• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 206- مجموعة روايات قيّدت بالاستطاعة ومباحث حولها لابدّ من تحقيقها. مسألة : (القاطع بالعجز عن المعرفة ) و (القاطع بالمؤدّى) . هل يمكن تكليفهما ثبوتاً ؟ وما الدليل اثباتاً ؟ .

206- مجموعة روايات قيّدت بالاستطاعة ومباحث حولها لابدّ من تحقيقها. مسألة : (القاطع بالعجز عن المعرفة ) و (القاطع بالمؤدّى) . هل يمكن تكليفهما ثبوتاً ؟ وما الدليل اثباتاً ؟

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

تطبيق البحث على الروايات الشريفة 

حيث انه قد جرى بحث مطول ولعله كان بحثا علميا جافّاً إلى حد ما، عن القدرة وصور الشك في القدرة في ضمن مناقشتنا مع صاحب القوانين، لذا ارتأينا في ختام هذه المناقشة ذكر بعض الروايات الشريفة التي ذكرت فيها الاستطاعة وقُيِّد الحكم فيها بظاهره بالاستطاعة، ثم نطرح عليكم بعض الاسئلة التطبيقية والتمرينية في إطار المباحث السابقة لكي يجري البحث عن كيفية استثمارها في هذه الروايات وغيرها، ونترك التحقيق على الاعلام، كمسعى لتنشيط الملكة أكثر فأكثر . 

اما الروايات: 

الرواية الاولى: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطعها فليدمن الصوم فانه له وجاء والمراد من الباءة النكاح وان كان اصل وضعها للفعل الخاص,اي من استطاع الزواج وكانت المقدمات متوفرة فليتزوج ومن لم يستطع فليدمن الصوم فانه له وجاء اي وقاء وان كان المعنى الدقي لـ(وجاء) هو رضّ عروق البيضتين ليفقد الإنسان شهوته، والصوم يقوم مقام ذلك ولذا شبّه به . 

الرواية الثانية: يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) فمن استطاع ان يؤثر ما يبقى على ما يفنى فليفعل. 

الرواية الثالثة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الله خلق خلقا من رحمته برحمته لرحمته وهم الذين يقضون الحوائج للناس فمن استطاع منكم ان يكون منهم فليكن 

الرواية الرابعة: كما في نهج البلاغة ولعله من كلام الإمام (عليه السلام) أو انه تتمة لما ينقله عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن استطاع منكم ان يلقى الله وهو نقي الراحة من دماء المسلمين واموالهم سليم اللسان من اعراضهم فليفعل هذه أربعة روايات من ضمن الروايات التي قيد فيها الحكم بالاستطاعة. 

ولنتوقف عند الرواية الرابعة، ففيها مباحث عديدة يمكن التدبر فيها : 

المبحث الاول:هل الاستطاعة المذكورة في الرواية هي الاستطاعة العقلية ام الشرعية ام العرفية ام نقول بالتفصيل؟ لأن المتعلق ثلاثة امور وهي دماء المسلمين واموال المسلمين واعراض المسلمين فهل في ثلاثتها الاستطاعة عقلية او شرعية او عرفية او في بعضها عقلية وفي بعضها عرفية أو شرعية؟ او غير ذلك؟ وهذا مبحث جدير بالتأمل. 

المبحث الثاني:في قوله (فليفعل) فهل تدل هذه الكلمة على وجوب ايجاد الاستطاعة وانه إن كان عاجزا بالفعل فعليه ان يوجد القدرة، عكس الحج، فتكون الاستطاعة هنا شرط الواجب لا شرط الوجوب، كما في الحج حيث يقول تعالى: (مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فان ايجاد الاستطاعة فيها ليس واجبا اذ الاستطاعة في الحج شرط الوجوب لا شرط الواجب، فهل (فليفعل) هنا تدل على أن الاستطاعة شرط الواجب؟ وتحقيق هذا يعتمد على تحديد متعلق فليفعل ما هو، فليتدبر فيه, وعلى كلا التقديرين ما هو الفرق؟؛ فان في متعلق فليفعل احتمالين: 

الاحتمال الاول: ان متعلقه هو الاستطاعة. 

