• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 060-المحتملات في وجود أمرين مع إحراز تعدد المطلوب .

060-المحتملات في وجود أمرين مع إحراز تعدد المطلوب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
صور تعلق الأمر بالطبيعة والحصة
سبق: (مزيد تحقيق: ثم ان قوله (اغسل، وأغسل بالماء) هو كقوله (اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة) في أن المحتملات فيه ثلاثة: ان يعلم تعدد المطلوب، أو تعلم وحدته، أن يجهل:
صورة العلم بتعدد المطلوب، فلا يعقل الأمر بهما إلا بنحو الترتب
أ- فإن علم تعدد المطلوب، فلا يعقل حينئذٍ أن يأمر بهما إلا بنحو الترتب على العصيان، وهو المشهور، أو على العجز، بأن يقول أعتق رقبة مؤمنة فإن عصيت أو أن عجزت فاعتق رقبةً، ولا يصح أن يأمر بها دون تقييد بالترتّب أي بأن يقول تارة أعتق رقبة وأخرى أعتق رقبة مؤمنة.
وذلك بحسب ما ذكره بعض الأصوليين[1] قال بعض المعاصرين[2] (نعم لا يبعد أن يقال: ان تعدد الأمر بنحو تعلق أمر بالطبيعة وأمر آخر بالحصة خلاف الطريقة العقلائية، فإن العقلاء في فرض تعدد المطلوب يأمرون بالحصة أولاً، وعلى تقدير عصيان المكلف له يأمرون بغير تلك الحصة من أفراد الطبيعة، فإذا كان للمولى غرض في طبخ العبد للطعام وغرض آخر في طبخه للحم، فيقول لعبده (اطبخ اللحم، فإن كنت لا تطبخ اللحم فاطبخ طعاماً على الأقل).)[3].
ولكن يمكن مناقشة ذلك:
المناقشة: الصور ثلاثة وفوارقها
أولاً: بأن المحتملات الثبوتية في صورة تعدد المطلوب ثلاثة وليست واحداً:
أ- أن يأمر بالطبيعة على تقدير عصيان الحصة[4].
ب- أن يأمر بها على تقدير العجز عن الحصة، أو العسر والحرج فيها[5] أو غيرهما[6].
ج- أن يأمر بها على تقدير عدم وصول الأمر بالحصة[7].
أ- بقاء الأمر بالحصة
والفرق أنه في الصورة الأولى لا يسقط الأمر بالحصة حينئذٍ (إذ عصيان الأمر غير مسقط له) بل يبقى الأمر (بالأهم حتى مع عصيانه) وإنما يأمر بالمهم (المطلق لا في ضمن الحصة) لأنه يتحقق بعض غرضه (أو أحد غرضيه الملزمين) وذلك بناءً على إمكان الترتّب أي إمكان الأمر بالمهم على تقدير عصيان الأهم، كما يشهد به الوجدان وكما ذهب إليه الميرزا الشيرازي الكبير خلافاً للشيخ الأعظم حيث قال بالاستحالة وأوضحه الكفاية بأن الأمر بالمهم وإن لم يرتقِ إلى رتبة الأمر بالأهم، لكن الأمر بالأهم، حيث لا يسقط بالعصيان، متحقق في رتبة الأمر بالمهم... إلخ.
وفي هذه الصورة خاصة يتم[8] كلام الأصولي المعاصر من انه خلاف الطريقة العقلائية وأن عليه أن يسرد الأمرين بنحو الترتّب بأن يقول: (اطبخ اللحم فإن عصيت فأطبخ الطعام على الأقل) أو يقول: (اعتق رقبة مؤمنة فإن عصيت فاعتق رقبة)، إذ مبنى الفرض على تعدد المطلوب، ولا يصح له أن يأمر بهما في عرض واحد بأن يقول: (اعتق رقبة) ويقول: (اعتق رقبة مؤمنة).
ب- سقوط الأمر
وأما في الصورة الثانية: فإن الأمر بالحصة يسقط حينئذٍ، إذ مع العجز أو العسر والحرج وشبههما[9] لا يبقى أمر.
وهنا نقول: انه لا يلزم في هذه الصورة أن يصوغ المولى أمريه بنحو الطولية أو شِبه الترتب.
إذ[10] الترتب خاص، مصطلحاً، بصورة عصيان الأهم دون صورة العجز عنه أو العسر والحرج فيه) بل يكفي أن يذكرهما في عرض واحد، أي لا يلزم أن يقول (اعتق رقبة مؤمنة فإن عجزت عنها أو عسر عليك اعتاقها فاعتق رقبة) بل له أن يذكرهما في عرض واحد كـ (اعتق رقبة، اعتق رقبة مؤمنة) وذلك عقلائي تماماً بل وكثير الوقوع، إذ مع فرض علم العبد بتعدد المطلوب[11]، فإنه إذا بلغه الأمران فإذا عجز أو عسر عليه امتثال الحصة وجد نفسه ملزماً بامتثال الطبيعة (والمطلق).
