• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 247- ب ـ كثيراً ما يناقض كشفان لعارفين او فيلسوفين ( مثال تناقض كشف ملا صدرا في اصالة الوجود مع كشف شيخ الاشراق ) ـ تحليل ان ( الكشف) لو كان هو العلم الحضوري او الالهام الالهي فلا يعقل فيه الخطأ ، فلا تسرب اليه الخطأ علم انه ليس كشفاً و لا ضابط مرجعي .

247- ب ـ كثيراً ما يناقض كشفان لعارفين او فيلسوفين ( مثال تناقض كشف ملا صدرا في اصالة الوجود مع كشف شيخ الاشراق ) ـ تحليل ان ( الكشف) لو كان هو العلم الحضوري او الالهام الالهي فلا يعقل فيه الخطأ ، فلا تسرب اليه الخطأ علم انه ليس كشفاً و لا ضابط مرجعي

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
ملخص ما تقدم 
 
كان الكلام حول الاجتهاد في أصول الدين وحول وجوب تحصيل العلم في أصول الدين، وذكرنا ان الشارع قيَّد العلم كما قيّد الاجتهاد والتفقه بقيود، ومن قيود العلم أو القطع هو أن يكون حاصلا من الطرق التي حددها الشارع تأسيسا أو امضاءا، وذكرنا أن طريق الكشف والشهود ليس من تلك الطرق التي أمضاها الشارع فلا يصح سلوك طريق الكشف في أصول الدين ولو ان سالكا سلك هذا الطريق فقطع وكان مخطئا لأستحق العقاب بأتباعه طريقا غير ممضى شرعا, وذكرنا ان مما يدل على عدم صحة سلوك هذا الطريق كموصل للحقائق في أصول الدين أولاً: ان الشخص الواحد من أرباب الكشف والشهود قد يتناقض في كشفين له كما ذكرنا شاهد ذلك من تناقض كشفي صدر المتألهين. 
 
ونقول ثانيا أنه في كثير من الأحيان فإن كشفين لشخصين من أعلام العرفان أو التصوف أو الفلسفة يكونان متناقضين، فأية حجية تكون للكشف والشهود بعد ذلك؟ خاصة وأنه لا مرجعية محددة يرجع اليها في تمييز الكشف الشيطاني من الكشف الرحماني, توضيح ذلك: 
 
ثالثاً: لا مرجعية محددة يرجع اليها لتمييز الكشف الشيطاني عن الرحماني، فكيف يستند للكشف حينئذٍ؟ 
 
من الواضح انه توجد في العلوم مرجعية لتمييز الخطأ من الصواب، فمثلا (المنطق) مرجعية عقلية في كل قواعده أو أكثر قواعده لتمييز الخطأ في التفكير وفي الاستدلال من حيث العلة الصورية، وفي العلوم الشرعية هناك مرجعية هي ظواهر الكتاب والسنة أضافة إلى قطعياتها؛ أما في الكشف والشهود فلا مرجعية؛ بل بعضهم يعترف بانه لا مرجعية منضبطة يمكن الرجوع اليها لتشخيص الكشف الشيطاني من الكشف الرحماني وهذه نقطة لعله سيأتي لها مزيد توضيح لاحقا. 
 
اذن الكشف أمر لا يمكن الركون اليه, فمن جهة فان الشخص الواحد قد يتناقض في كشفيه ومن جهة ثانية فان أعلامهم يناقض أحدهم الآخر في كشفه. 
 
والمفروض ان الكشف هو الهام الهي في أدنى درجاته وعلم حضوري في أعلى درجاته فلا يعقل فيه الخطأ؛ إذ الخطأ يتعقل في العلم الحصولي ثم انه إذا أخطا شخص في العلم الحصولي أو في الظن المعتبر فانه لا يسقطه ذلك عن الحجية لأن الظن يتعايش بطبعه مع احتمال الخلاف إذ مبنى حجيته على ألأغلبية وعلى بناء العقلاء فيتعايش مع احتمال الخلاف، أما الكشف فلا يتعايش مع احتمال الخلاف لأن الكشف يعني ألإلهام الإلهي وهل يعقل في الإلهام الإلهي الخطأ؟ والكشف يعني العلم الحضوري ولا يعقل في العلم الحضوري الخطأ لأنه حضور نفس المعلوم لدى العالم ولنعد الآن لتوضيح الإشكال الثاني[1]. 
 
2- التناقض بين كشوف مشاهير علمائهم 
 
الإشكال الثاني: هو ان كشوف مشاهيرهم متناقضة أيضا, اضافة إلى ما ضمناه من الإشكال في ان الكشف هو العلم الحضوري والإلهام الإلهي. 
 
ومن ذلك ان علمين من اهم علمائهم الأول هو شيخ الإشراق الذي يعد من اكبر الفلاسفة كما ان صدر المتألهين يشيد به اشادة بالغة في مواطن متعددة. 
 
