• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 063-رأي المحقق النائيني في حمل المطلق على المقيد والمناقشة .

063-رأي المحقق النائيني في حمل المطلق على المقيد والمناقشة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
دليل المحقق النائيني على تقدم المقيّد
واستدل المحقق النائيني على حمل المطلق على المقيّد في المثبتين مع استفادة وحدة التكليف من نفس الخطابين بقوله: (الجهة الثانية: قد عرفت: انّ مورد حمل المطلق على المقيّد انما هو في صورة التنافي، والتنافي لا يكون إلا بوحدة التكليف، ووحدة التكليف تارة: يعلم بها من الخارج فهذا ممّا لا إشكال فيه. وأخرى: تستفاد وحدة التكليف من نفس الخطابين.
وتفصيل ذلك: هو انّه إمّا ان يذكر السبب لكل من المطلق والمقيّد، وإما أن لا يذكر السبب في كل منهما، وإما ان يذكر السبب في أحدهما دون الآخر. وصورة ذكر السبب في كل منهما، إما أن يتحد السبب، وإما أن يختلف، فهذه صور أربع لا خامس لها.
الصورة الأولى: ما إذا ذكر السبب في كل منهما مع اختلافه، كما إذا ورد: ان ظاهرت فاعتق رقبة، وان أفطرت فاعتق رقبة مؤمنة، فهذا لا إشكال فيه في عدم حمل المطلق على المقيّد، لعدم التنافي بينهما، وذلك واضح.
الصورة الثانية: ما إذا اتحد السبب كما لو قال: ان ظاهرت فاعتق رقبة، وان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة، وفي هذه الصورة أيضاً لا إشكال في حمل المطلق على المقيّد، لأنه من نفس وحدة السبب يستفاد وحدة التكليف، فيتحقق التنافي بينهما)[1].
الحاصل: وحدة السبب تستلزم وحدة المسبب
ومورد الكلام الآن إنما هو في الصورة الثانية، فإنه المطابق لما نحن فيه (من مطلقات روايات اغسل، ومقيدات روايات اغسل بالماء، والسبب متحد وقد ذكر في الروايات وهو التنجس بالبول مثلاً أو بالمني فراجع الروايات في أول البحث).
وبعبارة أخرى: يقول (قدس سره) ان وحدة السبب تستلزم وحدة المسبب (وهو الحكم، أي التكليف، أو فقل المطلوب، كلها واحد) فلا بد من حمل المطلق على المقيد إذ حينئذٍ فقط يكون المسبب واحداً إذ المطلق على هذا لم يكن مقصوداً في مرحلة إرادته الجدية بل أريد به المقيد.
الجواب: وحدة السبب أعم، والاستلزام مصادرة
ولكن يرد عليه: انه مصادرة؛ إذ لا شك انه مع وحدة السبب فإن المسبب واحد، ولكن الكلام كل الكلام انه ما هو المسبب الواحد؟ فهل هو المقيد، كما ارتآه قدس سره، والمطلق محمول عليه؟ أو هو المطلق والمقيد إنما ذكر من باب انه غالب الأفراد؟ (وهذا في مثال الغسل بالماء، وفي مثال الرقبة إنما ذكر المقيد لأنه أفضل الأفراد).
وبعبارة أخرى: السيد المرتضى (قدس سره) أيضاً يقول انه مع وحدة السبب (التنجس بالبول) المسبب، أي الحكم، واحد ولكنه، بنظره، هو حصول التطهير بمطلق المائع[2]، ويحمل ما ذكر فيه لفظ الماء على انه الفرد الغالب، لا انه يلتزم بحصول حكمين أبداً.
بعبارة أخرى: وحدة السبب تستدعي وحدة التكليف، لكن وحدة التكليف أعم من كون الحكم هو وجوب عتق المؤمنة فقط، ومن كون الحكم وجوب عتق الرقبة مطلقاً (ولا يوجد حكم آخر) وقد ذكرت المؤمنة لأنها أغلب الأفراد أو لأنها أفضل الأفراد.