ويوضحه المثال: فإن الأب إذا أمر ابنه بأمرين (اشتر برتقالاً – اشتر برتقالاً لبنانياً، لأنه الأحلى مثلاً) ففي فرض تعدد المطلوب كما لو كان للأب ضيوف وكان الأهم هو اللبناني والمهم مطلق البرتقال، أي كان المطلوب الأقصى ذاك والأدنى هذا، فإن صياغة الأمرين عرضياً لا إشكال فيها أصلاً بل هي متداولة عرفاً إذ يعلم ابنه، من تقارنهما، انه إذا لم يجد اللبناني فعليه بشراء مطلق البرتقال أو إذا تعسر عليه جداً (أو مطلقاً) شراء اللبناني نظراً لوجوده في منطقة نائية جداً اكتفى بالمطلق...
وذلك على عكس ما لو يأمره بالطبيعة، فإنه إذا لم يجد اللبناني لم يجب عليه شراء مطلق البرتقال، إلا إذا علم بالغرض الملزم من طريق آخر، وهو خروج عن مفترض البحث بل قد يقال انه يعلم من عدم أمره به، وهو القائل ((إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ عَمَلًا يُقَرِّبُكُمْ‏ إِلَى‏ الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ نَبَّأْتُكُمْ عَنْهُ وَلَا أَعْلَمُ عَمَلًا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى النَّارِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ))[12] عدم تعلق غرضه به.
تصويران لتعدد المطلوب بين الحصة والمطلق
تنبيه: (فرض تعدد المطلوب بين الحصة والمطلق) يتصور على وجهين:
أحدهما: أن يكون في المطلق (الرقبة) غرض واحد ملزم، ويكون في المقيد (رقبة مؤمنة) غرضان ملزمان أحدهما هو ذلك الغرض الملزم الموجود في مطلق الرقبة، ولذا أ- لا يكفي الأمر بالمطلق (إذ لا يحقق الغرضين) ب- ولا يصح الاقتصار على الأمر بالحصة (لاحتمال أن يعجز عن الحصة، أو يعسر عليه فإذا لم يأمر بالمطلق لما جاء العبد بالمطلق فلم يتحقق غرضه الواحد الملزم) ولذلك فإن الجمع بين الحقين يقتضي صدور الأمرين.
ثم الغرضان الملزمان يتصوران على نحوين: غرضان ملزمان مستقلان، وغرضان ملزمان قائم أحدهما بالآخر، على نحو الواجب في الواجب كالواجب المنذور، فتدبر.
ثانيهما: أن يكون هنالك غرض واحد ذو مراتب بأن يكون هنالك مرتبة شديدة من الغرض (أي بدرجة الوجوب) في المطلق ومرتبة أشد في المقيد (وهو الرقبة المؤمنة) إذ الوجوب حقيقة تشكيكية ذات مراتب.
فهذا كله في عالم الثبوت مع علم العبد به، كما هو مفترض البحث، وأما في عالم الإثبات وفي صورة الجهل بالواقع فإنه مع وجود الاحتمالين الأول والثاني، فهل للعبد طريق إلى كشف أن الأمرين صدرا نظراً لتعدد المطلوب أو لا بل المطلوب واحد وان الأمر بالمطلق في واقعة مقيد بالمقيد (أو عكسه بأن يكون الأمر بالمقيد لأنه الفرد الغالب مثلاً، أو غير ذلك) فهذا هو البحث الإثباتي الآتي، والمختلف فيه أيضاً في البدليين حيث ذهب أصحاب المحاضرات والبحوث وغيرهما إلى آراء متعاكسة.
ج- سقوط مرتبة التنجز فقط
وأما في الصورة الثالثة، فلا يسقط الأمر (ولا انه يبقى بكماله) بل إنما تسقط مرتبة تنجزه، ففي صورة عدم وصول الأمر به (أي عدم وصول اعتق رقبة مؤمنة) فإنه في صورة تعدد المطلوب وهو مفترض البحث، بأحد النحوين، (غرضان وغرض، أو غرض شديد وأشد)، إذا علم المولى أو احتمل عدم وصول أمره بالحصة إلى عبده (نظراً لضياع كثير من الكتب والأحاديث – وفي الموالي العرفية الفرض هو أن أوامره صدرت بشكل قانوني عام لعبيده فقد لا يبلغ بعضها بعضهم، وليس الفرض في الخطاب الشخصي لعبده مباشرة حيث يوجه له كلا الأمرين فيعلم بهما) فإنه يصح له أن يأمر بهما في عرض واحد (اعتق رقبة – اعتق رقبة مؤمنة) وثمرته العقلائية انه إذا لم يصل إلى العبد ذلك المقيد (فلم يتنجز عليه) يمتثل الأمر المطلق (لأن فيه الغرض الملزم).
