• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 083-محتملات (كل شيء نظيف) ومعروض النجاسة وتحليل حقيقة النجاسة .

083-محتملات (كل شيء نظيف) ومعروض النجاسة وتحليل حقيقة النجاسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


من فقه ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ))
سبق: (لكنّ المنصور انّ الأمر في الرواية ليس دائراً بين شقين واحتمالين ((كونها لبيان الطهارة والنجاسة الواقعيين، أو كونها لبيان الظاهريين، كي تكون إقامة القرينة على إرادة الثاني نافية للأول)) بل هناك شق ثالث هو المستظهر وهو انها تبينهما معاً أي كل شيء نظيف ثبوتاً وإثباتاً، أي واقعاً وظاهراً، ثم جاءت الغاية محددة لأحدهما، ولا يوجد فيها لسان نفي للآخر ولا تحديد لغايته، فيبقى على إطلاقه.
بعبارة أخرى: نتمسك أولاً بظهور ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ))، وأن المراد به: واقعاً وظاهراً نظراً لإطلاقه، ثم نقول: جاءت الغاية محددةً لأمد الحكم الظاهري بـ ((حَتَّى‏ تَعْلَمَ)) أما الحكم الواقعي فأمده محدد بسائر الروايات الدالة على منجسية أعيان النجاسات أي كل شيء نظيف واقعاً حتى يصيبه البول أو الغائط.. إلخ.
فهذا ما نستظهره، لكنّ المشهور على خلافه، وعلى أي فإن المرجع العرف، والذي نستظهره: أن العرف لو عرض عليه الخبر لفهم الأعم، أو على احتمال آخر: انه يفهم النظافة الواقعية وإنها مستمرة في حقك حتى تعلم فإذا علمت فقد قذر أي ظاهراً، وذلك بقرينة ((وَمَا لَمْ تَعْلَمْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ)) الظاهر في انه وإن كان نجساً واقعاً لكنه ليس عليك شيء، ولعل الاحتمال الثاني هو ما يفهمه العرف خاصة مع لحاظ قاعدة أن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، والله العالم، هذا)[1].
نعم، لو كان في الرواية (لك) أي (كل شيء لك نظيف) لَكَانَ استظهار كون المراد الحكم الظاهري قوياً؛ إذ الحكم الواقعي لا يختلف فيه حال مكلف عن مكلف ولذا يطلق فيقال: ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ)) أما الظاهري فيختلف بحسب العلم والجهل فيقال: (كل شيء نظيف لك) نعم، يمكن حمله على القضية الحقيقية وأن (لك) كناية عن المكلف، لكنه بعيد.
ثم انّه بناءً على أن المراد بالحديث الحكم الظاهري فإنه يراد به قاعدة الطهارة، والاستصحاب أيضاً بناءً على أنه حكم ظاهري، لكن المنصور انه حكم واقعي، وإن كون الشيء على حالةٍ مرآةٌ نوعية لبقائه على تلك الحالة، ويدل عليه: انّ عمدة دليل الاستصحاب هو بناء العقلاء، وهم إنما يبنون على بقاء الحالة السابقة نظراً لغلبة بقاء الشيء على ما كان عليه، لا للتعبد.
وأما النصوص فقد يقال: ان الظاهر منها التعليل بأمر ارتكازي أيضاً إذ ورد في صحيحة زرارة قال: ((قُلْتُ: لِمَ ذَلِكَ؟
قَالَ: لِأَنَّكَ كُنْتَ‏ عَلَى‏ يَقِينٍ‏ مِنْ طَهَارَتِكَ ثُمَّ شَكَكْتَ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَداً...
لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّهُ شَيْ‏ءٌ أُوقِعَ عَلَيْكَ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ))[2].
وعن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: ((وَإِذَا لَمْ يَدْرِ فِي ثَلَاثٍ هُوَ أَوْ فِي أَرْبَعٍ وَقَدْ أَحْرَزَ الثَّلَاثَ، قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَلَا شَيْ‏ءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْقُضِ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ، وَلَا يُدْخِلِ الشَّكَّ فِي الْيَقِينِ، وَلَا يَخْلِطْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، وَلَكِنَّهُ يَنْقُضُ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ، وَيُتِمُّ عَلَى الْيَقِينِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِالشَّكِّ فِي حَالٍ مِنَ الْحَالاتِ))[3] فتأمل.
وبوجه آخر: يدور الأمر بين مخالفة ظاهرين: أ- ظهور ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ)) في كونه بياناً للحكم الواقعي، ولذا لو تجرد عن التتمة لما احتمل غيره، ولكون الأسماء أسماء لمسمياتها الثبوتية، ب- وظهور الغاية ((حَتَّى‏ تَعْلَمَ‏...)) في نفي كون المراد بالجملة السابقة عليه وهي ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ‏)) الحكم الواقعي، فلئن سلم وجود ظهور له في النفي، فإنه أضعف من ظهور الجملة السابقة، خاصة وانه يؤكده استبعاد أن يكون ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ‏)) مقيداً بـ (شككت فيه، أي ((كل شيء شككت فيه فهو نظيف))) فظهور ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ‏)) في إرادة الحكم الواقعي أقوى من ظهور الغاية في نفي ذلك. والله العالم.
