بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث حول ان لأصول الدين أطلاقات متعددة وان بتعدد الإطلاقات تحل معضلة اختلاف الروايات في تعريفها لأصول الدين بالمصاديق، كما أوضحنا ذلك سابقا، لكن تبقى هنا شبهة قوية نختم بها هذا الفصل من الكلام ونحيل سائر البحث إلى علم الكلام.
هل (أصول الدين) و(الإسلام والإيمان و...) موضوعة للمعاني المتعددة؟
والسؤال هو: هل مصطلح او اسم أصول الدين موضوع لما يشمل (الولاية) ونظائرها من اصول المذهب او لا؟ والسؤال سيال، فهل الإسلام موضوع للشهادتين فقط؟ ام هو موضوع لما يشمل الشهادة الثالثة؟ ام هو موضوع لما يشمل الصلاة ايضا؟ وبتعبير اخر هل يشمل الدوائر الثلاث السابقة في اصول الدين أم يختص ببعضها؟ (إذ سبق انه تارة يراد اصول العقيدة واخرى اصول الشريعة بالمعنى الأخص وثالثة اصول الشريعة بالمعنى الأعم) فما هو في دائرة اصول الشريعة بالمعنى الأعم هل هو داخل في التسمية ام خارج؟ بل حتى ما هو مندرج في الشريعة بالمعنى الأخص هل هو داخل في التسمية باسم اصل الدين ام خارج؟
واما الشبهة فهي: انه ان قلنا ان ولاية اهل البيت عليهم السلام ونظائرها - داخلة في المسمى فاطلاق الإسلام على فاقد الولاية سيكون مجازيا، ومصحح العلاقة هو علاقة الجزء والكل إذ استعمل اللفظ الموضوع للكل في الجزء، وكذا لو قلنا بالعكس وان الولاية غير داخلة في اصول الدين او في ماهية الاسلام، فانه لو أطلقنا الإسلام على ذي الولاية حينئذٍ فانه يكون مجازا ايضا والمصحح للمجازية هو اطلاق اللفظ الموضوع للجزء وارادة الكل عكس الاحتمال السابق، وذلك مثل قولنا اعتق رقبة فانه مجاز لأن الاسم الموضوع للرقبة اطلق واريد به الكل، كالعكس كما لو قال (رأيت رجلا) وقد رأى رأسه فقط فهنا اطلق الاسم الموضوع للكل مع ان المشاهَد كان هو الجزء فقط، فكلاهما مجاز ومصحح العلقة هو علاقة الكل والجزء، والأمر سيال في سائر العناوين التي ذكرناها، مثلا عنوان (بني الإسلام على خمسة أشياء) و(بني الإسلام على عشرة أسهم) والشبهة هي: هل بني الإسلام على خمسة فقط فتلك الخمسة الأخرى ما هي؟ هل هي خارجة ام داخلة؟ فاذا كانت داخلة فلم لم تذكر هناك، واذا كانت خارجة فلم ذكرتها الرواية الثانية؟ وكذلك الأمر في روايات اخرى من قبيل (أثافي الإسلام ثلاثة) فاذا كانت هناك روايات تقول أثافي الإسلام أربعة مثلا فهذا الرابع ما حاله؟ هل هو داخل فلم لم تذكره هذه الرواية؟ أو خارج فلم تلك الرواية ذكرته، وكذلك روايات (عشر من لقي الله بهن دخل الجنة) بالنسبة إلى روايات أخرى تذكر اقل أو اكثر من ذلك، وكذلك رواية (سبع من سوابق الإيمان) فاذا كانت هناك سوابق أخرى للإيمان في روايات أخرى فهل هي داخلة في الاسم – أو الصفة - ام خارجة؟ وهذا الإشكال سيال وأشكال عام وتترتب على تحليله أثار عديدة، فليس البحث صرف بحث علمي دقي، بل تترتب عليه وعلى تحليل الوجه في هذا الاختلاف الظاهري في الروايات بمختلف طوائفها، ثمرات نشير لبعضها لاحقاً لأن البحث موضعه مكان اخر
وكذلك في روايتنا المتقدمة حيث ان الإمام (عليه السلام) قال(لا، الإ المستضعفين) فكيف يكون شيء مقوماً للماهية تارة وغير مقوم تارة أخرى، إذ المقوم مقوم في كل الحالات والصور، وكذلك الركن فكيف يبعِّض الإمام (عليه السلام)؟، والإجابة على هذا السؤال تكون بذكر محتملات التفصي والجواب وهي خمسة، ثم علينا ان نلاحظ الأدلة في عالم الإثبات لنجد انها تسوقنا إلى اي محتمل من هذه المحتملات:
مرجع البحث إلى مبحث الصحيح والأعم
وهذا البحث يطرحه الأصوليون في مبحث الصحيح والأعم لمناسبة ان العبادات والمعاملات هل هي موضوعة للصحيح ام للأعم من الصحيح والباطل؟، فالصلاة الباطلة صلاة على الأعمي، لكن الصحيحي لا يراها صلاة أصلاً، كما لو ترك التشهد عمدا نعم لو نسي التشهد فصلاته صحيحة وعليه ان يقضيه ويسجد سجدتي السهو
