• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 214- الوجه الثالث : انبعاثه عن الامر بالمعرفة لاعتقاده المصلحة السلوكية الوجه الرابع : انبعاثة عن اوامر المعرفة بضميمة الوجه السادس : (الامر) لا لكي ينبعث عنه ، بل لالزامه قسراً .

214- الوجه الثالث : انبعاثه عن الامر بالمعرفة لاعتقاده المصلحة السلوكية الوجه الرابع : انبعاثة عن اوامر المعرفة بضميمة الوجه السادس : (الامر) لا لكي ينبعث عنه ، بل لالزامه قسراً

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
ملخص ما تقدم 
كان البحث حول الوجوه المتصورة لدفع توهم اللغوية من تكليف القاطع بالعجز والقاطع بالخلاف، وذكرنا وجوها عشرة للكبرى الكلية، ثم انتقلنا إلى تصوير ذلك في مسألتنا وانه هل يصح تكليف القاطع بالعجز عن المعرفة في اصول الدين؟ او القاطع بالمؤدى بنحو الجهل المركب؟ وذكرنا ان تسعة ثمار يمكن ان تطبق في المقام وأوضحنا الثمرة الاولى والثانية اي الوجهين الاولين، ومبحث اليوم يدور حول الوجهين الثالث والرابع والسادس ونترك الباقي لتدبركم. 
3.انبعاثه عن الامر للمصلحة السلوكية لا لجهة الطريقية 
الوجه الثالث لاندفاع اللغوية من الامر الموجه للقاطع بالخلاف:هو انه يكفي لاندفاع اللغوية انبعاثه عن الامر لمصلحة سلوكية لا لجهة الطريقية. 
ولا يخفى ان المصلحة السلوكية مما طرحها الشيخ الانصاري ( قدس سره) في حل معضلة الطرق والامارات المخالفة للواقع، نظراً لأن الاشكال الرئيسي عليها هو انه كيف يمكن للشارع ان يأمر باتباعها مطلقا مع إن الأمارات في الموضوعات، والطرق والأدلة في الاحكام، قد تكون مخطئة، فاجاب بالتعويض بالمصلحة السلوكية وان في سلوك الطريق مصلحة تعوّض عن مفسدة فوت الواقع. لكن لا يخفى عدم انحصار التفصي عن المعضلة بهذا الجواب، كما انها في كثير من الامور لا دليل عليها اثباتا وان كانت ممكنة ثبوتا، لكن المصلحة السلوكية في مبحثنا هي المتحتمة ولا مناص من الذهاب اليها وذلك على حسب الرأي المشهور شهرة عظيمة بل على ما ادعاه العلامة الحلي في شرح الباب الحادي عشر من شرح مختصر المصباح ان الاجماع عليه، وان كان هذا الادعاء مثلوما لكنه يكشف عن شهرة عظيمة لا شك فيها، هذه الشهرة العظيمة لا تفسير ولا وجه لها الا المصلحة السلوكية كما سنوضح، اذن لنا برهان قوي على المصلحة السلوكية بناءا على رأي المشهور، توضيح ذلك: 
ان الشارع له ان يأمر القاطع بالوفاق والقاطع بالخلاف كليهما (لكن الامر بنحو القضية الحقيقية فينطبق قهرا على كليهما إذ انه عند التحليل فان المولى المحيط يعرف ان هذا قاطع بالوفاق وذاك قاطع بالخلاف فينشئ الحكم على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية؛ اذ كل من الفريقين يعتقد انه قاطع بالمؤدى الثبوتي اي بالوفاق ولا يعتقد بان قطعه مخالف للواقع والا لما كان قاطعا، نعم يمكن تصوير القضية الخارجية، بما سبق من خطابه بعنوان ملازم أو شبهه، بل حتى بعنوانه الثبوتي المنطبق عليه وان انكره، كما سيأتي). 