والثاني هو صدر المتألهين، فان كشفيهما تناقضا: فأحدهما يدعي أصالة الوجود ويستند إلى الكشف وذاك الأخر يدعي أصالة الماهية ويستند إلى الكشف، وان كان كل منهما قد أقام برهانا على مدعاه، فالنتيجة هكذا: ان هذا يستدل بالكشف على أصالة الوجود ويضم اليه أدلة برهانية بزعمه وذاك يستدل بالكشف على أصالة الماهية ويضم له أدلة برهانية بزعمه ايضا؛ فالتناقض في كلا الكشفين والبرهانين، علما ان البرهان بما هو برهان ينبغي أن لا يتطرق اليه الشك أو كشف الخلاف والإ لم يكن برهانا. 
 
وبتعبير موجز:ان الأدلة الظنية يمكن ان يتطرق لها الشك أو الخلاف لأن بنيتها وبنائها على ذلك، أما الأدلة البرهانية فلا يعقل ان يتطرق اليها الخلاف وإلا لم تكن براهين، وكذلك العلم الحضوري والكشف بأنواعه، كما سبق، ولعله يجيء مزيد تفصيل له. 
 
عبارات بعض اعلام اهل الكشف تؤكد تناقضهم 
 
والآن سننقل بعض عباراتهم فتدبروا فيها بموضوعية، إذ ليست لنا مشكلة شخصية مع هؤلاء وانما نريد ان نعرف الحق وان مقتضى الشريعة ومقتضى العقل ما هو؟: 
 
أ- (ملا صدرا): ماهية كل شيء شبح ذهني عنه مطابقاً للشهود العرفاني 
 
يقول ملا صدرا في الأسفار [2] في الأصل الثالث حول معنى الشوق(فان ماهية كل شيء هي حكاية عقلية عنه)لأنه يرى أصالة الوجود لا الماهية(وشبح ذهني لرؤيته في الخارج وظل له كما مر ذكره سابقاً على الوجه البرهاني اليقيني مطابقا للشهود العرفاني الذوقي) اذن فهو يدعي الشهود ويدعي البرهان، ويقول هذا الذي نقوله من ان الماهية صرف حكاية عقلية وصرف شبح وصرف ظل هذا امر برهاني يقيني مطابق للشهود الذوقي العرفاني وهي عبارة واضحة وصريحة,والعبارة الأخرى له في نفس المجلد[3](وكتب العرفاء كالشيخين العربي وتلميذه صدر الدين القونوي مشحونة بتحقيق عدمية الممكنات وبناء معتقداتهم ومذاهبهم على المشاهدة والعيان) اذن هؤلاء بنوا مذهبهم على المشاهدة؛ اي شاهد عدمية الممكنات وشاهد عدمية الماهية وعاينها فهذا امر مكشوف لهم ومعلوم لهم بالعلم الحضوري لا الحصولي وان استدلوا بأدلة برهانية إضافة إلى ذلك. 
 
ولنقطع النظر هنا عن مناقشهم بانه لا يعقل ان يشاهَد العدم أو يعاين أو أن يكون علم حضوري بالعدم إذ انه ليس شيئاً كي يكون مشاهَداً وكي يكون معايناً، كما نقطع النظر عن اشكالات اخرى على كلامهم ونقتصر على اشكالنا الأول وهو ان مبنى الشيخين الذين نقل عنهم ان الماهية ليست باصل بل هي امر ظلي شبحي، هو الاستناد إلى الشهود والمشاهدة والعيان. 
 
ب- (شيخ الإشراق): علومي وحكمتي مبنية على الكشف، والماهية هي المجعولة 
 
اما شيخ الإشراق فهو يصرح بأن علمي وعلومي وحكمتي مبنية على الكشف، هذا تصريحه العام ثم في نفس الكتاب يصرح بأصالة الماهية[4]، فانه يصرح بابتناء علمه وكتابه على الكشف والأدلة يسوقها تأييدا، يقول في أول المجلد[5] ( وما زلتم يا معشر صحبيَ وفقكم الله لما يحب ويرضىَ تلتمسون مني ان اكتب لكم كتابا اذكر فيه ما حصل لي بالذوق في خلواتي ومنازلاتي...) الى ان يقول.. (وهذا سياق آخر وطريق اقرب من تلك الطريقة وانظم وأضبط وأقل اتعاباً في التحصيل، ولم يحصل لي بالفكر اولا بل كان حصوله بامر اخر)[6] والأمر الآخر هو الكشف والشهود كما هو يصرح به شارح حكمة الإشراق شمس الدين الشهر زوري إذ يقول: ("ولم يحصل لي أولاً بالفكر" بل حصل بالكشف والشهود بما ارتكبه من الرياضات المتعبة والمجاهدات الوَصِبة)[7]، اذن ليس طريقه لهذه الحقائق هو الفكر (ثم طلبت عليه الحجة) اي بعد رأى بالكشف واعتقد فانه بعدها بحث عن ادلة عقلية (حتى لو قطعت النظر عن الحجة مثلا ما كان يشككني فيه مشكك)! 
 
