• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 107- أدلة الشيخ على أصالة نجاسة ملاقي النجس، والمناقشات .

107- أدلة الشيخ على أصالة نجاسة ملاقي النجس، والمناقشات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
  
(107)
الاستدلال بـ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}
سبق: كلام الشيخ (قدس سره): (وهو قد يكون واضحاً، وقد يكون خفيّاً على العرف للشكّ في اندراج هذا الفرد تحت المطلق أو المضاف، فيجب حينئذ الرجوع إلى الأصول ومقتضاها انفعاله بالملاقاة ولو كان كثيراً، لأنّ الأصل في ملاقي النجس النجاسة، ولذا استدلّ في الغنية على نجاسة الماء القليل بالملاقاة بقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[1])[2]، و(وليس الكلام الآن في تحقيق ذلك كلّه، بل في أن من استدل بالآية الكريمة على أصالة نجاسة ملاقي النجس بنى على مقدمتين:
أنّ الرُّجز يُراد به القذر، سواء أُريد هو بخصوصه أو بما يعمّه، وأنّ القذر يُراد به الشرعي، أو الواقعي أو العرفي مع البناء على مساواته للشرعي[3]، أو أنه يُراد به الأعم.
وأنّ هجر الرجز = القذر، مطلق، فيشمل هجر ملاقيه، فهذا هو الأصل، وقد خرج منه الكرُّ المطلق حتماً، فيبقى الكرُّ المشكوك إطلاقه وإضافته)[4].
 
المناقشة
ولكن يُردُّ عليه: إنَّ هجر الشيء لا يَصدُق على هجر مُلاقِيه، إلّا بتقديرٍ هو خلاف الأصل، أو بدعوى كونه كنايةً عنه، وفيه: إنَّه عُرفاً ليس كذلك؛ فإنَّ هجر القذر بأن لا يأكله مثلاً، أو لا يستعمله في الصلاة، أو لا يكون على بدنه أو ملابسه فيها أو في الطواف مثلاً، أمّا هجر مُلاقِيه، فليس مفهوماً منه، كما لا يُستفاد عُرفاً من قولك: (اهجر زيداً) أن تهجر أصحابه وأقرانه! وكما لا يُستفاد عُرفاً من (اهجر الكلب) (كلب الحائط، الـبُستان، أو الماشية أو الصيد أو حتى كلب الهراش) اهجر صاحبه الذي لاقاه، أو الحائط الذي مسَّه[5].
نعم، لو صدق على ملاقي القذر أنه رجز صح الاستدلال، لكنه لا إطلاق له عقلاً ولا عرفاً. 
 
الاستدلال بالارتكاز وبالرواية
وقال الشيخ: (لأنّ[6] المركوز في أذهان المتشرّعة اقتضاء النجاسة في ذاتها للسراية، كما يظهر بتتبّع الأخبار، مثل قوله (عليه السلام) في الرّد على من قال: لا أدع طعامي من أجل فأرة ماتت فيه: «وَإِنَّمَا اسْتَخْفَفْتَ‏ بِدِينِكَ‏، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ»[7] فإنّ أكل الطعام المذكور لا يكون استخفافاً بحكم الشارع بحرمة الميتة - يعنى نجاستها - إلّا من جهة ما هو المركوز في الأذهان من استلزام نجاسة الشيء لنجاسة ما يلاقيه)[8]، و(وحيث أنّ من الواضح أن الارتكاز لُبِّي، يُقتصر فيه على القدر المتيقَّن، فلا يُعلم شموله للمقام، لذلك أرجعه الشيخ إلى الأخبار، أي إنه استفاد القاعدة من الأخبار، والارتكاز إنما أعان على فهم بعض المقدِّمات المطويّة، فإنّ المرتكز هو الذي أوضح المراد من الرواية، كما قال: (فإنّ أكل الطعام المذكور لا يكون استخفافاً بحكم الشارع بحرمة الميتة - يعنى نجاستها - إلّا من جهة ما هو المركوز في الأذهان من استلزام نجاسة الشيء لنجاسة ما يلاقيه).
 
والحاصل: أنّ الكلام عن النجاسة، أي عن جواز أكل الطعام من جهة تنجسه بالفأرة، والإمام (عليه السلام) أجاب بقاعدة عامَّة عن الحرمة: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ»، فوجه الربط هو أن الميتة لما كانت محرَّمة كانت نجسة، فذلك مبنى كلامه (عليه السلام)، وحيث كانت نجسة نجَّست كل ما يُلاقيها، فهذا ما يفهمه المتشرِّعة بارتكازهم، فأنتج ذلك لزوم تجنُّب ما وقعت فيه الفأرة الميتة لنجاسته، فهي قاعدة عامَّة إذاً تفيد أنّ الأصل في النجس منجِّسيته لغيره بالملاقاة)[9].
 
المناقشة
ولكن يُردُّ عليه: إنَّه إنْ كان الاستدلال بالارتكاز، وَرَدَ عليه ما سبق من أنَّه لُبِّيٌّ، فلا يُعلَم شمولُه لمورد البحث والشك، ولذا اختلف فيه الفقهاء، بل ذهب المشهور جداً، بين المعلِّقين على العروة، إلى خِلافِ ما استظهَرَه الشيخُ في المقام.
وإن كان الاستدلال بالرواية، وتمامُها «أَتَاهُ (علي ه السلام) رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: وَقَعَتْ‏ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ، فِيهَا سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ، فَمَا تَرَى فِي أَكْلِهِ؟
قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): لَا تَأْكُلْهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الْفَأْرَةُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَتْرُكَ طَعَامِي مِنْ أَجْلِهَا!
قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِنَّكَ لَمْ تَسْتَخِفَّ بِالْفَأْرَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَخْفَفْتَ بِدِينِكَ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ»[10].
 
