• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 056-وجوه وأدلة للجواهر والينابيع على إطلاق الغَسل أو عدمه .

056-وجوه وأدلة للجواهر والينابيع على إطلاق الغَسل أو عدمه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الينابيع: منطوق المقيد ينافي المطلق
ثم ان ما أجمله صاحب الجواهر فصّله الينابيع، مستدلاً لقول المشهور مقابل المرتضى راداً دعوى ورود ذكر الماء مورد الغالب، حاملاً مطلق (اغسل) على مقيد (الماء) نظراً إلى دعوى أن منطوق المقيد يقيد المطلق، دون حاجة إلى التمسك بمفهومه، قال: (فإن أُريد بها[1] ما هو في جانب القيد الوارد في المقيّد، على معنى كون قيد «الماء» وارداً مورد الغالب فلا يكون مفهومه حجّة.
ففيه: منع ابتناء قاعدة الحمل على أن يكون للقيد الوارد في الكلام مفهوم كما هو مقرّر في الأصول، وإنّما هو مبتن على التنافي بين إطلاق المطلق وتقييد المقيّد، وهو حيثما حصل كان من مقتضيات منطوق المقيّد وإن لم يكن له مفهوم، حيث إنّ إطلاق المطلق يقتضي تخيير الوجوب، والتقييد يقتضي تعيينه رأساً وهما متنافيان، ومن هنا كان الحمل ممّا يقول به من لا يقول بالمفهوم رأساً)[2].
وبعبارة أخرى: كيف لا يتنافى المطلق مع المقيد مع أن ذاتي المطلق التخيير بين الأفراد وحصول الامتثال بكل منها، بينما ذاتي المقيد التعيين وعدم حصول الامتثال إلا به؟ وعليه فمنطوق المقيد مناف للمطلق، من غير أن تتوقف المنافاة على ثبوت المفهوم.
المناقشة
ولكن يرد عليه: انه مصادرة، فإنه أخذ التقييد أمراً مسلّماً وافترضه؛ ولذا قال: (والتقييد يقتضي تعيينه رأساً) مع انه أول الكلام وانه هل (بالماء) تقييد أو مجرد ذكر للمصداق الغالب، فهذا هو نفس محل النزاع.
بعبارة أخرى: إنما يقتضي ذكر (الماء) في بعض الروايات (تعيينه رأساً) إذا كان له مفهوم وإلا فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
بعبارة ثالثة: قوله (عليه السلام) (بالماء) إذا كان بشرط لا، كان مقيِّداً، دون ما إذا كان لا بشرط، ودعوى كونه بشرط لا أول الكلام بل لا تفهم إلا من المفهوم لو تم مفهومٌ.
بعبارة رابعة: (الماء) المذكور في الروايات هو ذات المقيد وليس وصفه[3]، والتنافي ليس بين ذات المقيد وبين المطلق، بل إنما هو بين وصفه[4] والمطلق، فتدبر فإنه لطيف.
بعبارة خامسة: مثل السيد المرتضى لا يقبل قوله (وإنما هو مبتنىٍ على التنافي بين إطلاق المطلق وتقييد المقيد) إذ يرى أن الصحيح هو القول (وذِكر الفرد أو الصنف) لا أن يقال: (تقييد المقيد) فإن الموجود في الرواية هو ذكر الماء (وهو صنف من المائع) لكن من أين انه مقيد بحدّه أي انه نافٍ لغيره؟ لا يستفاد إلا من المفهوم على فرضه.
قولان بالحقيقة الشرعية واللغوية للغَسل
ثم ان الجواهر نقل وجهين آخرين لتقوية كلام المشهور وردهما بقوله (بل لا حاجة إلى دعوى الإطلاق والتقييد، بناء على ان الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء، كما ادعاه في الذكرى، لكنه في غاية البعد، كدعوى الحقيقة اللغوية، لصدق العرف على الغسل مثلا بماء الورد انه غسل حقيقة، وعدم صحة السلب)[5].
أقول: كلامه الثاني تام، ولكن كلامه الأول في إشكاله على الذكرى بانه (في غاية البعد) ليس كما ينبغي، فإنه وإن استظهرنا عدم كون الغَسل حقيقة شرعية في استعمال الماء، لكنه لا يصح رد الذكرى بأن مدعاه في غاية البعد إذ لكلام الذكرى وجه (وإن لم نقبله إلا أن الشاهد انه محتمل وله وجه لكنه مستبعد[6] ولكن ليس في غاية البعد) وذلك نظراً إلى كثرة استعمال النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين للغَسل، بكثرة كاثرة جداً في الغَسل بالماء، ككثرة استعمالهم الصوم في المعنى المصطلح، بل الظاهر انه أكثر بكثير جداً منه بل ولعله أكثر من استعمال لفظ الصلاة، وذلك لأن النجاسات كثيرة (عشرة أو أكثر) والمسلمون مبتلون بها دوماً، فلاحظ التنجس بالبول مثلاً والمني أيضاً وكذا التنجس بالكلاب لكثرتها بمكة والمدينة، عكس الخنزير النادر هنالك، وحيث كثر الابتلاء بها جداً جداً (بما لا يقاس في كثرته مع الصوم والحج والصلاة) إذ انه على مدار الساعة لكل صغير وكبير ومريض وصحيح، فمن الطبيعي أن يكثر استعمال المسلمين للفظ غسلت / اغسل / يغسل... إذا تنجس هو أو ابنه الصغير أو إناؤه أو فراشه أو منزله.. إلخ ومن الطبيعي أن يكثر السؤال من النبي (صلى الله عليه وآله) ومن الفقهاء الذين من حوله (صلى الله عليه وآله) (فَلَوْلا نَفَرَ...([7] وأن يجيبوا باغسل قاصدين الغَسل بالماء.. وذلك إن لم يدفعنا إلى القول بالنقل التعيّني لكنه يبقى محتملاً فإن لم يكن قريباً فليس بالبعيد وإن كان بعيداً فليس بعيداً جداً.
