• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 231- ـ رواية اخرى في مناظرة تلامذة الامام الصادق (عليه السلام) مع الشامي وتقييم الامام لهم وكلامه كقضية خارجية ـ تلخيص واضافة وتفصيل للبحوث الماضية وثمراته : الثمرة الاولى: وجوب بيان كلتا القضيتين الحقيقة والخارجية كفائياً ووجوب السؤال الثمرة الثانية : (الحقيقية ) مقامها التعميم و (الخارجية ) مقامها الفتوى والحكم .

231- ـ رواية اخرى في مناظرة تلامذة الامام الصادق (عليه السلام) مع الشامي وتقييم الامام لهم وكلامه كقضية خارجية ـ تلخيص واضافة وتفصيل للبحوث الماضية وثمراته : الثمرة الاولى: وجوب بيان كلتا القضيتين الحقيقة والخارجية كفائياً ووجوب السؤال الثمرة الثانية : (الحقيقية ) مقامها التعميم و (الخارجية ) مقامها الفتوى والحكم

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
ملخص ما تقدم 
كان البحث حول القضايا الحقيقية والخارجية وان وظيفة الفقيه وعامة المكلفين ايضا هو التصدي للقضايا الخارجية، لكن مع تفصيل سيأتي ان شاء الله، وانتهينا إلى ذكر روايتين وختمنا البحث الماضي بأحداهما. 
الإمام (عليه السلام) يقيِّم كلام تلامذته بنحو القضية الخارجية 
الرواية الثانية: وهي رواية مطولة ولكن نقتصر على ذكر محل الشاهد منها وهي مذكورة في مصادر عديدة منها البحار[1] واجمال مطلع الرواية ان الامام الصادق (عليه السلام) كان جالسا في الخيمة في طرف جبل في طريق الحرم وحوله جماعة من تلامذته منهم حمران بن اعين وقيس الماصر وآخرين فجاء رجل شامي وقال: "اني صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك" فبدءه الإمام (عليه السلام) بحجة أفحمته، ثم التفت لتلامذته وقال لحمران كلّم الرجل، وبعد أن اكمل نقاشه مع حمران وغلبه حمران ، حوّلَه على الثاني محمد بن نعمان الطاقي فناقشه فافحمه كالأول ثم حوله على الثالث (هشام بن سالم) ثم الرابع قيس الماصر) وكلهم أفحموه ثم حوله على هشام بن الحكم وقال الإمام للشامي (كلّم هذا الغلام) – وكان هشام أول ما اختطت لحيته - فكان اقواهم في اقناعه فاهتدى الشامي. 
والشاهد في آخر الرواية فبعد ان ارجع الامام الشامي إلى آحادهم بدأ الامام بنحو القضية الخارجية بتقييم أداء هؤلاء التلاميذ[2] تقييما علميا موجزا اشد الايجاز لكنه دقيق اشد الدقة، ومن أظهر مصاديق فصل الخطاب هو هذه الكلمات: معاني كثيرة في كلمات قليلة (أوتينا الحكمة وفصل الخطاب) فقيّم مناظرة تلامذته ع في نقاشهم مع الشامي وبدأ بهم واحدا واحدا وانتهى بهشام بن الحكم ومعه شاهدنا في المقام كما سيأتي، فقال (عليه السلام): (يا حمران[3] تجري الكلام على الاثر فتصيب) تقييما لكلامه في المناظرة. 
محتملات معنى (تجري الكلام على الأثر) 
وهناك احتمالات عديدة في مقصود ألامام ع من هذا الكلام (تجري الكلام على الأثر فتصيب) 
الاحتمال الاول: ان يكون المراد من كلامه ان التسلسل المنطقي العام لكلامك من أول المناظرة إلى وسطها ألى اخرها هو تسلسل منطقي متقن محكم، توضيح ذلك: أنه إذا لم يكن المتكلم مسيطراً على مادة البحث جيداً وغير مستوعب للاطراف وغير مستحضر لها، فانه كثيراً ما حتى إذا كان قويا في الجدل قد يقول في آخر كلامه ما ينقض به كلامه الأول ولعله في وسط الكلام يجيب الخصم بشيء ما على شبهة ما فيفحمه؛ لكن يوجد بين كلاميه ألاول وألاخير أو الأول والأوسط أو الأوسط والأخير، تهافت، وهذا كثيرا ما يحدث لمن لم يكن مسيطراً على المادة جيدا حيث تجد لدى الدقة ان كلماته في طوال ساعة أو ساعتين من البحث تنقض أخرياتها أولياتها وأن كانت كلها مرحليا تفحم الطرف، فالإمام (عليه السلام) على هذا الاحتمال يقول لحمران انك تجري الكلام على الاثر اي تجري كلامك اللاحق على اثر كلامك السابق فتصيب، فكلامك السابق قد انتج أثراً وكلامك اللاحق يبني على تلك النتيجة ولا ينقضها. 
