بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول الأدلة التي استدل بها او التي يمكن ان يستدل بها على حرمة حفظ كتب الضلال، وقد تم الكلام في رواية تحف العقول
رواية الحذّاء: (من علّم باب ضلال...) وننتقل الى رواية جديدة لنرى مدى إمكانية الاستدلال بها على المطلوب، فان بعض الأعلام قد استدل بها على مسألتنا, وهذه الرواية مذكورة في كتاب الكافي الشريف حيث يقول الكليني في سندها: (وبهذا الإسناد)، وقصده من ذلك الإسناد السابق، وهنا نقطة ابهام عند البعضوسنتطرق لها ونقول:ان هذا الإبهام مرفوع، أولا، وثانيا حتى لو بقي فانه لا يضر باعتبار هذه الرواية حتىعلى مسلك من لا يرى حجية مراسيل الثقاة، كما سيأتي.
فقد ذكر الكليني وقال: وبهذا الإسناد عن محمد بن عبد الحميد عن العلاء بن رزين عن ابي عبيدة الحذاء عن ابي جعفر – أي الباقر – قال: " من علَّم باب هدى فله اجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئا ومن علَّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا"
وفي هذه الرواية يوجد بحثان: اولاً) بحث سندي ثانياً) بحث دلالي وسنؤخر البحث السندي، ونبدأ بالبحث الدلالي ان شاء الله تعالى
البحث الدلالي في الرواية: ويوجد في هذه الرواية خمس مسائل ومطالب سيكون البحث على ضوئها
المسألة الاولى: التحريم شامل للقول والفعل يستفاد من الرواية ان تعليم باب الضلال محرم مطلقا، ومقصودنا من الإطلاق هو الأعم من كونه بالقول ؛وذلك لصدق (من علم باب ضلال) عليه، او بالكتابة في كتاب او جريدة او غيرها وذلك للصدق الحقيقيأيضا، او كون التعليم عن طريق الإشارة او تمثيل المسرحيات او غيرها، ففي كل ذلك يوجد هناك صدق حقيقي، فان هذه الموارد هي مصداق لمن علّم باب ضلال، حيث صحة الحمل وعدم صحة كما ان الفعل بنفسه قد يكون مصداقاً للحديث، وذلك فيما لو كان الفعل بنفسه معلِّما للضلال فان هذا الفعل من هذه الجهة محرم أيضا، وذلك مثلالأمِّ لو خرجت وهي سافرة او متبرجة او متزينة فان نفس خروجها بهذه الحالة يُعدّ معلِّما للبنت على الضلال والسفور او معلما للغير على ذلك؛ ولذا فعملها حرام ذاتا وحرام طريقا، وهذه الحرمة لا غبار عليها وهي مصداق من مصداق التقلبات التي اشرنا اليها سابقا.
المسالة الثانية: (حفظ كتب الضلال) غير مشمول والظاهر ان روايتنا المزبورة غير دالة على هذا المدعى، ايحرمة حفظ كتب الضلال، وذلك: لان (حفظ كتب الضلال) بما هو هو ليس صغرى لـ(من علم باب ضلال) ولا ينطبق عليه هذا العنوان ولا يحمل عليه، بل السلب صحيح.نعم لو كان هذا الحفظ هو لغرض التعليم، كمن يريد ان يعلم الناس حفظكتب الضلال من خلال حفظه كتب الضلال لكي يسبب ذلكإضلالهم، فانه ينطبق عليه حينئذٍ (من علّم باب ضلال) فيما كان مقدمة موصلةولكن هذا عنوان لاحق لمسألتنا كما هو واضح.
المسألة الثالثة: طريقية التحريم في الرواية وهذه المسألة تضيق دائرة الإفادة من الرواية، وهي: ان الظاهر من روايتنا ان تحريم (تعليم باب الضلال) هو طريقي صرف ولا موضوعية له، ولو أردنا استفادة التحريم الموضوعي فلا بد ان نلجأ الى أدلة أخرى,بمعنى ان التعليم اذا ادى الى عمل الشخص بما تعلَّمه فتعليم ذلك الشخص حرام كما هو الحال في المقدمة الموصلة، فالمدار هو عملهخارجاً أما لو لم يؤد التعليم الى ذلك فليس بمحرم، غاية الامر سيصبح الفعل تجريا، كما فيمن علَّم الآخر فنّا من فنون السرقة فان الحرمة الذاتيةلا تثبت بهذه الرواية، نعم لو أدى ذلك التعليم الى السرقة الفعليةلحرم التعليم لكون هذاالتعليم مقدمة موصلة فيشمله العقاب.
المسألة الرابعة: اشتراط القصدية في التحريم والظاهر ان حرمة التعليم يشترط فيها القصد، فلو لم يكن التعليم بقصد انيعلِّمه باب ضلالفان هذه الرواية لا تفيد تحريمه وذلك لأن ظاهر الأفعال هو القصدية –كما بينا ذلك سابقا - فلا يكون المورد شاملا للفعل من دون قصد، ولا إطلاق لـ (علّم) ولذا فلو علمه الفعل ولكن لا بقصد ان يضله، كما لو علّمه بقصد أمر مباح أو راجح فلا حرمة ، كما فيمن علم شخصا باب سرقة قاصداً تفهيمه درجة احتيال من يقوم بذلك، ليتوقى منه. نعم سبق ان (القصدية) يراد بها قصد ذات الفعل دون لزوم قصد الصفة، فلو علّمه ما هو ممحّض في جهة الفساد، حرم إن ادى إليه، وإن لم يقصد الصفة. فتدبر
المسالة الخامسة: الإضافة في باب ضلال بيانية أم لامية؟هل إن الإضافة في (باب ضلال) لامية أم بيانية؟ فان الحكم سيختلف على ضوء ذلك، أي: هلإن المقصود من (باب ضلال) هو باب هو ضلال؟أم إن المقصود باب للضلال ؟فإن قلنا إن الإضافة بيانية فدلالة الرواية ستكون أوسع.