التحقيق: المدار (شيء لاقاه نجس)
كما سبق: (5- ما ورد فيه لفظ المرق.
عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) سُئِلَ عَنْ قِدْرٍ طُبِخَتْ فَإِذَا فِي الْقِدْرِ فَأْرَةٌ؟ قَالَ: يُهَرَاقُ مَرَقُهَا وَيُغْسَلُ‏ اللَّحْمُ‏ وَيُؤْكَلُ‏))[4].
فالمدار صدق المرق، فإذا تنجس فصعّد وتبخّر فتكثّف فعاد ماءً، فإن صدق عليه المرق فهو نجس وإلا فلا، إذ الموضوع للنجاسة المرق، وأما الجسم والمائع فهما مناط، نعم لاستصحاب الموضوع إن شك فيه، أو الحكم، مجال، على ما سيأتي)[5].
والحاصل: بعد لحاظ الطائفة الثامنة من الروايات وضمها إلى مثل الطائفة الخامسة: ان المرق المتنجس إذا صعّد ثم كثّف وتقطّر، فإن صدق عليه المرق بعد التقطير فإنه هو هو فتشمله الإطلاقات[6]، وإن شك يستصحب موضوعاً أو حكماً كما سبق، لكنّ الأمر ليس مقتصراً على عنوان المرق لكي نحكم بطهارته بعد التبخير (إذا لم يصدق عليه عرفاً عنوان المرق ولم نقل باستصحابه لدى الشك موضوعاً أو حكماً) بل حسب الطائفة الثامنة يكفي صدق عنوان الشيء عليه، فإن المرق المتنجس شيء وهو نظيف واقعاً (على ما استظهرناه من معنى الحديث) حتى تعلم انه قذر فإذا علمنا انه قذر ثم صعّد وبخّر ثم صار ماء فإنه حتى لو انتفى عنه عنوان المرقية (ولم نقل فرضاً بجريان استصحاب النجاسة) فإنه لا شك يصدق عليه انه شيء لاقاه النجس وهو نفس ذلك الشيء عرفاً، إلا على دعوى انه غيره وسيأتي بطلانها. فهو نجس أيضاً. والحاصل: ان إطلاق (شيء لاقاه نجس) محكّم ولا وجه لدعوى الانصراف.
محتملات ما يتكون منه بخار البول
وسبق: (كما سبق تعليقة الآملي على العروة في (مسألة 4: المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد؛ لاستحالته بخاراً ثمّ ماءً) ، قال: (فيه منع، بل الأقوى بقاؤه على النجاسة لبقاء الموضوع حقيقة وعرفا بتبدّله بخارا، فإنّ غاية ما هناك هو تفكّك أجزاء المائيّة، وإن أبيت عن بقاء الموضوع حقيقة فبقاؤه عرفا محلّا لاستصحاب النجاسة. الآملي)[7].
وقال بما يقارنه المحقق الأصفهاني: (وأمّا قيام السيرة على عدم الاجتناب عن الأبخرة المتصاعدة من النجاسات فلعلّه من جهة احتمال تكوّن تلك الأجزاء المائية من الهواء المجاور لها، أو أجزاء مائية مصحوبة للهواء حال البرد؛ إذ ليس كلّ ما هو مصحوب للهواء المجاور للنجاسة من أجزائها المائية)[8].
توضيحه: هنالك احتمالان آخران في بخار البول هما:
1- (أن يكون أجزاء مائية مصحوبة للهواء حال البرد) ومقصوده ظاهراً: كونها رطوبة موجودة في الهواء وانها كانت غير مرئية فلما جاورها البول الخارج بدفق من المجرى ظهرت للباصرة، وبتعبير أدق: أن بعض الغازات الطيارة في البول، كغاز الامونيا، إذا أصابت الرطوبة التي في الهواء، أظهرتها (أو لغير ذلك).
2- (احتمال تكوّن تلك الأجزاء المائية من الهواء المجاور لها) ولعل مقصوده: أن الهواء (المجاور لعمود البول) يتحول بنفسه إلى ماء (بسبب إصابة غاز البول أو حرارته له)[9].