فنقول: حسب رأي المشهور فان الشارع قد فعل ذلك، وذلك لانهم ذهبوا إلى ان التقليد في اصول الدين باطل اي غير مجزئ، وقد ارتأوا ان المقلد في اصول الدين حتى لو قطع فأن قطعه غير نافع وانما عليه ان ينظر ويجتهد فيصل إلى الحقيقة والى المؤديات عن النظر والاجتهاد، رأي المشهور هذا لا تفسير له الا الوجه الثالث الذي به ترتفع اللغوية اذ كيف نوجه الخطاب للقاطع وان كان مقلداً بان اجتهد لتحصل على الحقيقة او المعرفة، إذ له ان يقول حينئذٍ بانه قد وصل اليها وهذا طلبُ محالٍ لانه طلب تحصيل الحاصل، وهو لغو في احسن الفروض، اي اجتهد لماذا؟ ألأجل الوصول فانني قد وصلت؟، فاذا لاحظنا الامر بلحاظ الطريقية فهو لغو، لانه لا يمكن تكليف القاطع – مقلداً كان أم مجتهداً - بنحو الطريقية للزوم اما طلب الحاصل او اللغوية، اما إذا فسرناه بالمصلحة السلوكية فان الامر يكون كافيا للباعثية. 
والحاصل: ان لنا ان نسأل المشهور بل ما ادعي عليه الإجماع: لم تأمرون، وتقولون ان الادلة وافية، بلزوم الاجتهاد في اصول الدين حتى على القاطع البسيط؟ لا تفسير لذلك الا على القول بالمصلحة السلوكية. 
واما تصوير المصلحة السلوكية في المقام فيكون باحدى وجوه اربع: 
تصوير المصلحة السلوكية بوجوه اربع 
أ- المصلحة السلوكية في (النظر) تعبدا 
الوجه الاول:هو التعبد ، لصِرف ان الشارع قد طلب منا ذلك فقال (انظروا) سواءا كنتم قاطعين او لا؟ كما في قضية الدية إذ في الاصبع الثاني عشرون وفي الاصبع الثالث ثلاثون وفي الرابع تعود الدية إلى عشرين، والتعبد يبتني في المقام على الغاء الجنبة الطريقية والامتثال هو لصِرف اننا عبيد مربوبون امرنا المولى وذلك نظير مثل الامر الامتحاني، اذن هذا هو الوجه الاول وان الله تعبدنا وليس في القضية طريقية وانما لمجرد ان نكون في مقام العبودية لله . 
ب - المصلحة السلوكية في النظر لأجل ان لا يتزلزل قطعك 
الوجه الثاني وقد اشار إليه بعضهم في مطاوي كلامه: ان يقال له يجب عليك ايها المقلد القاطع ان تجتهد في اصول الدين كي لا يتزلزل قطعك باثارة الشبهات، وهذه هي المصلحة السلوكية: اجتهد لأجل ان لا يتزلزل قطعك، فيكون: اجتهد (انظروا) كافياً في المحركية، ولم يكن الأمر لطريقية هذا الامر لإيصال المكلف للواقع كي يقال انه لغو، لانه قاطع بانه واصل بل لهذه المصلحة السلوكية في امتثال هذا الامر. 
ج - المصلحة السلوكية في البحث عن ادلة جديدة لرد المخالف 
الوجه الثالث للمصلحة السلوكية المتصورة:هو ان يقال للقاطع انظر واجتهد لا لأنك مخطئ في ان لله شريكا مثلا إذ الفرض ان هذا لا يكون باعثاً له – مع قطع النظر عن سائر أجوبتنا -، لكن لنا ان نأمره مستندين لحكم العقل معللين بالمصلحة السلوكية للموافق والمخالف بان نقول له: انظر لأن النظر يوفّر لك المقدرة على الاجابة على مختلف ما يثار من الشبهات فإذا سلك مسلك النظر، فكثيراً ما ينكشف له بطلان ما قطع به وهو المطلوب، وهذا في المخالفين كثير الدوران، وكتجربة شخصية لاحظت أساتذة وعلماء من اليمن إلى كندا كان طريق اهتدائهم هو هذا، فمثلاً عدد منهم كان قاطعاً ببطلان مذهب اهل البيت عليهم السلام فقيل له ابحث كي تحصل على ادلة جديدة للجواب عن شبهات أولئك المبتدعين – أو من تسميهم أنت مبتدعين -، فانبعث عن الامر العقلي او امر المتكلم او طلبه على ما عمّما سابقا من بحث الطلب والامر، فانبعث للنظر والاجتهاد لا بداعي الطريقية بل بداعي المصلحة السلوكية – المتخالفة في نظر الطرفين أو المتوافقة، وكلاهما مما قد حدث - فبدأ يحقق في كتب الشيعة ليحصل على ادلة ليردهم فكان ذلك طريق هدايته للتشيع. 