إن قلت: الاستحباب[3] حكم آخر غير الوجوب؟
قلت: فقد استفيد من دال آخر هو القيد، أي أن الوجوب وهو الحكم الفارد[4] مستفاد من السبب السبب الواحد نفسه (فكلٌّ من (اعتق رقبة) و(اعتق رقبة مؤمنة)، المرتب كل منهما على السبب نفسه[5] يفيد وجوب العتق وهو وجوب واحد، لكن استحباب المؤمنة استفيد من إضافة لفظ المؤمنة في المقيد لا من نفس اعتق.
ويمكن الجواب بما التزم به المحقق الخراساني، قال: (مع أنّ حمل الأمر في المقيّد على الاستحباب لا يوجب تجوّزاً فيه، فإنّه في الحقيقة مستعمل في الإيجاب، فإنّ المقيّد إذا كان فيه ملاك الاستحباب، كان من أفضل أفراد الواجب، لا مستحبّاً فعلاً؛ ضرورة أنّ ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه)[6].
وبعبارة أخرى: ضمهما إلى بعض كما يمكن أن يفيد وحدة الحكم وانه الوجوب وان المطلق يراد به المقيد، يمكن أن يفيد وحدة الحكم وأن الواجب أصل العتق وإن ذكر المؤمنة ليفيد فائدة إضافية وهي استحباب المؤمنة، ولا قاعدة مرجعية لتحديد هذا أو ذاك إلا مرجعية العرف بحسب ما يرونه من مناسبات الحكم والموضوع.
خصوصية المثال قد تلقي ببعض الظِلال
ويوضحه أكثر: انّ خصوصية مثاله (قدس سره) وهو: (اعتق رقبة، اعتق رقبة مؤمنة) هي التي استدعت الحكم بحمل المطلق على المقيد، لقرب أن تكون المؤمنة هي وحدها الـمُجزِئة في الكفارة دون الكافرة، ولو انه (قدس سره) غيّر المثال لَتَغَيّر حكمه ظاهراً (وحكم بأن وحدة السبب تقتضي وحدة المسبب وانه هو مفاد الحكم المطلق) فلو قال المولى: اعتق رقبة، وقال: اعتق رقبة تشتريها من السوق أو مما تجده في السوق، فإنه لا يحمل المطلق على المقيد بل يحمل على الفرد الغالب لجري الطبع على ذكره، ولذا لو وُهِبت له رقبةٌ أو وَرِثها لكفى أن يعتقها، ولا يقال ههنا انه مع وحدة السبب (ان ظاهرت فاعتق رقبة.. وإن ظاهرت فاعتق رقبة مما تجده في السوق من الرقاب) فإن المسبب واحد وهو المقيد فيحمل المطلق عليه بل يقال: المسبب واحد وهو مطلق الرقبة وإنما ذكر (مما تجده في السوق) لأنه الفرد الغالب ولأنه في مظانه دون الهبة له أو إرثه.
بعبارة أخرى: إذا تردد الحال أو التمييز أو الوصف وما أشبه بين كونه مقيداً وبين كونه معرّفاً أي مشيراً إلى الفرد الغالب، فلا أصل يرجع إليه مع عدم وجوب مناسبات للحكم والموضوع تقتضي أحدها إلا ما ثبتت فيه الغلبة الموجبة للظهور، وذلك في المتنافيين أي المتخالفين بالإيجاب والسلب دون المثبتين.