الاحتمال الأول: الإضافة بيانية: يحتمل ان يكون معنى (باب ضلال) هو(باب هو ضلال) وعليه فتكون النسبة هي المساواة بين الباب والضلالوكأن الإمام قال: من علم ضلالا ان قلت ما ذكرمن أن الإضافة بيانية هي خلاف القاعدة ؛ فان الأصل في الإضافة أن تكون لامية، كـ: غلام زيد المراد به غلام لزيد. قلت: نخرج عن الأصل بالقرينة، وهي كون الإضافة بيانية لفائدة بلاغية وهي الإشارة إلى أن الضلال هو باب من أبواب جهنم وكذلك الهدى هو باب من أبواب الجنة، فمزيد الفائدة متحقق بإضافة باب إلى أن الهدى لافادة انه باب إلى الجنة، وكذلك الحال في إضافة الباب إلى الضلال.
الاحتمال الثاني: الإضافة لاميةو هو أن تكون الإضافة لامية كما هو مقتضى الأصل في الإضافة، فسيكون معنى (باب ضلال) هو باب مؤد للضلال,
الثمرة: والرواية بناءا على هذا الاحتمال لا تشمل تعليم مفردات الضلال التي ليست هي بأبواب ضلال، فإنه من الواضح أن هناك مفردات و مصاديقللضلالوكذلك عندنا أبواب تؤدي إلى الضلال, وهناك فرق بينهما فان الباب هو الذي يؤدي إلى مصاديق كثيرة,
والحاصل: إن الروايةتفيد تحريم الأبواب التي تؤدي إلى الضلال ولا تفيد تحريممفردات الضلال بما هي هي، فاناحدهم قد يعلم شخصا فن السرقة وكان ذلك باباً – بطبعه - لكثير من المعاصي والسرقات وقد يعلمه سرقة بيت خاص لا يصلح أن يتعدى منه إلى سرقات أخرى لخصوصية فيه، فرضاً.
رد الثمرة: الظاهر هو الطريقية في الرواية لكن الظاهر من الرواية أن التحريم هو على نحو الطريقية، وان تحريم باب الضلال ليس الا لكونه يؤدي إلى مفردة أو مفردات الضلال,فحرمته نابعة من طريقية الباب للمؤدَّى، أي إن تمام الموضوع للتحريم هو المؤدَّى والمصداق وليس المؤدِّي والطريق والباب
وعليه: فان تعليم مصداق الضلال وإن لم يكن باباً سيكون محرماًبطريق أولى لأنه ذو المقدمة وذاك الباب هو المقدمة. فتأمل
إشارة إلى البحث السندي : لقد ذكرنا سابقا إن الشيخ الكليني قال:(وبهذا الإسناد),فلابد أن يرجع إلى الرواية السابقة لنعرف السند المقصود، وسند الرواية السابقة هو علي بن إبراهيم عن احمد بن محمد البرقي عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:سمعت أبا عبد الله ...، ثم يقول الكليني في روايتنا(وبهذا الإسناد) عن محمد بن عبد الحميد... وقد اشكل الأمر على البعض بانه لو قصد سلسلة السند السابقة فهو مستبعد لعدم المجانسة بين طبقات الرواة، وان قُصِد البعض منهم فانه غير معلوم، لتردده بين عدة احتمالات والكليني لم يوضح المقصود.
جواب الإشكال :السند حجة على كل حال وجواب الإشكال: استظهر البعض أن المقصود من (وبهذا الإسناد) هو الراويان الأولان فقط,أي علي بن إبراهيم عن احمد بن محمد البرقي ولكنه لم يذكر وجه الاستظهار.ونقول: ان هناك عدة وجوه لاستظهار ان المراد من (هذا الإسناد) هما الراويان الاولان ومنها: انا تتبعنا بعض الموارد في كتاب الكافي فوجدنا ان تعبير الشيخ ثقة الاسلام في نظير المقام يراد منه الراويان الأولان في بعض الروايات الأخرى
ثم انهحتى لو ان الرواية بقيت على إبهامها من جهة التحير في المراد السندي ولم نحصل على ما تطمئن له النفس في ان المقصود هل هو بعض السند او كله، فانها سوف تبقى معتبرة وحجة حتى عند من لا يرى حجية مراسيل الثقاة وذلك ان تتبع رجال السلسة في الروايتين أوصلنا الى وثاقتهم باجمعهم – على المشهور – بما فيهم البطائني كما هو ظاهر.
والخلاصة: ان هذه الرواية حجة بأي مقصد قصده الشيخ الكلينيمن قوله (وبهذا الاسناد) ويمكن الاعتماد عليها
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
|