اذن المصلحة السلوكية ليست أمراً خيالياً ندعيه توضيحا وتنقيحا لكلام المشهور؛ وانما هو امر واقع وكثيرا ما يقع. 
هذا بالنسبة للمخالف وكذلك للموافق فانه رغم قوله انا واصل للحق وقطعه بذلك يقال له ابحث لكي تتسلح بادلة جديدة اذا سافرت مثلاً إلى الغرب او دخلت الجامعات كي لا تصطدم بشبهات لا تستطيع ان تجيب عليها، هذا الوجه الثالث للمصلحة السلوكية وهو كثير الدوران. والحاصل: ان المصلحة السلوكية ههنا هي لحفظ النفس أو لتقوية المعتقَد وعَضْدِه عكس الوجه الآتي فانه لدعوة الغير أو حفظه. 
د- المصلحة السلوكية في (النظر) لاقناع الاخرين بما قطعت به 
الوجه الرابع: ان يقال له لكي تستطيع ان تقنع وتدعو الاخرين الى ما عرفته وقطعت به والى دينك ومذهبك فانك اذا بقيت على تقليدك الصرف وان كنت واصلا لكنك لا تستطيع حينها ان تقنع أبناءك مع ان الاجواء منفتحة والتحديات كبيرة والمعترك الفكري على اشده، اذن اجتهد لتحفظهم وتصونهم، وهذه مصلحة سلوكية في مقابل طريقية هذا الامر للايصال للواقع، هذه وجوه اربعة للقول بالمصلحة السلوكية كثمرة ثالثة لصحة امر القاطع بالخلاف . 
وبكلمة: فان الوجه الثالث في المعارف وجه مبتلى به بكثرة وذا ثمرة عملية كبيرة، اضافة إلى انه وجه يصحح قول المشهور ولا وجه لتصحيح قولهم بإيجاب النظر على المقلد القاطع المصيب الا هذا، ولا نقول ان هذه الثمرة مطلقة فان بعض الناس قد يستجيب والبعض قد لا يستجيب إذ تكفينا الموجبة الجزئية نقيضا للسالبة الكلية وهي انه لا يعقل تكليف القاطع بالخلاف اذ لا يمكن انبعاثه، ونحن اجبنا انه يمكن انبعاثه عن نفس هذا الطلب لكن بتعليل اخر لا بتعليل الطريقية بل بالمصلحة السلوكية، وهذا باب مهم تفتح منه أبواب عديدة للهداية والإرشاد فليتدبر. 
4- الامر مؤثر مع ضميمة 
الثمرة الرابعة: يمكن اندفاع اللغوية في خصوص بحث المعرفة بان نقول ان هذا الامر او الطلب الشرعي او العقلي مؤثر في انبعاث القاطع لكن مع ضميمة، وبتعبير آخر: هذا الامر يوجِد الداعي في المكلف لكي ينبعث او النهي يوجد الداعي لكي ينزجر لكن مع ضميمة، فكان الامر جزء العلة وقد اوضحنا تفصيله سابقا لكن تطبيقه على المقام حتى نرى الثمرة العملية وان الواقع الخارجي يؤيد ذلك، فان الوقوع ادل دليل على الصدق والامكان، ومثاله الواضح ما نجده في صدر الاسلام وما نجده الان ايضا ففي صدر الاسلام، الكثير من الناس اسلموا وتركوا عبادة الاصنام وحطموها وكان بعضهم أو الكثير منهم قاطعين بالخلاف وان هذا الصنم هو الاله، لكنهم كسروا تلك الاصنام وتشهدوا الشهادتين لا للامر وحده ولا للطلب وحده وانما بضميمة الطمع بالاموال والطمع في الرئاسة والطمع في النفوذ والقوة، فان الإسلام كان ديناً فاتحاً وكثير من الناس يرضخون له 
والجامع ان المسلمين كانوا أصنافاً ثلاثة: إذ الكثير منهم اسلم عن عقيدة واقتناع وقسم منهم اسلم لأجل المال والمصالح، والقسم الثالث منهم كان مزيجاً من الامرين إذ رأى ادلة وشواهد للدعوى ورأى ايضا الدنيا موجودة فاسلم منبعثاً عن المجموع، وأما الآن فالامر بالعكس فان كثيراً ممن ارتدوا لم يرتدوا عن حقيقةِ اقتناعٍ وانما كان الداعي لهم مزيجاً من الامرين: الامر او الطلب أو الاعلام من جهة والمصلحة المتوهمة المادية التي ضمت إلى ذلك الامر والطلب وتلك الدعوات الإلحادية من جهة أخرى بحيث لو جرد هذا عن ذاك لما انقاد. 