الجواهر: ليست مطلقات الغسل واردة لبيان ما يغسل به
ثم استدل الجواهر للمشهور راداً على المرتضى بقوله: (على أن هذه المطلقات في كثير من المقامات ما سيقت لبيان ما يغسل به، والمطلق ليس حجة إلا فيما سيق له)[8].
ويوضحه: ان بعض الروايات لم تسق مساق البيان مثل ما علي بن موسى بن طاووس في كتاب (الملهوف على قتلى الطفوف) عن أم الفضل زوجة العباس، أنها جاءت بالحسين (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((فَبَالَ فَقَطَرَتْ مِنْ بَوْلِهِ قَطْرَةٌ عَلَى ثَوْبِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَرَصْتُهُ‏ فَبَكَى‏، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) كَالْمُغْضَبِ: مَهْلًا يَا أُمَّ الْفَضْلِ، فَهَذَا ثَوْبِي يُغْسَلُ، وَقَدْ أَوْجَعْتِ ابْنِي))[9]، فإن الرواية، على فرض صحتها، لم تسق مساق بيان انه يغسل بماذا ((فَهَذَا ثَوْبِي يُغْسَلُ)).
الجواب: الفرق بين القضايا الخبرية والإنشائية
ولكن المقام ليس من هذا القبيل فإنه مما ورد مورد البيان فيما يفهمه العرف كقوله: ((اغْسِلْ ثَوْبَكَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ))[10].
وكما فيما روي عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ((فِي الرَّجُلِ يَطَأُ فِي الْعَذِرَةِ أَوِ الْبَوْلِ،‏ أَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ))[11].
وبإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى ويعقوب بن يزيد عن مروك بن عبيدن عن نشيط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((يُجْزِي‏ مِنَ‏ الْبَوْلِ‏ أَنْ‏ يَغْسِلَهُ‏ بِمِثْلِهِ))[12].
والسرّ: ان القضايا الخبرية كرواية ابن طاووس، إنما تنبأ عن أمر واقع في الخارج، والأمر الواقع في الخارج، لا يعقل فيه الإطلاق بل هو متشخص أبداً غير قابل للانطباق على كثيرين، أما القضايا الإنشائية، خاصة الصادرة من الشارع، فإنها وردت بنحو القضية الحقيقية وقد أمر (عليه السلام) بالغَسل، وكان في مقام البعث والعبد في موقع الابتلاء والعمل، واللفظ صالح، فإرادة المقيد منه دون ذكره إغراء بالجهل، وقد سبق ما ينفع المقام، إضافة إلى ما ذكره الآخوند في الكفاية من أن الأصل في المتكلم أن يكون في مقام البيان فراجع.
وقد ذكرنا في بحث سابق: ان الإطلاق قسمان لحاظي وطَبَعي[13].
وأما الاستدلال بالانصراف نظراً للندرة فهو وجه آخر وقد سبق الجواب عنه، والكلام الآن في المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة.
وذلك وإن صح لكن المرجع هو العرف، فإنه الحاكم بحسب نوع اللفظ (كـ : البيع، أو بيعاً، والماء، أو ماءً) وبحسب المرتكز لديه من مناسبات الحكم والموضوع وغيرها، والظاهر ان العرف لا يرى وجهاً لتخصيص (اغسله) بالماء[14] في مقابل ماء الورد وشبهه مما يرى صدق الغسل عليه حقيقة.
ويؤكده المبنى الذي عدل إليه الكفاية عما ذكره في مباحث الألفاظ، حيث ذهب فيها إلى تقدم العام على المطلق (بالورود) لأن عموم العام بالوضع وشمول المطلق إنما هو بمقدمات الحكمة ومنها أن لا تكون قرينة على الخلاف، والعام قرينة، فلا ينعقد له الإطلاق أصلاً مع وجود العام إذ ما تمت مقدماته الثلاثة.