ولكن السؤال هو ان التشهد جزء الصلاة او ليس بجزئها؟ فأن كان جزءا لماهية الصلاة فبأنتفائه ولو نسيانا ينبغي ان تنتفي الصلاة، وان لم يكن جزء الصلاة فكيف أصبح واجبا؟ إذ لا هو شرط ولا هو جزء؟ ثم ان عدم كونه جزء الصلاة خلاف البديهة فهذا المبحث هناك عند ملاحظته مع بعض التطوير في مبحثنا الكلامي يمكن ان يجعل مبحثنا صغرى لتلك الكبرى ولا نريد التوقف عند هذه المسألة لأنها في جوهرها مسألة كلامية أو هي من المبادئ التصديقية لعلم الكلام وانما كلامنا في ان اصول الدين موضوع مستنبط او لا؟ فهذه مسألة أصولية او على رأي فانها من المبادئ التصديقية لعلم الأصول؟ وقد فصلنا الحديث عنها والفوارق بينها في كتاب رسالة في مبادئ العلوم،
ولم يطرح الأصوليون تلك الوجوه كحل لمسألتنا أيضاً لأن نظرهم للفقه إذ الأصول اصول للفقه لا للفقه الأكبر، إذ هو قواعد ممهدة لاستنباط الحكم الشرعي من أدلته التفصيلية، وحيث ان نظر الأصولي للفقه لذا فان تطبيقاته الأصولية عادة تقع على المسائل الفقهية، لكن ينبغي للمرأ في علم الكلام ان يستفيد من دقة أنظار الأصوليين ومن مفردات ذلك ان يبحث عن الكبريات الكلية الأصولية التي تنطبق على بعض المسائل الكلامية وبذلك يمكن ان يوسع علم الكلام او يطور وكذا العكس، وهذا نوع من أفضل الأنواع لتطوير علم الكلام لأن الأصول عمره اكثر من ألف سنة وكذا علم الكلام فلو تم تلاقح أكثر[1] بين العلمين لكان كل من العلمين أكثر كمالا
احتمالات ووجوه حل المعضلة
1- ان تكون موضوعة للمعاني المتعددة الأنفة، بنحو الاشتراك اللفظي
الاحتمال الأول:ان يكون هذا اللفظ المصطلح (اصول الدين او الإسلام او الإيمان او العدالة وما أشبه)، موضوعاً بنحو الاشتراك اللفظي لهذه المعاني المختلفة، اي وضع لفظ اصول الدين مثلا بوضع لوجود الله، وتوحيده، والنبوة (وهذا هو الإجماعي، والمعاد شبه الإجماعي على انه من اصول الدين وليس مجرد انه ملحق بالثلاثة)، فهذا وضع، ثم وضع بوضع اخر لما يشمل الإمامة، ثم وضع بوضع ثالث لما هو اعم من ذلك بما يشمل فروع الدين أيضا، وكذلك الحال في سائر المفردات والمصطلحات الأخرى التي اشرنا لها،
ثم ان الاشتراك اللفظي اذا قلنا به في المقام وان من اطلق عليه لفظ المسلم يراد به تارة فاقد الولاية وأخرى واجد الولاية لكن بمصطلحيين وبوضعين، فان الثمرة ستكون ان الأثار المذكورة في الروايات لهذا المصطلح لا تترتب على واجد تلك الصفة، فلكلٍ من الأثار ما له، ففي كل مورد أطلق هذا المصطلح، يجب ان ندرس لنرى ان المراد به هذا المعنى فأثار ذاك المعنى الآخر لا تنطبق عليه، كالعكس، اما لو قلنا بالاشتراك المعنوي فان الآثار ستجري ويكون من خلاف الأصل استثناء الاثار فيحتاج إلى دليل، وهذه ثمرة مهمة جداً.
الحق: التفصيل
والحق انه لا نستطيع، كبحث عام، ان نسوق جميع العبادات وكافة المركبات الاعتبارية وكل المركبات الخارجية بعصا واحدة (إذ هذا البحث يجري في المركبات الخارجية ايضا مثلا المطبخ جزء البيت او لا؟ وهل البيت بلا مطبخ هو بيت او لا؟ وهكذا لفظ الكتاب فهل وضع للكتاب والغلاف جميعاً ام لفاقده؟ فان وضع لذي الغلاف فأطلاقه على فاقده مجاز والحال انا لا نرى المجازية، وان كان موضوعا لفاقد الغلاف فأطلاقه على واجده مجاز بعلاقة الكل والجزء من الجهتين) والحاصل: ان هذا البحث عام وسيال في المركبات الحقيقية والاعتبارية كالصلاة والاعتبارية العرفية، ويجري في دائرة الفقه وفي دائرة علم الكلام وغيرهما، ونقول لا يصح ان نسوق كل المركبات بعصا واحدة بل ان ذلك يتبع الأدلة فلعله في الصلاة لا نلتزم بالاشتراك اللفظي بل نلتزم باحد البدائل الآتية كما سيأتي، اما في الإسلام فلعله نلتزم بالاشتراك اللفظي أو في اصول الدين فلعله نلتزم بالاشتراك اللفظي، والظاهر إمكان التفكيك لكنه يحتاج إلى مراجعة الأدلة، وهذا ما نترك بحثه بعهدتكم لأنه بحث كلامي فيجب ان تراجع الأدلة وليستظهر منها في كل مفردة مفردة، هذا الوجه الأول.
