• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 065-تأييداً للمرتضى (قدس سره) المثبتان الوضعيان لا يقيد أحدهما الآخر .

065-تأييداً للمرتضى (قدس سره) المثبتان الوضعيان لا يقيد أحدهما الآخر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
دليل للمرتضى (قده): المثبتان الوضعيّان لا يقيد أحدهما الآخر
وقد يستدل للسيد المرتضى في عدم مقيدية روايات (اغسل بالماء) لروايات (اغسل) ببرهان آخر يبتني على ما ذهب إليه المشهور من أن المطلق والمقيد المثبتين إنما يقيد أحدهما الآخر إذا تضمّنا حكمين تكليفيين الزاميين، دون ما لو تضمّنا حكمين غير إلزاميين، كالمستحبين، أو تضمّنا حكمين وضعيين، والشاهد هو الأخير إذ المقام منه؛ فإن (اغسل بالماء) إرشاد إلى مطهِّريته وليس حكماً مولوياً.
ولنمثل للوضعيين بأمثلة، منها ما مثّل به الشيخ (قدس سره) من: ما لو قال المولى البيع سبب وقال: البيع بالعربية سبب وكذا لو قال البيع بالماضوية سبب، ومنها: ما لو قال: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)، وقال: (أحلَّ الله البيع عن رضا مثلاً) كما قال: (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)[1]، بناءً على ان التجارة أعم من البيع أو أن يكون هو المراد منها.. فهل يقيَّد أحل الله البيع بالرضا حتى انه لو لم يكن رضا بطل؟ أو لا بل له الخيار بأدلته؟ أو لا بل هو أفضل الأفراد؟، فلولا الدليل الخارجي جرى البحث.
ومنها: في المانع، ما لو قال: لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه وقال: لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه[2]، فهل يقيد الأول بالأخير حتى لا يكون بصاقه مانعاً من الصلاة أو لا؟ ومن الظاهر أن النهي في لا تصل فيما لا يؤكل لحمه إرشاد إلى مانعيته وإلى بطلان الصلاة معه وليس نهياً مولوياً يستحق العقاب على مخالفته.
قال في الينابيع: (نعم، إن كان المقام ولا بدّ من المناقشة فيه، فالأولى أن يقال: إنّ من شروط قاعدة الحمل كون المطلق والمقيّد تكليفيّين إلزاميّين، دون وضعيّين، أو تكليفيّين غير إلزاميّين، ولعلّه منتف في المقام، لما هو المقرّر من أنّ الأوامر والنواهي الواردتين في نظائره يراد بها الإرشاد دون الطلب والإلزام، فهي إرشاد ورد بصورة الطلب، فتكون مساقها مساق القضايا الوضعيّة، وهي في الحقيقة قضايا إخباريّة، ومعه لا تنافي بين مطلقاتها ومقيّداتها ليوجب الاضطرار إلى الحمل)[3].
رأي صاحب الكفاية: الوضعيّان يقيد أحدهما الآخر
وقد ذهب المشهور إلى هذا المبنى حسب المحقق المشكيني في تعليقته على الكفاية بل ظاهر عبارة الشيخ في مطارح الأنظار انه مبنى الكل، ولعل الخلاف حدث بعده... فلننقل أولاً عبارة المحقق الخراساني حيث تبنى الرأي الآخر أي حمل المطلق على المقيد حتى في الوضعيين، قال: (تنبيه: لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين؛ بين كونهما في بيان الحكم التكليفي وفي بيان الحكم الوضعي فإذا ورد مثلا: «إنّ البيع سبب، و إنّ البيع الكذائي سبب»، وعلم أنّ مراده: إمّا البيع على إطلاقه، أو البيع الخاصّ، فلا بدّ من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الإطلاق فيه، كما هو ليس ببعيد، ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد، بخلاف العكس، بإلغاء القيد وحمله على أنه غالبيّ، أو على وجه آخر، فإنه على خلاف المتعارف)[4].
فقد ابتدأ (قدس سره) أولاً بتعليق تقييد المطلق بالمقيد على (لو كان ظهور دليله...) ثم ثنّى بأنه ليس بالبعيد ثم استدل عليه بتعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد..