الاحتمال الثاني: في قوله (عليه السلام) (تجري الكلام على الاثر) ليس هو: على أثر كلامك السابق بما يضمن التسلسل المنطقي العام لكلامك انت كما هو الاحتمال السابق، وانما: تجري الكلام على أثر كلام الخصم، اي تقتنص منه نتائج كلامه وتبني عليها ما تردّ به عليه، فتصيب في افحامه وقطع حجته، وهذا الاحتمال ايضا وارد، ولعل على هذا الاحتمال يكون المعنى ان إشكالك البنائي قوي، إذ هناك اشكال مبنائي واشكال بنائي، فانت يا حمران تبني على كلامه فترده بكلماته وبسلاحه نفسه. 
الاحتمال الثالث: أن لا يكون المراد من ألاثر ما ذكر (من الاستدلال العقلي والمنطقي)؛ وأنما المراد من الأثر هو الخبر؛ اي ألاثر الوارد عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كلام الامام (عليه السلام) على هذا الاحتمال يعني ان الادلة العقلية التي تسوقها يا حمران مطابقة للأدلة النقلية نتيجة فتجري الكلام على طبق ألاثر أي ادلتك العقلية موافقة للادلة النقلية بكلا شقيها؛ اي سواء أكان النقل مؤسِّسا، كما في غير المستقلات العقلية، أم كان مؤكدا مؤيدا كما في المستقلات العقلية فالإمام (عليه السلام) يقول – على هذا الاحتمال -: على كلا التقديرين انك تجري الكلام على ألأثر اي على طبق ألاثر والاخبار الواردة الادلة العقلية التي تسوقها تطابق الادلة النقلية اما تأييدا أو تأسيسا، وهذه احتمالات ثلاثة على تقييم الامام (عليه السلام) لطريقة ومحتوى أستدلال حمران بنحو القضية الخارجية، وهذه الاحتمالات موجزها اشار اليها العلامة المجلسي في البحار فاضفنا اليها ما يوضحها ويبرهنها إلى حد ما. 
تفسير سائر كلمات الإمام (عليه السلام) 
ثم التفت الإمام (عليه السلام) إلى هشام بن سالم فقال له (تريد الأثر ولا تعرف) والمحتمل في هذا الكلام انك تريد ان تمسك بخناق الطرف الاخر من اثر كلامه اي من نتيجة كلامه لكي تلزمه فلا تستطيع، اي تقول له ان التالي الفاسد لكلامك فهو كذا فمقدمك باطل، وهذا بناءا على الاحتمال الثاني والاحتمالات الاخرى ايضا جارية فتدبر، واجمال الكلام على الاحتمال الثاني انه قال له تريد الاثر ولا تعرف اي لا تعرف كيف تقتنصه بالاستناد إلى نتائج كلامه فتلزمه بالنتائج وانها تناقض المقدمات. 
ثم ألتفت إلى أبي جعفر الاحول فقال له )قيّاس رواغ تكسر باطلا بباطل الا ان باطلك أظهر) ولعل معنى كلامه (عليه السلام) (قيّاس) اي انك تقيس، والقياس باطل، لكنك تلزمه بما الزم به نفسه، فبالقياس يفحمه الزاما له[4] (رواغ) اي كل ما يحصرك الخصم في زاوية فانك تروغ وتفر من الزامه اياك (تكسر باطلا بباطل) لعل كلام الامام (عليه السلام) اشارة إلى الاجوبة النقضية[5] التي كان يستخدمها الاحول، وان هذه الاجوبة النقضية كسرت كلام الشامي؛ الا ان الجواب النقضي كان باطلا في حد ذاته، لأن الجواب النقضي تارة يكون صحيحا وتارة يكون باطلا، فالاحول كان يكسر باطلا بباطل (ألا ان باطلك أظهر) اي اجوبتك النقضية أظهر من أجوبته. 