الاحتمال الثاني: متعلقه هو مدخول الاستطاعة. 

المبحث الثالث في هذه الرواية وروايات اخرى مشابهة هو :انه لو شك في قدرته واستطاعته على السلامة من دماء المسلمين، كما لو كان في وظيفة كالمخابرات في حكومة ظالمة او حتى لو كان موظفاً في حكومة عادلة لكن كان يشك في قدرته على ان ينهض بالحق ويحتمل انجرافه للباطل لرشوة او هوى او غير ذلك، فاذا شك في استطاعته وقدرته على السلامة من دماء المسلمين او اعراضهم او أموالهم فهل المجرى هو الاحتياط مطلقا في الصور الثلاث ام نقول بالتفصيل؟، ثم لو قلنا ان المجرى هو الاحتياط فهل يصح الاستناد إلى هذا الحديث ونظائره؛ إذ ان الحديث يقول: فمن استطاع... فليفعل ام ان الاستناد لهذا الحديث يعد من مصاديق التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وحينئذٍ فنتمسك بماذا لو قلنا انه تمسك بالعام في شبهة مصداقية؟. 

المبحث الرابع: ان هناك فرقا دقيقا بين أ- الحج المقيد بالاستطاعة في الآية، ب- وبين حفظ الراحة عن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم المقيد في هذه الرواية ايضا بالاستطاعة، ج - وبين المعرفة – وهي مورد بحثنا - المقيدة عقلا بالاستطاعة، فما هو الفرق؟من المطالب السابقة اتضح وجه الفرق والجواب فليتدبر. 

المبحث الخامس في الرواية: ان استطاع هل هي قيد ام لا بل هي شيء اخر، فليتدبر 

محصّل أدلة موجبي الاجتهاد وناتجها 

والغاية من طرح هذه الأسئلة هي إيجاد نوع من الحركية في البحث تنميةً للملكة والدعوة للتفكير في بحوث اخرى يمكن ان يحقق فيها على ضوء هذه الرواية الشريفة وغيرها. 

البحث الاخر: إلى الآن فرغنا من الأدلة الدالة على وجوب الاجتهاد والنظر في أصول الدين,وقد ذكرنا مجموعة من الأدلة العقلية ثم النقلية من قرآنية وروائية ومحصل الكلام حتى الآن: ان بعض الأدلة كان تاما على وجوب النظر والاجتهاد في أصول الدين منها الدليل العقلي ومنها بعض الآيات الشريفة وبعض الروايات كما أوضحنا ذلك سابقاً، فلو كنا وهذه الأدلة المطروحة حتى الآن فانها تدل على وجوب الاجتهاد في أصول الدين على الكل وجوبا عينيا حتى لو كان احتمال وصوله إلى الحق ضعيفا لأن المحتمل خطير فهو منجز، وينبغي لأجل الاستقرار على هذا الاستظهار ملاحظة أدلة المانعين، فحتى الان المقتضي تم لكن هل هناك مانع؟ 

ادلة المانعين عن وجوب الاجتهاد في أصول الدين 

ادلة المانعين كثيرة لكن اكثر تلك الادلة ناقشناها في ثناء البحوث الماضية، وبعضها لضعفها الشديد لا حاجة لمناقشتها، لكن بعضها قوي وهو ثلاثة سوف نناقشها لنصل إلى النتيجة النهائية: 

الدليل الاول:ما ذكره صاحب القوانين من العسر والحرج وان الالزام بالنظر على الكل مستلزم للعسر والحرج بل والشديدين في حق البعض. 