المناقشات
ولكن قد يورد عليه بوجوه:
1- لا غلبة ولا تعارف
أولاً: ان التعارف في المتنافيين بالسلب والإيجاب لا شك فيه، أما في المثبتين التكليفيين فمختلف فيه، أما في المثبتين الوضعيين فعهدة إثبات تعارفه تقع عليه (قدس سره) خاصة وأنّ المشهور، إن لم يكن شبه المطبق قبل الشيخ، وربما قبله أيضاً، على خلافه.. والعمدة الرجوع إلى العرف واستقراء شتى الموارد، والذي يبدو لنا أن العرف عادة لا يحملون المطلق على المقيد في الوضعيين المثبتين.
2- رأي الشيخ: التقييد يستلزم الخلف
ثانياً: ما استدل به الشيخ (قدس سره) في مطارح الأنظار، وإجماله: ان المثبَت المطلق المثبِت للحكم الوضعي إن استظهرنا انه ليس وارداً في مقام البيان، فلا كلام في حمله على المقيد إذ لم ينعقد له إطلاق أصلاً، فيكون ظهور القيد في التقييد هو الحاكم[5] وإن استظهرنا وروده في مقام البيان فلا مناص من التفريق بين الوضعيين فلا يحمل المطلق على المقيد وبين التكليفيين فيحمل، والسرّ: ان التكليفي في المطلق يمكن حمله على التخيير بين جميع الأفراد بدون مشكلة إذ انه مفيد حينئذٍ، أما الوضعي فلا يمكن حمله على التخيير بين الأفراد لأنه يكون لغواً إذ يفيد حينئذٍ الحكم الوضعي لفرد ما فيكون مجملاً فيكون خلفاً إذ قد فرضناه وارداً مورد البيان.
قال (قدس سره): (هداية في حكم المطلق والمقيد الواردين في مقام بيان الأحكام الوضعية
قد عرفت حكم المطلق والمقيد الواردين في مقام بيان الحكم التكليفي، وأما حكمه في مقام بيان الأحكام الوضعية فالظاهر منهم عدم الحمل[6]، فلو قيل البيع سبب والبيع العربي سبب، يحمل على مشروعية المطلق والمقيد معاً بل لا يكتفي بذلك ويقال بأن السّبب كل واحد من أفراد البيع على وجه العموم الاستغراقي.
فيطالب[7] بالفرق بين الأحكام التكليفية وغيرها من حيث الحمل فيها وعدمه في الوضعية)[8].
وقال: (والجواب إن استظهرنا عدم ورود المطلق في مقام البيان فعلى المختار لا وجه لعدم الحمل ولا نقول به ولا ضير فيه.
وإن استظهرنا وروده في مقامه، فالفرق إنما جاء من خصوص الحكم والمحمول فإن المحمولات مختلفة جدّا، فتارة يكون ثبوت المحمول للموضوع على وجه التخيير مفيداً في مقام البيان كالوجوب، فإن ثبوته لما هو محمول له كالصّلاة على وجه التخيير مما لا غائلة فيه ولا إشكال في كونه مفيداً كما يظهر بالرجوع إلى العرف، وتارة يكون ثبوته له على وجه العموم مفيداً وعلى وجه التخيير لا يعدّ مفيداً وهو ينافي كونه في مقام البيان والإفادة فيصرف بحكم العقل والعادة إلى العموم مثل السببية والمانعية ونحوهما من الأمور التي لا وجه للأخبار بثبوتها على وجه التخيير والإجمال في مقام البيان)[9].
توضيحه: انه إذا قال له: (صلِّ) (وكذا لو قال: اعتق رقبة) فإن أراد التخيير منه كان مفيداً في مقام البيان إذ يفيد كفاية عتق أية رقبة ويفيد كفاية أن يصلي مثلاً صلاة الصبح بأي فرد تحقق منها، سواء في هذا المكان أم ذاك في هذه الدقيقة أم تلك مما بين الحدين، بهذا الثوب أم ذاك.. إلخ.
أما إذا قال (البيع سبب) فلا يكون مفيداً إذا كان في مقام البيان إلا إذا أريد به الاستغراق أي أريد به أن كل بيع سبب لنقل الملكية.. أما إذا أريد به التخيير أي ان أحد أفراد البيع سبب، كان مجملاً غير مفيد[10] وهو يناقض كونه في مقام البيان.