ثم التفت إلى قيس الماصر وقال (تتكلم وأقرب ما تكون من الخبر عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) أبعد ما تكون منه) وهذه الجملة فيها محتملات: ومن الاحتمالات ان الادلة العقلية التي كان يسوقها قيس الماصر وان كانت تقطع حجة الطرف الاخر الا انها لم تكن متطابقة مع النقل، فهو من حيث المؤدى والنتيجة قريب من النقل لكن من حيث الاستدلال يستدل باستدلالات تعارض النقل وان كانت نتائجها مع النقل متحدة، وهذا هو احد الاحتمالات الثلاث في هذه الجملة (وأقرب ما تكون من الخبر عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) أبعد ما تكون منه) ووجه القرب والبعد هو اختلاف الحيثية فمن حيث النتيجة والمآل قد أصبت وكنت أقرب إلى مفاد الخبر عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) لكن من حيث الاستدلال تستدل بما يضاد النقل، ثم يكمل الامام (عليه السلام) (أنت وألاحول قفازان) وقفاز صيغة مبالغة أي كثيرا القفز على الطرف الاخر قويان فيه. 
قال يونس بن يعقوب الراوي للخبر فظننت والله انه يقول لهشام قريبا مما قال لهما فقال يا هشام[6]: (لا تكاد تقع) فان الطائر عندما يطير قد يكاد ان يقع أما هشام فلا يكاد يقع، نعم من الممكن ان ينخفض لكنه لا يكاد يقع ، في مقابل من يكاد أن يقع وإن لم يقع ، فهشام بلغ مرتبة انه حتى (لا يكاد يقع) (تلوي رجليك) لأن الطائر عندما ينخفض يلوي رجليه لكي يرتفع من جديد (اذا هممت بالارض طرت) فان الخصم يتصور أنك كدت ان تستسلم وتسقط أحياناً، بسبب مجاراتك له لكن ذلك نوع من التمهيد للغلبة على الخصم إذ أحياناً الانسان يجاري الخصم في كلامه لكي يفجأه بحجة أقوى ويقلب عليه الاستدلال (اذا هممت بالارض طرت)[7] كأنه كان قاصدا مجارات الخصم فينخفض معه حيث انخفض ثم يحلق عاليا (مثلك فليكلم الناس) وهنا بيت القصيد في القضية الخارجية فقوله (مثلك) قد يستبطن افهام أولئك بعبارة مهذبة ان لا يتصدوا للكلام ما لم يكونوا كاملين في الكلام، فانت كلّم الناس[8] لكن (اتق الزلة) لأن الانسان في الجدل أحياناً يزل وقد تأخذه احيانا العزة بالاثم وان كان على حق وقد يأخذه الغرور العلمي فيذكر ما يعلم انه باطل (اتق الزلة والشفاعة من وراءك) فان كل انسان قد يخطئ، فعليك اتقاء الزلة لكن لو حدث خطأ فنحن معك. 
والحاصل: ان مورد كلامنا حول القضايا الخارجية وأن الرسول والأئمة عليهم السلام كانوا قد تصدوا للقضايا الخارجية؛ بل الوالد قدس سره يقول (سيرة المعصومين  كانت على التصدي للقضايا الخارجية) بل أقول انني تتبعت بعض التتبع فوجدت ان تصدي المعصومين  قولا وفعلا وتقريرا للقضايا الخارجية قد بلغ اعلى درجات التواتر بدون كلام وهذا ايضا يترك لبحثكم فان هناك مئات الروايات قطعا في هذا الحقل فاعلى درجات التواتر متحققة في القضايا الخارجية من حيث تصدي المعصوم (عليه السلام) لها ومع ذلك نجدها مهملة بعض الاهمال في البحث الاصولي او الفقهي؛ فهي جديرة بأن يركز عليها اكثر. 
ضوابط الاستدلال الاجتهادي 
ثم أن هذه الرواية تفتح لنا أفقا جديدا في بحث أخر لا ندخله بل نشير اليه فقط ونترك عليكم مهمة البحث والتحقيق، وهو ضوابط ومقومات الاستدلال الاجتهادي، إذ ان المعهود هو البحث عن شروط مرجع التقليد ومنها الاجتهاد والبحث عن تعريف المجتهد وانه ذو الملكة وما اشبه، لكن مقومات الاستدلال الاجتهادي التي اشار الامام (عليه السلام) لبعضها ههنا، الظاهر بحسب الفحص الناقص انها ليست مبحوثة إلا ببعض جوانبها[9] وأيضاً مقومات وضوابط تشخيص القضايا الخارجية، وهذا ايضا بحث طويل يستدعي توقفا طويلا فلنتركه لوقت اخر. 