ولنمثل بمثال خارجي، الكل يعيشه، وهو مثال من الجوارح والمثال المتقدم كان من الجوانح وهو انبعاث الكثير منا عن مزيج من الامر والثواب، فقد ننبعث عن الامر احيانا وحده وما اقل ذلك (وجدتك اهل للعبادة فعبدتك) ولكن الواقع الخارجي نرى في الأكثر عكس ذلك وانه لو كان ثواب بلا امر لما انبعث كثير منا، كصلاة الليل مثلاً فان ثوابها عظيم لكن حيث لا امر بالوجوب فان الكثير لا يصليها، اذن ثواب بلا امر فلا انبعاث، وبالعكس إذ لو كان هناك امر او نهي لكن لو لم يضم اليه ثواب او عقاب – واقعاً أو لحاظاً - لما انبعث فان كثيراً من الناس لا ينبعث لمجرد الامر، الا ان الامر بضميمة الثواب او العقاب يكون باعثاً له، اذن الامر بضميمة العقاب بعث العبد والكثير منا كذلك، وهذا في الجوارح واضح وبين وذاك المثال في الجوانح في صدر الإسلام، ولعله لمدة مائتين او ثلاث مائة سنة كان الأمر كذلك والآن في الاتجاه المعاكس نجده واضحا، هذه هي الثمرة الرابعة وتطبيقها على المقام وهي الانبعاث عن الامرِ بضميمةٍ. 
6- إلزام العبد بالأمر قسرا 
الثمرة السادسة: ونتمسك فيها بمسألة اجماعية، وهي ان يكون الامر بداعي إلزامه قسرا وان لم يوجد فيه الداعي، مثاله المرتد الملي والمرتد الفطري فحكم المرتد الملي هو ان يستتاب وان كان قاطعا بالخلاف والا قتل، اما المرتد الفطري فالمشهور الذي كاد ان يكون اجماعا انه لا يستتاب بل يقتل لكن البعض خالف المشهور في هذا، فمن قدامى القدماء: ابن الجنيد ومن القدماء الشهيد الثاني ومن المتأخرين السيد الوالد، فذهبوا إلى ان المرتد الفطري كالملي يستتاب، لكن نبقى على رأي المشهور فان المرتد الملي قاطع بالخلاف لكن يقال له نلزمك بان تؤمن بالله تعالى والا نقتلك، فهذا الرأي المشهور كيف يمكن تفسيره؟ إذ كيف يوجه الأمر للمرتد حتى وان كان قاطعاً بباطله، بان يتوب ويرجع مسلماً مع انه قد قطع انه لا اله؟ ولكن مع ذلك نقول له يجب عليك ان تؤمن بالاله وان لم تؤمن نقتلك؟ لا يمكن تفسير ذلك الا بالوجه السادس وان نقول ان الامر ليس كما ادعاه المشهور من ان الامر إنما هو بداعي ايجاد الداعي في نفس المكلف للانبعاث وانما قد يكون الامر بداعي الزامه قسرا وان لم يوجِد فيه الداعي لكونه قاطعاً بالخلاف فتأمل وهذه الثمرة لها تتمة فتدبروا فيها جيداً فان المبنى الفقهي في هذه المسألة الشرعي يناقض كلامهم الاصولي هنالك ولا مناص إلا من العود إلى توجيهنا السادس، وللحديث صلة. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=474
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 16 ربيع الأول 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23