إشكال وجواب
ومنه ظهر الجواب عما أشكل به بعض الأفاضل من (ان سبب تفريق المشهور بين العام البدلي والعام الشمولي لا يعود إلى اختلاف ظهورهما كي يجاب بأن ظهورهما بدرجة واحدة (نظراً لنشوئه من مقدمات الحكمة، فلا وجه للتفريق) بل السبب في تفرقة المشهور: ان المطلق والمقيد في البدلي لهما ظهور في أن الحكم واحد ولذا يتنافى المطلق مع المقيد. وأفضل حل لهذا التناقض هو حمل المطلق على المقيد. أما في العام الشمولي، فلا يوجد ظهور في وحدة الحكم، وبالتالي لا يوجد تناقض بين المقيد والمطلق، فلا حاجة للبحث عن حل لهذا التناقض. بعبارة أخرى، التفرقة تكمن في أن العام البدلي يتطلب حل التناقض، بينما في العام الشمولي لا يوجد هذا التناقض).
إذ يجاب: انّ للتفرقة بين البدلي والشمولي وجهين:
الأول: تخالف ظهوريهما، وقد أجبنا عنه مفصلاً فيما مضى بأن ظهوريهما متساويان لكونهما وليدي مقدمات الحكمة.
الثاني: ما ادعاه المحقق النائيني، وقرّره المستشكل الآن، من ظهورهما[7] في وحدة الحكم (لوحدة السبب التي ذكرها النائيني، أو لغير ذلك كصِرف الوجود الذي سيأتي مع جوابه)، فأجبنا بأن وحدة الحكم أعم وانه كما يمكن الالتزام بوحدة الحكم مع حمل المطلق على المقيد يمكن الالتزام بها مع حمل المقيّد على انه معرّف ومشير لا قيد، وان هذا الأخير[8] في المقام هو الأظهر فتدبر.
النائيني: إذا لم يذكر السبب فيهما[9] فالمراد صِرف الوجود
وقال المحقق النائيني: (الصورة الرابعة: ما إذا لم يذكر السبب في أحدهما وكان كل منهما مطلقاً بالنسبة إلى ذكر السبب، وفي هذه الصورة لابد من حمل المطلق على المقيد إذا كان المطلوب في كل منهما صِرف الوجود لا مطلق الوجود.
ولا يتوقف الحمل في هذه الصورة على العلم بوحدة التكليف من الخارج، بل نفس كون المطلوب فيهما صرف الوجود مع كون التكليف إلزامياً يقتضي حمل المطلق على المقيد. وذلك لأن قوله: أعتق رقبة مؤمنة ـ يقتضي إيجاد صرف وجود عتق الرقبة المؤمنة، ومقتضى كون الحكم إلزاميا هو انه لابد من ايجاد عتق الرقبة المؤمنة وعدم الرضا بعتق الرقبة الكافرة، والمفروض ان المطلوب في المطلق أيضاً صرف الوجود[10].
ومقتضى كون المطلوب صرف وجود العتق وايجاب عتق الرقبة المؤمنة هو وحدة التكليف وكون المطلوب هو المقيد ليس إلا.
ومن هنا يظهر: ان الركن في حمل المطلق على المقيد، هو كون الحكم إلزاميا، ولا يجري في التكاليف المستحبة، وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى)[11].
وتوضيحه بالمثال: أن مثال صِرف الوجود هو ما لو قال (اعتق رقبة) ومثال مطلق الوجود ما لو قال (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) حيث ان الأخير انحلالي فيعني (أحل الله كل بيع) أما الأول فيعني وجوب عتق رقبة ما، والذي يتحقق بأول الوجودات.
وأما التعريف[12]: فإن صرف الوجود يعني نفس وجود الشيء، أو وجود الطبيعي، من دون ضمائم من مشخصات فردية أو أوصاف أو غير ذلك من عموم واستغراق وغير ذلك.
فإذا أريد من المطلق والمقيد صِرف الوجود لم يكن مناص من تطابقهما على فرد واحد هو الأخص، أي الرقبة المؤمنة، إذ لو أريد من (اعتق رقبة) الأعم الذي يشمل الكافرة لما كان المراد منهما صرف الوجود بل كان المراد: الوجود المتفصل بفصل المؤمنة (في اعتق رقبة مؤمنة) والمتفصل بفصل الكافرة (على فرض إطلاق اعتق رقبة وانه يشمل الكافرة) فلم يكن المراد صرف الوجود، هذا خلف.