ثمرات البحث عن القضايا الحقيقية والخارجية: 
اما ثمرات البحث وان كنا قد استعرضنا عدداً من الثمار في ثنايا البحث، لكن نجمعها الان بتلخيص ونضيف عليها المفيد، ونضيف تفصيلا كما سيأتي، فمبحثنا الان تلخيص وتفصيل وتحصيل فخلاصة البحث مع الاضافات والثمرات هي هذه: 
1- وجوب التصدي للنوعين ووجوب السؤال 
الثمرة الاولى التي اكدنا عليها مرارا عديدة: هي وجوب تصدي الفقيه وجوبا كفائيا، بل عامة المؤمنين على تفصيل سيأتي، للقضايا الحقيقية كالقضايا الخارجية[10]، اما التفصيل فان هناك فرقا بين الفقيه وعامة المكلفين من حيث المتصدَّى له من القضايا الخارجية وسياتي تفصيله، اذن يجب التصدي لكلا النوعين من القضايا. 
كما انه يجب على المستفتي أو المستعلم ان يستفتي ويستعلم عن كلا النوعين من القضايا، إذ عادة المتداول عند الناس الاستفهام والاستفتاء عن القضايا الحقيقية، واما الاستفتاء عن القضايا الخارجية فهو موجود في الجملة لكنه لم يبلغ مرتبة (بالجملة) مع انه ايضا مطلوب بين واجب ومندوب ولا ينبغي الاكتفاء بالاستفتاء في القضايا الحقيقية. 
ونشير ختاماً إلى إحدى الآيات التي تصرح بوجوب الرجوع في القضايا الخارجية لأولي الأمر عليهم الصلاة والسلام، ثم بناءا على ادلة ولاية الفقيه العامة او الخاصة او ادلة ولاية عموم المؤمنين لو تمت تلك الادلة ولو في حدود ضيقة فان الحكم يسرى إلى الفقهاء أيضاً أو إلى المؤمنين كذلك يقول تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ)وهذه قضية خارجية (أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)اذن الذين يستنبطون، والمصداق الابرز لهم هو المعصوم (عليه السلام)، هم المرجع في تشخيص القضايا الخارجية، وايضا من حذى حذوهم بناءا على عمومية الادلة كما سبق بحثه، هذه هي الثمرة ألاولى. 
2- فرز مقام التعليم عن مقام الفتوى والحكم 
الثمرة الثانية ونشير إلى عنوانها وقد سبق بوجه لكن سنرتب عليه ثمرة مهمة عملية في حوزاتنا العلمية وهي:ان القضايا الحقيقية مقامها مقام التعليم، فيجب ان تطلق وتقال في مقام التعليم، اما القضايا الخارجية فمقامها مقام الفتوى اولا، ومقام الحكم ثانيا، وهنا تتمة مهمة ومقترح عملي لو طبق فان الوضع سوف يتغير ايمانيا وعلميا للأحسن بكثير باذنه تعالى. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
 
 
 
________________________________________ 
[1]- البحار ج23 ص13 
[2]- وهذا لعله في الحوزة الآن قليل جدا، وينبغي أن ينهج هذا المنهج وهو التربية العملية على ممارسة مقدمات الاجتهاد وطريقة الاستدلال. 
[3]- حمران بن اعين من كبار العلماء وأخ لزرارة. 
[4]- لأن القياس عندهم حجة. 
[5]- ولعله اشارة إلى استعماله القياس وهو باطل فيرد به على قياس الشامي الذي يستعمل القياس ايضا، فكلاهما يستدل بدليل باطل، وغير حجة عند الامام (عليه السلام) - المقرر. 
[6] - هشام بن الحكم. 
[7] - وهذه كلها عبارات دقيقة لتقييم أداء كبار العلماء، في كلمات بليغة موجزة. 
[8] - ولعل (مثلك فليكلم الناس) تشتمل على كلتا القضيتين: الحقيقية والخارجية: فبقوله عليه السلام (مثلك) أشار إلى الحقيقية والضابط العام، وبتطبيقه على (هشام بن الحكم) شخّص القضية الخارجية.
[9] - مثلاً صاحب القوانين أشار لبعض المقومات، فراجع. 
[10] - والايات والروايات كثيرة لكننا اشرنا إلى بعضها 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=491
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 15 ربيع الآخر 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23