2- هي موضوعة للجامع الانتزاعي؟
الوجه الثاني: ان يقال بان لفظ اصول الدين موضوع للجامع الانتزاعي لا الجامع الماهوي، والفرق بينهما كبير، فان زيداً وعمراً مثلاً يجمعهما جامع ماهوي وهو الإنسان الناطق وكذلك زيد والفرس يجمعهما جامع ماهوي وهو الحيوان، لكن عنوان (احدهما) مثلاً ليس جامعاً حقيقياً بل هو جامع انتزاعي لأنه مجرد مشيرٍ وقد يشير إلى حقيقتين متناقضتين بدون جامع بينهما او بدون لحاظ جامع، اذن الاحتمال الثاني هو: ان تكون اصول الدين قد وضعت للجامع الانتزاعي بين تلك المعاني الثلاثة او التسعة التي اشرنا لها أنفا، وقد يستدل له بعدم تعقل جامع بين الوجوب والصحة والقبول، الإ الجامع الانتزاعي، فلا يوجد جامع حقيقي. فتدبر
3- هي موضوعة للواجد لكافة الشرائط الأجزاء والقيود ـ كما ارتضاه الميرزا النائيني في العبادات
الاحتمال الثالث: ذهب اليه الميرزا النائيني – وتطبيقه الواضح على الصلاة – إذ يرى ان: مثل هذا اللفظ موضوع للمرتبة العليا اي الواجدة لكافة الأجزاء والشرائط والمراتب فهذا هو الموضوع له للفظ الصلاة لا الجامع الانتزاعي ولا انه موضوع لجامع حقيقي، ولا هو مشترك لفظي[2] وانما هو موضوع لشيء محدد خاص وهو الصلاة الواجدة لكل الاجزاء والشرائط، وهنا نسأل الميرزا النائيني عن الصلاة الفاقدة للتشهد نسيانا[3] أو القراءة او لأحدى السجدتين نسيانا او غفلة او ما أشبه هل هي صلاة او لا؟ فيجيب ليست صلاة، فنقول له: اذن كيف يطلق عليها لفظ الصلاة؟ فيقول تنزيلا، فهذه خلاصة تخريج الميرزا النائيني اي ان الشارع نزل الفاقد منزلة الواجد؛ فالاطلاق ليس مجازيا[4]، واما وجه التنزيل على الصحيحي فهو المشاركة في الأثار إذ هذه الصلاة تقبل وتلك تقبل وهذه الصلاة تسقط التكليف ومبرءة للذمة وتلك ايضا وهذه مبعِدة للإنسان من عذاب الله ومؤمّنة له منه وتلك كذلك، فعلى الصحيحي فأن المصحح للتنزيل هو الاشتراك في الأثر، واما على الأعمي فان المصحح هو الاشتراك في الصورة.
فهذا هو رأي النائيني في الصلاة ونظائرها، فهل الحال في (الإسلام) كذلك؟ اي هل ان الإسلام وضع للجامع لكل هذه الشرائط؟ أي وضع الله والرسول الإسلام للإسلام بالمعنى المعهود الشامل. قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) بناءا على ارادة الإسلام بالمعنى المعهود ههنا (لا الطاعة كما ذهب اليه في التبيان ومجمع البيان إذ ذكرا ان الاسلام هنا يعني الطاعة) فلو قلنا ان المراد من الإسلام هو العقيدة والشريعة، فحسب رأي النائيني هناك لو طبقناه ههنا فان الإسلام هو الواجد لكل الأجزاء والشرائط تامة كاملة حتى شرط ان لا يغتاب ولا يتهم ولا ينم، وان يفعل كافة الواجبات ويتجنب كافة المحرمات فهو عندئذ مسلم، فاذا فَقَد احدها كما لو كذب فليس بمسلم لكن الشارع نزّله منزلة المسلم.
هذا هو الرأي الثالث وأما الرأي الرابع فلصاحب القوانين وسيأتي الكلام عنه ونحيل تحقيق ذلك استظهارا من الروايات بعهدة الأفاضل الكرام.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهين.
[1]- أي أن التلاقح موجود لكنه ليس بالمستوى المطلوب
[2]- هذا توضيح كلامه
[3] - القيد بـ(نسياناً) على الصحيحي، لاشتراط (الأثر)، وعلى الأعمي لا قيد لكفاية (الصورة).
[4] - لعل ظاهر كلامه المجازية لا الحقيقية الادعائية، فتدبر فيه |