• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 074-الاستدلال بعرفية النجاسة وكفاية إزالتها والجواب .

074-الاستدلال بعرفية النجاسة وكفاية إزالتها والجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


ظهور تعبير الأخبار عن النجاسة بالقذارة، في كونها عرفية
سبق: وقال (قدس سره): (ومنها الأخبار المعبِّرة عن النجاسات بالقذارة، التي ظاهرها أنها قذارات عرفية، الموجبة لرفعها برفع أثرها عرفاً ولو بالمضاف ونحوه)[1].
الجواب: أ- المحتملات فيها أربعة:
ولكن قد يناقش ذلك
أولاً: بأن المحتملات في لفظتي الطهارة والنجاسة هي أربعة: أن يراد بهما الطهارة والنجاسة اللغويين أو العرفيين أو الواقعيين أو الشرعيين، ومقتضى القاعدة لدى التعارض، مرجوحية المعنى اللغوي بالنسبة إلى غيره، فهو في آخر القائمة ويتقدم عليه المعنى العرفي إذ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ)[2]، فلو ثبت للفظ معنى عرفي كان هو المرجع لا اللغوي، ولو ثبت له معنى شرعي، أي بنحو الحقيقة الشرعية، كان هو المرجع؛ متقدماً على المعنى العرفي وعلى الواقعي. لحكومة أدلته عليهما إذ يفيد التوسعة والتضييق تنزيلاً[3].
وأما الواقعي، فقد يقال بانه المقدم على اللغوي وعلى العرفي إذ الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، ولكن العرف، مادام هو الملقى إليه الكلام، يكون فهمه هو المرآة للواقع، بوجه آخر: إذا ثبت أن الشارع جعل مدار حكمه الواقع الثبوتي فإن الطريق إلى نيله سيكون هو الفهم العرفي كمرآة له، لا اللغة، وذلك إذا لم تثبت الحقيقة الشرعية وإلا انحصرت المرآتية بها أو كانت هي المدار.
ولو شك، فإن الأصل عدم الحقيقة الشرعية، وأما العرف فهو ببابك، فإن لم يكن فاللغة هي المرجع لكون اللغويين أهل خبرة في الوضع والاستعمال كما هو المنصور لا في الاستعمال فقط كما ذهب إليه جمع، وأما اللغة فتؤخذ من كتبهم، ولكنها كما سبق لا تعارض العرف فمرجعيته اللغة إنما هي إذا لم يكن للعرف معنى آخر، وأما الواقع، فإن الأصل أن يكون هو المدار كما سبق، لكن المرآة إليه العرف العام، لا الخاص، وأما ذهن الفقيه فإنه، غاية الأمر، مرآة للعرف العام وإلا فلا حجية له إلا إذا عاد إلى مستند آخر للحجية[4].
والبرهان الإني يشهد بأن المراد بها الشرعية أو الواقعية
وعليه: فالمدار في لفظي (الطاهر والنجس) هو ما اصطلحه الشارع، لو ثبت، وإلا فالعرف، لكن سيأتي انه مما اصطلحه الشارع، بل حتى بناءً على عدم اصطلاح له فيه، فإنه يكفي استظهار انه جعل الواقع مدار الحكم بهما فينحصر الطريق إلى معرفته، بالبرهان الإنّي، بالفحص في الآثار التي رتّبها على كل منهما والأحكام، فلا يكون العرف هو المرجع – توضيحه: انه سبق أنّ النسبة بين الطهارة العرفية والطهارة الشرعية هي من وجه وكذا النسبة بين النجاسة الشرعية والقذارة العرفية، والعرف لا يدرك وجه اعتبار الشارع أمراً نجساً مما لا يعتبره هو قذراً، كنجاسة الكافر، كما لا يدرك وجه عدم اعتبار الشارع ما اعتبره هو قذراً، نجساً، كبلل الفرج أو المقعد، وعليه: فهما مجهولا الكنه للعرف فلا يصح القول بانها على إطلاقها قذارات عرفية، صغرىً، كما لا يصح القول: بأن ما يرفع القذارة العرفية لدى العرف، كالإزالة، فهو رافع للقذارة الشرعية.
ب- حمل القذارة في الاخبار على النجاسة هو المتعين
ثانياً: ان حمله (قدس سره) النجاسة التي وردت في ألفاظ الشارع، على القذارة، المراد بها العرفية، التي وردت في بعض الأخبار، ليس أولى من العكس، بل نقول العكس أولى لوجهين:
أ- أن لفظ النجاسة والطهارة هما الأكثر تردداً في لسان الروايات من لفظ القذارة والنظافة، بما لا قياس، فلئن وجب حمل أحدهما على الآخر كان الأولى حمل القذارة على النجاسة، أي أن يراد منها النجاسة، لا العكس (أي حمل النجاسة على القذارة) سواء أقلنا بأن الحمل مجازي[5]، أم قلنا بأنه كنائي، وإن كان الأول أوضح. نعم قد يناقش بانه لا دليل على حجية مثل هذا الظن الناشئ من الغلبة إلا لو أفاد الاطمئنان أو شكّل ظهوراً عرفياً.