وهنا لا ضرورة لأن يأمر بنحو الطولية والترتب[13] (اعتق رقبة مؤمنة فإن لم يصلك أمري هذا فاعتق رقبة) بل هو مستدرك[14] بل يصح له أن يأمر بهما في عرض واحد فإن وصلاه تعينت عليه الحصة (إذ الفرض تعدد المطلوب) وإلا امتثل المطلق.
تطبيق الكلام على (اغسل) و(اغسل بالماء)
بقي تطبيق ذلك على المقام في خلاف السيد المرتضى مع المشهور فإنه قد ورد من الشارع أمران: أمر بالمطلق (اغسل) وأمر بالمقيد (اغسل بالماء)[15] ففي صورة تعدد المطلوب يجرى الكلام السابق بطوله كله، فتدبر وطبّق كل ما ذكر على المقام، ولكن نتيجة ذلك لا تكون لصالح المشهور ولا لصالح المرتضى، بل تفيد القول بالتفصيل بين صورة عدم الوجدان أو العسر والحرج والاضطرار (وفي الاضطرار قول كما سبق) أو شبهها، وعكسه..
توضيحه: انه مع العلم بتعدد المطلوب، يجب عليه أولاً الغسل بالماء المطلق لأنه الحامل للغرض الأشد، أو للغرضين – على ما سبق، فإن عجز أو عسر عليه أو ما أشبه، وجب عليه الغسل بالمضاف، فهو تفصيل آخر جديد، والمراد من (وجب لنا هنا) إما الإرشاد[16] أو الوجوب المقدمي للصلاة.
وأما إذا لم نعلم تعدد المطلوب وعدمه، فهي الصورة الثالثة الآتية وهي صورة الشك، فهل من قاعدة في عالم الإثبات نرجع إليها أو لا؟ هذا ما سيأتي بإذن الله تعالى.
ثم ان هذا كله في صورة علم العبد – المكلف بتعدد المطلوب، وأما في صورة علم المولى بتعدده وعلمه بجهل العبد به فما هو تكليف المولى، فهو أمر آخر ولعله يأتي بإذن الله تعالى[17].
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): ((تَفَقَّهُوا فِي دِينِ اللَّهِ فَإِنَّ الْفِقْهَ مِفْتَاحُ الْبَصِيرَةِ وَتَمَامُ الْعِبَادَةِ وَالسَّبَبُ إِلَى الْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ وَالرُّتَبِ الْجَلِيلَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفَضْلُ الْفَقِيهِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الْكَوَاكِبِ، وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِهِ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ لَهُ عَمَلًا))
تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص410.
أسئلة:
- فكّر في صور أخرى لتعدد المطلوب غير ما ذكر.
- هل تعدد الحكم ليس إلا وليد تعدد المطلوب؟

- أوضح الصور الثلاثة التي ذكرناها بأسلوبك وناقشها لو خطر ببالك شيء أو قوّها.

__________________
[1] مع إضافتنا صورة العجز.
[2] يراجع (أبحاث أصولية).
[3] الدرس (1079/59).
[4] أي يكون أمره بها معلقاً على العصيان.
[5] أي يكون أمره بها معلقاً على العجز أو العسر.. إلخ
[6] كالإكراه والاضطرار، كما لو أكرهه مكره على ترك الحصة.
[7] ولو كان المطلوب واحداً، لحمل الأمر بالمطلق على الأمر بالمقيد فلا أمر إلا بالمقيد فلو عصى أو عجز عنه أو عسر عليه فليس المطلق واجباً عليه (هذا على المشهور، لكن ذكرنا ان فيه أربع احتمالات) ولعله يأتي مزيد.
[8] لولا الإشكال الآتي في البحث الآتي.
[9] كالإكراه والاضطرار...
[10] وجه قولنا (شبه الترتب).
[11] إذ المفترض هو ما ذكره من (فإن العقلاء في فرض تعدد المطلوب) – وأما مع فرض جهله فهي الصورة الثالثة الآتية في الدرس اللاحق.
[12] ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام) ـ قم: ج3 ص202.
[13] استعملنا الترتب هنا بمعناه اللغوي والعرفي.
[14] إذ على فرض عدم الوصول فإن الترتب في كلامه أيضاً لا يصل.
[15] وكلاهما أمر بدلي، على انه لا فرق، على ما سبق بيانه، بين كونهما بدليين أو شموليين أو بالاختلاف (في عدم وجود ضابط نوعي وأن المرجع العرف).
[16] أي كون الأمر إرشاداً إلى شرطية المطلق في الطهارة فإن عجز كفى المضاف، فهو الشرط وسقطت شرطية المطلق، بناءً على إمكان التفكيك لأن الوضعيات أمور اعتبارية.
[17] وسيأتي الإشكال الثاني وهو أن تعدد المطلوب على نحوين ثانيهما مرتبتا الوجوب والاستحباب.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4649
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء6 رجب 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22