الدليل الثاني:ان النبي صلى الله عليه واله والائمة الاطهار لم نجدهم كلفوا شخصا من عامة الناس من النساء والاطفال الذين بلغوا الحلم للتو, بل حتى عامة اهل القرى والاعراب الذين اسلموا، لم يكلفوهم بالبحث والاجتهاد في اصول الدين,هذا هو الدليل الثاني وقد طرح بصيغ عديدة,وهناك دليل ثالث سيأتي لاحقا. 

هل أدلة وجوب المعرفة تشمل القاطع بالعجز والقاطع بالمؤدى؟ 

لكن قبل الدخول في ادلة المانعين ومناقشتها لنرى هل هي تامة او لا؟ نتوقف لذكر مسألة اخرى لمناسبةٍ اقتضت طرحها الان، إذ ان مبحثنا انتهى إلى صور الشك في القدرة، وهناك مسألة مناسبة بشدة لهذه المسألة وهي لو قطع شخص بعدم القدرة أي بالعجز عن المعرفة فهل الاطلاقات يمكن ان تشمله او لا؟ سواء اكان قطعه في علم الله جهلا مركبا ام كان مطابقا للواقع فهل يمكن للاطلاقات ان تشمله؟, ثم ان قلنا بالامكان فهل الاطلاقات بالفعل ناظرة لصورتين: الاولى القاطع بالعجز عن الوصول للمعرفة، فيجب عليه النظر رغم ذلك، أولا، والصورة الثانية هي القاطع بالمؤدى، والفرق بينهما كبير, فان الشخص تارة يكون قاطعاً بانه غير قادر على الوصول للواقع وتارة يكون قاطعاً بالمؤدى وبانه واصل إلى الواقع، وهذا القطع بالمؤدى على قسمين فان كان مطابقا فعلم وان كان غير مطابق فجهل مركب. 

فهاتان المسألتان يجب ان تبحث, فنقول: انه قد يقال في بحث الامكان اولا ثم في بحث الوقوع، انه من الممكن بل هو مقتضى الحكمة ان يكلف المولى بالنظر حتى القاطع بالعجز عن نيل الحقيقة,وان يكلف القاطع بالمؤدى، بقسميه او احدهما، فان ذلك ما فعله الأنبياء فهم عليهم السلام كانوا يكلفون القاطعين ببطلان كلامهم بان انظروا مع ان الكفار غالبا كانوا قاطعين بان هذه الأصنام هي رموز تقربهم إلى الله تعالى (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) ومع ذلك نجد ان الانبياء كلفوهم بالنظر، اذن قد يقال ان الأنبياء على مر التاريخ خاطبوا القاطعين ولم يكن خطابهم للشاكين فقط,وكذلك الحال في القاطع بالعجز فان الخطاب شامل له والدعوة شاملة له، وذلك لبرهان الغرض اولا ثم ننطلق للاطلاقات بقطع النظر عن برهان الغرض,فهل برهان الغرض يفي بالمطلوب؟ مبدئيا قد يقال نعم، وذلك اذا كان المولى العالم بالخفيات والمحيط بالجهات وشؤون المكلفين، عالما بان كثيرا من القاطعين بالعجز أو حتى بعضهم، قادرون وقد توهموا العجز وقطعوا به، وكذلك لو علم المولى المحيط بالحقائق بان الاكثر او الكثير او حتى البعض القاطع بالمؤدَّى هم على جهل مركب، فان مقتضى الحكمة عندئذ ومقتضى الغرض ان يأمرهم بالنظر، وهذا هو مقتضى الحكمة والغرض، لكن ما هو تخريجه اصوليا؟ إذ كيف يمكن تكليف القاطع فان القاطع سوف يرى المولى مناقضا,أو أن تكليفه يكون لغواً وهذا بحث فني وسوف نوضح بإذن الله تعالى وجه المخرج، والكلام كله على الطريقية، دون حاجة إلى اللجوء إلى المصلحة السلوكية ولا اللجوء للموضوعية في النظر هذا ما سنتناوله بالبحث غداً بإذن الله تعالى. 

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=466
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 2 ربيع الأول 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23