ب- ان اختلاف الأحكام والآثار الشرعية المترتبة على النجاسة، يكشف عن اختلاف حقيقتها عن القذارة كما سبق هذا.
والمختار: انه لا حقيقة شرعية في الطهارة والنجاسة، بل هما أمران واقعيان كشف عنهما الشارع، لكن هويتهما بكل حدودهما مجهولة للعرف، والفرق انه على الحقيقة الشرعية: هناك جعل وإنشاء ولو بالوضع التعيني، أما على كونهما واقعيين، فالشارع كاشف ومخبر.
فلا يصح أن النجاسة هي العرفية مع إضافة شروط
ومما سبق ظهر انه لا يصح القول: ان النجاسة والطهارة الشرعيين هما العرفيان مع إضافة شروط أو قيود، كتطهير البول بالمرتين وتطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتعفير وشبه ذلك وهو الذي أشار إليه الجواهر بقوله: (نعم يتجه استدلاله إن أراد بالتطهير المعنى اللغوي، وما ورد من الشارع من اشتراط الاستعلاء ونحوه انما هي شرائط خارجية عن المعنى، ويكون المأمور به حينئذ مطلق التنظيف، فما ثبت اشتراطه من دليل كورود الماء على النجاسة ونحوه قلنا به، وإلا فلا)[6] كي يقال انه لم يعلم اشتراط الشارع التطهير بالماء أو بمطلق المضاف فيما عدا البدن والثوب والأواني والفراش والطنفسة، فيكفي فيها الإزالة لكونها كافية عند العرف؛ إذ[7] ظهر انه إنما يصح لو كانا من العام والخاص والأقل والأكثر، لا ما إذا كانا من العامين من وجه.
مزيد إيضاح: ان الطلاق والبيع (وكذا سائر العقود والإيقاعات)، حقائق عرفية وقد تصرف الشارع فيهما بزيادة شروط، ككون الطلاق في طهر لم يواقعها فيه وكحضور شاهدين.. إلخ مما لا يشترطه العرف، وعليه: فكلما ثبت اشتراطه فهو، وإلا فالأصل عدمه والمرجع إطلاق العرف الطلاق عليه، وكذا البيع حيث اشترط الشارع في صحته تارة وفي صدقه أخرى، عدم كونه من الكالي بالكالي، أو الربا المعاملي، أو كون متعلقه حقاً (إذ كان القدماء يقولون بعدم صدق البيع عليه نظراً لأخذ كون المتعلق عيناً في ماهية البيع، لديهم، عكس كثير من المعاصرين) وكذا حال المضاربة والمزارعة.. إلخ التي اشترط الشارع فيها شروطاً.
وعليه: فكل أمر جديد الأصل عدم اشتراطه.
وإنما كان الأمر في العقود والإيقاعات كذلك، لكون حقائقها العرفية هي الشرعية أي لم يتصرف الشارع في حقيقتها، بل إنما اشترط شروطاً، والشرط التزامٌ في التزامٍ وليس داخلاً في حقيقة الشيء، أو اعتبر قيوداً والقيد خارج وإن كان التقييد داخلاً[8] (لكنه داخل في موضوع الحكم لا الماهية).
وذلك على العكس من الطهارة والنجاسة، حيث ان الشارع لم يقتصر على اشتراط شروط، بل ظهر، مما سبق في أوائل البحوث، ان حقيقتها عنده غير حقيقتها عند العرف، والشاهد عليه ان النسبة من وجه، فلا يمكن التمسك بأن العرف يرى الإزالة مطهرة، فالشارع كذلك. فتدبر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق عليه السلام: ((مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَ لِلَّهِ دُعِيَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيماً، فَقِيلَ تَعَلَّمَ لِلَّهِ وَعَمِلَ لِلَّهِ وَعَلَّمَ لِلَّهِ)) الكافي: ج1 ص35
أسئلة:
- استقرأ الاخبار التي وردت فيها ألفاظ القذارة (بمشتقاتها) أو النظافة وقارنها بالاخبار التي وردت فيها ألفاظ النجاسة (بمشتقاتها) والطهارة.
- اكتب بأسلوبك مقالاً موجزاً عن المعاني الشرعية، اللغوية، العرفية الواقعية، لبعض الكلمات الواردة في لسان الشارع واذكر عشرة أمثلة موزعة على الأربعة السابقة.

_________________________

[1] موسوعة الفقه / كتاب الطهارة: ج2 ص49.
[2] سورة إبراهيم: الآية 4.
[3] وذلك بحسب لسانه.
[4] كدعواه بان ما رآه واقعاً وإن لم يره العرف، قد استفاده من مذاق الشارع أو مرتكزات المتشرعة أو مناسبات الحكم والموضوع وشبه ذلك.
[5] بناءً على ان النسبة بينهما من وجه، بل حتى بناءً على أن النسبة العموم المطلق إن أريد الأخص بحده وبشرط لا.
[6] جواهر الكلام: ج1 ص319.
[7] تعليل لـ (لا يصح...).
[8] قيل: تقيَّد جزء وقيد خارج.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4665
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأثنين 4 شعبان 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22