• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 240- الجواب الرابع :سلمنا ان المثبتين لا يقيد احدهما الآخر ، لكن ذلك اذا لم تقم قرينة على الخوف وفي (ليتفهوا) و (اعلموا) توجد قرائن ثلاثة على التقييد ـ ثمرات فقهية اربعة مختلفة تترتب على الاحتمالات الاربعة الآنفة .

240- الجواب الرابع :سلمنا ان المثبتين لا يقيد احدهما الآخر ، لكن ذلك اذا لم تقم قرينة على الخوف وفي (ليتفهوا) و (اعلموا) توجد قرائن ثلاثة على التقييد ـ ثمرات فقهية اربعة مختلفة تترتب على الاحتمالات الاربعة الآنفة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
ملخص ما تقدم 
 
كان البحث حول ان التفقه موضوع مستنبط لابد ان يرجع في تحديده إلى الشارع، واستدللنا على ذلك بان قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) قد يقال انها تتصرف في (ليتفقهوا) اما موضوعا[1] واما حكما[2]، وذكرنا أجوبة عديدة عن إشكال ان المثبتين لا يقيد احدهما الأخر، كان ثالثها ان المحتملات فيما لو ورد مطلق ومقيد واحتمل تعدد الحكم، هي اربعة، وقد اضفنا في التقرير احتمالا خامسا ووجهنا به كلام الشيخ الطوسي فلاحظ. 
 
4- وان سلمنا عدم التقييد الا ان هناك استثناءات كثيرة 
 
اما الجواب الرابع وهو جواب لطيف ودقيق فهو: سلمنا ان المثبتين لا يقيد احدهما الأخر، لكن هناك استثناءات عديدة، وسنذكر ثلاثة منها، وهذه الاستثناءات تنطبق على المقام ولذا انتخبناها، بعبارة أخرى: حتى لو سلمنا بمبنى المشهور في مطلق الوجود وبالمبنى المختلف فيه في صرف الوجود، فانه أصل يخرج عنه بالدليل، وقد قامت في المقام ثلاثة أدلة أي قرائن على الخلاف، وهذه القرائن تثبت القيدية: 
 
أ- اقتضاء مناسبة الحكم والموضوع كون المقيَّد مقيِّدا 
 
القرينة الأولى أو الاستثناء الأول: ما لو اقتضت مناسبة الحكم والموضوع كون المقيَّد مقيِّداً؛ لا محمولا على مراتب الفضل، هذه القرينة في المقام موجودة، أي في قوله تعالى: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) من جهة ومن جهة أخرى قوله جل اسمه (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) فان قرينة مناسبة الحكم والموضوع تقتضي تخصيص (اعلموا) لـ(يتفقهوا) في خصوص أصول الدين، بمعنى ان يتفقهوا تبقى على إطلاقها إلا في أصول الدين فتقيد بالعلم، لأن تفقهوا تشمل فروع الدين وأصول الدين فالتفقه مبرئ للذمة أكان موصلا للظن النوعي أم للعلم، لكن في خصوص أصول الدين نلتزم بان التفقه قيد فيه بان يكون موصلا للعلم لمناسبة الحكم والموضوع وان شئت قلت المتعلق، لأن أصول الدين يناسبها ان يطلب فيها العلم وان يشدد فيها على المكلف وان وقع في عسر وحرج لأنها أصول الدين؛ اما فروع الدين فلا يناسبها التشديد لكثرتها وكثرة الابتلاء بها ولأن التشديد سيوقع العبيد في حرج ونصب، اذن هذه هي الخصوصية في أصول الدين (وهي المتعلق لأعلموا فان اعلموا ونظائره وردت في أصول الدين). 
 
بعبارة أخرى: الآية الأولى تقول تفقهوا في الدين أي تفقها اعم من كونه ظنيا او علميا، والآية الأخرى تقول في أصول الدين اعلموا، فلو ضممنا هذا لذاك لوجدنا ان هذا ظاهر في تقييد ذاك، هذه القرينة الأولى فإذا تمت ووضحت أي صنعت ظهوراً عرفاً فبها، وإلا ننتقل إلى القرينة الثانية التي هي أقوى من القرينة الأولى. 
 