فيرد عليه أمران:
الرواية خاصة بالميتة
أولاً: الرواية خاصّة بالميتة، فتسرية الحكم إلى سائر النجاسات، كالكلب والخنزير والغائط والبول والدم، تنقيح مناط.
والتمسك بها تمسك بالعام في الشبهة المصداقية
 
ثانياً: بل الاستدلال بها غير تام، حتى في الميتة (ولا في غيرها إن عمّمناها للغير، بوجهٍ)، وذلك لأن الماء الكرّ الملاقي للنجس (ميتةً أو غيرها) ثبوتاً، نوعان:
الأوّل: المعتصم، وهو الكرّ المطلق.
الثاني: غير المعتصم، وهو الكرّ المضاف.
والكرّ المطلق معتصمٌ قطعاً، والكرّ المضاف غير معتصمٍ قطعاً، فيدور أمر الكرّ المجهول حاله، أنّه مطلق أو مضاف، بين كونه معتصماً (إن كان مطلقاً) أو غير معتصم ومتنجّساً بالملاقاة (إن كان مضافاً)، فلا يُعلَم حاله، فهو مجرى قاعدة الطهارة «كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ حَتَّى تَعْلَمَ‏ أَنَّهُ‏ قَذِرٌ»[11]، ولا يصح التمسك بإطلاق (كل ملاقي الميتة، أو مطلق النجس، متنجس) المستفاد فرضاً من هذه الرواية ونظائرها؛ إذ إنّنا بعد ضميمة «إِذَا بَلَغَ‏ الْمَاءُ كُرّاً لَا يُنَجِّسُهُ شَيْ‏ءٌ»[12] إلى (كلّ نجس، أو كلّ ميّتة، منجّس) يحصل لنا علمٌ بتصنيف المياه شرعاً إلى قسمين ثبوتاً: (الماء الكرّ المطلق الملاقي للنجس، طاهر)، و(الماء الكرّ المضاف الملاقي للنجس، نجس)، فلا يصحّ التمسّك بـ(الملاقي للنجس نجس) بعد العلم بتخصيصه قطعاً إلّا بعد إحراز أنّه من الصنف الثاني، وأمّا صورة الشكّ فلا يشملها إذ يدور أمر الكرّ المجهول الحال بين كونه مطلقاً أو مضافاً وتنجّسه بملاقاة النجاسة وعدمه، ولا يصحّ التمسّك بالعام (منجّسيّة كلّ ملاقي للنجس إذا لاقى غير الكرّ المطلق) في الشبهة المصداقيّة. (وذلك إذا كان الخاص متصلاً، أو كان منفصلاً مُعنوِناً، وأما إذا كان منفصلاً غير مُعنوِن فالمختار صحة التمسك بالعام، كما سيأتي).
 
كلام الإمام (علية السلام)  مبني على مقدمتين مطويتين
تنبيه: المستظهر عدم تمامية قوله (قدس سره) (فإنّ أكل الطعام المذكور لا يكون استخفافاً بحكم الشارع بحرمة الميتة - يعني نجاستها - إلّا من جهة ما هو المركوز)، وذلك لأن (أكل الطهارة...) يكون استخفافاً لوجه آخر أسبق وأهم وهو غير متوقف على وجود الارتكاز، وهو دلالة الاقتضاء التي تعني: دلالة الكلام على ما توقّف عليه صحة الكلام أو صدقه، نظير {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[13] إذ لا بد من تقدير أهل القرية كي يصح الكلام[14]، وفي المقام: لو قصرنا النظر على الرواية ولم نلاحظ وجود الارتكاز وعدمه بل حتى لو أنكرناه، فإننا نفهم المقدمتين المطويتين (أنّ الميتة نجسة، وكل نجس منجس) منها وذلك لوضوح أن قوله (عليه السلام) «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ» بمنزلة التعليل لقوله السابق «لَا تَأْكُلْهُ» إذ جعلها (عليه السلام) كبرى كلية والمقام صغراها، ولا يصحّ هذا التعليل بوجهٍ إلا مع بنائه (عليه السلام) على المقدمتين، وإلا لما كان ربط بين ما سبق من كلامه وبين قوله «وَإِنَّمَا اسْتَخْفَفْتَ بِدِينِكَ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ»، فيكون الاستدلال أو التعليل أو جعله كبرى حينئذٍ لغواً، وهو محال وقوعي منه (عليه السلام) أو يكون تعبّداً محضاً وهو بعيد جداً عن الأنظار العرفية والدقية أيضاً فتدبر.
ثم استدل (قدس سره) بالدليل الثالث المبتني على قاعدة المقتضي والمانع، وسيأتي بإذن الله تعالى مع الكلام حوله.
                   
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): «يَا سَلْمَانُ عَلَيْكَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ وَسِتْرٌ مِنَ النَّارِ وَأَمَانٌ مِنَ الْعَذَابِ، وَيُكْتَبُ لِمَنْ يَقْرَأُ بِكُلِّ آيَةٍ ثَوَابُ مِائَةِ شَهِيدٍ، وَيُعْطَى بِكُلِّ سُورَةٍ ثَوَابَ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَتَنْزِلُ عَلَى صَاحِبِهِ الرَّحْمَةُ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَاشْتَاقَتْ إِلَيْهِ الْجَنَّةُ وَرَضِيَ عَنْهُ الْمَوْلَى‏»
مستدرك الوسائل: ج4 ص257.
 
  وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 

 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4706
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 12 ذو القعدة 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 14