والحاصل: انّ صِرف الوجود لا يتثنى ولا يتكرر، فإن أريد منهما صرف الوجود كان لا مناص من تطابقهما (ومشيريتهما) إلى فرد واحد وحينئذٍ لا مناص من كونه الأخص.
المناقشات
ولكن قد يورد عليه بوجوه ثلاثة:
صِرف الوجود بمعناه الفلسفي لا يصح في المقام
أولاً: انه لا يصح استخدام المصطلحات الفلسفية (والمنطقية أو غيرها)، إذا أريد بها غير معانيها المذكورة في علومها، إلا مع التصريح بالتعريف الجديد المعتمد.
ومصطلح صِرف الوجود مصطلح فلسفي له معنى محدد لا ينطبق على المقام اصلاً (إلا مع تغييره إلى معنى آخر كما سيأتي) فإن الوجود الصرف، حسب تعريفهم له، لا يمكن انطباقه إلا على الله تعالى.
فإن الوجود الصّرف‌ في إصطلاح الفلاسفة عبارة عن الوجود الذّي هو مبدع المبدعات ومنشئ الكلّ، وهو ذات لا يمكن أن يكون متكثّرا، أو متغيّرا، أو متقوّما بسبب، بل هو أصل الأشياء وصرف الحقّ، وبه يتكثّر الأشياء.
أو: الّذي لا يتعلّق وجوده بغيره، والوجود الّذي لا يتقيّد بقيد. وهو المسمّى بالغيب المطلق والذّات الأحديّة[13].
و: هو مبدع المبدعات ومنشئ الكلّ، وهو ذات لا يمكن أن يكون متكثّرا، أو متغيّرا، أو متقوّما بسبب، بل هو أصل الأشياء وصرف الحقّ، وبه يتكثّر الأشياء[14]،[15].
وهو كما ترى لا مجال لاستعماله في الرقبة وغيرها، نعم مع تغييره إلى معنى آخر، ممكن وسيأتي، ويأتي بيان ما فيه.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: ((إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الْمُتَعَلِّمِ وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهِ فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ الْعُلَمَاءُ))
الكافي: ج1 ص35.
أسئلة:
- راجع الصور الأربع التي ذكرها المحقق النائيني وأبدِ رأيك فيها.
- أوضح، ببيانك، جوابنا بأن وحدة السبب أعم.
- اكتب بحثاً عن تأثير خصوصية الأمثلة في صناعة القواعد (والتي قد لا يذعن بها الأصولي أو غيره إذا التفت إلى أمثلة أخرى).
- أوضح الفرق بين صِرف الوجود ومطلق الوجود، وابحث عن تعريفات صِرف الوجود.

- قرر مناقشتنا للمحقق النائيني بأسلوبك، أو ناقش مناقشتنا.

_________________________
[1] فوائد الأصول: ج1 ص579-580.
[2] أو بالأعم من الماء المطلق والمضاف (أما المائع فهو أعم منهما).
[3] هذا إشكال على الشق الثاني فقط دون الأول.
[4] أي الحكم المتفرد والوحيد في المقام.
[5] (إن ظاهرت).
[6] كفاية الأصول: ج2 ص509.
[7] أي البدليان.
[8] معرّف ومشير.
[9] المطلق والمقيد.
[10] أقول: فيتطابقان على فرد واحد.
[11] فوائد الأصول: ج1 ص579-580.
[12] وهو مسامحي.
[13] الحكمة المتعالية، ج۲، ص۳۲۷.
[14] شرح رسالة المشاعر، ج1 ص126.   
[15] مجمع البحوث الإسلامية، شرح المصطلحات الفلسفية، المأخوذة من عنوان "الوجوب الصرف": ج1 ص428.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4652
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد11 رجب 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22