وعليه: فظهور المطلق الوضعي في الاستغراق لكل الأفراد قوي جداً فينبغي عليه أن يحمل ما ذكر فيه المقيد على انه أفضل الأفراد أو الفرد الغالب أو ما اشبه.. والحاصل ان ظهوره أقوى من ظهور المقيد حينئذٍ في التقييد. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام علي (عليه السلام): ((مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللَّهِ سَاخِطاً، وَمَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ [فَإِنَّمَا] يَشْكُو رَبَّهُ.
وَمَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ.
وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ [مِمَّنْ‏] يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً.
وَمَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا الْتَاطَ قَلْبُهُ مِنْهَا بِثَلَاثٍ: هَمٍّ لَا يُغِبُّهُ وَحِرْصٍ لَا يَتْرُكُهُ وَأَمَلٍ لَا يُدْرِكُه))
(نهج البلاغة: الحكمة 228).
أسئلة:
- حقِّق وجه الفرق بين المثبتين التكليفيين الإلزاميين، وبين التكليفيين غير الإلزاميين، وبين الوضعيين، وناقش الطرفين قدر المستطاع.
- قم باستقراء ميداني في الكتب أو عبر أسئلة شفوية من الناس في أمثلة مختلفة من المطلق والمقيد الوضعيين وأن الغالب يرون التقييد أو عدمه؟.

- هل يمكنك أن تناقش دليل الشيخ؟

________________________

[1] سورة النساء: الآية 29.
[2] مثلاً ورد قوله (صلى الله عليه وآله): ((يَا عَلِيُّ لَا تُصَلِّ فِي جِلْدِ مَا لَا يُشْرَبُ لَبَنُهُ وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُR (وسائل الشيعة: ج4 ص347).وروى الصدوق في العلل ((لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي شَعْرِ وَوَبَرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ)) (علل الشرائع: ج2 ص342).ولكن النصوص العامة صريحة، وليست ظاهرة فقط، فمثلاً فقد روى ابن بكير في الموثّق، قال : Sسَأَلَ زُرَارَةُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّعَالِبِ وَالْفَنَكِ وَالسِّنْجَابِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوَبَرِ، فَأَخْرَجَ كِتَاباً زَعَمَ أَنَّهُ إِمْلَاءُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَنَّ الصَّلَاةَ فِي وَبَرِ كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَرَامٍ أَكْلُهُ فَالصَّلَاةُ فِي وَبَرِهِ وَشَعْرِهِ وَجِلْدِهِ وَبَوْلِهِ وَرَوْثِهِ وَأَلْبَانِهِ وَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ فَاسِدَةٌ، لَا تُقْبَلُ تِلْكَ الصَّلَاةُ حَتَّى تُصَلِّيَ فِي‏ غَيْرِهِ‏ مِمَّا أَحَلَ‏ اللَّهُ‏ أَكْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا زُرَارَةُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَاحْفَظْ ذَلِكَ يَا زُرَارَةُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَالصَّلَاةُ فِي وَبَرِهِ وَبَوْلِهِ وَشَعْرِهِ وَرَوْثِهِ وَأَلْبَانِهِ وَكُلِّ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ جَائِزَةٌ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ ذَكِيٌّ قَدْ ذَكَّاهُ الذَّبْحُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ نُهِيتَ عَنْ أَكْلِهِ وَحَرُمَ عَلَيْكَ أَكْلُهُ فَالصَّلَاةُ فِي كُلِّ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ فَاسِدَةٌ، ذَكَّاهُ الذَّبْحُ أَوْ لَمْ يُذَكِّهِ))، (الكافي: ج3 ص397)، فخصوص هذا المثال فرضي.
[3] ينابيع الأحكام: ج1 ص777.
[4] كفاية الأصول مع حواشي المحقق المشكيني، ج2 ص516-519.
[5] بالمعنى اللغوي للحكومة.
[6] لاحظ قوله (قده): (فالظاهر منهم عدم الحمل) وظاهرها النسبة إلى جميع الأصوليين، الكاشفة عن استقرائه مقداراً معتداً به حتى امكنته النسبة هكذا.
[7] أي: وعليه فيطالب.
[8] مطارح الأنظار: ص224.
[9] المصدر.
[10] إذ لا ينفعنا قوله (أحد أفراد البيع سبب) وهو مجمل غير معلوم انه أي فرد هو، كي نقوم به إذا أردنا النقل.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4655
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء13 رجب 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22