ب- اقتضاء صب التقييد على الأخص في مقابل إطلاق مصبه الأعم، التقييد 
 
القرينة الثانية: أو قل الدليل الثاني على ان هذا المقيَّد مقيِّد وليس محمولا على مراتب الفضل (وان قلنا بان الأصل في المطلق والمقيد المثبتان ان لا يقيد احدهما الآخر بل يحمل المقيد على مراتب الفضل) هي ان المقيد في مقابل المطلق ان ورد على نفس ما ورد عليه المطلق اي كان المصب واحدا فكلام المشهور تام أي هذا مورد الأصل، لكن المقيد لو ورد على الأخص وكان المطلق قد ورد على الأعم، أي كان عندنا ههنا إطلاق وعموم وكان لدينا أيضاً تقييد وخصوص، اي تقييد صب على الاخص في مقابل اطلاق مصبّه الاعم فهنا الظاهر عرفا، جدا، ان هذا مقيد لذاك بقرينة وروده على الاخص، ولنمثل بمثال عرفي ثم نطبقه على المقام فإذا قال المولى لعبده (اقم البينة على دعاويك) ثم قال (حصل العلم على هذه الدعوى) فالنسبة بين الثاني والأول هي ان الثاني اخص مطلقا، هذا من جهة ومن جهة ثانية ان هذا المثال هو مورد البحث لأن اقم البينة مطلق سواء أَوْصَلَت البينة للعلم أم لم توصل، أما حصِّل العلم فمقيدة إذ تفيد ان العلم هو المطلوب بذاته فاذا كانت البينة غير موصلة للعلم فليست بمجزئة؛ فظاهر الكلامين عندما يضمان إلى بعضهما البعض ان الأول يبقى على إطلاقه فيما عدا المورد الخاص أي (اقم البينة على دعاويك أفادت العلم أم لم تفد) ولكن (في خصوص هذه الدعوى عليك ان تحصل العلم)، اي البينة الموصلة للعلم هي المطلوبة فقط، وذلك كله ان احرزنا وحدة المطلوب فيكون كما ذكرنا وان النتيجة ان البينة الموصلة للعلم هي الواجبة في هذه الدعوى، واما ان احتملنا تعدد المطلوب فانه يدلّ ذلك على وجوب تحصيل الأمرين معا اي البينة والعلم، فليتدبر في هذا المثال، وما نحن فيه من هذا القبيل لوجود عام مطلق وخاص مقيد، فالعام المطلق هو (ليتفقهوا في الدين) اما انه مطلق فمن حيث ايصاله للعلم وعدمه، واما انه عام فمن حيث اصول الدين وفروعه وهنا النكتة الدقيقة، اما اعلموا فهو خاص مقيد فانه خاص بأصول الدين (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)، كما انه مقيد لأنه قيد المطلوب بالعلم فلا يجزي التفقه غير الموصل للعلم، فعندما نلاحظ ذلك نكتشف بوضوح ان الخاص له حكم خاص هو ذو القيد، وخلاصة الكلام (لو ورد تفقهوا في الدين ثم قال حصلوا العلم في خصوص بعض الدين فان هذا يقيد ذاك بوضوح) هذه هي القرينة الثانية والظاهر انها قوية، وإذا لاحظنا الأمثلة الأخرى فسنجدها سيالة. 
 
مثال آخر لو قال المولى (أكرم العلماء) سواء أكانوا أطباء أم مهندسين أم فقهاء ثم قال اكرم الفقهاء العدول، فانه يفهم من ذلك أن هناك في خصوص الفقهاء عناية بان يكونوا عدولا وان اكرامهم مخصص بكونهم عدولا لكونهم مثلا مرجعا للدين فلا يصح إكرام غير العادل من الفقهاء كي لا تتكرس مرجعيته ومكانته فيكون طريقاً للفساد اما الطبيب فلا يضر ان يكون عادلا ام فاسقا فليُكرم لعلمه. 
 
ج- ورود المطلق على الطريق والمقيد على ذي الطريق، يقتضي التقييد 
 
الاستثناء الثالث:ما لو كان المطلق قد ورد على الطريق والمقيد قد ورد على ذي الطريق فان الظاهر عندئذ ان ذا الطريق له خصوصية لذا قُيِّد، مثل ما نحن فيه فان التفقه هو الطريق والعلم هو ذو الطريق أي الموصَل إليه به، مثل البينة والعلم، هذه الصورة الثالثة التي ندعيها فتأمل. 
 
الحق في المقام ان المرجعية إلى العرف 
 
واما الحق في المقام فان التقييد او الحمل على الأفضلية، مرجعه إلى العرف، وما ذكرناه كان لتشخيص مصاديق ما يفهمه العرف و يستظهره، وذلك يعني انه لا يوجد ضابط عام، وإنما مرجع المسألة للظهورات العرفية، وعلى أي تقدير فان الاستثناء الثاني الأمر فيه ظاهر جدا، وهذا بحث دقيق تدبروا به لأنه رغم شدة الابتلاء به فان نسبة العناية الأصولية فيه اقل من العناية بالمباحث الأصولية في العام والخاص والمطلق والمقيد المتخالفيين فان عمدة مباحث الاصول في العام والخاص تدور حول هذه الصورة؛ اما العام والخاص والمطلق والمقيد المتوافقان سلبا وايجابا فقد بحثا في الأصول لكن ليس كما ينبغي، ومن الجدير ان يبحث بالتفصيل لأن موارده كثيرة جدا وان كانت اقل من موارد المتخالفين، ولعل عذرهم في استيفاء بحث تلك، هو أكثرية تلك الموارد. 
 
