصعيد بناءً على انه موضوع لمطلق وجه الأرض فلو كثر استعماله في التراب الخالص إلى حد وضعه له كان مشتركاً لفظياً فلا يصح الاستناد حينئذٍ إلى (فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّباً)[10] في الاكتفاء بمطلق وجه الأرض.
11- الانصراف الناشئ عن كثرة الاستعمال من دون نقلٍ إلى المعنى الثاني، بل مع مجرد صيرورته مجازاً مشهوراً، فهو مجمل حينئذٍ أيضاً، وذلك كما لو كانت العشيرة تعيش في منطقة تكثر فيها الأسود ويكثر صيدهم لها، ثم وقعت معركة استمرت أشهراً مع قبيلة غازية فكثر استعمالهم للأسد في الرجل الشجاع إلى حد المجاز المشهور، فإذا قال شيخ العشيرة لأحد الأبطال، المشهور بصيده للأسود وبمقارعته للأبطال، جئني بأسد أو اقتل اليوم أسداً، كان مجملاً لولا شهادة قرينة خارجية.
وفي المقام: قد يتوهم مساعدة احدى هذه الثلاثة لقول المشهور بالانصراف لكثرة استعمال الغَسل؛ في الغَسل بالمطلق.
وفيه: انه ليست مجرد كثرة، بل الأمر دائماً في الأزمنة القديمة كذلك، ولكنه لا يوجب الانصراف إذ هو من استعمال اللفظ المطلق في بعض حصصه؛ لعدم وجود حصص أخرى، وهي مما لو وجدت لما كان وجه للانصراف عنها؛ ألا ترى انه لو لم يوجد في منطقةٍ عالم بالفقه وكان الموجود فقط علماء التفسير، أو العكس، فكثر، بل دام استعمالهم العالم في العالم بالفقه فإنه لو وجد العالم بالتفسير (أو لو عكسنا المثال) لما رأى العرف الانصراف عن الشمول له.
وفي المقام: كثر، بل دام، استعمال الغَسل في الغَسل بالمطلق لأنه المتوفر دون غيره، كالمعقِّمات وماء الصابون وحتى ماء الورد كما سبق، لكنه لا وجه لانصرافه عنها لو توفرت؛ بدعوى كثرة أو دوام استعماله إذ المستفاد عرفاً انه استعمل فيه لكونه مصداقاً وصغرىً له وبنحو اللابشرط، لا انه استعمل فيه بحدّه ولكونه بنحو بشرط لا، كي يكون غيره مجازاً أو منصَرفاً عنه.
تنبيه: لا يخفى ان بعض ما ذكر، سواء لتقوية الانصراف أو تقوية عدمه قد يراه فقيه دليلاً ويراه آخر مؤيداً ويراه ثالث مشعراً، ولا يمكن الاستدلال على أحد حينئذٍ، إلا انها منبّهات، والمرجع تخلية الفقيه نفسه والتدبر في مرتكزه العرفي والله الهادي.
تتميم: السيرة على التطهير بمياه الغدران المضافة
سبق: الاستدلال بجريان السيرة على التطهير بالماء المضاف الموجود في الغدران والحفر التي تتجمع فيها مياه الأمطار، في مثل مكة والمدينة.. حيث ادعينا:
1- ان تلك المياه كانت بين قليلٍ من البدء نظراً لصغر الحفرة وكثيرٍ إلا أنه يتناقص بمرور الزمن حيث يصبح قليلاً.
2- وانها كانت تتحول إلى مضاف تدريجاً، ببول الدواب فيها وروثها، وبغَسل النساء الملابس فيها والصحون وغير ذلك.
3- وانهم كانوا يطهرون أبدانهم وملابسهم من القذارات حتى بعد تحولها مضافاً.
4- وانه لم توجد رواية رادعة عن ذلك، مع وجود الروايات الرادعة عن الغدران المتنجسة (بالجيفة مثلاً) ومع كثرة الابتلاء به، يكون عدم الردع إمضاءً، فدل هذا الإمضاء على مطهِّرية الماء المضاف (إذا كان ماء مطر متجمع في الغدران لأنه مورد السيرة لو تمت صغرىً).
لكن هذه المقدمات بحاجة إلى إثبات.. فلو ثبتت كلها تمّ الاستدلال بجريان السيرة وإلا فلا، فتكون شبهة أجبنا عنها.
ويمكن الاستدلال على كل من البنود السابقة إضافة إلى ما ادعيناه من اقتضاء العادة في البنود الثلاثة الأولى، بقول اللغويين والمؤرخين وبالروايات... وسيأتي لاحقاً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الهادي (علیه السلام): ((تَأْخِيرُ التَّوْبَةِ اغْتِرَارٌ وَطُولُ التَّسْوِيفِ حَيْرَةٌ وَالِاعْتِلَالُ عَلَى اللَّهِ هَلَكَةٌ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ أَمْنٌ لِمَكْرِ اللَّهِ- (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)[11] ))
 تحف العقول عن آل الرسول (صلد الله علیه وأله): ص456.
أسئلة:
- مثّل بأمثلة أخرى للانصراف الناشئ عن القواعد الخارجية.
- وبأمثلة أخرى للانصراف الناشئ عن مناسبات الحكم والموضوع.
- وبأمثلة أخرى للانصراف الناشئ عن كثرة الاستعمال، بأنواعه الثلاثة.

- حاول برهنة النقاط الأربعة المذكورة في السيرة، أو ردها، أو فصّل.

_________________

[1] سورة المائدة: الآية 1.
[2] وكذا عقد الفضولي.
[3] وهذا مقابل القول ببطلان عقد المكرَه.
[4] سورة البقرة: الآية 275.
[5] أي إلزامية العقود.
[6] سورة البقرة: الآية 185.
[7] وكون مثل ماء البرتقال، مثلاً، لو طهّر من النجاسة الشرعية، مقذِّراً من جهة عرفية، قد لا يهم الكثير من الناس المتشرعين إذ يهمه الآن أن لا تكون ملابسه نجسة كي يصح له الصلاة بها وإن كانت وسخة.
[8] إذ بعض الجلاوزة عالم بأساليب التعذيب النفسية والجسدية في السجون.
[9] سورة يوسف: الآية 19.
[10] سورة النساء: الآية 43.
[11] سورة الأعراف: آية 99.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4637
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 23 جمادى الآخرة 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22