يقول[8] (وكما انّا شاهدنا المحسوسات وتيقنا بعض أحوالها ثم بنينا عليها علوما صحيحة كالهيئة وغيرها فكذا نشاهد من الروحانيات أشياء ثم نبني عليها، ومن ليس هذا سبيله) اي ليس طريقه الكشف ثم الاستدلال (فليس من الحكمة في شيء وسيلعب به الشكوك) يقول[9] (فاذا بلغ الكتاب أجله فسيعلم الباحث فيه) أي في كتابي هذا حكمة الإشراق(انه قد فات المتقدمين والمتأخرين ما يسّر الله على لساني منه, وقد ألقاه النافث القدسي في روعي) وهذ هو المصطلح المستخدم في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نبوته! (في يوم عجيب دفعة) وهذا الكلام لو لم يكن دعوى النبوة فانه تلويح بها على الأقل، وبقطع النظر عن ذلك نقول انه يقول ألقاه النافث القدسي في روعي فنقول ان كان هذا الشخص قد ادعى النبوة وأقام عليها البراهين فما ادعاه من الإلقاء في روعه فهو حجة، والا فلا، بل نقول: ان اي شخص قد يدعي ذلك، بل حتى الذين يعتقدون بالأحلام ويسيرون عليها فانهم يقولون بانها قطعية وبانها إلهام إلهي أو كشف رباني أو ما أشبه، فهل تكون أحلامهم أو أوهامهم حجة؟ وللبحث صلة. 
 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
 
 
 
 
[1]- ونحن الان نستدل بالبرهان الاني على ان الكشف المدعى انه الهام الهي او علم حضوري ليس كذلك لتطرق الخطأ له، وبتعبير اخر نصنع قضية استثنائية وقياس استثنائي: لو كان الكشف علما حضوريا او الهاما الهيا كما إدّعو لما امكن فيه الخطأ ولما وقع، لكنه قد وقع فيه الخطأ (وليس الامكان فقط بدليل ان أئمة الكشف والشهود تناقضوا في كشوفاتهم وبدليل ان الامام الواحد منهم تناقض في كشفَيه) اذن الكشف ليس مساويا للعلم الحضوري أو العلم الإلهي. 
 
ثم انهم يرون الكشف اعلى من العقل كما نقلنا بعض عباراتهم فالعقل قد يخطأ بزعمهم لكن الكشف لا يمكن ان يكون مخطئا لأنه حضور نفس الشيء فكيف يخطأ؟ فننقض عليهم بان ادل دليل على تسرب الخطأ للكشف هو تناقض الكشف في الشخص الواحد والشخصين فليس الكشف اذن علما حضوريا وليس الكشف الهاما الهيا وليس الكشف دليلا يقينيا ,ونحن نقول غاية الامر هو طريق ظني لكنه كما يزعمون طريق قطعي وعلم مطابق للواقع باعلى درجات المطابقة لأنه الحضور. 
 
ثم انه لا وجه لتأويل كلماتهم المشكلة إذ لو فتح باب التأويل لظواهر بل نصوص كلمات المناطقة والفلاسفة وغيرهم لما استقر حجر على حجر فمثلا شخص يقول(الله غير موجود) فيؤل كلامه بان الله الذي هو جسم ليس بموجود لكن نقول ظواهر الكلام حجة وعباراتهم وكلماتهم صريحة بما ادعينا، فمثلا تقدم ان صدر المتألهين يصرح في عبارتيه تارة بالخلود في العذاب وتارة بعدم الخلود وهذه العبارة الثانية لو عرضت على أي عاقل لأتضح له انه ينكر كلام كل الفقهاء والمتكلمين ,فأن العبارتين ليستا ظاهرتين بل صريحتان في التناقض فهو يؤكد ان هذا كلام الفقهاء والمتكلمين بالخلود في النار لكنه لا يصمد أمام الكشف الصريح ,والبحث مترامي الاطراف ولا مجال الآن للتوسع وانما نريد الاشارة والا فهذا البحث وأشباهه يستدعي أشهرا من البحث, فليتدبر في هذه العبارات بغض النظر أن القائل هو صدر المتألهين أو غيره بل يقتصَر على أن شخصا قال هذا الكلام فهل هو متناقض أم لا فليلاحظه الانسان بينه وبين الله من دون محاباة أو تعصب والله المستعان. 
 
[2]- الاسفار ج2 ص236 طبعة دار إحياء التراث العربي 1981م. 
 
[3]- الاسفارج2ص342 
 
[4] - مجموعة مصنفات شيخ إشراق الطبعة الثالثة/ الناشر پژو هشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي ج2 ص186 قال (قاعدة في بيان ان المجعول هو الماهية لا وجودها) 
 
[5] كتاب مجموعة مصنفات شيخ الاشراق ج2ص9 
 
[6] - مجموعة مصنفات ص10 . 
 
[7] - شرح حكمة الإشراق لشمس الدين محمد شهر زوري – طبعة مؤسسة التاريخ العربي ص20. 
 
[8] - مجموعات مصنفات ص13. 
 
[9] - مجموعة مصنفات ص258.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=507
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 7 جمادى الأولى 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23