تلخيص ثمار البحث الأربعة 
 
في ختام البحث نذكر تلخيصاً للثمار الأربعة على ضوء المباني الأربعة وان كنا ضِمنا قد اشرنا لها: فانه إذا ورد مطلق ومقيد متوافقان فالنتيجة الفقهية في مثل اعلموا وتفقهوا ماذا ستكون؟ 
 
1- تفقهوا محمولة على اعلموا، فهي مقيدة 
 
الاحتمال الأول: ان تكون يتفقهوا محمولة على اعلموا أي ان تقيد اعلموا يتفقهوا، ونتيجته عدم مبرئية التفقه غير الموصل للعلم في أصول الدين، اي ان التفقه الظني غير كاف؛ وإنما الواجب فقط هو العلم وتحصيله في اصول الدين. 
 
2- المقيد يحمل على مراتب الفضل 
 
الاحتمال الثاني:ان نقول ان المقيد محمول على مراتب الفضل، والنتيجة تكون بالعكس تماما، وهي كفاية ومبرئية التفقه الظني في أصول الدين أيضاً، والحاصل: انه إذا قلنا ان المقيد لم يقيد المطلق بل حمل على أفضل الأفراد فالنتيجة تكون ان العلم هو الأفضل وما عداه مبرئ للذمة أيضاً. 
 
3- أنهما واجبان استقلاليين 
 
الاحتمال الثالث:ان نقول بكونهما واجبين استقلاليين كما استظهره الشيخ الأنصاري من كلام الشيخ الطوسي، والنتيجة على هذا ستكون مختلفة عن الأوليين إذ تكون: ان التفقه واجب بحياله واستقلاله والعلم واجب اخر فهما واجبان لا يغني احدهما عن الاخر. 
 
4- هما واجبان ارتباطيان لا على نحو المقومية 
 
الاحتمال الرابع:ان نقول بكونهما ارتباطيين لا على نحو المقوّمية والذي نحتمل انه مراد الشيخ الطوسي، بان نقول بالارتباطية لا بالمقومية كما في الوجه الخامس، لأن كلام الشيخ الطوسي لا يصح حمله على المقومية كما يظهر من ملاحظته بوضوح، فاما ان يحمل على ما ذكره الشيخ الأنصاري من الاستقلاليين او يحمل على الارتباطيين لا بنحو المقومية فليتدبر. 
 
اذن الاحتمال الرابع ان نقول بالارتباطية لا بنحو المقومية، وظاهرٌ ان النتيجة ستكون مثل نتيجة الاحتمال الثالث لكنها تختلف بالمآل؛ اما انها مثلها فلأن النتيجة ستكون وجوبهما كالاحتمال الثالث مثل الصلاة المنذورة في المسجد فهنا واجبان صلاة فريضة وكونها في المسجد اذن ههنا واجبان كالثالث، لكن يختلف هذا عن الثالث في حكم شرعي آخر وهو انه في الثالث لا يُسقِط احدهما الآخر ولا عفو؛ اما في الرابع فاحدهما يسقط الاخر أو يقال بالعفو، فلو انه تفقه ولم يحصل على العلم سقط وجوب العلم أو لم يسقط لكنه معفو عنه لفضل الله وكذا لو انعكس الأمر بان حصل على العلم لكن من دون تفقه واجتهاد فانه معفو عنه، على رأي الشيخ الطوسي. 
 
هذه هي الثمار الأربعة على الأقوال الأربعة فليتدبر فيها جيدا، يبقى عندنا كلام أخير وهو: 
 
إشكال: توهم عدم فائدة لحاظ النسبة بين الدليلين 
 
ان قلت: ما هي ضرورة هذا البحث: ان ليتفقهوا موضوع مستنبط وان اعلموا تصرف فيه أو لم يتصرف؟ ما هي ضرورته، ووجه الإشكال ان (اعلموا) وارد ثابت، وهو حجة، فسواء وجد ليتفقهوا أو لا؟ وسواء تصرف اعلموا في تفقهوا أو لا؟ فان اعلموا حجة يجب العمل به فما وجه الحاجة لهذا البحث المطول وان ليتفقهوا موضوع مستنبط أو لا وان هذا تصرف في ذاك أو لم يتصرف؟ هذه هي الشبهة، ولكن من التدقيق في الثمرات السابقة يتضح وجه دفع الشبه. 
 
الجواب: الثمرات الأربعة الآنفة تدفع التوهم 
 
قلت: ان الثمرة الأولى والثانية تظهران الفرق وكذلك الثالثة والرابعة، فإذا كانت اعلموا بمفردها موجودة فان العلم هو الواجب وغيره غير مبرئ للذمة اي التفقه الظني؛ اما اذا كانت ليتفقهوا موجودة وقلنا ان اعلموا لم تتصرف فيها فان التفقه الظني مبرئ للذمة واعلموا محمول على مراتب الفضل؛ اما إذا تصرف فيها فلا[3]، بل لحاظ النسبة بين الأمرين ينتج الثمرات الأربعة على ضوء الاحتمالات الأربعة، فليتدبر به جيدا. 
 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين. 
 
 
 
 
[1] - فليس بتفقهٍ شرعاً، ما لم يورث العلم في أصول الدين. 
 
[2] - فليس التفقه غير المورث للعلم، حجة. 
 
[3] - أي تكون كما لو كانت بمفردها.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=500
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 28 ربيع الآخر 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23