المناقشة: المرجع العلم لا العقل
أقول: هذه المسألة أي تحليل حقيقة بخار البول وشبهه هي من مساحات العلم وليست من مساحة العقل أبداً، وقد ذكرنا في كتاب (مدخل إلى علم العقائد) انّ منافذ المعرفة عشرة، منها العلم ومنها العقل ومنها التجربة ومنها الوحي.. إلخ، وان مساحة العلم ينبغي أن يسأل فيها العلم، لا أن يستنطق العقل المجرد، فإنه كثيراً ما يخطئ المرء إذا أراد بعقله المجرد كشف حقائق الأشياء.. ومن هنا اخطأ كثير من الفلاسفة في كثير من المسائل حيث أرادوا بالعقل المجرد اكتشاف ما لا يعلم إلا بالعلم (أو الوحي) فمثلاً قالوا بأن الكواكب السبعة (أو التسعة) مركوزة في أفلاكها وانها كأقشار البصل ورتّبوا على ذلك استحالة الخرق والالتيام ورتب عليه بعضهم استحالة المعراج الجسماني.. مع ان هذا مما لا يناله العقل، وقد اثبت العلم بداهة بطلانه.
كما ان افلاطون[10] ومن تبعه ذهبوا إلى المثل الافلاطونية وأرباب الأنواع مدعين، بالتأمل وما اسموه التعقل، ان كل دِيكة الأرض تصيح لأن رب نوعها وهو الديك الكلي في السماء يصيح! وهكذا[11].
والأمر في بخار البول ومطلق البخار كذلك فإن المرجع في حقيقته هو العلم دون التدبر العقلي، نعم المرجع في صدقه هو العرف، لأنه موضوع أخذ في لسان الشارع، والموضوعات تؤخذ من العرف إذ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ)[12]، فالمرجع على أية حال ليس التدبر العقلي، وسيأتي غداً بيان قول العلم الحديث في حقيقة البخار وبخار البول وشبهه.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق عليه السلام : ((مَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَيْهِ حَيَّيْنِ وَمَيِّتَيْنِ؟ يُصَلِّيَ عَنْهُمَا وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُمَا وَيَحُجَّ عَنْهُمَا وَيَصُومَ عَنْهُمَا، فَيَكُونُ الَّذِي صَنَعَ لَهُمَا وَلَهُ مِثْلُ ذَلِكَ! فَيَزِيدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبِرِّهِ وَصِلَتِهِ خَيْراً كَثِيراً)) (الكافي: ج2 ص159)
أسئلة:
- ابحث عن منافذ المعرفة والعلم العشرة، بيّن ما هو صحيح وما هو باطل وراجع كتاب (مدخل إلى علم العقائد).
- انتصر لاحدى الاحتمالات الثلاثة في ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ)) وراجع كلمات الأعلام وأيّد أو ناقش.
- تدبر في روايات الاستصحاب وانها تفيد التعبد أو التعليل بامر ارتكازي، والدليل.

______________
[1] الدرس (1102/82).
[2] تهذيب الأحكام: ج1 ص422.
[3] تهذيب الأحكام: ج2 ص186.
[4] الكافي: ج6 ص261.
[5] الدرس (1102/82).
[6] لولا شبهة تخلل المعدوم وسيأتي الجواب عنها.
[7] العروة الوثقى والتعليقات عليها: ج1 ص372-373.
[8] الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني، كتاب الطهارة، دار الكتاب الحكيم للنشر والتوزيع ـ قم: ص123.
[9] من المحتمل أن لا يكون مبناه (قدس سره) ذلك، بل إنما ذكره كاحتمال للسيرة، وعلى أي فالمناقشة مع الاحتمال نفسه، لا انه مَن أحتمل ومَن لم يحتمل.
[10] على ما نسب إليه، إذ يشكك بعض في صحة الترجمة.
[11] قال بعضهم ان بعض الفلاسفة إنما صار إلى ذلك تبريراً لتعدد الآلهة وانه تعبير آخر عنها، وقال بعض في الاتجاه المقابل: ان على ذلك بعض الروايات.. أقول: لو سلم السند فرضاً، وهي مرفوعة، ولو سلمت الدلالة ولم تكن معنى كنائياً (إذ الديكة تصيح في الكرة الأرضية طوال الليل والنهار، لأن كل جزء من الكرة الأرضية هو ليل في ساعة نظراً لحركة الأرض حول نفسها، فهل يصيح ديك رب النوع ليل نهار؟ وظاهر كلامهم انه يصيح مرة أو مراراً بحسب أفقنا، فأين صياح الدِيكة في سائر الآفاق؟، وليس المعتمد هذا الإشكال بل المعتمد هو انه لا طريق لنا إلى معرفة الغيب إلا بالعلم أو الوحي لا بالعقل)، فإن قامت رواية تامة السند والدلالة سلّمنا لكنه لأنه من مصدر الوحي لا لأنّ التدبر العقلي المحض قاد إلى ذلك.
[12] سورة إبراهيم: الآية 4.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4677
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين 18 شعبان 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22