وعدل عنه في آخر الكفاية إلى القول بتعارض العام والمطلق وأن المرجع العرف من غير وجود أصل فيهما بما هما هما. فتأمل. هذا
الجواب عن ((إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ أَوِ التَّيَمُّمُ‏))
وقد توهم بعضٌ صحة الاستدلال برواية ((إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ أَوِ التَّيَمُّمُ‏)) على حصر المطهِّر من الخبث بالماء المطلق.. وفيه: أن الرواية عن الوضوء ولا شك ان المطهِّر من الحدث منحصر به، فهي أجنبية عن المطهِّر من الخبث، فلاحظ الرواية: (عن بعض الصادقين (عليهما السلام) قال: ((إِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَلَا يَتَوَضَّأْ بِاللَّبَنِ، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ أَوِ التَّيَمُّمُ‏.
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ وَكَانَ نَبِيذاً فَإِنِّي سَمِعْتُ حَرِيزاً يَذْكُرُ فِي حَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَدْ تَوَضَّأَ بِنَبِيذٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ))[15].
قال الشيخ: أجمعت العصابة على أنه لا يجوز الوضوء بالنبيذ)[16] وفي رواية ((عَنِ‏ الرَّجُلِ‏ يَكُونُ‏ مَعَهُ‏ اللَّبَنُ‏ أَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ))[17].
محمد بن علي بن الحسين، قال: ((وَلَا بَأْسَ بِالتَّوَضُّؤِ بِالنَّبِيذِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَاءً قَدْ نُبِذَتْ‏ فِيهِ‏ تُمَيْرَاتٌ‏، وَكَانَ صَافِياً فَوْقَهَا، فَتَوَضَّأَ بِهِ))[18].
أقول: فالنبيذ المذكور لم يخرج عن كونه ماء مطلقاً، فلا إشكال في شربه والطهارة به لما تقدم)[19].
والحاصل: النبيذ نوعان: المضاف وهو ما كثر فيه التمر أو الزبيب أو بقي فترة طويلة، فهو شراب مسكر مضاف، وما لم يكن كذلك فإنه يبقى على إطلاقه، كما لو رميتَ في حب كبير ثلاث تمرات فإنها خلال ساعات لا تؤثر فيه إضافةً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الباقر (علیه السلام): ((مَنْ أَرَادَ عِزّاً بِلَا عَشِيرَةٍ، وَغِنًى بِلَا مَالٍ، وَهَيْبَةً بِلَا سُلْطَانٍ، فَلْيَنْتقُلْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَى عِزِّ طَاعَتِه‏...)) الخصال: ج1 ص169.
أسئلة:
- قرّر كلام صاحب الينابيع بأسلوبك.
- ابحث عن الدليل على أن الأصل كون المتكلم في مقام البيان أو ناقشه.

- ابحث عن كلامي صاحب الكفاية في أول الكفاية وفي آخرها وسجل نصوص عباراته.

___________________________

[1] أي الغلبة المدعاة.
[2] السيد علي الموسوي القزويني، ينابيع الأحكام، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة: ج1 ص776.
[3] مع وصف كونه قيداً.
[4] أي وصفه بانه جيء به مقيداً بشرط لا، أو وصفه بأنه أريد معيّناً نافياً لغيره.
[5] جواهر الكلام: ج1 ص316.
[6] إن لم يكن قريباً لكنه غير مستظهر، إذ القرب لا يكفي بل الظهور.
[7] سورة التوبة: الآية 122.
[8] جواهر الكلام: ج1 ص316.
[9] السيد ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف، منشورات جهان ـ تهران: ص15.
[10] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج3 ص57.
[11] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج3 ص39.
[12] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص35.
[13] (الفائدة  الثامنة: ينقسم الإطلاق إلى لحاظي وإلى طبعي، والأول وليد لحاظ المتكلم للجهات، والثاني نابع من صلاحية العنوان للانطباق على مصاديقه.
ثم إن الإطلاق قد يراد به الإطلاق اللحاظي*، وقد يراد به الإطلاق الطبعي:
والأول: ما كان وليد لحاظ المتكلم للجهات والحالات وعدم تقييدهِ حكمَه بإحداها، وهذا الإطلاق هو الذي يتوقف إثباته على إحراز كون المتكلم في مقام البيان**.
والثاني: ما كان وليد صلاحية العنوان المأخوذ موضوعاً للحكم بذاته للانطباق على مصاديقه، فينطبق عليها قهراً، ويسري إليها طبعاً***). (الفوائد والبحوث - 184- مباحث الاصول مبحث الاطلاق m-alshirazi.com).
* أي لحاظ سريانه في جميع الأفراد والأحوال والأزمان.
** أي لهذه الجهة أو تلك.
*** التبعيض في التقليد : 173.
[14] سواء بدعوى عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة أم بدعوى الانصراف عن مثل ماء الورد.
[15] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص219.
[16] الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام: ج1 ص202.
[17] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص188.
[18] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة: ج1 ص15.
[19] الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام: ج1 ص204.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4642
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 29 جمادى الآخرة 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22